يبدو أن الأوضاع في مصر ليست على أفضل حال، وهو ما يلاحظه كثير من المتابعين من الوسط السياسي وخارجه، الأمر الذي جعل البعض يقول: إن تيار الإسلام السياسي هو السبب في ظهور تلك الأوضاع السيئة، وذلك إما لعدم قدرته على معالجة الأوضاع القائمة بشكل أفضل، أو لعدم تكيفه مع متغيرات ما بعد الثورة. فصار الجميع يتحدث عن إخفاق هذا التيار في حكم مصر، ولا سيما جماعة "الإخوان المسلمين" باعتبارها الفصيل الذي يتحكم في السلطة التنفيذية، إلى جانب الفصائل الإسلامية الأخرى ( السلفيين والجماعة الإسلامية والمنبثقين عن تنظيم الجهاد) المشاركة في الحكم باعتبار وجودها في مجلس الشورى، الذي آلت له سلطة التشريع بموجب دستور 2012.
وأثير هذا الموضوع بعدما ظهرت بعض الأصوات من القوى السياسية المعارضة (حركة تمرد) وعدد من الرموز والشخصيات المعارضة المطالبة، بسحب الثقة من الرئيس مرسي في (30/6/2013 )، وذلك لفشله في تحقيق أهداف الثورة من وجهه نظرها.
وفي هذا الصدد تبرز أهمية التعرف على العوامل التي قد تؤدي إلى فشل التيار الإسلامي في قيادة الدولة المصرية.
تركة ثقيلة
لا شك أن الإسلاميين وغيرهم من القوى السياسية المدنية، قد ورثت جميعها تركة ثقيلة من النظام السابق، أحدثت انهياراً لأجهزة الأمن وبعض الاضطراب في الاقتصاد، واستشراء الفساد بصورة كبيرة في مؤسسات الدولة المصرية وشيخوخة الدولة نفسها... وظن البعض أنه بعد تولي التيار الإسلامي (جماعة الإخوان المسلمين) سوف تحل كل هذه الأمور، غير أنه وجد نفسه في مأزق وصعوبات جمة أكثر مما كان عليه الوضع في الماضي ساهم في بروز بعضها سوء إدارته للدولة المصرية، حيث تراجعت مؤشرات أداء الاقتصاد المصري بدرجة كبيرة بعد ثورة 25 يناير، متأثرة بضعف الإنتاج، وتزايد حالات الانفلات الأمني وتراجع احتياطي النقد الأجنبي، والذي أدى إلى تراجع سعر الجنيه ليصل إلى أدنى مستوى له منذ 8 أعوام، مع استئناف الحكومة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن القرض البالغ قيمته (4.8) مليار دولار.
إلى جانب زيادة العجز بميزان المدفوعات، وانكماش تعاملات البورصة، وارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ، وهروب المستثمرين العرب والأجانب.
تناقضات خارجية
وعلى المستوى السياسي فلم ينجح النظام الحاكم في استيعاب القوى المعارضة، بل دخل في صراع مع عدد كبير منها، ووصلت حدة الصراع إلى عقر دار المؤسسة القضائية، والتي كثيراً ما اشتكت وتضررت من تعامل التيارات الإسلامية معها (حصار الإسلاميين للمحكمة الدستورية العليا).
أما على المستوى الخارجي، فقد تراجعت السياسة الخارجية إلى حد ما في عهد الرئيس محمد مرسي، حيث ظهرت بعض التناقضات في مواقف مصر من علاقتها ببعض الدول القريبة من النظام الحاكم، كالسعودية وقطر والولايات المتحدة في العديد من القضايا الدولية، بشكل يجعل هذه الدول تفرض وجهة نظرها على الجانب المصري، خاصة عندما يكون الأمر متعلقاً بالعالم العربي.
فعلى الرغم من الزيارات المتكررة للرئيس مرسي، غير أنها لم تعطِ انطباعاً بأن هناك تحسناً ملحوظاً في الدور المصري الخارجي إثيوبيا، حسبما تقول نورهان الشيخ أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة.
ويشير طارق فهمي أستاذ السياسة العامة والخبير في الشئون السياسية، بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط - إلى أن الجولات التي قام بها مرسي، للصين وإيران وأوروبا، هي مجرد زيارات لم تحقق المأمول منها، ولم تحدد سياسة مصر الخارجية تجاه هذه الدول.
