Home » » القوى السياسية والمستقبل الغامض

القوى السياسية والمستقبل الغامض

رئيس التحرير : Unknown on الجمعة، 5 أكتوبر 2012 | 8:22 م



بقلم: فاروق جويدة

كلما مررت على ميدان التحرير حاولت ان استعيد صورة شعب ثائر خرج يوم ‏25‏ يناير غاضبا ساخطا متمردا على واقع سياسي واقتصادي وإنساني بغيض‏..‏ خرج المصريون في هذا اليوم دون ان ينظر أحدهم إلى دين الآخر أو إنتمائه السياسي أو وضعه الإجتماعي كان الجميع يحملون حلما قديما بالتغيير والانتقال إلى وطن جديد يحقق لهم العدالة والمساواة والحرية والكرامة الإنسانية..
كلما استعدت هذه الصورة اطلت من بعيد امامي صورة أخرى يعيشها المصريون الآن حيث الانقسامات والصراعات والمعارك الوهمية حول أشياء لا وجود لها.. هذا الشعب الذي ثار على الاستبداد هو نفسه الذي يصارع الأن بعضه بعضا تحت شعارات دينية أو ليبرالية أو علمانية.. انقسم المصريون تحت راية زعامات مختلفة لم تحاول ان تتفق على شئ وربما وجدت في حرب الانقسامات ما يملأ الفراغ أو يرضي بعض الطموحات الغاربة ان مجرد النظر في خريطة الإنقسامات في الشارع المصري تلقي بنا إلى دوامة من الحزن الثقيل لما وصلت إليه احوالنا.
< نحن امام تيارات دينية كانت هي الأجدر بأن تسمو فوق كل الصراعات بحكم الانتماء وبحكم التجربة.. انها تيارات اختارت طريق الله ليكون نبراسا وهديا وملاذا.. وكان ينبغي ان تؤكد ما آمنت به طوال تاريخها في الدعوة إلى الله، على جانب آخر فإنها تيارات عاشت تجربة قاسية في ظل القمع السياسي والإستبداد وغياب الحريات وكان ينبغي ان يتخلص المجتمع من كل هذه الآثار السيئة، انها تيارات خرجت من ظلام السجون والمعتقلات ومعها حلم قديم في تحقيق العدالة والمساواة والحريات في الفكر والسلوك.
حين اجتمعت هذه التيارات مع بقية القوى السياسية في ثورة يناير انصهرت في المجتمع وعاشت مع كل فئات الشعب لحظة تاريخية نادرة وكان ينبغي ان يمسك بها الجميع ولكن الذي حدث شئ غير ذلك..
خرج الإخوان المسلمون والسلفيون وبقية التيارات الإسلامية يعصفون بكل القوى الأخرى في مواجهة ضارية وكأننا نعيش لحظة انتقام وليست لحظة انتصار على الاستبداد وهنا رجعت هذه القوى إلى منظومة قديمة كان ينبغي ان تتجاوزها وهي منطق النظام السابق من ليس معنا فهو ضدنا، وكأننا مجتمع من الكفار كان ينبغي ان تفتح هذه القوى صفحات جديدة مع التيارات الأخرى نتجاوز بها امراض الماضي وجني الثمار وعمليات الإقصاء والتهميش والمصادرة.. ولكن القوى الإسلامية ارادت ان تحتكر الساحة السياسية لنفسها فقط.. وامام إحساس طاغ بالأنانية والفردية لم تكتف هذه التيارات بإقصاء المعارضين لها بل انها بدأت تصفية بعضها البعض.. وهنا بدأت ملامح إنقسامات جديدة بين التيارات الإسلامية التي رفعت راية الإسلام:
< رغم سيطرة الإخوان المسلمين على الساحة السياسية بدأت تلوح في صفوفهم انقسامات هنا وهناك وبدأ التداخل في المواقف والتصريحات وانتقاد الآداء..
< في معركة ضارية انقسم السلفيون على انفسهم قبل ان يمر عام واحد على ظهورهم في الساحة السياسية بهذا الحضور الطاغي ليبدأ عزل القيادات وتعيين قيادات أخرى بما يؤكد انهم على ابواب إنقسامات حادة..
ولم يخل الأمر من إحتمالات مواجهات جديدة بين الإخوان المسلمين والقوى السلفية خاصة ونحن على ابواب إنتخابات برلمانية جديدة.
وسط هذه الإنقسامات ظهر حزب صوفي جديد تحت عنوان اخوان رسول الله لمواجهة الإخوان المسلمون ويضم الحزب الجديد حركات صوفية واحزابا صغيرة لتأسيس تيار ديني جديد يواجه التيارات الأخرى خاصة الإخوان المسلمين والسلفيين وخلف هذا كله مازال تيار الشيخ حازم ابو إسماعيل يحتل مكانا آخر في الساحة السياسية لا أحد يعرف مستقبله.
