Home » » السيسي‏..‏ وأحلام المصريين

السيسي‏..‏ وأحلام المصريين

رئيس التحرير : Unknown on الجمعة، 31 يناير 2014 | 7:34 ص

بقلم: فاروق جويدة

يبدو أن الأقدار تدفع بالمشير عبد الفتاح السيسي إلى مقعد الرئاسة في مصر وللأمانة فأنا اشفق على الرجل كثيرا من تحمل هذه المرحلة بكل اعبائها وهي غاية في الإرتباك والفوضى فلم تعد السلطة في مصر مغنما بل أصبحت عبئا ثقيلا‏.‏

الشواهد تضع المشير السيسي في مقدمة المشهد أمام اصرار شعبي وضرورة لا بديل عنها، وإذا كانت الأقدار تلعب في حياتنا دورا فإن المقدمات خاصة إذا كانت صحيحة تدفع بنا إلى نتائج مقبولة ولا شك ان المشير السيسي استطاع في فترة زمنية قصيرة جدا ان يحصل على تأييد ودعم كبيرين من الشارع المصري.

لقد دخل المشير السيسي في مواجهة كبيرة وهو يواجه متحديا تجربة فاشلة في الحكم كادت تؤدي إلى انهيار مؤسسات الدولة المصرية بالكامل.. كانت هذه المعركة قادرة على ان تطيح بالرجل وكل رفاقه في المؤسسة العسكرية وللإنصاف فإن الرجل لم يقدم على ذلك الا بعد ان خاض معارك دامية لكي تمضي السفينة في امان كما اراد لها..

من أجل إثبات حسن النوايا كانت دعوته إلى غداء عمل بين القوى السياسية المتناحرة ربما وصل الحال إلى اتفاق أو مصالحة.. وقبل ميعاد الغداء بساعة واحدة صدر أمر رئاسي بإلغاء المبادرة رغم ان جميع أطراف المشهد السياسي وافقوا على الحضور لعلها تكون مخرجا أمام افق سياسي تلبد بالغيوم.. كانت قراءة المشير السيسي للمشهد ان مصر على أبواب كارثة قد تصل إلى حرب أهلية أمام فشل تجربة الإخوان في الحكم وغياب الحوار وإقصاء جميع القوى السياسية وارتفاع صيحات التطرف وترهيب المصريين أمام زعامات دينية من ارباب السوابق خرجت من السجون لتكفير المصريين وترويعهم.. لم ييأس المشير السيسي من محاولات النصح والإرشاد فذهب مع قادة جيوشه إلى الرئيس المعزول ناصحا ثم محذرا من خطورة اللحظة التي تعيشها مصر.. ولم يسمع أحد..

< ولم تقتصر الأمور على محاولة واحدة بل انها امتدت إلى خمس محاولات كان شاهدا عليها جميع قادة الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة وكان الهدف توضيح الصورة والخطر الذي يحيط بمصر شعبا ودولة وضرورة لتعديل المسار حتى لا تغرق السفينة.. وهنا أيضا لم يسمع أحد.

< كان فشل الإخوان في إدارة شئون الدولة أمرا واضحا أمام الجميع إلا الرئيس المعزول الذي لم يدرك هذه الحقيقة.. على جانب آخر كانت صراعات النخبة المصرية قد وصلت إلى أعلى درجات الإرتباك والفوضى والصدام أمام غياب الرؤى والحسابات الشخصية وعدم ادراك خطورة اللحظة التي تعيشها مصر.. كان فشل تجربة الإخوان في الحكم وظهور رؤوس التطرف الديني في المشهد وتكفير الملايين من البسطاء وغياب الحلول الحقيقية لمشكلات وازمات المواطن المصري أكثر ما يؤرق السيسي، وكان موقف النخبة وصراعات رموزها يدفع بالمجتمع كله إلى مواجهة غير محسوبة النتائج.. وأمام جماعة وصلت إلى تكفير شعبها ونخبة غير قادرة على مواجهة تحديات المرحلة لم يكن أمام السيسي غير ان يطلب من الشعب تكليفا بمواجهة الأزمة التي تعيشها مصر واستجاب المصريون لدعوته وخرج الملايين يوم 30 يونيه ثم كان الإعلان الدستوري وتنصيب الرئيس المؤقت المستشار الجليل عدلي منصور وتشكيل حكومة مدنية ثم إعلان لجنة العشرة ثم لجنة الخمسين ثم الإستفتاء على الدستور..

