فى الذكرى التاسعة والثلاثين لحرب السادس من أكتوبرتستعد مصرللعبورالثالث فى سيناء فيما يتشبث المصريون "بقيمة الأرض والرجال " الذين قدموا اروع نماذج التضحية والفداء فى الطريق الى حرب رمضان وتحرير التراب الوطنى المصرى مثل الفريق سعد الدين الشاذلى.
فإلى جانب اسم الرئيس الراحل انور السادات أثار قرارالرئيس محمد مرسى بمنح اسم الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس الأركان ابان حرب اكتوبر قلادة النيل وهى اعلى وسام مصرى ارتياحا محسوسا فى الشارع المصرى وتعليقاته عن رد الاعتبارلأحد رجالات مصرالعظام وقيمة وقامة عالية فى الطريق الى حرب رمضان .
ويعد الفريق الشاذلى احد ابرز القادة الذين شاركوا فى اعداد " المقاتل المصرى الجديد الذى كان المفاجأة الحقيقية لحرب السادس من اكتوبر والذى مزج مابين الروح الايمانية وادوات العلم والتقنية" فيما تبقى الحاجة اكيدة لدراسات متعمقة ونزيهة تكشف للحقيقة وحدها عن طبيعة العلاقة بينه وبين الرئيس الراحل انور السادات ابان هذه الحرب .
وعلى سبيل المثال ففى كتاب "القيادة العليا" يتناول اليوت كوهين استاذ الدراسات الاستراتيجية فى معهد الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جون هوبكينز الأمريكية قضية العلاقة بين القيادة السياسية والقادة العسكريين فى وقت الحرب وذلك من منظور تاريخى.
وقال الدكتور محمود حسين الأمين العام "لجماعة الاخوان المسلمين" ان تكريم الرئيس محمد مرسى لاسمى الرئيس الراحل انور السادات والفريق سعد الدين الشاذلى ازاح كثيرا من الظلم الذى تعرضا له وخاصة الفريق الشاذلى "الذى ازيح من منصبه بشكل غير لائق " وبما يشكل جحودا لدوره فى النصر.
ولعل نشر الوثائق الرسمية المصرية عن وقائع حرب السادس من اكتوبر تكشف عن مزيد من الحقائق وبطولات المقاتلين لتحرير الأرض وخاصة مايعرف "بالبطولات المنسية" مثل تلك التى كشف عنها اللواء البحرى المتقاعد ماجد مصطفى فى مقابلة تلفزيونية عندما اشار "للشهيد الجيزاوى" والذى اكتفى بذكر لقبه فحسب.
وحسب ماذكره فى هذه المقابلة مع قناة "صدى البلد" الفضائية فان "الشهيد الجيزاوى" كان احد عناصر الصاعقة البحرية ورفض الانسحاب اثناء "ثغرة الدفرسوار" وقتل تسعة جنود اسرائيليين باستخدام الخنجر وبمعدل جندى واحد يوميا وظل وحده مختبئا فى احد كهوف جبل عتاقة وبعد ان تمكن الاسرائيليون من الوصول اليه وقتله بالرشاشات "ادوا له التحية العسكرية" وحرصوا على الاحتفاظ بمتعلقاته كتذكار لمقاتل تاريخى.
ولعل هذا المقاتل يعبر عن الجندى المجهول فى حرب اكتوبر التى جسدت على نحو ما قضية "الأرض" بين عبقرية المكان وعبقرية الانسان" بقدر ماتستدعى اسماء مثقفين مصريين كبار وقد تثير ايضا تساؤلات قلقة حول "مدى حضور معنى حرب تحرير الأرض فى وجدان الأجيال الشابة وأهمية سيناء لكل مصرى.
وكان الرئيس محمد مرسى قد أعلن فى لقاء موسع مع شيوخ قبائل سيناء ان سيناء تتأهب للعبورالثالث بالتنمية الشاملة موضحا ان حرب السادس من اكتوبر شكلت العبورالأول تجاه سيناء وأعقبها العبور الثانى باندلاع ثورة يناير 2011 فيما سوف تشكل التنمية الشاملة العبور الثالث المرتقب لعلاج جميع السلبيات التى عانى منها أبناء سيناء لفترة طويلة مضت.
وفى سياق مشاركته لأبناء سيناء احتفالاتهم بالذكرى الـ 39 لانتصارات اكتوبرنوه مرسى بأن الحملة الراهنة التى تنفذها القوات المسلحة والشرطة تعتمد على التعاون الوثيق مع ابناء سيناء مؤكدا على أن الحملة ستستمر الى حين القضاء على بؤرالخارجين على القانون "وهى حملة تنفذ بدقة متناهية لتحاشى الحاق ادنى ظلم بأهالى سيناء".
وبصورة تكاد تصل للاجماع اتفق الحضور فى اللقاء الجماهيرى الذى عقده الرئيس محمد مرسى امس بمدينة العريش على ان استتباب الأمن يشكل البداية الحقيقية لأى تنمية فى سيناء" بقدرما تبدو القضية معقدة لأن هناك من المحللين من يرى ان التنمية هى التى تؤدى للأمن ولعل الأنسب هو اداء المهمتين الكبيرتين "بالتزامن الحساس".
وفى منجزه الثقافى الشامخ:" شخصية مصر..دراسة فى عبقرية المكان" تتجلى سيناء بحضورها عبر المكان والزمان والانسان فيما يقول" الحاضر الغائب جمال حمدان":"ان تكون مصريا فهذا يعنى فى الواقع شيئين فى وقت واحد:الأرض والشعب".
وقال الدكتور ياسر على فى طرح نشرته اليوم جريدة الأهرام :"ان اعادة الاعتبار لتفاصيل الأرض وقيمة التراب الوطنى كانت جزءا من منظومة نهضة اكتوبر "ثم جاء التعامل الدقيق مع الزمن وحسابه بكل ابعاده وقيمته ليكون جزءا من المعركة وحاضرا فيها بكل دقة وقوة.
ولاحظ ياسر على أن انتصار اكتوبر كملحمة نهضوية شارك فيها الشعب المصرى جيشه العظيم ادارة هذه المعركة قد ترك بصمة كبيرة ليس فقط فى الجانب العسكرى وانما " البصمة الأهم هى اثبات قدرة هذا الشعب على التغلب على اصعب الظروف واشدها تعقيدا".
وخلص الى ان الشعب المصرى بعد ثورته العظيمة قادر على رسم صورة جديدة لمصرالقادرة على تخطى التحديات وتغليب لغة العمل والبناء "وادراك قيمة الأرض قيمة العقل القادر على الابداع والتضحية".
وعن الصحراء يقول المفكر الاستراتيجى المصرى الفذ جمال حمدان:"ما من شك أن الصحراء قد اهملت وطال اهمالها ومن الصعب ان نزعم ان الانسان المصرى هذا الانسان النهرى النيلى كان انسانا صحراويا بالدرجة الكافية او الواجبة".
ويضيف:"حتى قريب اقتصر استثمار الوادى للصحراء تقليديا على الاستغلال لاالتعمير..على التعدين لاالتوطين..ولكن هذه السياسة السلبية ولانقول الاستلابية لم تعد يقينا لتكفى او تصلح" منوها بأنه اذا كانت "الصحراء الغربية هبة الواحات فان الصحراء الشرقية هبة المعادن".
وينبه جمال حمدان الى ان "غزو الصحراء ليس نزهة جغرافية او حضارية وانما هو صراع كفاحى ضد الطبيعة لكن المزيد من الدراسة العلمية والتخطيط الرشيد بعيدا عن اليأس المثبط وعن الاسراف فى التفاؤل المجنح كذلك جدير بأن يفتح عصرا جديدا مجيدا وعالما جديدا شجاعا فى الصحراء".
وسيناء التى تثير اليوم نقاشات متعددة-تقدم اجابة مركزية للمعضلة التى لخصها جمال حمدان فى تجاوز عامل التزايد السكانى لامكانات الأرض فى الوادى حتى "وصل الطفح السكانى الى مداه".
ويخلص جمال حمدان فى ملحمته العلمية الكبرى التى تجاوز مجموع صفحاتها اربعة الاف صفحة من القطع الكبير الى ان "المستقبل للصحراء ولكن الكلمة الأخيرة للمستقبل فى مصر التى تشكل اقدم واعرق دولة فى الجغرافيا السياسية للعالم وهى غير قابلة للقسمة على اثنين او اكثر مهما كانت قوة الضغط والحرارة".
ودعا الرئيس محمد مرسى امس ابناء سيناء لتشكيل لجنة موسعة لبلورة مطالبهم ومقترحاتهم الخاصة بتملك الأراضى تمهيدا لاستصدار القانون الخاص بذلك فيما كانت زيارته امس للعريش هى ثالث زيارة يقوم بها لشمال سيناء فى غضون الأشهر الثلاثة الأولى من رئاسته.
ولاحظ معلقون فى وسائل الاعلام ان " تنمية سيناء ورفع مظالم تعرض لها اهلها فى مراحل سابقة هو المطلب الرئيسى لسكان هذه المنطقة بقدر ينطوى على حل لكل المشاكل الآخرى".
وكان "ممثل مجاهدى سيناء" الشيخ عواد حسان قد رأى ان تنمية سيناء قضية امن قومى لمصر كلها مؤكدا على ان هذه المنطقة "تحتاج ايضا لزرعها بالبشرلأن هذا هوالسبيل الرئيسى لحمايتها من الأعداء الطامعين".
ولعل العقل الثقافى المصرى ينتبه فى موضوع بعنوان :" ذكرى اكتوبر غابت عن جيل فيسبوك وتويتر" من ان جيل اليوم فيما يبدو نسى حرب اكتوبر فلم تتلامس مع اهتماماته التى تعكسها شبكات التواصل الاجتماعى الانترنتية معربة عن شعور بالمفاجأة لأن احدا من اولئك الشباب لم يهتم بالحديث عن ذكرى اهم الحروب فى التاريخ المصرى الحديث.
فالسؤال مازال يتردد بقوة والحاح:اين جديد الأعمال فى الثقافة المصرية بما يضارع الانتاج الفذ للمفكر الاستراتيجى والعالم الجغرافى جمال حمدان واين الأعمال الابداعية عن الأرض التى يمكن ان تضارع "ارض عبد الرحمن الشرقاوى" ناهيك عن وضع السينما الآن وهى التى سبق وان ترجمت بلغة الفن السابع ابداع الشرقاوى فى الفيلم الشهير "الأرض" بتوقيع مثقف مصرى اخر هو المخرج الراحل يوسف شاهين؟
وتوصف "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوى والتى تحولت الى فيلم سينمائى عام 1970 بأنها من اروع الأعمال الابداعية التى تكشف عن مدى قوة الارتباط غير العادى بين الانسان المصرى والأرض وهو الارتباط الذى يكاد يصل لحد التوحد فى شخصية "الفلاح المصرى محمد ابو سويلم".
ورغم ضجيج العبارة وصخب الكلام احيانا فى راهن المرحلة فان الأعمال الثقافية المصرية عن تداعيات المكان تكاد تكون غير محسوسة او انها غابت اوغيبت خلافا لواقع الحال فى الثقافة الغربية حيث المكان موضع بحث دائم وجدل خلاق وافكار مبتكرة وقد توغل فى الماضى لكن عينها على المستقبل.
واذا كان الغرب قد طور علم "الجغرافيا الثقافية" كعلم متخصص يركز على اهمية الدور الجغرافى فى تفسير الظواهر الانسانية فان المصرى المبدع جمال حمدان سبق وان اوضح بتنظير مصرى اصيل ان "الجغرافيا هى فلسفة المكان..فلسفة الأرض".
ولم تعد "الجغرافيا الثقافية" مجرد حقل معرفى فرعى من الجغرافيا البشرية وانما باتت تنهض بدور اساسى فى كثير من العلوم الانسانية بقدر ماتوفر للباحث منظورا جديدا فى ظل مقاربات نقدية متعددة منطلقة من فرضية جدلية حول اهمية المكان فى بلورة الثقافة واهمية الثقافة فى تشكيل المكان.
واذا كان تعريف جمال حمدان للمثقف بأنه "الانسان الذى يتجاوز دائرة ذاته والقادر على ان يجعل مشاكل الآخرين هموما شخصية له..هو ضمير عصره وسابق لعصره فى ادراك الخطر المستقبلى والحلم بالمستقبل..يتوقع ويتنبأ..كلى شمولى الرؤية لايضيع فى التفاصيل وصاحب نبؤة" فان المثقف المصرى مدعو لأن يقدم الكثير فى تحد مثل "العبور الثالث".
وفى الذكرى التاسعة والثلاثين لحرب السادس من اكتوبر يبقى الحلم المصرى متوهجا..حلم الشهيد وحلم الشاعر وحلم المثقف الذى عبر عنه جمال حمدان بقوله:"مشروعنا القومى ليس الا بناء مصر القوية العزيزة الكريمة فى الداخل والخارج..مصر القوة والجمال..القوة هى التحرر الوطنى والسيادة اما الجمال فهو عزة الانسان المصرى فى دولته القوية..دولة العدالة والمساواة".
المجد والخلود لشهداء مصر الأبرار دفاعا عن الأرض والعرض والكرامة..ونهتف من اعماق القلب فى الذكرى التاسعة والثلاثين لحرب التحرير بصيحة هتف بها ذات يوم مثقف مصرى كبيرهوالراحل لويس عوض معبرا عن الضمير الوطنى فى الطريق الى حرب رمضان :"سيناء..سيناء..سيناء"..نعم انها الأرض التى تعنى الكثير والكثير للانسان المصرى.
إرسال تعليق