مع هذه القوى الإسلامية التي انقسمت على نفسها وعلى دينها كانت الأحزاب الدينية الأخرى مثل الجماعة الإسلامية، ولكن اغرب ما ظهر في مصر من التيارات الدينية هم حملة الرايات السوداء يخوضون حربا دينية في سيناء وامام السفارة الأمريكية وكأن الإسلام يحارب كفار مكة.
هذه الجزر والتجمعات الدينية التي حملت جميعها راية الإسلام من اقصى التشدد الديني الذي تشهده سيناء الأن إلى الإخوان والسلفيين ثم دعاة التصوف عند اخوان رسول الله هذه الظواهر تؤكد اننا امام وطن آخر ومجتمع آخر غير هذا الذي عشنا فيه وكان يسمى مصر حيث ازهرها الشريف وعلماؤها الأجلاء ودينها الوسطي الذي كان يوما منارة للمسلمين في كل بقاع الأرض.
< إذا إفترضنا اننا نعيش في ظل دولة تحكمها تيارات إسلامية سواء كانت متشددة أو متصوفة فنحن ايضا امام معارضة متشرذمة حملت نفس أمراض التيارات الإسلامية..
في اقل من اسبوعين وجدنا انفسنا امام عدة تيارات معارضة لا استطيع ان اقول انها ليبرالية فقط ولكنها متعددة الهوى والألوان.
وجدنا انفسنا امام تجمع يحمل اسم التيار الشعبي.. ثم اندفع للساحة تيار آخر يسمي الأمة المصرية.. ثم ظهر حزب الدستور وانطلق حزب المؤتمر وحزب مصر.. ومع هؤلاء كان حزب الوفد العتيق بكل تاريخه.. وبعد ذلك كانت مفاجأة أخرى بإعلان الحزب الناصري هذا بجانب احزاب أخرى بالعشرات لا اعرف اسماءها.
بجانب هذه القوى الليبرالية يقف بعيدا حزبا التجمع والناصري القديم وقبل هؤلاء جميعا حزب الوفد مدرسة الوطنية المصرية والأحق بأن يقود الآن المعارضة بكل أطيافها.
هذه القوى التي تمثل كتلة بشرية وسياسية ضخمة في الشارع المصري لن تفعل شيئا بصورتها الحالية انها قوى عددية لن يكون لها اي تأثير في ظل الإنقسامات والصراعات وحالة التشرذم التي تعيشها..
ان هذه القوى تعاني كل ظواهر الفشل المبكر لأنها جميعا خارج نطاق المنافسة بصورتها الحالية.. إن ازمتها الحقيقية انها تحمل أكثر من زعامة ولا شك في ان تعدد الزعامات بهذه الصورة يخلق بينها تناقضات تتجاوز التناقضات القائمة حاليا مع التيارات الدينية.. نحن امام اكثر من رمز واكثر من زعيم فهل يمكن ان يجلس كل هؤلاء مع بعضهم ويختاروا شخصا واحدا يتفقون عليه.. ثم بعد ذلك ماهو البرنامج الذي يجتمع هؤلاء جميعا حوله غير كلمة واحدة وهدف واحد هو إسقاط التيار الإسلامي.. وإذا كان الهدف هو إسقاط نظام قائم ورفضه بهذه الصورة فمتى نصل إلى صيغة تسمي تداول السلطة عن إيمان وقناعه وهل الأفضل ان نسعى لإسقاط نظام قائم أم نحاول الوصول إلى إرادة شعبية تسقطه.. وإذا كان هذا التيار الليبرالي لا يعترف بالقوى الأخرى فما هي الديمقراطية التي نريدها هل هي ديمقراطية التيار والفكر الواحد إن هذه الرؤي تسيطر على الإسلام السياسي وتسيطر ايضا على القوى الليبرالية أي ان المأساة واحدة.
إذا كانت هناك ازمة تعيشها التيارات الإسلامية رغم وصولها للسلطة فإن هناك ازمة اكبر تعيشها المعارضة في الشارع المصري لأنها لم تستطع حتى الأن توحيد قواها المنقسمة على نفسها وتقديم برنامج واضح امام الشعب يمكن من خلاله توحيد الإرادة الشعبية.. نحن امام كيانات سياسية لا تتجاوز حدود الرؤوس والقيادات ولكنها لم تستطع حتى الأن ان تمد جذورها مع بقية المجتمع.. انها إجتماعات ولقاءات وخطب وفضائيات لم تتجاوز حدود القاهرة ولكن هذا المجتمع المترامي الأطراف لاشئ يصله من كل هذه الأشياء ولهذا يبدو النجاح أمرا صعبا إذا لم يكن مستحيلا..