هذه المقدمات جميعا تؤكد اننا أمام رجل تحركه في كل شئ دوافع وطنية صادقة حين دعا إلى الحوار بين النخبة ولم يستجب له صاحب القرار ثم كانت النصائح والمطالب والتحذيرات من خطورة الموقف ثم ترتيب اوراق المرحلة الإنتقالية واولوياتها ومع هذا كله مواجهات دامية في الشوارع من فلول الإخوان ومواجهات خارجية ضارية ترفض خروج مصر من اطار التبعية الذي فرضته سنوات عجاف ثم التزامات سرية لجماعة الإخوان المسلمين تجاه أطراف دولية شملت تنازلات عن الأرض وأدوار سياسية مشبوهة.

< في المرة الأولى التي شاهدت فيها المشير عبد الفتاح السيسي كنا مجموعة من الكتاب والمفكرين في لقاء مع عدد من أعضاء المجلس العسكري في الأيام الأولى بعد رحيل نظام مبارك ويومها لفت نظري ان محور الحديث يدور حول المشير السيسي وكانت امامه أوراق كثيرة ولاحظت انه يتجاوز في حدود معرفته ومعلوماته ما يتعلق بشئون القوات المسلحة واذكر يومها انه قدم عرضا مستفيضا لنا عن موقف السلع الإستراتيجية في قطاعات كثيرة منها التموين والوقود والخدمات العادية.. كان ذلك بالدلائل والأرقام.. بقي عندي انطباع عابر عن شخصية المشير السيسي انه رجل عسكري يقدر قيمة المعلومات ولديه قدرة على قراءتها قراءة صحيحة وهو حاسم ومحدد فيما يقول او يفعل.. وانه لا يؤمن بظواهر الأشياء وحدها ولكنه قادر على ان يقرأها بكل التفاصيل.. بعد ذلك ادركت ان الرجل قدم نفسه وروحه في لحظة كان من الممكن ان يدفع ثمنها غاليا وان لديه من الشجاعة والجسارة كرجل مقاتل ان يتخذ القرار الصعب في التوقيت الأصعب وبجانب هذا فإن آداء السيسي في تطوير المؤسسة العسكرية كان إنجازا كبيرا منذ تولى مسئولية وزارة الدفاع.

في تقديري ان الأقدار هي التي حملت السيسي إلى مقدمة المشهد ومثل هذه اللحظات التاريخية قد لا يملك الإنسان فيها شيئا غير ان يستجيب لقدره.. وقد حدث هذا في تاريخ مصر مرات كثيرة.. حدث عندما جمع الشيخ عمر مكرم كبراء مصر وذهبوا إلى محمد علي ليكون واليا عليها، وحدث مع عرابي عندما وقف امام الخديوي توفيق وهو يصيح متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا.. وحدث عندما جاء سعد زغلول المحامي المجهول ليقود ثورة شعب.. حدث هذا مع رموز حقيقية في تاريخ المصريين..

لا بد ان اعترف بأنني اشفق كثيرا على المشير السيسي وهو يواجه قدره بكل ما فيه من الأعباء والتحديات ورغم ثقتي الشديدة في قدراته الإنسانية وإخلاصه لهذا الوطن إلا ان امامه تحديات كبيرة عليه ان يواجهها..

< أمام المشير السيسي معركة مع فلول النظام الأسبق وهؤلاء وان بدت منهم روح التعاون إلا ان فيهم امراضا قديمة ينبغي التخلص منها.. انهم يريدون سلطة تحقق لهم مصالحهم وقد تعارضت كثيرا مع مصالح هذا الشعب وافتقدوا العدالة في توزيع ثروات هذا الوطن وسوف يكونون عوامل هدم إذا تمسكوا بأساليبهم القديمة في استنزاف موارد مصر ونهب ثرواتها.. كان هناك زواج باطل بين اثرياء الحزب الوطني والسلطة وكان هناك زواج عرفي بين سلطة الحزب الوطني وأمواله والإخوان المسلمين ومطامعهم وكان ذلك كله علي اطلال هذا الشعب وليس من المستحيل ابدا ان تجمع الأحداث والمصالح بين أعداء الأمس بين الوطني والمحظورة مرة أخرى إذا اقتضت المصالح ذلك.

< أمام المشير السيسي فقراء مصر وهم أكبر أحزاب مصر عددا وهم يعانون الفقرين، ذل الحاجة. وذل المرض والبطالة.. ان الملايين التي خرجت يوم 30 يونيه وشاركت في الإستفتاء على الدستور واحتفلت بثورة يناير لم تخرج لأسباب سياسية فهي لا تعرف الأحزاب ولم تشارك في الصراعات السياسية انها تبحث عن الأمن في بيوتها والإستقرار في حياتها وان تتوافر لها اساليب الحياة الكريمة عملا ومسكنا وغذاء وكرامة.. هؤلاء لم يخرجوا طوال سنوات ثلاث ولم يتظاهروا رغم الحاجة والظروف الصعبة وقد طال صبرهم ما بين عهد بائد ظل ثلاثين عاما وعهد مستبد وثورة لم تحقق لهم شيئا..

< أمام المشير السيسي حسابات دولية فرضت على مصر أدوارا لا تتناسب مع شعبها تاريخا ودورا وهي لن تتسامح في محاولات الخروج من هذه الدائرة الجهنمية من المصالح المشبوهة.. ان عودة مصر إلى دورها يهدد أطرافا كثيرة إقليمية ودولية سوف تسعى جميعها إلى بقاء مصر في حدودها ولن تنهض مصر إلا من الداخل اولا بأن تواجه مشاكلها وأزمات شعبها وان تستعيد قدراتها.. ان التاريخ يقول لنا ان مصر إذا قامت فهي تغير حسابات كثيرة وانها لا تقوم ولن تقوم إلا بشعبها وعلى المشير السيسي ان يعيد روح البناء والإنتاج والإبداع لهذا الشعب.. يجب ان يعود المصريون إلى أنفسهم لأن هذا هو أول الضمانات لإسترداد دورهم.. لابد ان نسترد مصر أولا حتى تسترد مكانتها.

هناك أطراف دولية كثيرة ترى ابقاء مصر على حالها ونحن كشعب ودولة ونظام نستطيع ان نخرج من هذا الحصار ولدينا عشرات المشروعات التي يمكن ان ننطلق منها نحو مستقبل وحياة أفضل.. لدينا مشروع قناة السويس وتنمية سيناء والساحل الشمالي وتوشكى وآلاف الكيلو مترات على البحار ولدينا بحيرة ناصر وقبل هذا لدينا أزمة كبرى مع اثيوبيا حول سد النهضة ومياه النيل وهي قضية لا تقبل المساومة والتأجيل.

< أمام المشير السيسي أزمة الإعلام المصري ولا بد ان اعترف إنني أخاف على كل صاحب قرار في هذا البلد صغيرا كان ام كبيرا من شطط الإعلام المصري بكل وسائله وانتماءاته.. لقد أصبح الإعلام دولة داخل الدولة وله ذيول خارجية كثيرة يجب قطعها وهناك اخطار كثيرة تمتد داخل العقل المصري وتعبث فيه كما شاءت.. ان الإعلام الأن قوة قادرة على تحطيم ثوابت كثيرة وهدم كل مقومات الدول والشعوب وقد وصل الإعلام المصري إلى درجة من الخطورة يحتاج معها إلى حكمة العقلاء وأصحاب الضمائر.

