أحدث الأخبار
Loading...
اخر الاخبار
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتاب وأراء. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كتاب وأراء. إظهار كافة الرسائل

الشيخ / سعد الفقى يكتب : أعداء النجاح ؟؟

رئيس التحرير : Unknown on الأحد، 22 يونيو 2014 | 12:21 ص



نجدهم فى كل زمان ومكان .. الكذب عنوان لهم .. والنفاق وسيلة لا يعرفون غيرها .. هم دون غيرهم من يحملون فى جعبتهم كل الافكار .. وما عداهم فهم الجهلاء وزيادة على ذلك لا يعرفون الالف من الكوز الذرة .. هم لا يخطئون .. فهم معصومون .. هكذا يظنون .. وبعض الظن إثم .. وغيرهم هم الخطائون .. على الدوام .. وبالتالى ليس أقل من إستتابتهم .. وإنابتهم .. وإلا فمصيرهم إلى النار خالدين فيها .. إذا أصابتك حسنة فهم المهمومون .. المحزونون .. وإن أصابتك سيئة فهم الشامتون المروجون .. هم من فصيلة الوليد بن المغيرة .. أمثالهم موجودون فى كل الهيئات والمؤسسات وفى الشوارع .. حتى دور العبادة .. لم تسلم منهم .. يتباهون بالعفاف وهم يزنون .. يسرقون .. ثم يطالبون بمحاسبة المسروق .. وربما كان ذلك لإستكانتة وتراخية .. هؤلاء مرضى بكل ما تحملة الكلمة من مفردات ومعاني .. قلوبهم سوداء .. بل هى أسود من قرن الخروب .. وإن تباروا بغير ذلك .. مشاريعهم على الدوام أقرب إلى أعمال إبليس .. هم شياطين الإنس .. الوقيعة بين الناس هى صناعتهم .. والنميمة علامة مميزة لهم فى كل أعمارهم .. صغاراً كانوا أم كباراً .. يبحثون عن الحقوق ولا يؤدون ما عليهم من واجبات .. عيوب الأخرين مادة دسمة على ألسنتهم .. أما عيوبهم فهى مصانة وبالتالى ليس أقل من إغماض العين عنها .. أعداء النجاح هم من كانوا سبباً فى إفشال الوزير السابق .. وهم من كانوا عبئاً على رئيس الهيئة .. ومن صناعتهم وضع العراقيل والمطبات أمام كل الأفكار الجديدة والحديثة .. وإن إستفادوا منها .. هؤلاء لا مكان لهم بين الشرفاء .. ليس أقل من بترهم والتصدي لهم وكشف الاعيبهم .. وهم فى أمس الحاجة إلى الكشف على قواهم العقلية والنفسية .. وإلا فخطرهم داهم .. ونموهم فى تكاثر .. فهم كالحشرات سريعة الإنتشار وكالنار التى تشتعل فى الاخضر واليابس .. أعداء النجاح هم من يرون الأمور فى لون واحد هو الاسود .. وربما كان ذلك ترجمة لما فى قلوبهم .. اكتسبوا دون غيرهم .. مقومات الدجل والنصب والشعوذة .. ونهش الاعراض .. لا فرق عندهم حية كانت أم ميتة .. يظنون أن التحقير من الاخرين رفعة لهم .. وبئس هذا التفكير .. اعداء النجاح هم الفئة الضالة وهم فى تقديرى يمثلون كل الطوابير سيئة السمعة .. يقدمون خدمات جليلة لأعداء الوطن بثمن بخس وفى أحيان كثيرة دون ثمن .. وربما كان ذلك لأنهم لا وزن لهم أصلاً .. مطلوب وقف نمو هؤلاء .. وإلا فانتظروا مزيداً من الكارهين للنجاح .. فهل أنتم فاعلون ؟؟

الشيخ / سعد الفقى

إبراهيم غانم يكتب : ثقافة العمل في المدرسة 2



مازالت مهجة فؤادي (البلكونة) تغدق على ذاكرتي كل شيء جميل أنقضت سنواته، سنوات الطفولة التي تزيد عن العقود الأربعة مليئة بالأحداث خاصة سنوات الدراسة الابتدائية بمدرسة شبرا الابتدائية القديمة بنين. كانت ثقافة العمل لدى معلمينا آنذاك هي العمل وفق المعايير و الضوابط المتعارف عليها و التي لا تقبل أي تقاعس أو تكاسل أو حيود عن الهدف المرسوم أو على قد فلوسهم مثلما نحن عليه الآن. رشفت القهوة، أخذت نفساً عميقاً من سيجارتي، تنهدت تنهده يملؤها أنين الآاه تحسراً على الخلق الرفيع و الذمة و الضمير التي أصبحت في خبر كان.

تذكرت الأستاذ مصطفى فهيم مدرس التربية الرياضية، كانت حصص التربية الرياضية لا تقل أهمية عن المواد التعليمية. كان يطلب من كل فصل ملابس رياضية متمثلة في شورت، حذاء رياضي ماركة باتا، فانلة (تي شيرت) بمسماه الحالي، جوارب رياضية. لكل فصل تي شيرت بلون مختلف عن الأخر مثل الفرق الرياضية الكبرى. كان في كل حصة شيء يختلف عن سابقه، كان مصطفى فهيم يأتي لنا بدكة خشبية مقلوبة، و علينا السير على العارضة الخلفية لها بإتزان. كلما فشلت في عبور العارضة و سقطت عليك الإعادة بتوجيه منه حتى تمر عبر العارضة بثبات و إتزان تام. لم نعرف أسم اللعبة أو أنها تندرج تحت أي نوع من الألعاب الرياضية. كان يصر على أن يقوم كل تلاميذ الفصل بأداء هذه اللعبة أو هذا التمرين. لا ينتقل للمرحلة التالية إلا بعد الانتهاء من المرحلة الأولى.

حصة أخرى بأتينا بقرص يعلمنا كيفية رميه و يقيس المسافة. يعلم كل تلاميذ الفصل دون استثناء هذا بصبر و جلد. مرة أخرى رمي الجلة. كان يأتي بقائمين خشبيين مدرجين رأسياً، يضع مرتبة خلفها و علينا القفز و المرور فوق حبل معلق على أطوال القائمين المدرجين بنجاح تام، إذا فشلت المحاولة عليك تكرارها حتى تنجح في فعلتها. هذا خلاف العدو و العدو بعبور حواجز، الوثب من الثبات، الوثب مندفعاً بالعدو لتقفز في حوض رمال ناعمة أعده هو مسبقاً. أعد أنابيب حديدية تم طلاؤها و علينا التعلق عليها بسواعدنا و أداء تمرينات لا نعرف أسمها لكننا علينا أن نتعلمها و نؤديها مثلنا في ذلك مثل المحترفين في اللعبة. كان يثبت شبكة تعلو العوارض الخشبية و علينا تعلم ضرب الكرة بضربة الإرسال و التعامل مع فنون هذه اللعبة و نمارسها دون أن نعرف أسمها، لكن علينا تأدية ذلك.

على الرغم من ضعف الإمكانيات صمم حلقة معدنية مثبتة بأحد الحوائط المبنية في فناء المدرسة و قام برسم مربعين باللون الأسود، و كان يعلمنا كيفية الإمساك الصحيح بالكرة و وضعية القدمين و عليك قذف الكرة داخل المربع الداخلي حتى تضمن سقوط الكرة داخل الحلقة.

أما عن كرة القدم فهي اللعبة الوحيدة التي كنا نعرف أسمها و نحن صغاراً، كان مصطفى فهيم لا يعتمد على معرفتنا بها، بل كان يعلمنا كيفية ركل الكرة بباطن القدم و خارج القدم و سن القدم و وش القدم، كان يعلمنا فنونها و مهارتها، لا يعتمد على استعدادك الشخصي مثلما يحدث الآن. تعرف اللعب أم لا؟!

يعلمنا و لا يدخر جهداً في ذلك. يعلمنا كيفية استقبال الكرة و استيقافها و إرسالها لزميلك، و كيفية المراوغة و تعليمك القاعدة في ذلك بأن تمرر الكرة تجاه القدم الثابتة للخصم. كل شيء له قواعد و أصول يعلمها لنا، لا يعتمد على الاجتهاد الشخصي لك. كان يقسم الفصل إلى فرق تلاعب بعضها البعض و أثناء اللعب يوجه و يصحح الأخطاء ليست في اللعبة لكن في أسلوب أداؤك. فمثلاً يوجه حارس المرمى يعلمه كيفية الإمساك بالكرة بأسلوب آمن، بعد الإمساك بها كيف يوجه جسمه ليفسح الطريق لللاعب المندفع صوبه حتى لا يصاب أحدهم.

عندما كبرنا و في العام 1976 كنا بالصف الثاني الإعدادي و كان يذاع عبر التلفاز دورة الألعاب الأوليمبية بمونتريال. شاهدنا كل الألعاب التي كان يعلمها لنا مصطفى فهيم و عرفنا أسماؤها و تبعيتها لأي لعبة رياضية.

ألعاب القوى: (الوثب العالي، الوثب الطويل، الوثب الثلاثي، العدو، حواجز، رمي القرص، رمي الجلة).

الجمباز: (السير على عارضة السويدي، أداء الحركات الرياضية على عارضة المتوازي).

(كرة السلة ـ الكرة الطائرة ـ كرة القدم)

كان هناك شعاراً مكتوباً على جدران المدرسة و أبنيتها (العقل السليم في الجسم السليم)، كان مصطفى فهيم يطبقه بجدية.

كان لا يقول أنهم صغاراً لا يعرفون أو أنه يؤدي يومه و السلام، أنه يعمل و يعمل بجد، لا يقول أنها حصص ألعاب ليس لها قيمة تعليمية (تحصيل حاصل بمعنى أدق). أهميتها من أهمية الحساب و العربي و العلوم و المواد الاجتماعية. آآآآآآه على الزمن وثقافة العمل و ضمير البشر رغم ضعف الإمكانيات و الرواتب و الأجور. إن هذا المجتمع هدفه كان الإنسان و ليس المادة، هدفه القيم النبيلة و الخلق الرفيع و الذمة و الضمير. ثقافة أن كل عمل مهم و هام و مؤثر و فعال. ثقافته (أحسن الشوغلانة نخسر و الناس تعيب علينا). هل نستطيع الآن استدعاء روح هذا الزمن و تطبيق ثقافاته. كلامي موجه للذين يتشدقون القول: "لا عودة للوراء". طالما حييت سأذكر ما أتذكره ممن علموني خلال سلسلة كتاباتي هذه بمشيئة الله إن كان في عمري بقية.

نهاية كل مشهد أتت رفيقة العمر و قالت: بتفكر في إيه النهار ده؟! رددت: بأفكر في التربية الرياضية. قالت: طيب كويس، قوم انزل دلوقتي عشان ما تتأخرش ع الشوغل و أعمل شوية رياضة كده نشط الدورة الدموية. رددت: رياضة أيه و دموية أيه؟! قالت: العربية. رددت: إشمعنى! قالت بهدوء شديد: الفردة اللي ورا يمين تعيش أنت. غيرها عشان مش ح أعرف أروح الشوغل بالعربية كده. أنا: أأأأأأه ه ه ه ه ه ه ه ه، يااااااااا رررررررررب.

في البلكونة

إبراهيم غانم

الشيخ / سعد الفقى يكتب : بيت الزكاة وأمل طال إنتظارة ؟؟

رئيس التحرير : Unknown on الاثنين، 16 يونيو 2014 | 7:32 ص

 

الشيخ / سعد الفقى

قرر المشير / عبدالفتاح السيسى .. رئيس الجمهورية .. بإنشاء بيت للزكاة تحت إشراف الأزهر الشريف .. جاء فى موعدة تماماً .. فقد كنا نأمل منذ زمن بعيد أن تكون هناك وزارة للزكاة .. يكون من مهما جمع اموال الزكاة بأنواعها .. ودفعها إلى مصارفها الشرعية دون شطط .. وفى تقديري أن خروج هذا المشروع الحيوي إلى النور .. سوف يؤتي بثمارة المرجوة .. وسيكون نواة للفكرة الأعم والأشمل .. فليس أقل من شبكة معلومات وقاعدة راسخة وطبقاً لضوابط ينتهى إليها المتخصصون للوقوف على المحتاجين أو بعبارة أدق .. من ورد ذكرهم فى الأية الكريمة{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالَمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (سورة التوبة، الآية 60). وما إنتهت الية المجامع الفقهية ودار الإفتاء من خلال تراكم خبراتها ومشوارها الطويل ويدخلون فى دائرة الحاجة .. لقد ألمني ما سمعتة مرات عديدة ومتكررة .. من بعض القائمين على أمر الجمعيات الاهلية .. حيث أقر غالبيتهم .. أن أموال الزكاة فى كثير من الأحيان يتم الدفع بها إلى فئات معينة ويحرم منها الاخرون ربما كانوا أكثر حاجة من غيرهم .. مشيخة الازهر الشريف من خلال وجود رجل فى حجم وقدر فضيلة الإمام الأكبر الدكتور / أحمد الطيب قادرة على إنجاز المشروع .. من خلال دراسات مستفيضة يقوم بها المتخصصون ومن لهم سابق خبرات .. حيث بات من الضروري إغناء الفقير .. لا إعانتة ؟؟ نريد من بيت الزكاة أن يكون أداة للنهوض بالطبقات الدُنيا والمعدمة .. إذ لابد من تحريك هذة الشرائح كهدف أصيل .. ولن يتحقق ذلك إلا بتنمية أموال الزكاة فى مشاريع تنموية تدر عائداً لا بأس بة .. سيعود بالنفع بالتأكيد على الفئات المستهدفة .. ونريد أيضاً من بيت الذكاة أن يسد منافذ الخلل ويخفف العبء عن كاهل الدولة من خلال تشغيل الطاقات المعطلة والمساهمة فى القضاء على الأمية والحيلولة دون تسرب الكثيرين من التعليم .. ولن يتحقق ذلك إلا بالاستعانة بذوي الخبرات على أرض الواقع .. والنماذج كثيرة لا تعد ولا تحصى .. منها ما نراة فى قرية تفهنا الأشراف .. مركز ميت غمر .. حيث أستطاع أحد النبلاء أن ينهض بالمحتاجين فى القرية وإن إختلفت أحوالهم .. بل إمتد أثرة الإيجابى إلى قرى كثيرة .. ولم يغفل الجانب التنموي فى قريتة .. فقد أقام المدارس والمعاهد الأزهرية وعدد غير قليل من الكليات مختلفت الاسماء فساهم فى تخفيف الاعباء عن كثير من الاسر متوسطة الحال والفقيرة .. نريد أن نصل بثمار بيت الزكاة .. إلى ما فعلة الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز عندما زوج الشباب وأعتق العبيد وسدد الديون .. تحية إجلال وإكبار للمشير / عبدالفتاح السيسى .. القائد والزعيم .. الذي قدم بالادلة الثوابت أن الرئيس المسلم هى ما تترجم أقولة إلى أفعال .. تخدم المسلمين وغيرهم وبما ينفع الناس .

