Home » » المثقفون العرب وما بعد الحداثة الثقافية

المثقفون العرب وما بعد الحداثة الثقافية

رئيس التحرير : Unknown on الثلاثاء، 27 مايو 2014 | 7:36 ص


سالم سالمين النعيمي

إن حدوث تصدعات تهدد انقراض النوعية في الثقافة العربية متعددة المسارات ليس مفاجأة في ظل معيارية أفلاطونية مطاطة تحكمها مفاهيم التنوير العقلانية النخبوية، والمركزية الأحادية لثقافة الدوائر الثقافية حول السلطات والثقافات المسيطرة عالمياً وتجاهل المثقفين والمثقفات الواقعين المعبرين عن حال الوطن والمواطن. وهذا بدوره أدى إلى اغتراب قهري للثقافة المحلية، وبزوغ شمس الثقافة المعولمة والإلكترونية التي جعلت العالم العربي بين مطرقة التبعية الثقافية وسندان الأصالة والتغريب في ملحمة التفاوض الحضاري لصعوبة قبول التنوع الثقافي للمعرفة التي تؤثر في عقيدة الفرد وسلوكه ونشوء ثقافة المدينة أو الإقليم في كل دولة كثقافة مستقلة، وداخل كل مدينة ثقافات متنوعة فرعية وثقافات إلكترونية افتراضية متعددة سكانها يعيشون في عالمهم الخاص، وكأن مجموعات ومنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي تلك إعلان صريح باستقلاليتهم عن المجتمعات التقليدية.

ومن هنا تبرز القيم الثقافية التكنولوجية والقيم الثقافية العابرة للقارات تدفعها وسائل الإعلام الحديثة في حراك متشابك، وتبرز أيضاً أهمية النظام الاقتصادي الجديد في رسم خريطة لمخاطر ثقافات حافة الهاوية الذوقية وأنماط السلوك الثقافية المرتبطة بها، وتحول الوعي الجماعي للهروب من ثقافة القالب الواحد بين المثقفين إلى آلة حادة تجرح إبداع من يخرج خارج نطاق الفضاء الجوي للثقافة الدراجة في وطننا العربي الكبير.

حدث هذا بعد أن وجد المثقفون أنفسهم بعد 500 سنة من التبعية لثقافات الإمبرياليات المختلفة ومحاولة تعريب تلك الثقافات أو إحياء الموروث القديم للثقافة الأم تحت حصار ذاتي وخارجي وراء سياج من البلطجة الفكرية والأدبية والفنية للمقبول تصنيفه كإنتاج ثقافي أدبي فني، ومن يستحق أن نطلق عليه لقب مثقف وفق معايير الثقافة المرتبطة بالأنماط الثقافية التاريخية والتفوق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والصناعي والمعرفي والإقصائية الدينية، وهذا قد نتج عنه ظهور فئات ركبت وتبنت موجة القومية والمشاعر المناهضة للاستعمار وكل ما هو غربي، وفئة أخرى أدمنت الاندماج الكلي وتتبنى كل ما هو غربي لتحقق الريادة الثقافية بمنأى عن الفئة المعتدلة العالقة في الوسط، والتي تعاني من غياب الاهتمام بها من جميع الأطراف.

أما الفئة الحداثية في الثقافة العربية، فهي تيار المستقبل بعد أن وصلت المدارس الثقافية الأخرى ذروتها في الانهيار، من حيث فقدانها للشعبية ومصداقية قبول الشارع، في ظل زحف انتشار ذاتي من قوى قومية الكترونية ومجتمعات التواصل عن بعد والمعلومة الفورية، وسلوك اجتماعي تعاد صياغته بصورة يومية بتطور حراك الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية والمعرفية الذكية في عالم الشبكة العنكبوتية والتي تعيد كتابة الثقافة ومعطياتها والإعلام وآفاقه في عصرنا الحالي وما هو قادم.

ولا أعلم إنْ كانت الحقبة التي تدعي النهضة العربية فعلاً نهضة أم نزوة تفكيكية وتوفيقية وفكر حر ومقيد في الوقت نفسه ومغالط فيه؟ حيث محدودية التأثير الجمعي والتركيز المحصور على محاولة فاشلة لتجديد القيم التقليدية مع إضافة النكهة الأوروبية لتحقيق التوازن في الوزن الكلي للحركة الثقافية الفكرية والفلسفية العربية والتي لا تزال ليومنا هذا بعيدة عن كونها ثقافة شعبية، وبالتالي تتبنى مفاهيم حركية فاشية وماسونية لا وجود للعقلانية الفكرية فيها، وتتبنى أيضاً قومية سلبية لا تشعر بنفسها إلا إذا خاصمت غيرها.

وأرى أن معضلة الثقافة في عالمنا العربي تكمن في أن مضمون القيم الإنسانية العليا في الغالب ليس جزءاً من العادات والتقاليد التي نتبناها حتى أصبحنا في خلاف وتباعد كبير مع القيم العليا الثقافية للحضارات الأخرى، وهذا الاستيعاب الانتقائي للقيم الثقافية تماشياً مع نواة مركزية العقيدة، كان الفارق المميز بين قيمة التحديث في السياق العربي الإسلامي والسياق الغربي، وحيرة المثقف العربي الحداثي لصعوبة انتمائه لجذوره الثقافية التقليدية، التي لا يشعر بها كما ينبغي وتحدي تحديد مكان له ضمن الروافد الأساسية لثقافة حضارته وما ساهم في صياغة خلفيته الثقافية وفق معايير التكامل والتبادل الثقافي بين الثقافات المعاصرة لا يجد له مرجعية في مدارس الفكر والثقافة العربية الأكثر انتشاراً وشهرةً.

فبعيداً عن الرومانسية وتعلقاً بالماضي، فإن ما حققته البشرية في القرن العشرين والقرن الحالي يفوق بكثير ما أنجزته الحضارات على امتداد آلاف السنين، فمثقف ما بعد الحداثة، وهو الأمل المرجو نحو نهضة عربية جديدة، يأتي من خلال التغلب على معوقات العقل العربي وتعلقه بالمألوف الأدبي والفني والتزامه بالحدود الثقافية التعسفية والشعارات المؤدلجة وغياب الوعي الثقافي المجتمعي، فالانقسام المعاصر في المجتمع العربي بصورة عامة سيكون بين هذه الفئة والفئة المثقفة التقليدية، وما يحدث من انتشار للإسلام السياسي المتطرف بين الطبقات المهمشة فكرياً ومعرفياً وثقافتها الماضاوية، فلمن ستقرع الطبول؟ وهل سيكون الانتصار النهائي للمادية الثقافية العقلانية، أم الدينية، أم الحداثية، أم ستميل الكفة لهاجس الرومانسية الثقافية العربية وإرث النهضة الثقافية العربية الذي لم يكتمل بناؤه النهضوي؟

ويتساءل المثقفون والمبدعون والفنانون العرب من يوجه البوصلة الثقافية للعالم العربي والإسلامي في وقتنا الحاضر بعد أن وجدوا أنفسهم فجأة في حقبة الرأسمالية الثقافية المتأخرة، أو ما بعد الحداثة دون التدرج والمرور بعصر الحداثة ثقافياً، حالهم حال المجتمعات التي يعيشون فيها بصورة عامة. واليوم كل إنسان يستطيع نشر أعماله وأفكاره، ويتابعه في ثوانٍ معدودة الآلاف حول العالم ويتفاعلون معه مباشرة، ولذلك لم تعدْ الثقافة فقط لمن يملك الثقافة الواسعة والفكر المميز، بل الكل يستطيع أن يكون جزءاً من الحراك الثقافي في مجتمعه.

وأرى أنه من المهم جداً ألا ينشغل المثقفون في سباق اللحاق بما تصنفه الثقافات الأكثر انتشاراً وتأثيراً، فكراً نوعياً، وفق معاييرها والوقوف لالتقاط الأنفاس الفكرية النقدية بغرض البناء وإجراء مراجعات حقيقية موضوعية في عصر الثقافة الهجينة المدفوعة بالثورة المعرفية المعلوماتية، فالاستبداد الفكري الممارس علينا كشرق لا يؤثر في حياتنا في الوقت الراهن فقط، بل سيمتد إلى المستقبل، وبين النسخ والتقليد لما ينتجه الآخرون وحصرنا لخصوصيتنا الثقافية المادية والمعنوية بماضينا فقط، وبؤرة الأزمة هي عقولنا النمطية.

الثقافة ليست علما بقدر ماهي فلسفة حياة وفكر وانعكاس لمورث فكري وفلسفي وفلكلور إنساني يفسر كيف نرى ونتداخل ونتأثر كبشر، مع ماهية الإبداع والابتكار التخيلي الذهني سواء تحول وتبلور مادياً أو معنوياً، أو بقى في الوجدان والذهن والمشاعر الجمعية والفردية في المجتمع، ناهيك عن أن منظومة المعنى والقيم أصبحت تختلف من إنسان إلى آخر.

فهل هي أزمة إدراك وفهم، أم أن الاستنتاجات دون مقدمات ليست جزءاً من الثقافة بالضرورة؟ الثقافة اليوم في مرحلة ثورة حقيقية خارج أسوار المدينة الفاضلة للإرث التاريخي لها وعدم التناغم بين الإرادة الفردية والجماعية في التغيير خارج إطار منظومة هندسة الثقافة بصورة عامة. كما أن ثقافة اللا فكر والسطر الأوحد والتطبيل الإلكتروني هي مسار جديد يسطع في عالم التنوع الثقافي وذوبان نسبي لظواهر التطابق والتماثل الاجتماعي الفكري، حتى أمست ثقافة الظل الافتراضي سلطة ثقافية قاهرة وقتية خاضعة لمتغيرات تكنولوجيا الاتصالات والتواصل الاجتماعي. والانسياق الجماهيري، لتلك الظاهرة حتماً يجعلها إرادة جماعية ثقافية، أم هي فقط مجموع لإرادات أفراد مختلفين، كما أن العاملين بالثقافة التنموية ليسوا جزءا من استراتيجيات الدول العربية بجانب تداخل الثقافة مع الرأي العام التفاعلي ودور النشر والعرض الذاتية في المواقع الإلكترونية وتطبيقات الهاتف الذكي
الإتحاد
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق