(رويترز) - يمتلك السياسي المعارض حمدين صباحي الذي جلس وإلى جواره في مكتبه تمثال نصفي للرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر قدرة خطابية تشبه ذلك الخطاب الحماسي الذي استخدمه الزعيم الوطني الراحل لإلهام الجماهير.
وربما يكون صباحي الزعيم الطلابي السابق الذي أسس التيار الشعبي -وهو حركة بدأت تكتسب تأييدا بين سكان مصر البالغ عددهم 83 مليون نسمة- أحد أكبر الرابحين من الأزمة الحالية التي تحيق بالرئيس محمد مرسي بعد إعلان دستوري وسع سلطاته وفجر احتجاجات في أرجاء البلاد.
ويبدو أن بروز زعيم يحظى بمصداقية من بين أولئك الذين يعارضون مرسي ورفاقه الاسلاميين سواء كان صباحي أو أي شخصية معارضة أخرى سيحدد مسار مستقبل مصر.
وكان صباحي قال هذا الشهر لحشد في ميدان التحرير بوسط القاهرة حيث يتهم محتجون مرسي بانتهاج سياسة تحدث انقسامات في صفوف المصريين "لن نفرق ابدا في هذه الأمة بين مسلم ومسيحي .. رجل أو امرأة .. وبين أولئك الموجودين في الريف أو المدن."
وبينما كان السياسي اليساري يلقي خطابه من على منصة في ميدان التحرير ردد المحتشدون هتافات "إيد واحدة" و"الشعب يريد اسقاط النظام".
ووحدت الأزمة الأخيرة صفوف المعارضة المصرية التي هزمها الاسلاميون المنظمون جيدا في الانتخابات مرتين منذ الاطاحة بحسني مبارك قبل نحو عامين وبرهنت على أن جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها مرسي لا تحتكر مع حلفائها القدرة على حشد الجماهير.
ويشد ذلك من ازر المسيحيين والمسلمين المعتدلين والمصريين من ذوي التوجهات الليبرالية الذين أغصبهم إصرار مرسي على طرح مشروع دستور كتبته جمعية هيمن عليها حلفاؤه الاسلاميون للاستفتاء يوم السبت القادم.
ويعمل صباحي (58 عاما) مع عدد من الشخصيات المعروفة في ائتلاف المعارضة الذي أطلق عليه جبهة الانقاذ الوطني التي تشكلت على وقع الأزمة السياسية الأخيرة. وتمكن قادة الجبهة من حشد عشرات الآلاف من المتظاهرين في الشوارع بشكل منتظم كما فعل الاسلاميون.
ومثل صباحي ازدادت قوة آخرين من قيادات جبهة الانقاذ مثل محمد البرادعي (70 عاما) الحائز على جائزة نوبل للسلام وعمرو موسى (76 عاما) الأمين العام السابق للجامعة العربية ووزير الخارجية الأسبق في عهد مبارك.
لكن ايا منهما لا يثير الحماس في الشارع مثل صباحي الذي قال انه ابن فلاح بسيط صعد الى موقعه الحالي بفضل سياسات عبد الناصر الذي بهر المصريين والعرب في عقدي الخمسينات والستينات.
وفي مظاهرة أخرى بميدان التحرير بؤرة الانتفاضة ضد مبارك خطب البرادعي في المحتجين هذا الشهر. لكن على النقيض من أداء صباحي المفعم بالحماس قرأ المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة خطابه من أوراق مكتوبة ولم يحظ إلا بالقليل من التصفيق والتهليل.
واكتسب موسى مصداقية لمشاركته بنشاط في الجمعية التأسيسية التي كتبت الدستور الى ان انسحب منها مع آخرين لكنه ما زال يحاول جاهدا الفكاك من صلاته القديمة بعصر مبارك وحكومته.
وفي مؤتمر صحفي لجبهة الانقاذ تعرض موسى لمضايقة أحد الحضور الذي اتهمه بأنه من "الفلول" وهو لفظ يشير الى بقايا حكم مبارك مما دفع البرادعي الذي كان يقف الى جواره لدعوة الحضور للتحلي بالهدوء قائلا "نحن اليوم في وضع لا يحتمل الانقسام".
ومع ذلك لا توجد حتى الآن شخصية محددة يمكنها الزعم بأنها تقود المعارضة. ولا يمكن لأي حزب أو جماعة سواء كانت التيار الشعبي الذي أسسه صباحي أو حزب الدستور بزعامة البرادعي أن يزعم لنفسه الحديث باسم المعارضة.
وتستند وحدة هؤلاء السياسيين الآن إلى اتفاقهم على ما يعارضون ولم يظهر بعد أي مؤشر على أن الجبهة الموحدة ستذهب الى ابعد من ذلك أو أنها ستخوض الانتخابات القادمة بقائمة واحدة.
وقال الأستاذ بجامعة القاهرة حسن نافعة إن المشكلة التي ما زالت تواجه جبهة الانقاذ تتمثل في الافتقار الى القيادة. واضاف ان الجبهة موحدة اساسا بفعل الأزمة الحالية.