هناك قوى سياسية فرطت في قواعدها مثل حزب الوفد وهو الأجدر والأحق بأن يقود كل هذه التيارات لأنه المدرسة الأولى بحق للوطنية المصرية فلا هو ديني ولا علماني ولا ليبرالي انه كل هؤلاء.. وكان من الممكن ايضا ان يكون امامه تيار مواز هو التيار الناصري بحيث يكون الوفد ممثلا للوطنية المصرية العريقة والحزب الناصري ممثلا لتجربة إجتماعية مازالت تعيش في ضمير المصريين ثم تتوحد القوى الإسلامية لتصنع تيارا متألفا رغم الخلافات بينها وتكون هذه الثلاثية هي بداية تشكيل واقع سياسي جديد يقوم على تداول السلطة والديمقراطية والصراع بين تيارات واضحة وصريحة هي التيار الديني.. والتيار الوطني.. والتيار القومي.. فهل يمكن ان تخضع الزعامات القائمة حاليا لهذا التقسيم وتقبل ان تخوض التجربة على اساس هذا التواصل.. هل تتخلص التيارات الدينية من مناطق الخلاف بينها سواء كانت دينية أو سياسية أو اصحاب الرايات السوداء لتصبح تيارا واحدا في صورة حزب سياسي واحد متعدد الأطياف.. هل يمكن ان تتوحد القوى الأخرى سواء كانت ليبرالية أو قومية أو ناصرية أو حتى دينية تحت راية واحدة اسمها الوطن لنجد انفسنا امام حزبين أو ثلاثة على أكثر تقدير.. وهل يمكن ان تتراجع احلام الزعامة في كل هذه القوى السياسية من اجل الوصول بهذا الوطن إلى بر الأمان ام ان الصراعات التي نراها الآن سوف تصل بنا إلى مالا نحب وما لانريد.
تبقى كلمة أخيرة اين شباب الثورة في كل هذه التجمعات سواء كانت دينية أو ليبرالية أو تحمل اطيافا أخرى.. ان غياب الشباب من الساحة ادانة قاطعة للجميع فليس من حق تيار أو جيل أو فصيل سياسي ان يحتكر الساحة السياسية حتى ولو كان ذلك على حساب مستقبل هذا الوطن.
.. ويبقى الشعر
نشروا على الشـاشات نعيا داميا
وعلى الرفات تعانق الأبناء والأعداء
وتقبلـوا فيها العزاء..
وأمامها اختلفت وجوه النـاس
صاروا في ملامحهم سواء
ماتت بأيدي العابثين مدينة الشـهداء
ماذا تـبـقى من بلاد الأنـبياء..
في حانة التـطـبيع
يسكر ألف دجال وبين كـئـوسهم
تنهار أوطان.. وتسقـط كبرياء
لم يتـركوا السمسار يعبث في الخفاء
حملوه بين النـاس
في البارات.. في الطـرقات.. في الشاشات
في الأوكار.. في دور العبادة في قـبور الأولياء
يتـسـللـون عـلى دروب العار
يـنكفئـون في صخب المزاد ويرفـعون الراية البيضاء..
ماذا سيبـقى من نواقيس النـفاق سوى المهانة والرياء.
ماذا سيبقى من سيوف القهر
والزمن المدنـس بالخطايا غـير ألوان البلاء
ماذا سيبـقى من شعوب لم تعد أبدا تفرق
بين بيت للصـلاة.. وبين وكـر للبغـاء
النـجمة السوداء ألقت نارها فوق النخيل
فغـاب ضوء الشـمس.. جف العشب
واختنقت عيون الماء
ماتت من الصمت الطويل خيولنا الخرساء
وعلى بقايا مجدها المصـلـوب ترتع نجمة سوداء
فالعجز يحصد بالردي أشجارنا الخضراء
لا شيء يبدو الآن بين ربوعنـا
غير الشــتات.. وفرقـة الأبناء
والدهر يرسم
صورة العجز المهين لأمة
خرجت من التاريخ
واندفعت تهرول كالقطيع إلى حمي الأعداء..
في عينها اختلطت
دماء النـاس والأيـام والأشـياء
سكنت كهوف الضعف
واسترخت على الأوهام
ما عادت تري الموتى من الأحياء
كـهانـها يترنـحون على دروب العجز
ينتفضون بين اليأس والإعيـاء
"من قصيدة ماذا تبقى من بلاد الأنبياء سنة 2000" جريدة الأهرام"
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق