سميرة سليمان
رحل عن عالمنا الشاعر بدر توفيق، كان الراحل أحد أبرز شعراء الستينيات، قال الشاعر شعبان يوسف أن الراحل اعتزل الحياة العامة منذ فترة بعيدة، كان مكتئباً ووحيداً.
يواصل: كان توفيق أحد بناة شعر جيل الستينات، مع أمل دنقل، لكن للأسف تم اختزال شعراء جيل الستينيات في أسماء محددة، رغم ان بدر توفيق كان شاعراً حقيقياً، وله جهد آخر غير الابداع الشعري، فقد ترجم سونيتات شكسبير الكاملة ترجمة بديعة.
كان لديه نبرة التوحد في شعره، وكانت قصائده معبرة عن هموم جيل الستينات، فالنبرة الوجودية كانت موجودة في قصائده، وكان الراحل أحد المتأثرين بالثقافة الأجنبية، واستطاع بثقافته أن يصل لهذا النوع من الكتابة، لكن انعزاله، وانفضاض الإعلام من حوله أبعده عن المناخات الشعرية، بالإضافة إلى رحيل اصدقائه دنقل، وعبدالقادر القط، منعزل وبعيد عن الناس، عدم معرفته وارد، متوقع .
لم يصدر دواوين جديدة، كان دمثا وصاحب خلق رفيع كان لديه توجس دائم تجاه الحياة، وهي التي أدت لعزلته، تعرض لمأساة اجتماعية، أكدت ريبته وخوفه من الناس، كان المنزل هو أكبر ملجأ له، عانى من اكتئاب، الرحيل هو نوع من الراحة، عاش آلام متعددة، الرحيل كان أحد أنواع الخلاص.
وكتب الشاعر زين العابدين فؤاد على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، “الشعرا ما يموتوش..من امرؤء القيس وهومير والاعشي وبديع خيري وبيرم..من شوقي وصلاح عبد الصبور للمتنبي ومحمود درويش وممدوح عدوان..من صلاح جاهين وفؤاد حداد..من طاغور وناظم حكمت ولوركا وأمل دنقل..من حلمي سالم وفؤاد نجم وعفيفي مطر..الشعرا ما بيموتوش يا بدر توفيق”.
يذكر أن الشاعر بدر توفيق مصطفى ، ولد عام 1934 في محافظة المنيا، حصل على الثانوية العامة عام 1952, وبكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية عام 1955, وليسانس اللغة الانجليزية من جامعة عين شمس عام1971, ودرس الأدب الألماني والعلوم المسرحية في جامعة كولونيا بألمانيا الغربية وحصل على الماجستير 1976, ودرس الترجمة بكلية الألسن 1981 - 1982.
اشترك في حرب السويس 1956, وحرب اليمن 1962 - 1963, وحرب يونيو 1967 ثم أحيل إلى التقاعد، عمل مترجماً بجريدة الأخبار 1977, وبوزارة الإعلام بمسقط 1979 - 1980, وبشركة بل كندا بالرياض 1982 - 1986.
من دواوينه الشعرية: إيقاع الأجراس الصدئة 1965، قيامة الزمن المفقود 1968 ، رماد العيون 1980، اليمامة الخضراء 1989, ومسرحية شعرية: الإنسان والآلهة 1969.
ومن أعماله الإبداعية الأخرى: سونيتات شكسبير الكاملة “شعر مترجم” 1988، رباعيات الخيام “شعر مترجم” 1989، تريستان وإيزولدا “أوبرا مترجمة” 1991. حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر عام 1991.
كان ديواناه “إيقاع الأجراس الصدئة” 1965، و”قيامة الزمن المفقود’” 1968 علامة مهمة في طريق تحديث القصيدة العربية، وظل هذان الديوانان معلماً أساسيا من معالم حركة الشعر الحر، ومرجعا من مراجع هذه المرحلة لكل الشعراء الذين توافدوا على ساحة الشعر بعد بدر توفيق.
كانت بدايات الشاعر في الجيش المصري حيث كان يقتفي خطى الثورة بقصائد تقليدية نارية، ووحدها الصدفة التي ساقته الى مجلة “روزاليوسف” حيث تعرف على الشاعر احمد عبدالمعطي حجازي الذي نشر له أول قصيدة له في مجلة ‘“صباح الخير”، يقول بدر توفيق في أحد حواراته عن ذلك: حصلت من حجازي على نسخة من ديوانه “مدينة بلا قلب” فوجدت فيه عالماً جديداً وفي نفس الاسبوع تحركت كتيبتي الى اليمن، وكانت معي قصيدة اسمها “أغنية الى الضياع” فتركتها له ونشرها في مجلة “صباح الخير” ومن اليمن أرسلت له قصيدة أخرى هي “كلمات من بعيد” فنشرها في “روزاليوسف” وكانت هذه تجربتي الأولى في أن أرى شعرا منشورا لي بقلم “النقيب بدر توفيق”.
تم تسريح بدر توفيق من الخدمة العسكرية عقب هزيمة العام السابع والستين، حيث انخرط في الحياة الثقافية والتحق بكلية الآداب ثم درس الألمانية بألمانيا الى جانب الانجليزية التي كان يتقنها.
يقول عن ترجماته: تركت الترجمة أثرا كبيرا في وعيي الشعري وفي فن كتابة القصيدة لأنني تعاملت مع أشهر الأعمال الشعرية المختارة لأعلام الشعر البريطاني والأمريكي والفارسي خاصة الترجمة التي عكفت عليها لـ”فيتزجيرالد” لرباعيات الخيام التي ترجمها ثلاث مرات، الأولى وهي خمس وسبعون رباعية والثـــانية مئة وعشر رباعيات، والثالثة والأخيرة التي طبعت مرتين في حياته ولم يغير فيها حرفا، وهي التي ترجمت عنها الرباعيات وكان ذلك يحدث للمرة الأولى في العربــــية.
يواصل: درست حياة فيتزجيرالد الأدبية والشخصية ومدى تفاعلها مع حياة الخيام ايضا الأدبية والشخصية وقصة الحب في حياة كل منهما التي تشابهت مع الأخرى فجعلت فيــــتزجيرالد ينبض بقلب الخيام ويعبر عنه في ترجمته كأنه يعبر عن نفسه وكأنه آمن فكريا بما آمن به الخيام، فتوحد الرجلان على بعد المسافة الزمنيــة في رجل واحد وهو ما جعل ترجمته تصل الى القلب، وقد تماهيت أنا أيضا مع الخيام وفيتــــزجيرالد، كذلك ما حدث في ترجمتي لسونيتات شكسـبير وللقصائد التي ترجمتها في مختارات الشعر الأمريكي الصادرة تحت عنوان “أجنحة الماء”.
كذلك في ترجمتي للمختارات الشعرية الصينية حتى تريستان وإيــــزولدا لفاجنر فقد عشت مأساتهما التي انتهت بموتهمــــا وشاهدت الأوبرا بالفعل على المسرح في ألمانيا، وسكنت في داخلي حتى وجدت رغبة جارفة في ترجمتها إلى العربية وهذا ما حدث بالفعل، أما رواية “الموت في فينسيا” فقد تقمصت شخصية بطلها لأنني تعاطفت معه وتوترت مع توتراته وتشابهت حياته مع حياتي فقد كان أديبا ووحيدا بعد أن تزوجت ابنته الوحيدة ومسافرا كما أحببت السفر، وخياليا ومحبا للجمال ومحبا للشعر وحالما حتى وجدت نفسي في تلك الشخصية الجميلة وصاحبتها حتى مات على شاطئ البحر بالكوليرا التي كانت منتشرة في تلك السنوات، وكنــــت قد درست هذه الرواية في الجامعـــة وسيمناراً عن الأعمال النثرية وشاهدتها في السينما، فعلاقتي بالأعمال التي ترجمتها عــلاقة حميمة وخاصة وأنا أسكن فيها وهي تقيم في داخلي مثل القصيدة التي يحفظها الشاعر أو الإنسان العادي فتصبح جزءا من كيانه وتفكيره ومشاعره.
من شعره نقرأ تحت عنوان “صورتنا معا”:
هي ذي صورتنا معا ..
في لحظة نادرة
إني أحسدها ....
فهي ستحيا للأبد بينما نحن نكبر
حتي نتلاشي
حين ابتسمتْ..
تفتحتْ في خدها الورود
دافئة كالربيع
مضيئة كالقمر
تمايلت أغصانها الخمرية ،
تدفقت أنفاسها
انطلق البلسم نافذا إلي صدري
ومسني
سكرٌ من الشوق إلي مكمنها!!
ويقول توفيق في قصيدة بعنوان “الحزن الذي اصطفاني” :
بين الصحاري ، نخلة مبتورة الرأس
تسيلُ من أرجائها الدماء
تبحث عن جيرانها الأوئل
عن بشر كانوا يسامرونها
ويكتبون فوق جذعها رسائل !
هذا وجهي ،
يغلق عينيه عن النور
كيلا يري ظلامه المحظور
هل كنت في المتاهة الصغري
أري علامة ؟
أو أسمع ابتسامة
في الضجة الدوامة
ها أنذا ...
في ساحة المتاهة الكبري
أفقد أمي وأبي وأصدقائي
والموت في انتظار صخرتي ومائي
لايعرف ا لحزن الذي اصطفاني
ولايري القلب الذي سواني
إرسال تعليق