عوامل الفشل
وفي محاولة لفهم الأسباب المؤدية لتلك النظرة السلبية، فإن ثمة عوامل عديدة أثرت سلبياً على الأداء العام للتيار الإسلامي السياسي المصري بصفة عامة، وجماعة الإخوان المسلمين بصفة خاصة، يمكن تناولها على النحو التالي:
بداية وعلى رأس الأسباب يأتي الانقسام الحاد بين قوى هذا التيار، ولا سيما بين القوتين المؤثرتين وهما السلفيون (حزب النور) وجماعة الإخوان المسلمين (حزب الحرية والعدالة)، ولعل حادثة إقالة المستشار "خالد علم الدين" - مستشار الرئيس لشئون البيئة - من مؤسسة الرئاسة خير دليل على هذا الصراع المكتوم.
ولعل الممارسات الفوضوية والأخطاء الكثيرة وأعمال العنف التي ارتكبها هؤلاء الإسلاميون بعد الثورة، فقد أثرت أعمال قام بها بعض المواليين لهذا التيار مثل (فتوى قتل رموز الإنقاذ، أفعال حركة حازمون أمام مدينة الإنتاج الإعلامي، تراجع الأخلاقيات الدينية للمحسوبين على هذا التيار)، بالسلب على صورة تيارات الإسلام السياسي في "مصر"؛ مما جعل بعض المواطنين المصريين يتشككون من جدوى الأخلاقيات الدينية والشعارات الجاذبة التي كثيراً ما نادت بها هذه القوى.
هذا إلى جانب فشل التيار الإسلامي في استيعاب القوى السياسية المعارضة في أكثر من مناسبة، وفي أكثر من مرة، ففشل النظام الحاكم في التعامل بشكل إيجابي مع المشهد السياسي، وعدم قدرته على توجيه الرأي العام المصري.
علاوة على ذلك حرص النظام على الدخول في صراعات جمة مع أكثر من جهة؛ فوصل الأمر إلى أن دخل في صراع مع مؤسسة القضاء بشكل أضعف من هيبة الاثنين معاً، فضلاً عن صراعه المستمر مع وسائل الإعلام المصرية وعدد من القنوات الفضائية المحسوبة على النظام السابق أو الكارهة والحاقدة على المشروع الإسلامي من وجهه نظره.
وأخيرًا، كان سوء إدارة النظام لعدد من القضايا المطروحة على الساحة، وعدم تعامله معها بشكل محترف، ولعل ما دار في الحوار الوطني الأخير الذي دعيت إليه معظم القوى السياسية لمناقشة موضوع سد النهضة الإثيوبي، خير دليل على تخبط وعشوائية إدارة الرئاسة المصرية في هذا الشأن.
وفي حقيقة الأمر، لا يمكن إلقاء اللوم كاملاً على تيار الإسلام السياسي فقط، فيجب الاعتراف بأن حالة الانفصام السياسي التي عانت منها هذه القوى، عانت منها المعارضة المصرية أيضاً في بعض المراحل، حيث قام بعضها بدور المعارض فقط دون تقديم البديل، والبعض الآخر حرص أن لا يخرج عن ذات السياق.
ولا سيما بعد موجة الهجمات الشرسة التي قام بها الموالون للنظام والتيارات الليبرالية والعلمانية ضد القوى الإسلامية، بهدف تشويه صورتها والتشكيك في مشروعها السياسي، والتي أدت بصورة أو بأخرى إلى ضعف وفشل النظام الحاكم في تحقيق إنجازات تذكر.
ومن هنا نلحظ عجز هذه الأحزاب الإسلامية عن تقديم نفسها كبديل قوي يستطيع التكيف مع ما أفرزته الثورة المصرية من انقسام وتفتت، سواء على مستوى القمة، أو على مستوى القاع، وبالتالي وقعت في خانة الفاشلين من وجهه نظر بعض المحللين.
وختاماً، يجب الاعتراف من قبل الجميع سواء كانوا في الحكم أو خارجه، بأنهم السبب الرئيس لما تشهده البلاد من حالات عدم استقرار وانهيار اقتصادي، بسبب الصراعات المحمومة على السلطة، التي كانت وستظل سبباً في مزيد من التعقيد والتشابك في المشهد المصري.
كتب:حاتم خاط
محيط
إرسال تعليق