بقلم: سليمان قناوي
اقترب العيد الثاني لثورة 25 يناير ولايزال الثوار كل في طريق. نسي الجميع ولا أعفي فصيلا او تيارا او حزبا أو جماعة، ايام الشقاء الـ 18 اللذيذة التي تقاسم فيها الجميع النوم على الاسفلت في برد يناير، واقتسم الكل اللقمة معا، ولم تفرق رصاصات الغدر وخرطوش الخيانة يومي جمعة الغضب وموقعة الجمل بين احد من اغنياء الثوار او فقرائهم . اليوم.. نسي الجميع ولم يستدع احد مشاهد الاصطفاف الوطني الحقيقي والعيش المشترك بين المصريين جميعا: سلفي وقبطي، اخواني وليبرالي، اشتراكي ويميني، ناصري وجهادي، خلال لحظات العز الثورية القليلة في حياة هذه الامة. كتبت من قبل وأكرر هنا انني لن أنسى ما حييت مشهد الثائر القبطي بميدان التحرير، الذي رأى عددا من الثوار يقيمون صلاة الظهر في جماعة خلال ايام الثورة، واكتشف ان المصلين في الصفوف الاخيرة لا يسمعون تكبيرات الامام، فتولى هو ترديد التكبيرات وراء الامام بصوت عال حتى يسمع المصلون.
ماذا حدث لنا بعد سقوط مبارك وخروجنا جميعا من الميدان، لماذا اصابنا فيروس التشرذم وطاعون الفرقة وايدز التشاحن وبكتيريا عدم الاتفاق على اي شيء وكل شيء، حتى الحد الادنى لاي اتفاق تركناه وراء ظهورنا؟ واسأل هل هذا هو الوفاء للثورة ومطالبها؟ لقد احتكم الشعب بأكمله الى صندوق الانتخابات في البرلمان بمجلسيه والمقعد الرئاسي، والمنطق الديمقراطي الطبيعي السائد في كل من الديمقراطيات العريقة والناشئة يشير الى ان هذه الصناديق لا بد ان تفرز فائزا ومهزوما في الانتخابات الرئاسية، واقلية واغلبية في مجلسي الشعب والشورى، فلما جاءت الصناديق بما لا تهوي أنفسنا، انقلبنا على أعقابنا، ورحنا نحرق الارض من تحت اقدام الفائزين، وهي آفة العقل المصري والعربي كله، ولو جاء الصحابة ليحكموا مصر اليوم، لسلخوهم بألسنة حداد شداد، فالاقصاء والاستئصال متجذر داخل عقولنا، والخير اذا جاء عن غير طريق حزب معين او تيار معين، هو شر كله.
هل من الوفاء للثورة، اعتبار قرار رئيس الجمهورية بإقالة المشير طنطاوي والفريق عنان، بأنه لا شيء لأنهم كانوا "كأعجاز نخل خاوية".. سيسقطون، سيسقطون، فلا فضل لمرسي في ذلك. لو كان هناك اعلام اخواني كما يدعون، لاطلقوا على ما حدث من قرارات في 12 اغسطس الماضي تعبير ثورة لانها في رأي البعض انهت الحكم العسكري لمصر وأعادت الوجه المدني للدولة المصرية التي صدعوا دماغنا بالمطالبة بها "مدنية.. مدنية" و"يسقط.. يسقط حكم العسكر".. هل نسيتم الكاتب الكبير الذي حول هزيمة يونيو 1967 الى نصر لأن اسرائيل سعت من خلال الحرب الى اسقاط عبد الناصر، إلا اننا انتصرنا- كما زعم - لأن ناصر استمر! هل نسيتم الاعلام الساداتي الذي حول الانقلاب المضاد الذي قام به في 15 مايو 1971 ضد خصومه الى ثورة ، لو كان هناك اعلام اخواني، او متأخونا - كما يزعمون - لطبل وزمر لقرار عودة مصر فعليا الى مصاف الدول المدنية الحديثة، الكلمة فيها للرئيس المنتخب انتخابا حرا مباشرا من الشعب، والتشريع فيها للبرلمان المنتخب انتخابا حرا مباشرا من الشعب. لايمكن لمن سفه هذا القرار ان يكون وفيا ابدا للثورة.
الاوفياء للثورة يجب ان يمدوا يد المساعدة للجنة تقصي الحقائق في قتل واصابة الثوار التي شكلها الرئيس بعد5 أيام فقط من توليه المنصب، كل من عنده شهادة على واقعة عايشها، او يحتفظ بعيار طلق ناري اطلق في اي ميدان من ميادين الثورة، او صور او سيديهات لوقائع القتل والاصابة، عليه ان يكون وفيا للثورة ويتقدم بها الى هذه اللجنة لوجه الله سبحانه وتعالى وصالح العدالة.
الوفاء للثورة يجعلنا لا نتربص بقرارات الرئيس والحكومة ونسارع الى التهجم عليها فور صدورها دون انتظار لما ستسفر عنه من نتائج، لان البديل الذي تطرحه القوى السياسية المناوئة هو ثورة جياع او انقلاب، والسيناريوهان مخيفان ولن يسلم منهما حتى من يدعون اليهما. على الاوفياء للثورة ان يدركوا ان هناك فارقا بين هدم النظام وهدم الدولة، وان الاحتجاج الدائم والرفض المستمر لكل شيء وأي شيء، سيؤدي الى هدم الدولة وانهيارها وهذا سيكون وبالا على الجميع مؤيدين ومعارضين، ظالمين ومظلومين.
وحتى نقول ما لنا وما علينا، فإن الوفاء للثورة يقتضي من الرئيس مرسي الافراج عن سجناء الرأي الذين اعتقلوا منذ احداث الثورة وحتى الان ومنع إحالة المدنيين الى محاكم عسكرية..نطلب من الرئيس وقد كان قبل80 يوما، مثلنا مواطنا عاديا يكابد بشرف لمواجهة اعباء الحياة ويكافح الغلاء المستعر، نطلب منه ان يتذكر الغلابة الذين طحنهم الفقر والغلاء، وندعوه ان يصطف الى جوارهم حتى يعلم عن قرب آلامهم ومعاناتهم. نريد منه ان يسعى لاعادة تشغيل المصانع التي توقفت بعد الثورة لمواجهة اعداد العاطلين المتزايدة.. هذه مطالبنا البسيطة التي نتمناها حتى يتحقق شعار الثورة الذي خرجنا نهتف به "عيش، حرية، كرامة انسانية"." أخبار اليوم"
إرسال تعليق