بقلم: عماد الدين حسين
لا يكفى أن نسب ونلعن الكاتبة الأمريكية روبين رايت، لأنها كتبت مقالا خطيرا وصادما فى صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية قبل يومين توقعت فيه أن تتفتت خمس دول عربية إلى 14 دويلة.
هذه المحللة صاحبة كتاب «الغضب والتمرد فى العالم الإسلامى»، قالت إن سوريا مهددة بالتقسيم إلى ثلاث دويلات سنية وكردية وعلوية والسعودية إلى 5 دويلات وليبيا إلى دولتين أو ثلاث هى طرابلس وبرقة واحتمال فزان ،والعراق إلى ثلاث دول كردية وشيعية وسنية واليمن إلى دولتين.
من أسهل الأمور أن نهاجم الكاتبة وبلدها ومعهما بالطبع إسرائيل ونعيد ونزيد فى المؤامرة الصهيونية الأمريكية لتقسيم وتفتيت الوطن العربى. نفعل ذلك ثم نمارس حياتنا الطبيعية وكأن شيئا لم يكن.
هل هناك مؤامرة أم لا؟.
فى ظنى أن هذا ليس هو السؤال الصحيح، فالبديهى ان إسرائيل عدونا الاستراتيجى الأول مزروعة فى المنطقة خصيصا لتمنع تقدمه وتوحده ووجودها فى حد ذاته مؤامرة مستمرة.
إذن فالمفروض ان المؤامرة لم تعد كذلك لأنها صارت معلنة، والدليل اننا نتحدث عنها منذ سنوات طويلة وكل فترة تتخذ مسمى جديدا طبقا لنوع وطبيعة الضحية أو المأساة: مرة نسميها لبننة ومرة صوملة وثالثة أفغنة ورابعة عرقنة والآن «سورنة» نسبة الى سوريا، ونسأل الله ألا يأتى يوم نقول فيه «مصرنة».
من الطبيعى ان يخطط الأعداء لجعلنا ضعفاء، السؤال المنطقى هو: ماذا فعلنا نحن لنمنع هذه المؤامرة؟.
الذى يجعل هذا البلد قابلا للتقسيم ليس مؤامرة أمريكا وإسرائيل فقط، لكن حال البلد وتفككه وجهله وتخلفه الشامل وعدم قدرة شعبه ونخبته على التوحد هو الذى يقسمه ويفتته.
هناك سؤال بسيط: سوريا فى حالة حرب مع إسرائيل منذ عام 1948 والجولان محتل منذ عام 1967، والطبيعى أن إسرائيل كانت تتمنى تفكك سوريا واشتعال صراع أهلى فيها منذ عشرات السنين، فلماذا لم تقم هذه الحرب إلا الآن؟، ببساطة لأنه كان هناك قدر من التماسك بين مختلف القوى والفئات فى سوريا منعت التفكك، لكن عندما انهار هذا التآلف الهش شهدنا المأساة الراهنة التى لا يستفيد منها إلا إسرائيل وكل أعداء أمتنا.
سبب كارثة سوريا ليس إسرائيل فقط، بل نظام الأسد وفشله فى إقامة حد أدنى من الديمقراطية والتوافق الوطنى إضافة إلى فشل النخبة فى بلورة معارضة فاعلة. نفس الأمر ينطبق على العراق.. ما كان يمكن لأمريكا ان تدخل العراق وتدمره منذ عام 2003 لولا بطش صدام حسين ـ رغم شعاراته النبيلة ـ إضافة إلى المعارضة التى جاءت على ظهر الدبابات الأمريكية.
سؤال آخر منطقى: ما الذى يمنع القوى السياسية السودانية من التوافق منذ 30 يونيو عام 1989 حينما وصل عمر البشير بانقلابه الشهير.. ولماذا انفصل الجنوب عن الشمال ولماذا لم يتوقف القتال الأهلى والجهوى فى دارفور وكردفان ومناطق أخرى منذ سنوات؟!.
السبب الجوهرى هو فشل انظمة الحكم والنخب فى بناء مجتمعات سوية.
إذن المشكلة موجودة فى الداخل وليس فى الخارج، لنشتم ونسب ونلعن المؤامرة الخارجية مليار مرة لكن علينا ان نلوم أنفسنا ولو لمرة واحدة، فربما نكون وقتها قد بدأنا أول المشوار لمواجهة المؤامرة. دور اسرائيل قد لا يتجاوز عشرة فى المئة.. نحن من يتآمر على نفسه.
الشروق
إرسال تعليق