إبراهيم غانم يكتب : ثقافة العمل في المدرسة

رئيس التحرير : Unknown on الأحد، 15 يونيو 2014 | 7:48 م



بعد انقطاع عن الكتابة اشتقت للبلكونة و شعرت بوحشة للجلوس فيها مشعلاً سيجارتي، أحتسي قهوتي، فقررت العودة لمهجة فؤادي (البلكونة)، رجعت بذاكرتي لسنوات الطفولة و التي تزيد عن العقود الأربعة و تذكرت سنوات الدراسة الابتدائية بمدرسة شبرا الابتدائية القديمة بنين، و ثقافة العمل المتمثلة في معلمينا آنذاك. 
 
فقررت سرد ذلك في سلسلة متتابعة، لست أدري أهي حسرة على الزمن الجميل أم أنها ستكون دافع يحتذى به في أيامنا القادمة علنا نفيق من سقم اللامبالاة و قلة الضمير التي أصابت المجتمع في مقتل و خيبت آماله و أضاعت كل شيء من القيم و الأخلاق و المثل العليا التي هي وقود تقدم الأمم. علنا نستطيع إصلاح العطب الذي أصاب منظومة حياتنا و نتج عنه ما أصبحنا فيه. 
 
تذكرت الأستاذ (المستر في زمننا الأغبر هذا) و الذي كان يدعى عبد القادر. كان يأتينا في حصة إحتياطية حال غياب الأبلة (الميس) أنعام جورج زخاري المدرسة الأساسية لفصل ثانية أول، كان في حصص الإحتياط يعمل بكد و يبذل قصارى جهده على الرغم من أنها حصص إحتياطية لا طائل منها، سداد خانة بالمعنى الدقيق، كان يعلمنا الإعراب و نحن في الصف الثاني الإبتدائي، و يعلمنا حروف الجر و لا زلت أذكرها حتى الآن و بعدما جاوزت الخمسون بقليل بترتيبها و جرسها الموسيقي: (من ـ إلى ـ عن ـ على ـ في ـ الباء ـ الكاف ـ اللام). كان يستدعينا فرادى أمام لوحة الكتابة السوداء (السبورة) و يملي علينا كلمات و علينا كتابتها بدقة و بخط واضح يقرأ إن لم يكن جميلاً، و غير مسموح بأدنى خطأ، أنك تستدعي كل تركيزك حتى لا تخطىء فتنال من أطراف أنامله لسعة بعضلة مقعدتك يسميها (بوبوناية / ملبسة) كأنها لدغة من سرب نحل شارد فتشعرك بإنسكاب ماء النار شديد الحموضة عالي التركيز فوق مقعدتك. أسهل لك أن ترحم نفسك من ذلك و ترحم نفسك من ظهورك بهذا المنظر أمام زملاء الفصل فتكون مادة خصبة لتوبيخهم و لومهم. ليس أمامك سوى أن تعرف و تتعلم بكل جد و صرامة، و هو يعلمنا بكل ما أوتي من قوة و علم. كان يخرجنا في فناء المدرسة نصطف و يقول: "شد جسمك يا عسكري" يعلمنا الانضباط و يغرس فينا روح الاعتزاز بالنفس و يجعل مثلك الأعلى في ذلك جندي القوات المسلحة. يجعلنا نحلم بأن نكبر سريعاً لنكون جنوداً بالقوات المسلحة، يلهب فينا الحماس و الفخر. خلص حلمنا و أمانينا في الانتماء للمؤسسة العريقة بكل عزة و فخر. 
 
الأستاذ عبد القادر رحمه الله إن كان رحل، و متعه الله بالصحة و العافية إن كان لازال يعيش في دنيانا هو واحد من طابور طويل عريض من المعلمين الذين أثروا حياتي بالقيم و الخلق و المبادىء و العلم النافع. و سأذكر ما أتذكره ممن علموني خلال سلسلة كتاباتي هذه بمشيئة الله إن كان في عمري بقية. كالعادة إلهي يا رب ما تتقطع وجدت رفيقة العمر أمامي تقول: هو أحنا مش كنا نسينا حكاية الزفت البلكونة دي؟ بتتهبب بتفكر في إيه تاني؟! رددت: بأفكر في الأستاذ عبد القادر. قالت: إبن حلال، و أنت نازل الشوغل ناولني في السبت كيسين فول و بجنيه طعمية من عبد القادر! 
في البلكونة 
إبراهيم غانم

كريم الصياد يكتب : الوجودية في الفكر العربي المعاصر

 كريم الصياد
 

الوجودية هي الفلسفة التي تقدم وجود الإنسان على ماهيته، وتنشغل بالبحث في الموقف الإنساني الفردي. وهي فلسفة نشأت وتطورت في أوروبا على أيدي عدد من أشهر فلاسفة الغرب، كالدانماركي كيركجور، واكتسبت صيغتها النسقية المتبلورة والمفصلة حين انتقلت إلى ألمانيا، وخاصة عند هيدجر فيلسوف فرايبورجوماربورج، ثم اكتسبت شهرتها وتأثيرها الأكبر على الأدب، والسينما، وشتى مناحي الثقافة، في خمسينات القرن العشرين؛ خاصة على أيدي سارتر، وسيمون دي بوفوار، وميرلوبونتي (المدرسة الباريسية)، وكاميو مارسل، وغيرهم.

وكانت الوجودية في الأصل رد فعل على التحول الوجودي الذي طرأ على الإنسان الأوروبي في عصر التصنيع، لكنها انسحبت لتغطي شتى شئون الإنسان اليومية تقريبًا، خاصة في الفترة بين الحربين العالميتين، وقامت بتحليل خبرات الحب، والجنس، والتذوق الجمالي، والثورة، والمقاومة، وما يضيق المقام عن ذكره.

وكان من الطبيعي أن تتطرق الوجودية إلى الفكر العربي المعاصر، وخاصة مع ظهور الجناح الألماني في الفلسفة في الجامعة المصرية، والذي مثله عبد الرحمن بدوي (ت 2002م)، في مقابل الجناح الفرنسي الأكثر أسبقية، والذي مثله عدد كبير من الأساتذة أهمهم طه حسين. ويعتبر بدوي هو رائد الوجودية العربية بحق. تأثر بدوي بهيدجر، وحاول تقديم إبداعه الخاص في رسالتين، الماجستير بعنوان (مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية) والدكتوراه (الزمان الوجودي)، و(هل يمكن قيام أخلاق وجودية؟)، و(دراسات في الفلسفة الوجودية). ولكن ربما كان تأثير بدوي الأكبر من هذه الناحية على الفكر العربي المعاصر هي أبحاثه في جذور الوجودية بالتراث العربي-الإسلامي، وخاصة أبحاثه حول التصوف، ككتابه (رابعة شهيدة العشق الإلهي)، و(الإنسانية والوجودية في الفكر العربي)، وغيرها، والتي اعتبر فيها حالات التحول الصوفي لحظات انكشاف وجودية، كالتي وصفها فلاسفة الوجودية. تبع عبد الرحمن بدوي في هذا الاتجاه عدد من الفلاسفة والكتاب، من أهمهم زكريا إبراهيم في سلسلة (مشكلات فلسفية)، وأنيس منصور في كتابه (الوجودية)، وهو كتاب تعريفي بسيط للقارئ غير المتخصص، ويمنى الخولي في كتابها (الوجودية الدينية)، ومحمد إبراهيم الحصايري، في دراسته عن ميخائيل نعيمة (التجربة الوجودية في اليوم الأخير لميخائيل نعيمة)، وغازي الأحمدي (الوجودية فلسفة الواقع الإنساني). ولكن كل هذه الكتابات التالية على عبد الرحمن بدوي وزكريا إبراهيم لم تمثل إبداعًا أكثر منه بحثًا، كما أن أصالة بدوي تجلت في (اكتشاف) الوجودية في الفكر الإسلامي، وليس فقط ترجمتها ونقلها. بالإضافة إلى ذلك هناك كثرة من الترجمات، والترجمة عمومًا طاغية على الإبداع في الفكر العربي نسبيًا، كترجمة (الكينونة والزمان) لهيدجر لفتحي المسكيني، و(تعالي الأنا) لسارتر لحسن حنفي، و(المتمرد) لكامي أكثر من مرة، و(الوجودية فلسفة إنسانية) لسارتر لحنا دميان، وغيرها.ولكاتب هذه السطور بحث منشور عن الإلحاد الوجودي بعنوان (موت الرب وموت الأب)، بالإضافة إلى مشروع رسالته للدكتوراه في ألمانيا.

وإلى جانب ذلك الاهتمام الإيجابي ظهر موقف رافض معادٍ للوجودية في الفكر العربي المعاصر، من الجناحين الإسلامي والمسيحي، كموقف العقاد في كتابه (أفيون الشعوب)، وموقف البابا شنودة في كتابه الأهم (المحبة)، وغيرهما.

ولم تكتسب الوجودية أهمية الماركسية في الفكر العربي؛ لأنها لم تكن غالبا فلسفة للعمل الاجتماعي والسياسي، كما لم تكن مذهبًا موحَّدًا، يجمع شتات مواقفها الفلسفية المتناثرة، في ألمانيا، وفرنسا، والدانمارك، وإسبانيا، والأمريكتين، والبلاد العربية؛ وإسرائيل. كما أن الوجودية ظلت لصيقة الصلة تحول الإنسان في العالم الغربي في عالم تحكمه التكنولوجيا والآلية اليومية في الحياة، وهو ما خلت منه بوضوح-نظرًا للتأخر النسبي للمجتمع العربي صناعيًا-البلاد العربية.كما كان الولوج إلى الوجودية الفرنسية أسهل، نظرًا لانتشار الفرنسية النسبي الأكثر من الألمانية في العالم العربي، ونظرًا لسهولة الفرنسية الواضحة في مقابل الألمانية، فضعف الاهتمام بالوجودية الألمانية بعد بدوي، والوجودية الألمانية هي الأكثر تأسيسًا وتنظيرًا وعمقًا وثراءً.

خرجت مصر من عاصفة الإخوان وايقن العرب أنهم لو فقدوا مصر فسيحاصرون بين حكمين للمرشد..أحدهما في طهران والآخر في القاهرة

رئيس التحرير : Unknown on السبت، 14 يونيو 2014 | 6:42 ص


بقلم: محمد علي إبراهيم

جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي الى قصر الحكم عبر صناديق الانتخابات بنسبة تزيد عن 96% متفوقا في عدد الأصوات عن الرئيس المعزول محمد مرسي بأكثر من عشرة ملايين صوت..شرعيته لا تقبل الطعن ولا الشك..إنتهت مقولة أن 30 يونيو شبه ثورة وشبه إنقلاب..برهن المصريون أنهم مع الدولة التي مثلها السيسي وليس مع الثورة ورمزها صباحي..

أدرك المصريون أن بلادهم خرجت من عاصفة الإخوان التي ألبست الربيع العربي في كل مكان من المحيط للخليج عباءة إخوانية..كذلك ايقن العرب أنهم لو فقدوا مصر سيحاصرون بين حكمين للمرشد..أحدهما في طهران والآخر في القاهرة..وإذا كان الأمل مستحيل في تغيير المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية, فان تغيير مرشد الإخوان بالقاهرة أسهل وأسرع..لماذا؟ لأن روح مصر وهويتها وتركيبتها وحضارتها المتجذرة لا تقبل إحتلالا دينيا يلغي الثقافة ويلجم العقول ويصادر الحريات ويحكم بما يزعم انه أوامر الهية مع انها دنيوية ومصلحية!

أمل العرب كان معقودا على مصر لسبب جوهرى آخر, وهو أن جيشها يختلف عن هوية الجيوش الاخرى في دول الربيع العربي, فهو وطني نظامي عقيدته القتالية للدفاع عن الأرض وليس الحاكم..لكن هذا الجيش البطل الذي أنقذ مصر والعرب صار مصدر توجس وقلق من جانب بعض المصريين..

لا يمكن إنكار ما فعلته الميادين يوم أسقطت محمد مرسي..لكن الدول لا يمكن أن تقيم في الميادين الى ما لا نهاية..تضيع الصورة إن لم تقم الدولة العادلة..تسود الفوضى إذا تأخر قيام المؤسسات استنادا الى إرادة الناخبين..أعرف المخاوف التي تراود بعض المصريين, وأولها خشيتهم من أن يعتبر الجيش هو الحزب الحاكم في المرحلة المقبلة..وأن تؤدي المعركة القاسية ضد الإرهاب الى ايقاظ شهية اجهزة الامن في توسيع الاعنقالات والضغط علي الحريات,لكني افترض ان قراءة هادئة لمجريات سنوات العاصفة تبين خطورة العودة الي ارتداء الحكم ازياء قديمة لايقبلها الشباب الذين ثاروا ضد القهر والفقر والفساد والظلام..

لن تكون مهمة الرئيس عبد الفتاح السيسي سهلة على الإطلاق..لكن من حسن حظ مصر أنها عثرت خلال العاصفة على أشقاء وأصدقاء اتخذوا قرارا قاطعا بـ "منع سقوط مصر", خلافا للموقف الأميركي والتردد الغربي..كان العمود الفقري لهذا القرار الموقف الذي أعلنه الملك عبد الله بن عبد العزيز في يونيو الماضي, وجدده قبل أيام بلغة واضحة وصارمة وقاطعة..وهو موقف تبنته أيضا دولة الإمارات ولم تكن الكويت بعيدة منه..عبر الدعم المالي أنقذت السعودية الاقتصاد المصري من الانهيار, وعبر الدعم السياسي وفرت لمصر مظلة عربية ودولية ساعدتها على استكمال خطوات الخروج من العاصفة.

بعد إجراء الإنتخابات التشريعية المقبلة تكون مصر استكملت خطة عودتها في الداخل لتبدأ معركتها الكبرى في التنمية والاستقرار والعودة الى اجتذاب السياح والمستثمرين..حسن إدارة المرحلة سيحرم الجناح المتصلب في "الإخوان" من أخذ الجماعة الى خيار انتحاري كامل. والسلطة مطالبة بأن تكون مخيفة لمن تلوثت يداه بالدماء ومقنعة لمن لم يفعل..حسن إدارة المرحلة سيدفع شرائح من الجمهور المقابل الى إعادة النظر في حساباته وسيطمئن الخائفين من سطوة العسكريين..

حين تعود مصر الى العرب, على اهل الإقليم أن يأخذوا ذلك في الاعتبار خصوصاً أولئك الذين تضخمت أدوارهم واعتقدوا أن من حقهم أن يصنعوا لمصر لونها وأزياء مستقبلها..أغلب الظن أن وصول السيسي موجع لأهل القرار في أنقرة والدوحة وطهران والخرطوم وغزة, وكذلك لمن يحولون ليبيا اليوم الى مصدر خطر على نفسها وجيرانها.

تخطئ دمشق أيضا إذا قرأت وصول السيسي من زاوية هزيمة "الإخوان" وحدها..استمرار العلاقات المصرية ـ السعودية بزخمها الحالي يؤسس لإعادة بناء محور الاعتدال في المنطقة ويؤسس لترميم دور اللاعب العربي فيها..

حين تعود مصر يعود اللاعب المصري الى الإقليم..وعلى بعض من راهنوا على غيابه الدائم أن يتحسسوا حدود ادوارهم..

محنة الثقافة العربية الإسلامية وكيفية العودة إلى سكّة الحضارة



جورج صدقة


كيف نعيد الأمة العربية إلى مسار الحضارة؟ هذا السؤال كان محرك نزار دندش لإصدار كتابه الجديد بعنوان "نحو ثورة في ثقافتنا"(1) محاولاً ان يرسم معالم الطريق للخروج من حالة التخلف التي يتخبط فيها عالمنا العربي واللحاق بركب التقدم.
كم تبدو إشكالية الكتاب ملحّة وآنية وسط ثورات العالم العربي التي مهما كان رأينا فيها فإنها تعبّر عن تطلع الشعوب العربية إلى الخروج من واقع وضعها خارج آليات التقدم والعلم وسجنها في فكر سياسي وديني لا يحمل إلاّ مزيداً من الفقر والمآسي والتخبط. هذه الإشكالية تقدّم تقويماً واقتراحات للحركات التغييرية، ولا سيما الدينية منها، التي يعبق بها العالم العربي اليوم، والتي تعد الشعوب العربية بمسارات تقدَّمها بديلاً من الأنظمة القائمة. وكأن المؤلف أراد أن يرسم للحراك العربي الطريق الصحيح انطلاقاً من التجارب البشرية التي أدّت إلى تطور الإنسان، ومنها التجربة العربية الاسلامية التي استطاعت في مرحلة تاريخية معيّنة أن تضطلع بدور محوري في تطور البشرية.
بدأ المؤلف كتابه في الفصول الأولى بدراسة تاريخية سوسيولوجية بأسلوب شرح مبسط، وهو الأستاذ في الجامعة اللبنانية، عرض فيها مراحل تطور الانسان وارتقائه دون غيره من المخلوقات. فعرض تطور العلوم من اختراع الدولاب عند السومريين الى علوم الفلك عند البابليين مروراً بالحضارات المتعددة ومساهماتها المشتركة في تغيير واقع الانسان وفكره.
هذا التطور ولا سيما في ميدان العلوم هو وليد العقل، "فالعقل الانساني هو جوهر الحضارة". ويستشهد بفؤاد السعيد الذي يعتبر أن "الحضارة الاسلامية نفسها قامت على العقل". هذا الاتجاه العلمي باعطاء العقل الأولوية لا يعني اسقاط الدين، بل "أن فهمنا للأديان والتسلح بثقافة دينية صحيحة يوفّر سلاحاً ثقافياً ضرورياً للانسان... لكن فهم التعاليم الدينية يتطلب مواكبة كل الاكتشافات العلمية، إضافة إلى الفهم المعمق للنص الديني".
ويستشهد المؤلف بصور من القرآن الكريم ليؤكد "أن الاسلام كرّم العقل وشجّع على طلب العلم وعلى استعمال العقل والتفكير وخصصه بأكثر من سبعمائة آية". وهذا ما يقوده الى السؤال: "كيف حدث الانهيار الحضاري، ومن ثم التخلف الثقافي والمعرفي" في عالمنا العربي؟
يستعرض المؤلف مراحل التاريخ العربي الاسلامي، محاولاً الاضاءة على المحطات المنيرة فيه، ومفنّداً ما يراه السبب في التخلف من عوامل اجتماعية وفكرية ودينية وسياسية: "هناك سيطرة للقديم على الجديد، فالموروث هو الصحيح ولو كان ضاراً... أدى هذا التناقض العقيم الى فوضى في اصدار الفتاوى وفوضى في طقوس الطاعة والتقليد... الثقافة العربية تائهة والعرب في غربة عن ثقافتهم، عن حضارتهم، وعن الآخر".
يصل دندش الى اقتراح حلول: "لا خروج لنا من مستنقع التخلف إلاّ على سفينة العلم، وما دامت مشاريعنا النهضوية تستبعد دور العلم والعلماء فلسوف نبقى على تخلفنا. وعبثاً نقنع أنفسنا بأننا نشجع العلم، ولئن اعلنا ذلك فلأسباب دعائية فقط". ويؤكد ضرورة السير بركب الحضارة العالمية، مناقضاً وان بشكل مضمر، الكثير من الطروحات السائدة في ثورات العالم العربي: "لا تقدم ولا ارتقاء من دون العلم والتكنولوجيا، هذا أمر محسوم، والذي لا يسلك طريق العلم يظل يراوح مكانه الى ما شاء الله".
يشكِّل الكتاب، من خلال منهجيته التشريحية لتاريخ الحضارات عموماً، والحضارة العربية الاسلامية خصوصاً، مساهمة غنية في دراسة التحولات الاجتماعية والثقافية ودعوة الى يقظة من أجل تحقيق نهضة جديدة ترقى بالدول العربية الى مصاف الدول المتقدمة.
النهار
(1) منشورات دار الفارابي، (216 صفحة)

الربيع العربي إذ يطرق باب الحرية

رئيس التحرير : Unknown on الأحد، 1 يونيو 2014 | 9:02 ص


أن يفرك أعداء الحرية أياديهم فرحاً لما آل اليه الربيع العربي، ويحتفوا بالمخاض العسير الذي تمر به ثورات الشعوب وبالخيبة التي أصابت الناس من رحلة تفيض ألماً ومعاناة، هو أمر مفسر ومفهوم ما داموا يتنكرون لبديهة تقول بأن طريق الحرية شاقة ومكلفة دائماً، فكيف في مجتمعات شرّش الاستبداد فيها وتحاصرها وفرة من مناهضي حريتها!
بل هم يغفلون عن عمد حقيقة أن الربيع العربي، وعلى رغم ما يكابده، بدّل وجه التاريخ، وشكّل نقطة انعطاف عند البشر لتكريس قيمة الحرية ودورها المفتاحي في صناعة مستقبلهم.
شعار الحرية الذي دشن مسار التخلص من آفة الرعب المعششة في النفوس، أو كما درج القول: كسر حاجز الخوف، ممهداً السبيل لنفي الشروط التي تنمّي الاستعداد لتقبل الاستبداد ودوره في شل إرادة الإنسان وتحويله الى مواطن سلبي لا يفكر ولا يبادر وتكبّله سلاسل لا تنتهي من النواهي والمحرّمات، وتالياً للتحرر من أفكار وهواجس زرعتها أجهزة القمع والعقاب في كل قلب ينبض، لتنتج يأساً وإحباطاً واستسلاماً.
كسر جدار الخوف هو إعلان البدء ببناء الثقة بالنفس وبالمقدرة على تحمل تبعات المشاركة في الشأن العام، ونقض محاولات أهل الحكم تبرير تسلطهم واستبدادهم بعدم النضج السياسي في الأوساط الشعبية او بذريعة أن ممارسة الحرية في ميادين الرأي والتعبير والنشاط السياسي تشتت الكلمة وتصدع الصف وأحياناً هي رجس من أعمال الشيطان، كي يمنحوا انفسهم «الحق» في إحصاء أنفاس الناس وإرهابهم والتحكم بكل شاردة وواردة في سلوكهم وحتى تلقينهم ما ينبغي أن يقال وما يجب ألا يقال، والغرض تعميق شعورهم بالوهن والعجز وتعزيز عوامل خنوعهم للقواعد القائمة على الأمر والنهي والطاعة.
والحال، لم تعد تنفع بعد الربيع العربي تغذية الإحساس لدى المجتمع بأنه قاصر أو دون سن الرشد، عاجز عن اتخاذ القرارات السليمة ويحتاج إلى رعاة لمصالحه ينوبون عنه في إدارة شؤونه العامة، ما أشاع وعياً زائفاً أوجد لدى الإنسان شعوراً ملازماً بالقصور والدونية، وبأنه عاجز أمام نخب حاكمة مســؤولة عنه وشخصيات كاريزمية يجب أن تبقى موضع رعب وتهيّب كبيرين!
بعبارة أخرى، حفزت ثورات الحرية الرفض الصريح للنمط السائد الذي يسوغ لأهل الحكم الاستيلاء على كل شيء، بما هو رفض لثقافة سلطوية تدعي أنها الأعرف بما يفيد الناس وما يضرّهم، وأنها الأدرى بالطرق الكفيلة بتوفير حاجاتهم الأساسية من غذاء وكساء وسكن وعمل وصحة وتعليم، لتسهيل مصادرة حقوقهم وشل هيئات المجتمع، والاستحواذ على ثرواته والتحكم بمشروعات تنميته الاقتصادية والاجتماعية.
وفي مخاض الربيع العربي، طالبت الشعوب بالحرية كي لا تُذل، ولتنهي تاريخاً من القهر والتهميش والازدراء. فقد خبرت جيداً أن من لم يعش حراً ويتنسم هواء الديموقراطية لن يكرم ولن تحترم إنسانيته وخصوصيته، وعليه لم يكن صدفة ارتباط شرارة الحراك الشعبي بالرد على معاملة مهينة اعتاد على ممارستها رجال السلطة ضد أبناء الشعب، وأن يكون أحد أهم الشعارات التي رفعها المتظاهرون هو شعار الكرامة، في إشارة واضحة الى رفض القهر والخنوع والإنكار المزمن للذات الإنسانية والاستهتار بحقوقها وفضائلها.
هي عادة سلطوية متأصلة استخدام الإذلال المعمم والإهانات الجمعية والفردية كواحدة من الوسائل المجربة لتأبيد السيطرة وتحويل المواطنين إلى عبيد مقهورين. ولقد عرفت غالبية مجتمعاتنا ما يشبه الجهد المثابر وعبر أساليب متنوعة لامتهان الكرامة واحتقار المواطن والاستهزاء بحقوقه، من دون الاهتمام بوضعه ومكانته أو تقدير سنّه وجنسه، والغرض تحطيم الروح المعنوية وجعل المجتمع خانعاً وعاجزاً عن أي فعل يهدد أركان الأنظمة القائمة وأسباب استقرارها.
وحين طرقت الشعوب العربية باب الحرية، فلأنها أرادت التأسيس لرحلة «تحرر» من كل أنواع الهيمنة الأيديولوجية والاستئثار المعرفي ومن التصورات المسبقة عن العالم وطرق تغييره ومن الشعارات الديماغوجية البائدة، وتالياً من بلاء مدعي الوصاية على الناس والأوطان، إن كانوا من النخب السياسية الحاكمة التي لم تكتف بالعنف العاري ومبدأ القوة والجبروت في حفظ سلطتها وإعادة إنتاجها، بل توسلت ما ينفعها من الأفكار والشعارات لتوفير مقدار من التغطية الأيديولوجية لممارساتها القمعية، ولتسهيل قهر كل رأي او اجتهاد يخالفها على أنه خروج عن الطاعة أو طعن بالمقدسات الوطنية، وإن كانوا من قوى المعارضة التي لا تزال مترددة في إحداث قطيعة معرفية مع نهج الماضي وتصوراته، ومقصرة في إجراء نقد حازم للذات والعقلية الأيديولوجية المتحكمة بسياساتها، ما يفسر الطابع الشبابي للربيع العربي وجنوحه نحو الخلاص من المنظومات الفكرية والسياسية العتيقة ومن قواعد الصراع التقليدية ولنقل من أي رؤى مسبقة أو إكراه حزبي أو إلزام بمواقف وقرارات موجبة التنفيذ من دون نقد أو اعتراض، ويفسر أيضاً حالة الإجماع الشعبي على منح الحرية الاولوية التي تستحقها بعيداً مما يرتبط بالأيديولوجيات الكبرى والعناوين والشعارات العريضة.
ومثلما أن الأسباب التي قادت إلى تفجر الثورات لما تزل بعد قائمة، ولنقل آخذة في التعمق والتجذر، فإن إرادة الشعوب العربية لنيل حريتها تتعمق وتتجذر بدورها، بخاصة بعد أن أدركت أن أهم خطر يهدد حياتها ومستقبلها هو الاستبداد أياً كان نوعه ومصدره، الاستبداد الذي بدأ يرسخ في الوعي الجمعي العربي، كشكل بائس ومكروه لضبط الحياة ولرسم العلاقة بين الناس وبينهم وبين السلطة ومؤسسات الدولة.
لقد رفع شباب الربيع العربي شعار الحرية لأنهم أدركوا أن من قيمتها ودلالاتها يستمدون العزم والإرادة لإحداث تغيير جذري ينقلهم من ثقافة الإكراه والعنف والنبذ الاجتماعي والاستئثار إلى ثقافة الحقوق والمساواة واحترام إنسانية الإنسان، والأهم لإعلان قطيعة نهائية مع عشرات السنين من الاستبداد والوصاية ومن منظومة القهر والإرهاب ومن الإفراط المرير في الخنوع والعجز.

أكرم البني: الحياة

الحقد الثقافي والعمى الإيديولوجي : سعيد يقطين


حبّك الشيء يعمي ويصم. لكن كراهيتك الشيء، تصم وتعمي أيضا. إذا كانت الأهواء، أيا كانت طبيعتها، تصرف النظر عن استعمال الفكر والعقل، عند الإنسان العادي، فإنها، أيضا، يمكن أن تصيب المثقف بالحقد والعمى، فتجعله يتصرف بمنأى عما يلوح به من شعارات كالعقلانية والعلمانية وحقوق الإنسان، فتبدو ردود أفعاله غير مختلفة عما يمارسه بعض الناس، بلا أخلاق ولا قيم ولا مبادئ.
تناولت بعض وسائل الإعلام المغربية هذا الأسبوع نبأ قبول ثلاثة ناشطين أمازيغيين دعوة موجهة إليهم من لدن مركز «موشي دايان»، التابع لجامعة تل أبيب للمشاركة في ندوة «أكاديمية» للتعريف باللغة الأمازيغية وثقافتها. وليست هذه أول مرة تلبى فيها دعوات إسرائيلية لنشطاء من الحركة الأمازيغية. بل إن في تصريحات بعضهم ما يؤكد أن العلاقات مع إسرائيل يجب أن توطد، وأن العبرية نموذج يجب أن تقتديه اللغة الأمازيغية.
لنا أن نتساءل عن حيثيات دعوة إسرائيل لهؤلاء النشطاء للحديث عن الأمازيغية في تل أبيب، في الوقت الذي حرمت فيه مجموعة من المثقفين المغاربة (بغض النظر عن عرقهم، إذ كان فيهم أمازيغ)، وبعض المثقفين العرب من حضور معرض الكتاب الفلسطيني في رام الله، ولم تصرح لهم حتى بالدخول إلى الأراضي الفلسطينية؟ وفي الوقت نفسه، يمكننا أن نتساءل: لماذا لم يدع أكاديميون مغاربة من جامعات مغربية للحديث عن اللغة العربية وثقافتها في تل أبيب؟
منذ أن بدأت الحركة الأمازيغية، تنحرف عن مسارها، من لدن بعض النشطاء، وصارت حركة عرقية، لا قضية وطنية تتعلق بالتنوع الثقافي واللغوي الذي يعرفه المغرب، والذي يمكن تناوله من خلال الحوار الديمقراطي بين مكونات المجتمع المغربي، بدأ يظهر خطاب الكراهية والحقد ضد كل ما هو «عربي». حتى أن كلمة «عربي»، و»عروبة»، بل صار جذر كلمة (ع.ر.ب) يثير لدى البعض من هؤلاء حساسية زائدة، واشمئزازا منقطع النظير، فبات أحدهم يرى ضرورة إلغاء كلمة «العربي»، عندما ينعت بها المغرب، حين يعني الدول الخمس، واستبدالها بكلمة «المغرب الكبير». وحتى كلمة الربيع «العربي»، استثقلها لسان هذا البعض، فكان يستعمل «الربيع الذي عرفته دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».
إسرائيل الدولة الاستيطانية تبذل كل جهودها لتغيير معالم الجغرافيا والتاريخ العربيين في المنطقة التي اغتصبتها بالعنف والقوة والمال، وتعمل ليل نهار على سرقة تراث العرب الفلسطينيين وتدعي ملكيته، وهي ترمي إلى خلق واقع لا مكان فيه لكلمة «العربي»، وكل ما يتصل بها من ديانات ومذاهب، كي لا يبقى إلا المجال اليهودي، وتصر بذلك على أن «الدولة يهودية»، ويجب على الجميع الإقرار بذلك. أليست هذه عرقية وعنصرية تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان ومع العصر؟
الحقد الثقافي يتولد عن العمى الإيديولوجي فتتولد عن ذلك الكراهية التي تقوم على الإلغاء والإقصاء بحجة الدفاع عن الحق الثقافي. فيكون الهوى الذي يعمي ويصم، وتصبح كل الأفعال الموجهة ضد الآخر مبررة ومستساغة مهما كانت منافية للعقلانية والعلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان ولكل الشعارات التي يتم التشدق بها. لقد كان من بين هؤلاء النشطاء من كان في اليسار، ولعلهم أدرى الناس بالشعارات التي يرفعون. ولكن الهوى يعمي ويصم. ماذا يضير، بعض هؤلاء، أن يدافعوا عن قضيتهم وفي الوقت نفسه ينأون بأنفسهم عن الحقد الثقافي والعمى الإيديولوجي، فيتبنون شعارات حقوق الإنسان بالنسبة للفلسطيني ولغيره، ويعتبرون القضية الفلسطينية قضية أمازيغية، كما ظل المغاربة، أبدا يعتبرونها قضية وطنية؟ ماذا يسوؤهم أن تكون القضايا العربية، قضية أمازيغية، بدون لبس عرقي، وتكون القضية الأمازيغية قضية وطنية وعربية لا عنصرية؟ إن العمى لا يمكن أن ينجم عنه غير العمى. وإسرائيل لا يمكنها سوى أن تغذي هذا الحقد وتلك الكراهية.
بعد اطلاع سيمون أسيدون على خبر الدعوة الصهيونية للناشطين الثلاثة، وجه إليهم رسالة مفتوحة، يتكلم فيها بلسان العقل والوطنية والنضج الحقوقي الإنساني، لا الهوى والحقد والكراهية، موضحا أنهم يرتكبون خطأ جسيما بتلبيتهم هذه الدعوة. وأبان في رسالته عن كون العديد من الجامعيين العالميين، ومنهم يهود وأمريكيون ومن مختلف دول العالم يقاطعون التعامل مع الجامعات الإسرائيلية لأنها مبنية على أساس التمييز العنصري الذي يعامل به الطلاب والطالبات الفلسطينيون، ولأنها أيضا تعمل بشكل مستمر لفائدة جيش الاحتلال.
اعتبر سيمون أسيدون قبول الدعوة تعبيرا عن جهل هؤلاء بطبيعة المؤسسة الأكاديمية. ولو كان الأمر كذلك لالتمسنا لهم العذر، لأنهم أكبر من جهل إسرائيل وتاريخها العنصري. لكن الأمر يتعلق بتصور خاص ينطلقون منه في تعاملهم مع القضية الأمازيغية التي يعتبرونها نقيض القضية العربية، وما معاداتهم لكل ما هو عربي إلا دليل على ذلك. وهذا العمى الإيديولوجي هو الذي يقودهم إلى التعامل مع عدو العربي، أي إسرائيل. لكن إسرائيل لا تعادي العرب، هكذا على الإطلاق، بل تسعى لكسب ودهم. إنها تعادي كل من يطالب بحقوق الإنسان في إسرائيل، وتعادي كل من يقول بأنها دولة عنصرية، سواء كان هذا المطالب فلسطينيا أو يهوديا أو عربيا مسيحيا كان أو مسلما أو أمريكيا.
الحقد الثقافي والعمى الإيديولوجي ضد أي قضية مهما كانت عدالتها، لأنهما ضد العقل والتاريخ، وضد الديمقراطية وحقوق الإنسان.

سعيد يقطين
القدس العربي

فراغ العيادات النفسية رغم كثرة الهموم العربية! ... د. ناصر عبد الرحمن الفرا

رئيس التحرير : Unknown on السبت، 31 مايو 2014 | 12:22 م


■ من يحلل طبائع وسلوك الإنسان العربي يستنتج وبدون تردد أنه يعاني من أزمة نفسية دفينة وخانقة.. أزمة ناتجة عن كثرة الهموم المرتبطة بسوء الوضع السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي والديني. أزمة لا تقل حده وتأثيراً عن مختلف الأمراض الجسدية التي يعاني منها يومياً، والتي من جرائها يتوجه بين الحين والآخر لتلقي العلاج في شتي المراكز الطبية. بغض النظر عن الأسباب العضوية الكامنة خلف هذا النوع من الأمراض، حتماً وحسب مختلف المختصين ما يعاني منه العربي له علاقة مباشر بتدهور الوضع في القضايا المتعلقة بالأمور العامة. كيف لا يكون الحال بهذا الشكل وألا تكون هنالك علاقة ارتباط بين ما يحدث لجسده وعقله من جهة، وبين ما يدور من حوله من جهة أخرى، إذا كان هذا المواطن، خاصة المنتمي إلى الطبقة الوسطى والسفلى، واقعا يومياً تحت طائلة الظلم السياسي، الفقر الاقتصادي، القهر الاجتماعي والتعسف الديني. من المستحيل أن لا يتأثر نفسياً وجسدياً جراء كل هذا.
حين يتأمل المراقب حال الغالبية العظمى من مجتمعات هذه الأمة يستغرب كيف يتحمل أبناؤها شقاء الحياة وكثرة التعقيدات والمشاكل التي تواجههم صباحاً ومساء. فعلاً في هذا العالم هم الأكثر هماً وغماً وقهراً، مقارنة بالغير. لا ينافسهم ولا يحسدهم في ذلك أي مخلوق آخر على وجه الأرض. وهم وحسب كافة المؤشرات، الأدنى مرتبة وحظاً على مستوى الطـــمأنينة والسعادة.. والأقل انتحاراً بحكم كون ذلك محرم شرعاً. من شدة ما يعانيه العربي من الهموم تراه إما ضائعاً وصامتاً أو كئيباً ومعصباً، بل ونتيجة شدة وطأة ما يحدث له تراه دائماً متردداً، فاقداً للتوازن والصواب ودائم الحيرة والقلــــق، لذا حين يريد أن يعبر عما يجول بخاطره تراه ينفر، يلعن ويصـــرخ بأعلى صوته. هذه هي الطريقة الوحيدة الباقية له كي لا يتمــزق وينفجر من الداخل. وللعلم، بعض ما تبقى من حـــياء وكرامة يمنع الكثير منهم من أفراغ الهم المتراكم فوق الرأس بشكل علني وصريح. في معظم الأوقات أمثال هؤلاء يفضلون العيش بكبت باطني قبل أن يكشفوا أسرار الهم والغم الذي يعانون منه.
هنالك من يظن أن الجسد هو أصل الداء والدواء، ويتجاهل أن العقل هو أولاً وأخيراً مصدر الشقاء والشفاء من كل وجع وبلاء. لذلك تراه يتوجه أكثر إلى المراكز الصحية العامة منها إلى العيادات النفسية. المشكلة الحقيقة تكمن في عدم تعوده على التوجه لعيادات الطب النفسي، والظن أن ما يعاني منه مرتبط فقط بأمراض جسدية علاجها عند المختصين بها. يتصرف بهذا الشـــكل لأن هنالك من يجعله يعتقد بأن ذهابه إلى مثل هذه العيادات هو درب من دروب الجنون، إن لم يكن الجنون بحد ذاته. مثل هذا الاعتــقاد ليس غريبا، فالعامة تعتبر المصحات النفسية مجرد إصلاحية أو مُجمع للمجانين، وأن كل من يتردد عليها ليس سوى مختل عقلياً ومهوسا نفسياً. نتيجة هذا النوع من الثقافة نادراً ما تجد في الشوارع يافطات تحدد أماكن عيادات الطب النفسي.
رغم شدة الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المواطن العربي، أكان هذا على مستوى العواطف، الأحاسيس، الأوهام، التخيلات، الانفصام، الغثيان، التشرذم، الحاجة والضيق، فان معظم المختصين في التحليل والعلاج النفسي يزاولون مهنتهم بدرجة أقل بكثير من زملائهم الآخرين. الغريب في مجتمع تخيم عليه الصراعات الدائمة والتناقضات الشديدة، هو جهله وعدم اكتراثه بقيمة الأطباء النفسانيين. والأسوأ هو أن هنالك من ينظر لهم بكثير من السخرية والاستهزاء. نتيجة هذا الوضع بعض من المختصين بهذا المجال يفضلون مزاولة مهن بعيده عن مجالهم الساحر والمغناطيسى. وفي أفضل الأحوال تراهم يعملون كموظفين أو مستشارين بالمدارس أو في المراكز الموجودة على هامش المجتمع، بل نتيجة عدم اللامبالاة العامة، هنالك من يندفع للعمل في مجالات اخرى بعيدة عن اختصاصاتهم.. حتى الجمعيات المختصة بالطب النفسي، التي رغم أهميتها وقداسة المهنة التي ترمز لها، ليس لها قوة وجود شبيهة بالتي تملكها النقابات العمالية، الإعلامية أو القانونية.
لو انتبه المسؤولون عن الشأن العام فعلاً للحالة النفسية المزرية التي وصل لها الكثير من أبناء هذه الأمة، ومعظمهم فاقدون لمجمل الاحتياجات، المقدرات، الحقوق والمزايا الأساسية، لاكتشفوا أن سر علاج هؤلاء، وبالتالي قضايا المجتمع، يكمن أولاً في إشباع رغباتهم واحتياجاتهم الضرورية، وثانياً في تقديم الخدمات الطبية النفسية المجانية التي تساعدهم على تـجـــاوز ما عانوا ويعانون منه.
في الدول المتقدمة، الطلب على هذه العيادات يتزايد بزيادة تفشي الملل المنبثق عن الرخاء التام في كافة ظروف الحياة السياسية، الاجتماعية، الدينية والاقتصادية.
ما وصل إليه الإنسان العربي من غم وهم ومن إرهاق وضيق يتطلب زيادة مستوى الحذر والانتباه والمزيد من الوقاية والمتابعة النفسية، مثل ما يحدث مع باقي الأمراض العضوية المتفشية التي عوارضها تظهر وتشخص بشكل دقيق. الكل يعلم أن الشخص الذي يعاني من صعوبات نفسية لا يعترف بتاتاً بذلك، ويتجنب قدر المستطاع الربط بينها وبين ما يحدث من حوله وإمكانية أن يكون لكل ذلك تأثير على صحته البدنية وسعادته اليومية. كل ما يهمه هو اخفاء الباطن حتى يظهر أمام الغير بمظهر المتماسك، وألا يلاحظ عليه أحد سمات التعب، الضعف وعدم التوازن في القول والفعل. فعلاً هنالك من يحرص على عدم الافصاح عما يعانيه من اضطرابات نفسية، رغم علمه التام بأنها غير إرادية وإنما ناجمة عن تفاقم سوء الأوضاع العامة والخاصة.
هذا الوضع يمكن أن يصيب أي إنسان. أكان هذا ذا مكانة رفيعة ومنصب مرموق أو مجرد شخص عادي كادح، بل يمكن أن يتأثر به من يحتلون مراكز القيادة بشكل أكبر من أولئك الذين لا يملكون زمام الأمور ولا يديرون مجرى الأحداث داخل المجتمع. هذا ما يعني أن حاجة هؤلاء إلى عناية نفسية دائمة أكثر من باقي العامة. يحتاجون مثل هذه الرعاية لعلاج أمراض مزمنة مثل التسلط وحب السلطة والجاه، التي لها علاقة مباشرة بالتزايد النسبي في وتيرة العجرفة والطغيان. أما الإنسان العادي، الذي يعيش فى مجتمع يدار بهذا الشكل ومن قبل هذا الصنف من البشر، فكل ما يحتاجه، بعد مختلف أنواع المتابعة النفسية، هو اشباع رغباته الأساسية في جو يسوده شيء من الهدوء، العدالة والرخاء. حال عدم وجود مثل ذلك من الممكن أن تكون العيادات النفسية المكان الأفضل والمناسب للاسترخاء ونيل قسط من الراحة.

٭ كاتب فلسطيني- إسبانيا

د. ناصر عبد الرحمن الفرا
القدس العربي

سليمان تقي الدين : الانتخابات العربية بالألوان ...


سليمان تقي الدين



لا يمكن تجاهل ظاهرة الانتخابات "التعددية" التي امتدت إلى العديد من الدول العربية. المطلب الديموقراطي كأولوية عمره أكثر من ثلاثة عقود. ومحاولات الأنظمة تأجيله والالتفاف عليه وقمعه مستمرة ومتمادية. ليس في المشهد الانتخابي العربي المنبثق عن "الثورات" ما يدل على تحوّل جدي نحو الخيار الديموقراطي وفق المعايير الأساسية المعروفة، وفي مقدمتها حياد الدولة ومناخ الحرية فضلاً عن "الأحزاب الديموقراطية".
لا يمنع ذلك من انتشار ثقافة الاختيار والمشاركة كأحد نتائج الثورات العربية. لكن التحشيد الشعبي السياسي في العراق ومصر وسوريا، أو هذه التظاهرات الانتخابية، يعكس مشكلات المجتمع ربما أكثر من مشكلات الدولة أو الأنظمة السياسية. كما أنه جزء من مناخ عالمي شاخت فيه الديموقراطية أمام آليات إنتاج السلطة والقرار انطلاقاً من تفاعلات دولية متعددة وخطيرة.
تأخر العرب أكثر من غيرهم عن مواكبة المعطيات الكونية المعاصرة ومنها سلوك المسار الديموقراطي. لكن شعوباً أخرى أخذت هذا المسار من أوروبا الشرقية إلى أميركا الجنوبية وآسيا ليست في أفضل حال، بما في ذلك النموذجان الإسلاميان الأكثر إيحاءً للعرب في تركيا وإيران. في مكان ما يجب البحث عن معطيات الديموقراطية وشروطها في بنية المجتمعات العربية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التاريخية والمعاصرة، ويجب الاستدراك دائماً في فهم المناخ العالمي الذي يلقي بثقله على سلوكيات الشعوب مع هذا الاجتياح الهائل للتكنولوجيا المعاصرة والمداخلات الاقتصادية والعسكرية والسياسية المباشرة. إن تاريخ أكثر من قرن على نظام التعددية والحرية والانتخاب و"الديموقراطية" التمثيلية في لبنان يتعرض إلى المزيد من التشوّهات. التفسير الكسول هو الحديث عن النظام الانتخابي، والتفسير الأكثر جدية هو المناخ الإقليمي، والتفسير الأكثر عمقاً هو في تداعيات ثقافة العولمة في تناقضاتها من حيث استنفارها للعصبيات والهويات لحظة احتوائها في منظومة دولية يحكمها اقتصاد خفي، أو مالي ليست له تجسيدات واضحة.
على أي حال لا نعتقد كما الآخرون أن مشكلات الشعوب تحل عن طريق آلية واحدة أو من خلال مهمة واحدة. فلا "الديموقراطية هي الحل"، ولا "الإسلام هو الحل"، ولا سوى ذلك من أشكال الاختزال.
ما يعنينا الآن فهم أوضاع شعوب وبلاد عربية هي في دوامة الحروب الأهلية ولا معنى لقياس تجربتها الديموقراطية، لا في العراق ولا اليمن ولا ليبيا ولا سوريا. الانتخابات في هذه البلدان على تفاوت هي جزء من نزاعات القوة، بل الترهيب السياسي والشحن الطائفي، والديموقراطية خيار سياسي سلمي تفسده أية ظواهر للقوة معنوية أم مادية. أما مصر فلا يمكن الحكم على تجربتها بالأسود والأبيض، أو من دون جدلية الأوضاع الداخلية والخارجية والإرث السياسي التي أوصلت كلها إلى هذه الصورة الضبابية أو المركّبة سلبياً وإيجابياً. المهم أن نتذكر واقعة خروج مصر من احتمالات "حرب أهلية" كانت قد ذرّت بقرنها مع صعود الإسلام السياسي كمشروع دولي. تهاوى هذا المشروع في ركيزتيه الاستبدادية، والسياسية الاجتماعية والوطنية، اللتين كانتا ستأخذان مصر إلى موقع انعزالي جديد من دون أية مكتسبات للشعب المصري. الظاهرة الثانية التي تستحق الوقوف عندها هي ثبات الدولة ومؤسساتها وبالأخص جيشها، لأن انهيار "الدولة" ليس مطلباً ثورياً أو تقدمياً في عالم اليوم، ولا قدرة للثورات المعاصرة أن تقدّم بديلاً لتنظيم المجتمع بإعادة تأسيسه، بل هي مطالبة بجعل الدولة محل الصراع بين الأفكار والمشاريع والبرامج والتوازنات الاجتماعية. فلا يجوز أن نشعر بالإحباط إزاء عدم تفكّك الدولة، بل علينا أن نبحث عن وسائل إخضاعها لمطالب "الثورة" أو للمعايير الديموقراطية ولثقافة العدالة الاجتماعية.
وفي إطار الإنجاز الدستوري الذي تحقق في مصر لا نميل إلى الاعتقاد بإمكان انبعاث الدكتاتورية ولو كانت مظاهر وسلوكيات الحد من الحريات والتضييق على الحركات السياسية الشبابية هي أحد العلائم المقلقة.
فلا بديل الآن من استئناف الحركات السياسية لتعبئة وتنظيم نفسها في "الميدان" الفعلي الآن المفتوح ولو تحت سقوف محددة من أجل تطوير المنافسة السياسية الديموقراطية، وهذا ما سيتحدد في الانتخابات البرلمانية أكثر من الانتخابات الرئاسية. المفارقة هنا أن القوى "التقليدية" التي يمثلها الرئيس القادم من المؤسسة العسكرية لديها ما تقدمه على صعيد الشخصيات الوطنية والشعبية المعروفة، بينما لم يقدّم الشارع أو الميدان الثوري هذا النوع من القيادات. قيل إن ذلك أحد نقائص الثورة، وهو في حقيقته أحد الظواهر الموضوعية والصحية التي لا تختصر حركة الشعوب بالمخلّص والبطل الفرد لمصلحة فاعلية الجماعات.
لم تكن ولا ثورة في التاريخ تُقاس بلحظة انفجارها فقط. إن العملية الثورية استمرار يقود إلى نتائج ليست بالضرورة مضمونة، لكن المؤكد أن العرب ما قبل "الثورات" ليسوا كما بعدها.
السفير

الشيخ / سعد الفقى يكتب : أمراض الماضى .. هل تتلاشى ؟؟

رئيس التحرير : Unknown on الجمعة، 30 مايو 2014 | 6:05 م



يالة من ماض أليم .. وبغيض .. حمل إلينا كل ما هو قبيح .. هذا الماضى ليس بعيداً إنة مع بدايات 25 يناير 2011 وما زال موجودا بتوابعة .. إنفلات على كل الأصعدة .. فى الشارع وفى الهيئات والمؤسسات حتى دور العبادة لم تسلم هى أيضاً من هذة الحالة الغريبة على مجتمعنا .. الناس كلهم تقريباً يريدون كل شىء .. وهم من يمتلكون الحقيقة .. وما عاداهم فليس لهم حقوق .. وليس لهم نصيب فى حياتنا الدنيا .. هذا ما نراة على أرض الواقع .. كل الموبيقات تقريباً أصبحت فى نظر الكثيرين من الأمور الطبيعية .. وهى حلال عليهم حرام على الأخرين .. لغة الوصاية هى السائدة .. مع أن الإستعمار تخلى عنها من بعيد .. كل المعاني السامية إندثرت .. الرحمة أين هى .. الصدق والوفاء خرجا إلى غير رجعة .. كل المعاني الجميلة التي كنا نتشدق بها ونتباهى أننا نمتلكها .. ذهبت مع قدوم الخير .. مما دفع الكثيرين أن يتحسروا على الأيام الخوالى .. والأزمان الغابرة .. حسني مبارك الفاشل ومع عصابة الأربعين حرامي أصبحوا فى نظر السواد الأعظم ضحايا .. ما هذا الذي يحدث .. تمنوا العودة إلى الوراء بعدما جنوا ثماراً لم يعرفوها وأخلاقاً غريبة عليهم .. من معى فهو المعزز المكرم .. ومن خالفني الرأي فهو خائن وخارج على كل الاعراف والشرائع السماوية ليس هذا فحسب .. فقد رموا الناس بالكفر والزندقة .. هذا ما سمعناة فى عهد المنكوب والخائن .. هو من رعى كل المصطلحات العفنة .. ثم يحدثوننا عن شرعية الزيت والسكر والكذب .. باعونا بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فينا من الزاهدين من خلال مؤامراتهم التي عقدوها سراً وعلانية مع أبناء دربهم ورفاق مسيرتهم .. فى قطر قزمونا .. وفى تركيا حقرونا .. الأخلاق التي كان المصريون يتباهون بها إندثرت على أيديهم .. الثائر الحق إختفى وحل مكانة الأمشجية والبلطجية والمرتزقة .. وأصحاب الدكاكين المشبوهه .. رأينا من يقتل ويتقبل العزاء .. ويسرق ويحاسب المسروق .. ويزني ويتباهى بالعفاف .. أمراض كثيرة رأيناها بعد ثورتي 25 يناير و 30 يونيو منها أن الناس جميعهم من الفلول والفاسدين .. ومن نفس الكأس شرب الإخوان منة .. فجميعهم ومعهم كل عارفيهم بعد 30 يونيو ليس أقل من إبادتهم والتنكيل بهم .. لم نعد نفرق بين الصالح والطالح .. بين المفسد ومن يجاهد ويناضل من أجل صالح البلاد والعباد .. هذة الموبيقات متى تتلاشى من حياتنا ومتى يعود للقانون هيبتة .. ومتى يخدم الصغير الكبير ويوقرة .. متى تعود الأمور إلى نصابها الطبيعى .. ألام الماضى البغيض .. هل تنزوي .. أم أننا ما زلنا إلى الغي سائرون .. وإلى طريق الندامة سالكون ومستمرون ؟؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله 
 
الشيخ / سعد الفقى

ابراهيم ابو سرية يكتب : إلى متى يعاني حملة وثائق السفر الفلسطينية في بلاد العرب؟


■ استبشر ابناء الشعب الفلسطيني شأنهم شأن اشقائهم العرب خيرا بما يدعى بالربيع العربي منتظرين ان يساهم في دعم قضيتهم ويعزز صمودهم و نضالهم ضد الاحتلال الصهيوني لارضهم ويساهم ايضا في تحسين ظروفهم وتنقلاتهم خاصة الذين يحملون وثائق سفر فلسطينية الصادرة من بعض الدول العربية الا ان هذا الاستبشار والامل لم يدم طويلا حيث تحول الربيع الى حريق يحرق بنيرانه ابناء الامة العربية ويدمر قدراتها ويقتل ابناءها وأدى الى فقدان بعض الدول العربية الامن والامان . الا ان ما حدث في مطار قرطاج الدولي في تونس الشقيقة قبل عدة ايام والمتمثل بمنع ما يقارب 30 فلسطينيا ممن يحملون وثائق سفر فلسطينية واحتجازهم في مطار قرطاج لمدة اسبوع محطة يجب الاشارة اليها في مسلسل المعاناة التي يتلقاها حملة وثائق السفر الفلسطينية في الكثير من بلدان العرب.
وما يلفت النظر ايضا ان تونس الرسمية ليست وحدها فلقد سبقتها ايضا لبنان والاردن فتونس كانت حاضنة للثورة الفلسطينية بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 والتي خرج فيها ابناء الشعب التونسي وقواه السياسية عن بكرة ابيهم لاستقبال المقاتلين الفلسطينيين على ارضها وتونس التي شارك ابناؤها في الثورة الفلسطينية وسقوا بدمائهم الطاهرة ارض فلسطين الابية وجنوب لبنان المقاوم وتونس مهد الربيع العربي الذي فجره محمد البوعزيزي.
وكان قدر الفلسطيني في بلاد العرب ان يدفع ثمن اي تغيير في المنطقة فدفع الثمن عند احتلال العراق للكويت حيث طرد مئات الالاف منهم ودفع الثمن كذلك في العراق بعد الاحتلال الامريكي حيث قتل وهجر الكثير منهم اما من بقي حيا فرفضت استقباله الدول العربية ولا زال مقيما في الصحراء او قتلته قوارب الموت في عرض البحر باحثا عن مأوى بعد ان ضاقت عليهم بلاد الاخوة العرب والفلسطيني.
دفع الثمن في سوريا بعد ان وصلت اليها رياح الحريق العربي فتم احتلال المخيمات الفلسطينية من طرف ثوار الربيع العربي وقتل العديد منهم ودمرت اجزاء واسعة من مخيمات اللجوء وشرد مئات الالاف من ابناء الشعب الفلسطيني وهاجر قسم منهم عبر قوارب الموت المتجهة الى اوروبا و لا يفوت الاشارة الى وجود اجهزة تابعة لبعض الدول العربية متخصصة في الفلسطينيين ووظيفتها التفنن في تعذيب الفلسطينيين وتضييق سبل العيش عليهم.
وفي ضوء ذلك المطلوب فلسطينيا ان تبادر منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والسلطة الوطنية الفلسطينية الي التدخل السريع وبلا خجل ومجاملة لهذا البلد العربي او ذاك في ايجاد الحلول لهذا الجزء المهم من ابناء الشعب الفلسطيني وان تعطيه الاهتمام الكــــافي والمطلـــوب من كتابنــــا العــــرب واعلامنـــــا العربــي ومنظمات حقوق الانسان فضح هذه الممارسات والتي مهما ادعى اصحاب الشأن الرسمي العربي وقدموا من حجج لا تخدم الا السياسة الصهيونية واخيرا لعل ما يطالب به الفلسطينيون من حملة وثائق السفر الفلسطينية هو وبكل مرارة مساواتهم بالاسرائليين الاشقاء العرب الجدد الذين يدخلون ويخرجون بلاد العرب ملاقين كل احترام وتقدير وحماية وحفاوة وكرف ضيافة عربي معهود واصيل .
ابراهيم ابو سرية
كاتب فلسطيني – موريتانيا
القدس العربي

غياب تنمية مواهبهم وتحقيق أحلامهم.... الجوع الثقافي يفقر الأطفال العرب


يستحق الأطفال العرب كما أقرانهم في الغرب أن تتاح لهم فرص تثقيف عادلة تمكنهم من تنمية مواهبهم وتحقيق أحلامهم، وأي تقصير من جانب الأسرة ومؤسسات المجتمع هو انتهاك لحقوقهم.

 يمينة حمدي

ملايين الأطفال في المجتمعات العربية لم يسبق لهم زيارة معرض فني، أو حتى مشاهدة عرض مسرحي أو ارتياد ناد ثقافي، وأغلبهم يُحرمون من هذا الحق حتى بلوغهم سن المراهقة.

ولا يبذل آباؤهم أي مجهود لتثقيفهم، بل يوكلون المهمة إلى المدارس في حين أن المسؤولية يجب أن تكون مشتركة بين جميع مؤسسات المجتمع لأن المؤسسة التعليمية وحدها لا يمكن أن نستقي منها الثقافة.

وقد ينصب تخطيط الآباء للترفيه على الأبناء في الغالب بالذهاب إلى حديقة عامة، أو زيارة مطعم للوجبات السريعة، لكن لا يدور بخلد أحدهم أن يشارك ابنه في فسحة تحسن معارفه الثقافية.

ويتناسى هؤلاء الآباء أن إحاطة أطفالهم بمختلف وسائل التثقيف في مراحل عمرهم المبكرة، حتى قبل دخولهم المدرسة، تلعب دورا كبيرا في تكوين شخصياتهم في جميع جوانبها السلوكية والعاطفية والمعرفية والجمالية والاجتماعية، لأن ما يتلقونه يمثل اللبنة الأساسية التي ستُبنى عليها حياتهم المستقبلية.

ويستحق الأطفال العرب كما أقرانهم في الغرب أن تتاح لهم فرص تثقيف عادلة تمكنهم من تنمية مواهبهم وتحقيق أحلامهم، وأي تقصير من جانب الأسرة ومؤسسات المجتمع هو انتهاك لحقوقهم.

وقد نصت عديد المواثيق الدولية على حق الطفل في حرية التعبير، وحرية طلب جميع أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها وإذاعتها، دون أي اعتبار للحدود، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة أو الفن أو بأية وسيلة أخرى يختارونها.

ومن الحقائق التي لا جدال فيها أن الاستثمار في قطاعات الطفولة يمثل جوهر التنمية الشاملة وأساس رقي المجتمعات وتقدمها، لذلك تركز الدول المتقدمة في سعيها الدؤوب نحو التقدم والتطور على الاستفادة من جميع الطاقات البشرية دون استثناء.

لكن الأطفال في العالم العربي يعانون من عوز كبير في المجال الثقافي، وحرمان من الاستمتاع بمختلف الفنون ومجالات الإبداع المتنوعة بسبب جهل الأسرة والمجتمع المدني بقيمة الرعاية الفكرية للأطفال.

علينا أن نفهم أن الفرد في أيّ مجتمعٍ لا ينتج ذاته، وهو ليس مسؤولا عن نجاحها أو فشلها، بل يستقي كل ذلك من التنشئة التي يتلقاها في مجتمعه، لذلك فتثقيف الطفل العربي ليس من باب الترف الفكري بل هو استثمار ناجع في قطاع التنمية.

وتعتبر دور الثقافة مثل المسرح والسينما والمعارض الفنية والنوادي الفكرية والكتاب من أهم المؤثرات المباشرة في صقل شخصية الطفل وتوجيه وعيه الثقافي، نظرا لقدرتها على التطور والانفتاح على مختلف أقطار العالم ومواكبتها لجميع متغيرات العصر.

ويجب أن تكون الأسرة إحدى أهم الوسائط التي تربط الطفل بمختلف الأنشطة الاجتماعية وتحببه فيها وفق ما يتماشى وميولاته، وهناك العديد من الوسائل التي نستطيع أن نثقف بها الطفل دون إرهاق لميزانية الأسرة وذلك بتقديم ما تيسر لهم من الكتب وتشجيعهم على ارتياد المراكز الثقافية واصطحابهم إليها، وإحاطتهم بالكتب التي تتماشى وسنّهم، وتشجيعهم على التحاور مع أقرانهم والتعبير عما يختلج بداخلهم.

كما أن المدرسة ليست مجرد مكان لتلقي العلوم فحسب، بل يجب أن تكون أيضا فضاء للهو واللعب حتى يتلقى التلميذ تكوينا متكاملا، وهذا يقتضي وجود أنواع مختلفة من الأنشطة التي يكتسب من خلالها الأطفال الخبرات والتجارب التي تمكنهم من مجابهة تحديات الحياة.
العرب

إعادة اكتشاف الثقافة العربية في تَحَوُّلها

رئيس التحرير : Unknown on الخميس، 29 مايو 2014 | 9:01 ص



كمال عبد اللطيف

تعني عملية إعادة اكتشاف الثقافة العربية، في أزمنة تَحوُّلها، الانتباه إلى الطبقات التاريخية الجديدة التي ساهمت، وتساهم، في إغناء ثقافتنا وتطورها. تزداد أهمية هذا المسعى، عندما نكون على بينةٍ من أن الثقافة العربية انخرطت، منذ ما يزيد عن قرنين، في عمليات تمثل وتأويل جوانب من المشروع الثقافي المعاصر، في ضوء أسئلة واقعنا في تحوله وتغيره، ما أدى إلى حصول عمليات مثاقفة، ترتب عنها تعميم معارف وقيم وأنماط من الفكر والإبداع، وسَّعت مجالات الثقافة العربية وحدودها.
وإذا كنا نؤمن بأن الثقافة فعل ينشأ في التاريخ، وتعتريه تقلبات الأفعال الحاصلة في التاريخ، فإننا مطالبون بمعاينة تحولاتها القائمة، حتى لا نظل سجناء تصوراتٍ، لا علاقة لها بالتحولات التي تحصل في دائرة الزمان. وضمن هذا السياق، نشير إلى أن المشروع الثقافي الغربي، في مختلف أبعاده وتجلياته، لم يعد يشكل، اليوم، في ثقافتنا خارجاً مطلقاً، ولعله أصبح جزءاً من مكوناتنا الثقافية. كما أن مكاسب المشروع الثقافي الغربي، في المعرفة والتقنية، لم تعد تخصه وحده، بل أصبح لمختلف ثقافات العالم فيها نصيب.
قد يعترض معترض على ما نحن بصدد توضيحه، فيشير إلى أن أشكال الممانعة المتواصلة في الفكر العربي، ضد الغرب ومشروعه في الثقافة والتقنية والقيم، يقدم الدليل على عُسر انخراط الثقافة العربية، في تمثل الفكر المعاصر واستيعابه، إلا أننا نرى أن المعارك الثقافية التي تتواصل، اليوم، في الثقافة العربية، بين المدافعين عن التحديث والمتحصنين بقيم الماضي، وإن كانت تدفعنا إلى الإقرار بعسر تَمثُّل دروس الفكر المعاصر وصعوباته، إلا أنها تضعنا في طريق الانخراط التاريخي اللازم في عملية الاستيعاب والتجاوز، على الرغم من كل أشكال الإقدام والتراجع والمراوحة بينهما. ندرك ذلك جيداً، عندما نقارن بين أدبيات رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي في الإصلاح السياسي، وقد تبلورت في القرن 19، وأدبيات أحمد لطفي السيد في مطلع القرن العشرين، ونقارن بين الأدبيات المذكورة وأدبيات عبد الله العروي وناصيف نصار في النهضة العربية، على سبيل المثال، نتبين صور التحول الحاصلة في ثقافتنا المعاصرة.
تساهم عمليات إدراك صور التحول التي عرفتها الثقافة العربية في الأزمنة الحديثة، في التخلص من استمرار هيمنة تصورات ومبادئ، لم تعد مناسبة لمتطلبات الشروط الجديدة التي تؤطر مظاهر الحياة في مجتمعنا، وتتيح لنا إمكانية المساهمة في بناء الثقافة العربية مجدداً. خصوصاً ونحن نرى أن الدفاع عن قيم الثقافة الحداثية، المتمثلة في قيم النسبية في المعرفة، والإنسانية في التاريخ، والتواصل بين الأفراد والمجتمعات في العالم، لا يعني بالضرورة أننا سنتخلى عن ذاتنا التاريخية، قدر ما يعني أننا نساهم في توسيع روافد التكوين الثقافي المتجدد، وهو الأمر الذي يؤدي إلى إغناء ذاتنا في التاريخ.
وما يجري، اليوم، في دول آسيوية كثيرة، من تقدم علمي ورفاه اقتصادي، يعد أكبر دليل على أن التعلم من الغرب لا يفقد الذوات التاريخية كياناتها الخاصة، قدر ما يعزز حضورها ومكانتها. فلم تعد خطابات الهوية الأقنوم قادرة على منح ذواتنا الروافع المساعدة في عملية البقاء، إنها تفرغ الذات من روحها النازعة نحو التبدل، وتجعلها عاجزةً مُغلقة على ذات بائسة ويائسة.
ففي قلب التيارات الثقافية المناصرة لمفاهيم الهوية والاستمرارية التاريخية، تنشأ أسئلة جديدة، تدعونا لإنجاز تَمَّلكٍ نظري تاريخي جديد لماضينا وتراثنا، فقد ظلت أعباء التاريخ العقائدية جاثمة على عقولنا وضمائرنا، وها هي تعود اليوم في صُور تستدعي مواصلة تشريحها، وتفكيك أنظمتها في النظر بأدوات الثقافة النقدية ومناهجها، ما يساعد في عمليات إعادة بنائها، ويسمح لنا، قبل ذلك، بتحقيق قليل، أو كثيرٍ، من التصالح مع القيم الجديدة في ثقافتنا.
نريد أن نوضح، هنا، أن عملية إبرازنا أهمية المكاسب الثقافية الحداثية في الفكر المعاصر، لا تستبعد، ولا تنفي، أبداً، الإشكالات النظرية والتاريخية الكبرى، التي ولَّدتها هذه المكاسب في مختلف مظاهر الوجود التاريخي للإنسان، فنحن نعي جيدا أن ثقافة الحداثة تواجه إشكالاتها الجديدة، محاولةً إيجاد الحلول المناسبة لها. ولا نعتقد أن هذه المسؤولية الأخيرة موكولة للثقافة الغربية وحدها، بل إنها مهمة كل الثقافات ومسؤوليتها التي انخرطت في أفق التفكير الحداثي المفتوح، أفق الثقافة الكونية التي ننظر إليها مشروعاً تاريخياً مفتوحاً، يهم الإنسانية المنخرطة بالأمس واليوم في مغامرة التاريخ المعاصر، بكثير من الإيمان بالإنسان وبطموحاته في التاريخ.
صحيح أن عمليات التنميط القسري، التي تمارسها آليات الأفعال التاريخية والثقافية المتعولمة في حاضرنا، تتجه لصوغ حالة من الوعي المسطح والمتشابه والمأزوم، إلى أننا لا نريد أن نتعامل مع الظواهر الكبرى، الناشئة في التاريخ، بلغة التخندق السياسي والثقافي، وهي اللغة التي تنتشر في المنتديات السياسية والثقافية، المناهضة للعولمة الاقتصادية. ففي المجال الثقافي، ينبغي بناء التصورات بحذر كثير، وبنظر نقدي كثير، يعلق الأحكام السريعة لمصلحة تعميق النظر، مع عدم إغفال شروط التحول الجارية في العالم ومقتضياته.
  العربي الجديد

تدمير الهوية الثقافية العربية

رئيس التحرير : Unknown on الأربعاء، 28 مايو 2014 | 7:42 ص



عبد الحسين شعبان

 

أثار صدور قرار قضائي من محكمة ألمانية بإعادة ثلاث قطع آثارية مسروقة إلى مصر ردود فعل مختلفة، لاسيّما بخصوص الجهود التي ينبغي تضافرها لاستعادة الآثار العربية المنهوبة والتراث الثقافي لعدد من البلدان العربية، خصوصاً العراق قبيل وبعد الاحتلال العام 2003 وسوريا في السنوات الأخيرة التي شهدت صراعاً دموياً منذ العام 2011 وإلى الآن، ومصر التي بذل بعض تجّار الآثار محاولات لتهريب بعض تراثها خلال السنوات الماضية .

 

وكانت “أور” السومرية التي تعتبر من أكثر المدن أهمية في تاريخ البشرية وورد ذكرها في العهد القديم ومعناها “مدينة القمر” قد تعرّضت لنهب وتخريب منذ العام 1991 حين شنت قوات التحالف حرباً ضد العراق بسبب غزوه للكويت في العام 1990 وما بعده، لاسيّما بعد احتلال العراق العام ،2003 ولم يكن اللصوص تجاراً أو سرّاقاً فحسب، بل كانت جهات دولية منظمة تقف خلفها بهدف الاستحواذ على آثار وحضارة “بلاد الشمس″، فضلاً عن أن جدران المدينة نفسها لم تسلم من التصدّع والانهيار بسبب الإهمال واللامبالاة بفعل استخدام آليات وعربات للقوات العسكرية المحتلة وأسراب المدرعات والدبابات، حيث ساهمت في تخلخل الكثير من المواقع الآثارية، والأمر حدث في بابل أيضاً ومواقع آثارية عراقية أخرى .وكانت منظمة اليونسكو قد أصدرت نداءً يقضي بوجوب إعادة المسروقات الآثارية، خصوصاً أن عدسات الكاميرات وشاشات التلفاز كانت تنقل عمليات النهب وحرق وتدمير المؤسسات والآثار الثقافية من دون أي رد فعل دولي يذكر، الأمر الذي يحمّل الاحتلال المسؤولية القانونية والأخلاقية، ما يستوجب تكثيف الجهود لملاحقة المرتكبين عن جريمة تدمير وسرقة الآثار الثقافية، مثلما جرى تدمير الدولة وقتل عشرات الآلاف من البشر، لاسيّما من المدنيين الأبرياء العزّل، ممن لهم الحق في الحماية بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977

 

لقد عمد الاحتلال بزعم القضاء على النظام الدكتاتوري إلى حل مؤسسات الدولة العراقية ونهب ثرواتها، إضافة إلى تدمير الهوّية الثقافية وتصحير الذاكرة التاريخية بسرقة الآثار الحضارية القديمة والتراث العربي- الإسلامي والمخطوطات والكتب والجامعات والعقول، وهو ما دعا العديد من الاتفاقيات الدولية إلى حمايتها، باعتبارها تراثاً يهمّ البشرية جمعاء .

 

ومثلما صمت المجتمع الدولي في العراق فإن نهب الآثار السورية لم يلقَ أي اهتمام جدي، حيث ازدهرت تجارة الآثار من جانب القوى المتصارعة التي لا يهمّها قيمة هذه الآثار الحضارية، بقدر ما هي معنية بأثمانها، وقد وجدت أسواقاً أو ممرات لها عبر عدد من البلدان العربية المجاورة، وربما وجد بعضها الآخر طريقه إلى “إسرائيل”، فالسماسرة يلبّون الطلبات مقابل العروض والمكافآت، وهو الأمر الذي حصل في العراق بخصوص الآثار التي تم تهريبها من بابل إلى تل أبيب، وهي كنوز حضارية بكل ما تعني الكلمة .

 

وفي مصر فإن القطع التي قضت المحكمة بإعادتها يعود تاريخها إلى نحو 5000 عام (الفترة التي تمتد بين الأسرة الحادية والعشرين إلى الأسرة السادسة والعشرين) وقد تمت سرقتها منذ خمس سنوات، ولكن المطالبة المصرية والتقدّم إلى القضاء الألماني ساهما في إصدار الحكم “التاريخي” حيث تم بموجبه توقيع بروتوكول بين وزيرة الدولة للشؤون الخارجية الألمانية ماريا بوهمر ومحمد حجازي السفير المصري في برلين، وكان قد تم ضبط القطع الثلاث في العام 2009 في شتوتغارت في محاولة لتهريبها إلى بلجيكا، حيث بدأت رحلة التهريب من القاهرة إلى إيطاليا ومنها إلى سويسرا، ثم إلى شتوتغارت الألمانية (والقطع الثلاث عبارة عن مسلّة صغيرة ومقصورة مجوّفة لتمثال وقطعة حجرية منحوتة فيها أربعة تماثيل متجاورة). ويعتبر تهريب الآثار وتجارتها من أخطر ما يواجهه المجتمع الدولي وتأتي بالدرجة الثالثة بعد تهريب السلاح والمخدّرات، في الأعمال غير المشروعة التي تقوم بها عصابات وجهات مريبة وبعضها يذهب لتغذية الإرهاب الدولي، بما يلحق ضرراً بتراث الإنسانية الثقافي وحاضرها وقيمها، وذلك يتطلب إعمال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بهذا الخصوص، بل والعمل على تطويرها لتشمل جميع الحالات وتمنع التسرب أو التحلّل من الملاحقة لوجود نقص أو ثغرة فيها أو في قوانين الدول المعنيّة التي يمكن أن تكون “ممراً” أو “مقراً” لهذه العصابات التي تمارس عملية السرقة والنهب للآثار والتراث الثقافي .

 

ومن هذا المنطلق فإن قرار المحكمة الألماني يعتبر سابقة لا بدّ من استخدامها أوربياً لملاحقة المتهمين بسرقة الآثار أو المتاجرة فيها، باعتبار ذلك محرّماً دولياً، وإن ما يتم إنما هو تجارة غير شرعية وغير قانونية، الأمر الذي يحتاج إلى تعاون الجميع لوضع حدّ لها، وهذا يتطلب أيضاً الضغط على الدول لإصدار تشريعات تمنع الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية والآثارية، انسجاماً مع القوانين الدولية والاتفاقيات التي تم التوقيع عليها فيما يتعلق بحقوق الملكية الثقافية . ومن أبرز الاتفاقيات الدولية على هذا الصعيد اتفاقية لاهاي لعام 1954 وبروتوكولها الأول الملحق بها والصادر في العام نفسه، واتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام ،1972 والبروتوكول الثاني لاتفاقيات لاهاي لعام 1999 الذي تضمن أحكاماً جنائية، واتفاقية التراث الثقافي المطمور بالمياه لعام 2001 واتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لعام ،2003 واتفاقية حماية وتعزيز وتنوّع أشكال للتعبير الثقافي لعام ،2005 إضافة إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام ،1988 وكانت اليونسكو قد أبرمت اتفاقية العام 1970 تناولت فيها التدابير الواجب اتخاذها لحظر منع استيراد وتصدير ونقل الممتلكات الثقافية بوسائل غير مشروعة مشدّدة على ضرورة فرض عقوبات وجزاءات إدارية على كل من يتسبب بخرق هذه القوانين .

 

وكانت واحدة من ثغرات القانون الألماني، هو وجوب تسجيل المنهوبات ضمن التراث الوطني للبلد المعني، وذلك قبل نهبها وأن يتم تقديم 16 وصفاً أو علاقة للقطع المنهوبة وغير ذلك من القيود البيروقراطية وغير الشرعية والتي تعتبر مثالب وعيوباً لاستمرار هذه التجارة غير الشرعية، التي تحتاج إلى حزم وتعاون دوليين .

 

وإذا كانت المنهوبات الثقافية وتجارة الآثار واحدة من أخطر أنواع التجارة غير الشرعية في العالم، فإن الأمر يتطلب سدّ النواقص والثغرات في القوانين السائدة في مختلف بلدان العالم، ودعوة جميع البلدان للانضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة بحظر تجارة الآثار الثقافية، وتعديل قوانينها طبقاً لذلك، كما يتطلّب من البلدان التي تتعرض للنهب والسرقة ملاحقة السرّاق وتجّار التراث الثقافي بجميع الوسائل المشروعة لجلبهم إلى القضاء وعدم التهاون بذلك، فقد كان الرئيس السابق حسني مبارك قد صرّح بأن رأس نفرتيتي سيكون بخير، فألمانيا ليست بعيدة عن مصر (أي لا يهم إن كان في مصر أو في ألمانيا)، وآن الأوان لوضع اتفاق أثينا العام 2007 موضع التطبيق بضرورة تعاون جميع الأطراف للحفاظ على الموروث الثقافي، الأمر الذي يقتضي على الدول العربية استخدامه على أوسع نطاق والمطالبة بإعادة آثارها المنهوبة والقضاء على تجارة الآثار الثقافية .

 

وسيكون مفيداً لتحقيق هذا الهدف عربياً، الانضمام لنظام محكمة روما واستخدام الآليات المعتمدة لديها، بملاحقة المرتكبين، سواء عبر مجلس الأمن ام عبر تقديم الشكاوى المباشرة أم تقديم المعلومات إلى المدعي العام مثلما يمكن للمجتمع المدني أن يشكّل قوة رصد ومراقبة وفي الآن ذاته قوة اقتراح بالتعاون مع المجتمع المدني العالمي لملاحقة هذه الظاهرة والضغط على الدول التي تتهاون إزاء مرتكبيها، كما يتطلب الأمر تعاوناً عربياً لملاحقة تجار الآثار وعدم جعل أراضي الدول العربية ممراً لهم للانتقال منها إلى العالم، ويقتضي ذلك تفعيل اتفاقيات العمل العربي المشترك بما فيها تسليم المجرمين.

 الزمان

 { باحث ومفكر عربي

الكابـوس العربـــــــي

رئيس التحرير : Unknown on الثلاثاء، 27 مايو 2014 | 7:56 ص



أعرف ان التفاؤل افضل من التشاؤم، كما أعرف ان هناك رغبة لدى الجيل الاكبر للوم الجيل الذي يليه، ولكني ايضا اعرف ان الوضع العربي في حال تدهور غير مسبوقة، منذ ان قيل لنا ان هناك عصرا عربيا بعد الحرب العالمية الاولى سمّي بـ (عصر النهضة) يبزغ، فانتظرنا النهضة، وحلمنا بها، ثم اصبحت كابوسا.

اصبح تعبير (الزمن الرديء) مرادفا لزماننا الحالي في كثير من الاوجه. تدهور ربما غير مسبوق في الفهم الديني، وتدهور غير مسبوق في الممارسة والفهم (الديمقراطي)، وتدهور غير مسبوق في (العلاقات الاجتماعية، وخلل في النسيج الاجتماعي) لكل دولة عربية، وخلل اقتصادي يكاد يوصلنا الى حد العوز، وهكذا ندخل في الزمن الرديء.

كنا نحلم بحد ادنى من الفهم الصحيح للدين، فاصبحنا سجناء فئتين (الاسلام الحركي) و(الاسلام التجاري). فالاسلام الحركي يريد ان يقول لنا انه يرغب في تحقيق (حياة تشابه حكم الراشدين الاربعة)، فاذا به يقسم البلاد كما حدث في السودان، ويحدث اليوم في ليبيا، ويشق الصف، كما حدث في مصر، ويعجز عن تنمية مستحقة في المغرب، ويقتل في العراق والشام وغيرهما من بلاد العرب، ثم يغرر بشباب تحت شعارات مختلفة منها (الدعوة) و(الجهادي) ثم يتبعه (الاسلام التجاري)، فيُنصِّب بَعْضٌ نفسه مرشدا وهاديا على صفحات الصحف وعلى قنوات التلفزة وعلى وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة، يغرر بطريقة غير مسبوقة، وغير عقلانية، تقريبا بجيل كامل، من خلال تغييب الوعي العلمي والعقلي، الى بناء خرافي اسطوري، يُشِيعون افكارا ليس لها سند عقلي او منطقي، لا يغيّبون به فكر الناس، ولكن يعالجون به حتى امراضهم ومستقبلهم، بل بعضهم يصل الى حال النصب الصريح على عقول البسطاء.

كنا نحلم بشيء من الديمقراطية، وهذا تقريبا قرن كامل يمر على لبنان وهي في سراديب الفرقة والطائفية، وهي البلاد التي كنا نسميها (بلاد النور للعرب)، فاذا كانت لبنان بهذا الوجه القبيح من المحاصصة، فكيف لنا ان نرى (ديقراطية) في مكان آخر من بلاد العرب الشاسعة، وهي تتعثر تقريبا في كل مكان، لا لسبب، الا لان (الثقافة العربية) السائدة لا تقبل ان تتعايش مع حد ادنى من الديمقراطية الحقيقية، بل في اماكن اخرى زادت (الممارسة الشكلية للديمقراطية) من التوتر الاجتماعي والانقسام المجتمعي.

كنا نحلم بتعليم افضل وحياة افضل، فاذا بنا نفاجأ بان عدد المنظمات التي تسميها رسميا الامم المتحدة (منظمات ارهابية) وهي نحو ست وستين منظمة حول العالم، كثير منها مرتبط بديننا الحنيف او بعروبتنا، فاصبحنا امام انظار العالم وكأننا (بؤرة ثقافية) للارهاب من داعش الى كوكو حرام!!

دساتير تتغير بسرعة غير مسبوقة في العالم، ودساتير تبقى كأنها صنم معبود لعقود من السنين، الارقام العربية في اللجوء من اعلى الارقام، لاجئون فلسطنيون نسيناهم، ولاجئو سورية في طريقهم الى النسيان، وشباب يهاجرون مغامرين بحياتهم في سفن بدائية هربا من الجحيم الى الموت. إنفاق في دولنا من دون موارد، وحتى المجتمعات ذات الموارد الحالية، يقول لنا العالم انها سوف تصبح من دون موارد في ظرف عقود قليلة من الزمن.!

هل رسمت الصورة بكاملها؟ لا اظن، فالصورة اقبح من ذلك بكثير، ليس بسبب الواقع، انما بسبب فراغ ادمغتنا من الابتكار لمواجهة هذا الواقع، فنحن في الغالب نُعلّم في مدارسنا وجامعاتنا (علما غير نافع) بل (علما ضارا) لانه يتكئ على مقولات تاريخية ليس لها علاقة بحقيقة التاريخ ولا يهتم من قريب او بعيد بمعادلة بسيطة قامت معظم المجتمعات بحلها، وهي: (تعليم من اجل سوق العمل)، تجارب مختلفة من الصينية الى السنغفورية الى الكورية الجنوبية حققت ما ترغب لانها اعتمدت المعادلة القائلة: ان افضل راسمال ينتشل الشعوب من وهدتها هو (راس المال البشري). نحن نعرف ايضا ذلك، ولكننا نريد وآخرون يريدون العكس، وهو الكابوس الحقيقي.

العرب اليوم
* استاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة الكويت

الثقافة الشمولية أنجبت الحروب الطائفية


غسان الإمام

هل نعيش لنأكل؟ أم نأكل لنعيش؟! سؤال حير الفلاسفة والعلماء. قيل في الأثر: «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع. وإذا أكلنا لا نشبع». وهذه قاعدة صحية سليمة اعترف بها العلم والطب.

تفاهة كبيرة. وابتذال للحياة، القول إننا نعيش لنأكل. يكفينا، إذن، من الغذاء ما يحفظ الحياة. الإنسان يجب أن يعيش. ليعمل. ليفكر. يبتكر. العمل انتج حضارة. الفكر انجب ثقافة. تعددت الحضارات والثقافات الإنسانية. كلما ازداد الإنسان ثقافة توسعت معرفته، الاطلاع على الثقافات الإنسانية يشحذ ذكاء العقل. ويحرر الإنسان من أسر ثقافة واحدة. الثقافة الشمولية. الثقافة التي تدمن الكراهية والتعصب، لعرق، لون. عشيرة. طائفة. وطن. عقيدة آيديولوجيا.

غير ان الثقافة الرفيعة ظلت حكرا للنخبة القادرة على السمو فوق الهامشية. والعادية. والابتذال. مأساة العالم تكمن في أن معظم الساسة الذين أداروه ويديرونه، لم يكونوا من هذه النخبة المثقفة. فإن لم تنفعهم حكمة التجربة والخبرة. ورطوا المواطن والعالم بالكارثة. مات مائتا مليون إنسان في حربين عالميتين وحروب السنين السبعين الأخيرة.

نحن العرب العاديين لا نملك ثقافة النخبة. لكن كنا وما زلنا أذكى وأعقل من حكامٍ، كأمثال صدام حسين والأسد الأب والابن، فيما كانت ثقافة القذافي أشد خطرا من أمية هؤلاء. كانت ثقافة مشوشة. لا ناضجة. فلم تساعده على تشكيل مشروع سياسي/ اجتماعي، يوحي بأنه حاكم سليم العقل. والنيّة. والسلوك، في عالم خطر ومتقلّب.

الثقافة الرفيعة تعين الإنسان على هدهدة طموحه. وتشكيل موقف واقعي. ورأي منطقي. وسلوك متواضع ومريح في الحياة، كي لا يهدّه الإحباط في حالة الإخفاق. أشباه المثقفين وأشباه الأميين والمتعلمين يشكلون عبئا على أنفسهم. فهم يعيشون ليأكلوا فحسب.

المصيبة أن الإعلام المسموع والمقروء (التليفون. الإنترنت. الصحيفة) ينقل آراء هؤلاء الاعتبارية فقد شكلوها غالبا بفطرة العجلة غير الموضوعية واللامدروسة. فساهموا، ربما عن غير قصد، في بعثرة الرأي العام. وتفريق المجتمعات. وتمزيق السياسات والثقافات.

أستدرك. فأقول إن ثقافة النخبة ليست بضرورة محتمة للسياسي المحترف أو رجل الدولة المسؤول. كان علي أمين صحافيا غير مثقف. لكنه جعل «الأخبار» و«أخبار اليوم» تُقرآن من الصفحة الأخيرة، بزاويته «فكرة»: بساطة في الموضوع. حلاوة في الاختيار. أناقة في العرض. مهارة في الاختصار. رشاقة في الأسلوب. ثم حزن. خفي. رقيق. محبب إلى نفس القارئ. استأنف مصطفى كتابة زاوية (فكرة) بعد وفاة شقيقه المبكرة. لكن مصطفى كان قد تقدم في العمر. وفقد السخرية الناعمة التي جعلته أكبر صحافي عربي ساخر، في الأربعينات والخمسينات المصرية.

محمد الماغوط تتمّة مكملة لمصطفى أمين. كلاهما لم يستخدم العامية. كلاهما سخر من العالم. المجتمع. النظام، بالفصحى. كلاهما أثبت أن الفصحى أكثر رشاقة وسحرا من العامية، في النقد والسخرية. اكتشف الصحافي أحمد عسَّهْ الصحافي الساخر محمد الماغوط، فاستكتبه في صحيفته (الرأي العام) في الخمسينات. وفي بيروت، اكتشف أدونيس «الشاعر» الماغوط. كان الماغوط يفخر بأنه «غير مثقف». كان يقول: «لو كنت مثقفا، لقلت شعرا غير مفهوم، كشعر أدونيس».

كان اللبنانيان سعيد فريحه وسليم اللوزي صحافيين كبيرين وغير مثقفين. اجتذب سعيد فريحه عشرات ألوف القراء في مجلته (الصياد) بروح وأسلوب مدرسة محمد التابعي المصرية التي خلّصت الصحافة العربية من السجع والتكرار. وأدخلتها عصر اللغة الصحافية الحديثة.

عاد سليم اللوزي من مصر إلى بيروت، ليؤسس مجلته (الحوادث) في الستينات. فمع أناقة المجلات اللبنانية، بجرأة تحقيقه السياسي، وبقدرة زميله جهاد فاضل، على إثارة الأدباء والمثقفين بتحقيقه الثقافي. قتل اللوزي وكاتبه المثقف صلاح البيطار في عام واحد (1980). فقد كان نظام الأب، آنذاك، في ذروة أزمته الحادة، حول الديمقراطية. وحرية الصحافة. والتعبير، مع النقابات الليبرالية المستقلة للطبقة الوسطى السورية.

لكن كيف أوقدت الثقافة الشمولية حروب الكراهية المذهبية المستعرَّة اليوم في العالمين العربي والإسلامي؟ لست من هواة تسعير ثقافة العداء والكراهية ضد أميركا والغرب. لكن الثابت أنها هي التي تبنّت تيار الكراهية الدينية لكسب حربها الباردة ضد «الكفر» الشيوعي، في أفغانستان وأوروبا الشرقية. وضد التطاول الشاهنشاهي على نفوذها ومصالحها في الخليج. ثم شجعت النظام العربي على تصفية ما تبقى من فلول الماركسية والناصرية في الشارع. والجامعة. والنقابة.

استعانت أميركا بالإسلام «الإخواني» في هذه التصفيات. فانبثقت عن الأصولية الإخوانية تيارات الإسلام «الجهادي» التي طالبت أميركا بدفع «الجزية» لقاء الخدمات التي قدمتها لها في الحرب الباردة. وكان الخميني أول من أرسى مبدأ «الشهادة» الانتحارية، لاختراق العالم العربي من بوابته الشيعية في لبنان والعراق.

لم يدرك العرب عمق الحلف الشيعي/ العلوي، عندما وقف الأسد الأب في مؤتمرات «البعث» في الثمانينات، ليعلن رغبته في الموت «شهيدا» وفق «الشهادة» الخمينية الانتحارية، وذلك بعد ارتكابه مجزرة حماه، وتصفيته مع المخابرات الإيرانية المخابرات الغربية في الثمانينات اللبنانية. وهكذا، بات الخميني عند الأسد «بعثيا بعمامة»، حسب رواية مصطفى طلاس وزير دفاعه المزمن.

ثقافة الكراهية الشمولية التي أشعلها التطرف الشيعي و«الجهادي» ضد أميركا، ما لبثت أن توسعت. وتحولت في القرن الجديد، إلى غزوات كراهية متبادلة في العالم الإسلامي (باكستان وأفغانستان مثلا). وإلى حرب كراهية دموية في العام العربي (سورية. العراق. اليمن. وربما غدا في لبنان).

من حق الخليج العربي أن يشعر بالقلق، من احتمال عقد صفقة جديدة تسلم أميركا أوباما فيها سوريا إلى إيران، في مقابل تجميد مشروعها النووي المضايق لإسرائيل. الصدمة للعرب ستكون كبيرة، إذا ما استكمل اتفاق التجميد النووي، بالإفراج عن مبلغ مائة مليار دولار (إيراني) مجمد في المصارف الغربية. عندها ستكون إيران قادرة على تمويل حربها. واستكمال هيمنتها على المشرق العربي، والدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد مع العرب المدافعين عن عروبة سوريا.

كيف يمكن وقف حرب الاستنزاف بين العرب وإيران، ومنع أميركا أوباما من توظيف الإسلام (الإخواني) في خدمة حلف «الجنتلمان» الجديد مع إيران؟ لا بد أولا من «تنفيس» ثقافة الكراهية التي أنجبت الحرب الطائفية بين الإسلام الشيعي والإسلام «الجهادي».

هذه الحرب مرشحة للاستمرار طويلا، طالما أن رموزها كحسن نصر الله في لبنان. والمالكي في العراق. وجنرالات الميليشيات الإيرانية، يقولون إن استرتيجية الدفاع الإيرانية تمتد من إيران، إلى جنوب لبنان. وطالما أن الإسلام «الإخواني» يتحالف في مصر مع الإسلام «الجهادي»، لإعاقة النظام المصري عن القيام بدوره، في الدفاع عن عروبة المشرق العربي.

الأمن القومي العربي مهدد أيضا بحرب الكراهية العبثية التي يشعلها الإسلام «الجهادي» في بلدان المغرب ضد النظام العربي، وفي بلدان الساحل في أفريقيا، وصولا إلى تشاد شرقا. ونيجيريا بوكو حرام جنوبا. القضاء عليها يفرض المصالحة بين المغرب والجزائر. واستعادة ليبيا من فوضى السلاح «الإخواني» و«الجهادي» الذي تموله نزاعات على النفوذ والمصالح الضيقة بين الأنظمة العربية.

أخطأت الليبرالية الناصرية المحافظة الممثلة بالصحافي محمد حسنين هيكل، في عدم اعترافها بانتقال مركز الثقل السياسي والمادي العربي إلى السعودية والخليج، فيما تبدي الناصرية الليبرالية الشعبية الممثلة بحمدين صباحي استعدادها للتعاون والتنسيق مع الخليج. الناصرية كحركة قومية لم تشن حرب كراهية على العرب والمسلمين. وظلت نزاعاتها محصورة بين فصائلها. العجيب أن ثقافة الكراهية التي تشنها دولة دينية كإيران، تسمح لزعماء ميليشياتها بمواصلة حرب مذهبية في سوريا، تفتك بالأطفال. وتشرد الملايين. وتهدم العمران. ثم يقول هؤلاء إنهم دولة إسلامية

الشرق الاوسط
.

المثقفون العرب وما بعد الحداثة الثقافية


سالم سالمين النعيمي

إن حدوث تصدعات تهدد انقراض النوعية في الثقافة العربية متعددة المسارات ليس مفاجأة في ظل معيارية أفلاطونية مطاطة تحكمها مفاهيم التنوير العقلانية النخبوية، والمركزية الأحادية لثقافة الدوائر الثقافية حول السلطات والثقافات المسيطرة عالمياً وتجاهل المثقفين والمثقفات الواقعين المعبرين عن حال الوطن والمواطن. وهذا بدوره أدى إلى اغتراب قهري للثقافة المحلية، وبزوغ شمس الثقافة المعولمة والإلكترونية التي جعلت العالم العربي بين مطرقة التبعية الثقافية وسندان الأصالة والتغريب في ملحمة التفاوض الحضاري لصعوبة قبول التنوع الثقافي للمعرفة التي تؤثر في عقيدة الفرد وسلوكه ونشوء ثقافة المدينة أو الإقليم في كل دولة كثقافة مستقلة، وداخل كل مدينة ثقافات متنوعة فرعية وثقافات إلكترونية افتراضية متعددة سكانها يعيشون في عالمهم الخاص، وكأن مجموعات ومنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي تلك إعلان صريح باستقلاليتهم عن المجتمعات التقليدية.

ومن هنا تبرز القيم الثقافية التكنولوجية والقيم الثقافية العابرة للقارات تدفعها وسائل الإعلام الحديثة في حراك متشابك، وتبرز أيضاً أهمية النظام الاقتصادي الجديد في رسم خريطة لمخاطر ثقافات حافة الهاوية الذوقية وأنماط السلوك الثقافية المرتبطة بها، وتحول الوعي الجماعي للهروب من ثقافة القالب الواحد بين المثقفين إلى آلة حادة تجرح إبداع من يخرج خارج نطاق الفضاء الجوي للثقافة الدراجة في وطننا العربي الكبير.

حدث هذا بعد أن وجد المثقفون أنفسهم بعد 500 سنة من التبعية لثقافات الإمبرياليات المختلفة ومحاولة تعريب تلك الثقافات أو إحياء الموروث القديم للثقافة الأم تحت حصار ذاتي وخارجي وراء سياج من البلطجة الفكرية والأدبية والفنية للمقبول تصنيفه كإنتاج ثقافي أدبي فني، ومن يستحق أن نطلق عليه لقب مثقف وفق معايير الثقافة المرتبطة بالأنماط الثقافية التاريخية والتفوق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والصناعي والمعرفي والإقصائية الدينية، وهذا قد نتج عنه ظهور فئات ركبت وتبنت موجة القومية والمشاعر المناهضة للاستعمار وكل ما هو غربي، وفئة أخرى أدمنت الاندماج الكلي وتتبنى كل ما هو غربي لتحقق الريادة الثقافية بمنأى عن الفئة المعتدلة العالقة في الوسط، والتي تعاني من غياب الاهتمام بها من جميع الأطراف.

أما الفئة الحداثية في الثقافة العربية، فهي تيار المستقبل بعد أن وصلت المدارس الثقافية الأخرى ذروتها في الانهيار، من حيث فقدانها للشعبية ومصداقية قبول الشارع، في ظل زحف انتشار ذاتي من قوى قومية الكترونية ومجتمعات التواصل عن بعد والمعلومة الفورية، وسلوك اجتماعي تعاد صياغته بصورة يومية بتطور حراك الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية والمعرفية الذكية في عالم الشبكة العنكبوتية والتي تعيد كتابة الثقافة ومعطياتها والإعلام وآفاقه في عصرنا الحالي وما هو قادم.

ولا أعلم إنْ كانت الحقبة التي تدعي النهضة العربية فعلاً نهضة أم نزوة تفكيكية وتوفيقية وفكر حر ومقيد في الوقت نفسه ومغالط فيه؟ حيث محدودية التأثير الجمعي والتركيز المحصور على محاولة فاشلة لتجديد القيم التقليدية مع إضافة النكهة الأوروبية لتحقيق التوازن في الوزن الكلي للحركة الثقافية الفكرية والفلسفية العربية والتي لا تزال ليومنا هذا بعيدة عن كونها ثقافة شعبية، وبالتالي تتبنى مفاهيم حركية فاشية وماسونية لا وجود للعقلانية الفكرية فيها، وتتبنى أيضاً قومية سلبية لا تشعر بنفسها إلا إذا خاصمت غيرها.

وأرى أن معضلة الثقافة في عالمنا العربي تكمن في أن مضمون القيم الإنسانية العليا في الغالب ليس جزءاً من العادات والتقاليد التي نتبناها حتى أصبحنا في خلاف وتباعد كبير مع القيم العليا الثقافية للحضارات الأخرى، وهذا الاستيعاب الانتقائي للقيم الثقافية تماشياً مع نواة مركزية العقيدة، كان الفارق المميز بين قيمة التحديث في السياق العربي الإسلامي والسياق الغربي، وحيرة المثقف العربي الحداثي لصعوبة انتمائه لجذوره الثقافية التقليدية، التي لا يشعر بها كما ينبغي وتحدي تحديد مكان له ضمن الروافد الأساسية لثقافة حضارته وما ساهم في صياغة خلفيته الثقافية وفق معايير التكامل والتبادل الثقافي بين الثقافات المعاصرة لا يجد له مرجعية في مدارس الفكر والثقافة العربية الأكثر انتشاراً وشهرةً.

فبعيداً عن الرومانسية وتعلقاً بالماضي، فإن ما حققته البشرية في القرن العشرين والقرن الحالي يفوق بكثير ما أنجزته الحضارات على امتداد آلاف السنين، فمثقف ما بعد الحداثة، وهو الأمل المرجو نحو نهضة عربية جديدة، يأتي من خلال التغلب على معوقات العقل العربي وتعلقه بالمألوف الأدبي والفني والتزامه بالحدود الثقافية التعسفية والشعارات المؤدلجة وغياب الوعي الثقافي المجتمعي، فالانقسام المعاصر في المجتمع العربي بصورة عامة سيكون بين هذه الفئة والفئة المثقفة التقليدية، وما يحدث من انتشار للإسلام السياسي المتطرف بين الطبقات المهمشة فكرياً ومعرفياً وثقافتها الماضاوية، فلمن ستقرع الطبول؟ وهل سيكون الانتصار النهائي للمادية الثقافية العقلانية، أم الدينية، أم الحداثية، أم ستميل الكفة لهاجس الرومانسية الثقافية العربية وإرث النهضة الثقافية العربية الذي لم يكتمل بناؤه النهضوي؟

ويتساءل المثقفون والمبدعون والفنانون العرب من يوجه البوصلة الثقافية للعالم العربي والإسلامي في وقتنا الحاضر بعد أن وجدوا أنفسهم فجأة في حقبة الرأسمالية الثقافية المتأخرة، أو ما بعد الحداثة دون التدرج والمرور بعصر الحداثة ثقافياً، حالهم حال المجتمعات التي يعيشون فيها بصورة عامة. واليوم كل إنسان يستطيع نشر أعماله وأفكاره، ويتابعه في ثوانٍ معدودة الآلاف حول العالم ويتفاعلون معه مباشرة، ولذلك لم تعدْ الثقافة فقط لمن يملك الثقافة الواسعة والفكر المميز، بل الكل يستطيع أن يكون جزءاً من الحراك الثقافي في مجتمعه.

وأرى أنه من المهم جداً ألا ينشغل المثقفون في سباق اللحاق بما تصنفه الثقافات الأكثر انتشاراً وتأثيراً، فكراً نوعياً، وفق معاييرها والوقوف لالتقاط الأنفاس الفكرية النقدية بغرض البناء وإجراء مراجعات حقيقية موضوعية في عصر الثقافة الهجينة المدفوعة بالثورة المعرفية المعلوماتية، فالاستبداد الفكري الممارس علينا كشرق لا يؤثر في حياتنا في الوقت الراهن فقط، بل سيمتد إلى المستقبل، وبين النسخ والتقليد لما ينتجه الآخرون وحصرنا لخصوصيتنا الثقافية المادية والمعنوية بماضينا فقط، وبؤرة الأزمة هي عقولنا النمطية.

الثقافة ليست علما بقدر ماهي فلسفة حياة وفكر وانعكاس لمورث فكري وفلسفي وفلكلور إنساني يفسر كيف نرى ونتداخل ونتأثر كبشر، مع ماهية الإبداع والابتكار التخيلي الذهني سواء تحول وتبلور مادياً أو معنوياً، أو بقى في الوجدان والذهن والمشاعر الجمعية والفردية في المجتمع، ناهيك عن أن منظومة المعنى والقيم أصبحت تختلف من إنسان إلى آخر.

فهل هي أزمة إدراك وفهم، أم أن الاستنتاجات دون مقدمات ليست جزءاً من الثقافة بالضرورة؟ الثقافة اليوم في مرحلة ثورة حقيقية خارج أسوار المدينة الفاضلة للإرث التاريخي لها وعدم التناغم بين الإرادة الفردية والجماعية في التغيير خارج إطار منظومة هندسة الثقافة بصورة عامة. كما أن ثقافة اللا فكر والسطر الأوحد والتطبيل الإلكتروني هي مسار جديد يسطع في عالم التنوع الثقافي وذوبان نسبي لظواهر التطابق والتماثل الاجتماعي الفكري، حتى أمست ثقافة الظل الافتراضي سلطة ثقافية قاهرة وقتية خاضعة لمتغيرات تكنولوجيا الاتصالات والتواصل الاجتماعي. والانسياق الجماهيري، لتلك الظاهرة حتماً يجعلها إرادة جماعية ثقافية، أم هي فقط مجموع لإرادات أفراد مختلفين، كما أن العاملين بالثقافة التنموية ليسوا جزءا من استراتيجيات الدول العربية بجانب تداخل الثقافة مع الرأي العام التفاعلي ودور النشر والعرض الذاتية في المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهاتف الذكي
الإتحاد