وتابع نافعة أن الجميع يدركون ان هناك خطرا يتهددهم جميعا يتمثل في أن هذا الدستور قد يؤدي الى هيمنة كاملة للاخوان المسلمين وحلفائهم.
وفي الشارع يثني خصوم الاسلاميين على دور الجبهة لكنهم يخشون تفرق صفوف المعارضة مع اقتراب الانتخابات مما يشتت اصواتهم وهو الأمر الذي أضعف موقفهم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وقال المصرفي أحمد محمد (24 عاما) الذي كان يشارك في احتجاجات عند القصر الجمهوري الذي امتلأت جدرانه بالعبارات والرسوم المناهضة لمرسي "الجبهة تقف معنا في هذه الأزمة".
وأضاف قائلا "لكن عندما يحل موعد الانتخابات أشك في أنهم سيخوضون الانتخابات معا نظرا لأنهم مختلفون وحتى الآن فشلوا في وضع هيكل يظهر من هو قائد الجبهة."
وقال نافعة إن الأغلبية الصامتة معبأة الآن لكن لا يعرف إن كان أولئك الذين يتظاهرون عندالقصر الجمهوري سيعترفون بالجبهة الموحدة كقيادة لهم أم أن الكراهية للاخوان المسلمين هي فقط التي جمعتهم.
ويحاول المعارضون جهدهم من أجل الوصول الى المواطنين العاديين في مواجهة شبكة الجمعيات الخيرية والاجتماعية التي اقامتها جماعة الاخوان المسلمين على مدى ثمانية عقود حتى عندما كانت تتعرض للقمع والمطاردة تحت حكم مبارك وسابقيه.
وأنعش البرادعي الذي عاد الى مصر عام 2010 من منزله في فيينا حيث كان يدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الآمال في المعارضة بأنه سيقود أولئك المناهضين لحكم مبارك.
لكن منتقدين يقولون إنه لم يكن ابدا على مستوى التوقعات على الرغم من أن أعضاء حزبه يقومون بدور بارز بين المحتجين في الأزمة الحالية مما يشير الى أنه يبني قاعدة شعبية.
وانسحب البرادعي من سباق الانتخابات الرئاسية التي أجريت هذا العام قائلا إنه من غير المنطقي أن يخوضها دون وجود دستور يحدد سلطات الرئيس. بينما يقول آخرون انه انسحب لعدم وجود قاعدة تأييد نظرا لأنه يقضي وقتا اطول مما ينبغي في الخارج.
وخاض صباحي وموسى الانتخابات. لكن موسى الذي حظي بإشادة واسعة اثناء توليه قيادة الجامعة العربية لخطابه القوي ضد إسرائيل والذي كان يعتبر من متصدري السباق في البداية تراجع كثيرا وحل خامسا في الجولة الأولى. وهذا يعود الى حد كبير الى الصعوبة التي واجهها في اقناع المصريين بأنه قطع صلته حقا بالماضي.
وكان صباحي أحد أكبر المفاجآت حيث انطلق من الخلف لينتزع المركز الثالث ويخرج من جولة الاعادة بفارق ضئيل. ويقول بعض المحللين إن هذا الآداء الجيد يعود جزئيا الى أنه كان المرشح البارز الوحيد الذي لم يكن ينتمي إلى المعسكر الاسلامي ولا يرتبط بأي صلة بحكم مبارك.
وقال صباحي ان الجبهة يمكن أن تتخذ نهجا موحدا أكثر في الانتخابات البرلمانية. واضاف ان هناك اتفاقا على مشروع وطني مصري يجب الا يهيمن عليه أحد أو يقصى منه أحد.
ولم ينس صباحي أن يضفي لمسة شعبية على حديثه حيث انتقد مشروع الدستور الذي قال انه يحدث استقطابا في صفوف الشعب لكنه انتقد أيضا الزيادات الضريبية التي فرضها مرسي ثم سحبها في غضون ساعات بسبب رد الفعل الشعبي.
وقال صباحي إن ما فعله مرسي كان صدمة كبيرة لقطاع عريض من الشعب.
وربما تكون الجبهة قد عززت من صورة قادة المعارضة لكن التساؤلات ما زالت قائمة بشأن الكيفية التي سيحافظ بها منافسو مرسي وحلفائه الاسلاميين على تعاونهم الذي يعتبر أمرا حيويا إذا ارادوا حقا تحدي الاسلاميين في الانتخابات القادمة.
وقال شادي حامد من مركز بروكينجز الدوحة "جبهة الانقاذ الوطني لا يمكن أن تكون اي شيء أكثر مما هي عليه الآن."
واضاف قائلا "لن تكون حركة مؤسسية لأن الشخصيات الثلاث القيادية بها لا يتفقون كثيرا بهذا الشأن."
وقال حامد ان السياسيين الليبراليين في حاجة للابتعاد عن السياسة القائمة على الأشخاص. واضاف انه رغم ان التيار الشعبي بزعامة صباحي يبني قاعدة أوسع إلا أن القيادي اليساري لم يظهر بعد ان بوسعه خوض انتخابات تتخطى نطاق الخطابات الحماسية وشخصية حمدين صباحي.
إرسال تعليق