< يتهيأ المشهد المصري الأن لاستقبال السيسي رئيسا ولا أتمنى ان أرى فيه ظلالا من ماضي مصر حتى وان كان جميلا.. نريد ان نراه مستقبلها الذي حلمنا به ولم يتحقق.. لقد اثبت وبالتجربة انه مقاتل شرس وهو يقود معركته ضد تفكيك الدولة المصرية وتقسيم شعبها ثم رأيناه يتصدي بجسارة لحشود الإرهاب في سيناء فقد كان جسورا وهو يواجه محنة وطن في لحظة تاريخية صعبة، والظروف التي تعيشها مصر الأن تحتاج إلى هذه الجسارة لكي نواجه المستقبل بكل تحدياته.. وهو يعرف الكثير من أزمات ومشاكل المواطن المصري وهو يدرك حجم التحديات التي يواجهها القرار المصري بكل مستوياته.. انا شخصيا لا اريده زعيما نحمله على الأعناق.. ولا اريده فرعونا يحيط به الكهنة والحواريون، لا اريده اسطورة يصنعها خيال أو أحلام أو حشود أو مواكب ولا اريده امبراطورا يحلق في سماء الكون اريده انسانا مصريا بسيطا كما هو يقتسم معنا رغيف الخبز ويشاركنا احلامنا الصغيرة ويمضي معنا لنواجه همومنا الكبيرة ويحقق الأمان والإستقرار لشعب عانى كثيرا من الظلم والقهر والإستبداد. انه لن يصنع شيئا وحده ولكن مع وحدة هذا الشعب سوف ينجز الكثير.. أحلم وأنا أعيش خريف العمر ان أرى في سماء وطني يوما حلما قديما يسمى الديمقراطية وإحساسا رائعا يسمى الكرامة ومعركة انتخابية تكون حديث العالم.. وإنسانا آمنا في بيته ورزقه وأسرته وحياته.. نريد مصر التي حلمنا بها يوما ومن حق ابنائنا ان يعيشوا هذا الحلم.

..ويبقى الشعر

فلتسألوا التاريخ عني
كل مجد تحت أقدامي ابتدا..
أنا صانع المجد العريق ولم أزل
في كل ركن في الوجود مخلدا..
أنا صحوة الانسان في ركب الخلود
فكيف ضاعت كل أمجادي سدي..
زالت شعوب وانطوت أخبارها
وبقيت في الزمن المكابر سيدا..
كم طاف هذا الكون حولي
كنت قداسا.. وكنت المعبدا..
حتي أطل ضياء خير الخلق
فانتفضت ربوعي خشية
وغدوت للحق المثابر مسجدا..
يا أيها الزمن المشوه
لن تراني بعد هذا اليوم وجها جامدا
>>>
.. قولوا لهم
إن الحجارة أعلنت عصيانها
والصامت المهموم
في القيد الثقيل تمردا..
سأعود فوق مياه هذا النهر طيرا منشدا.. سأعود يوما حين يغتسل الصباح
البكر في عين الندي..
>>>
قولوا لهم
بين الحجارة عاشق
عرف اليقين علي ضفاف النيل يوما فاهتدي وأحبه حتي تلاشي فيه
لم يعرف لهذا الحب عمرا أو مدي..
فأحبه في كل شئ
في ليالي الفرح في طعم الردي..
من كان مثلي لا يموت وإن تغير حاله
وبدا عليه.. ما بدا..
بعض الحجارة كالشموس
يغيب حينا ضوؤها
حتي إذا سقطت قلاع الليل وانكسر الدجي
جاء الضياء مغردا..
سيظل شئ في ضمير الكون يشعرني
بأن الصبح آت.. أن موعده غدا..
ليعود فجر النيل من حيث ابتدا..
ليعود فجر النيل من حيث ابتدا.

"من قصيدة حتى الحجارة أعلنت عصيانها سنة 1998"
نقلا عن جريدة الأهرام
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق