بقلم: محمد وجدى قنديل
كان أمرا غريبا عندما قال الرئيس أوباما: ان مصر ليست دولة حليفة للولايات المتحدة وليست عدوة! كان مثار التساؤل: اذن ماذا تكون؟ في الحقيقة انها دولة صديقة وليست تابعة لامريكا في المنطقة، وان هذه هي العلاقة الجديدة التي تربط بينهما الآن. وحسب ما قال الرئيس محمد مرسي ـ مع صحيفة النيويورك تايمز ـ ردا علي سؤال: ما إذا كان يعتبر الولايات المتحدة دولة حليفة وقوله: ان هذا يعتمد علي تعريفكم لكلمة » حليف« وانه ينظر إلي الدولتين باعتبارهما صديقين حقيقيين.. ويبدو انه سعي الي اعادة صياغة الأسس التي تقوم عليها العلاقات المصرية ـ الأمريكية في أعقاب اقصاء حسني مبارك الذي كانت واشنطن تعتبره حليفا يمكن الاعتماد عليه!
ويبدو واضحا ان مرسي أراد تحديد نوعية هذه العلاقات في هذه المرحلة عندما قال: إن علي واشنطن اصلاح علاقاتها مع العالم العربي واحياء تحالفها مع مصر التي تمثل حجر الزاوية في الاستقرار الاقليمي.. (وأشاد بالرئيس أوباما لتحركه بحزم وبسرعة لدعم ثورات الربيع العربي وقال: انه يعتقد ان الأمريكيين أيدوا حق شعوب المنطقة في التمتع بحرياتهم مثل تلك التي يتمتع بها الأمريكيون) وأشار إلي أن الادارات الأمريكية المتعاقبة اشترت بأموال دافعي الضرائب الأمريكيين الشعور بالغضب إن لم يكن الكراهية من جانب شعوب المنطقة وأيدت الحكومات الديكتاتورية علي حساب معارضة الجماهير.. وهذه هي الرؤية الجديدة التي يتحدث بها الرئيس مرسي الي الولايات المتحدة والتي تقوم علي أساس الندية في التعامل وليس التبعية في العلاقات لان ذلك الذي تطلبه شعوب المنطقة وبالذات مصر.
وقد كان هناك صدي لموقف الرئيس مرسي في محادثاته مع وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون التي طمأنته بشأن المساعدات الأمريكية لمصر وقالت ان الولايات المتحدة ستمضي قدما في خطط لتوسيع المساعدات الاقتصادية علي الرغم من الاحتجاجات المناهضة لواشنطن التي القت ظلال علي علاقات الولايات المتحدة مع دول المنطقة.. وحسب ما قيل من مسئول أمريكي ان ما سمعه من هيلاري هو انها ملتزمة بتنفيذ ما قالت اننا سنفعله وان كلينتون قامت بمسعي شخصي لاقناع أعضاء الكونجرس بالابقاء علي المساعدات الأمريكية لمصر ـ ودول عربية أخري ـ وتعتقد ان هذه المخاوف قد تبددت.. ويوجد تأييد قوي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري لان تحقق مصر نجاحا علي الصعيد الديمقراطي.
كما ذكر المسئول الأمريكي: ان مرسي حدد في محادثاته مع كلينتون خطط حكومته لتنفيذ اصلاحات اقتصادية في اطار الحصول علي حزمة قروض بقيمة ٨.٤ مليار دولار من صندوق النقد الدولي والتي تدعمها الولايات المتحدة.. (اللقاء كان جادا ومهذبا وتخلله بعض الدعابات)! ان المساعدات الأمريكية لمصر تبلغ ٥.١ مليار دولار سنويا.
وكان الرئيس أوباما قد اقترح تخفيض الديون بمليار دولار لتخفيف الاعباء علي مصر! ويذكر ان الديون المستحقة لواشنطن تبلغ ثلاثة مليارات دولار.. وكلينتون تؤكد علي ضرورة وأهمية استمرار الدعم الأمريكي الذي يشمل ٣.١ مليار دولار للجيش المصري، واقتراحات باعفاء مصر من ديون (تصل إلي مليار دولار) إلي جانب مساعدات اخري في المنطقة مقدارها ٠٠٨ مليون دولار.. والمهم أن ادارة أوباما سمحت في مارس الماضي بتقديم ٣.١ مليار دولار من المساعدات العسكرية رغم هواجس أعضاء من الكونجرس حول دور الجيش المصري في عملية التحول الديمقراطي وهو ما تحرص عليه الادارة الأمريكية!
ولكن ما هي حكاية المساعدات الأمريكية لمصر التي بدأت في عهد الرئيس كارتر؟ قد يتصور البعض ان الرئيس السادات هو الذي طلبها من الولايات المتحدة في أعقاب اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل (اتفاقية كامب ديفيد) ولكن الواقع انه فوجيء بها.. وكان صاحب الفكرة هو الرئيس كارتر نفسه ـ في اجتماعه مع السادات ـ فقد أراد ان يحث الدول العربية في المنطقة علي عملية السلام وأراد ان يكافيء مصر علي هذه الاتفاقية وقرر تقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية إلي مصر أسوة بإسرائيل، وكما كان يهدف من وراء المساعدات العسكرية إلي تغيير تسليح الجيش المصري بالأسلحة الأمريكية الحديثة بديلا للأسلحة الروسية التي صارت متهالكة بعد حرب أكتوبر وخصوصا في ظل عدم الوفاء من الاتحاد السوفيتي بتوريد صفقات السلاح المتفق عليها..
ووافق الرئيس السادات علي المساعدات الأمريكية (لمساعدة الاقتصاد المصري بعد الحرب) وبلغت قيمة المساعدات أكثر من ملياري دولار سنويا وكانت بمثابة الجائزة لكل من مصر وإسرائيل علي عملية السلام التي يدعمها الرئيس كارتر شخصيا ويري فيها نموذجا لحل مشكلة الشرق الأوسط، وبدأ توريد دبابات إم إبرامز وطائرات إف ٦١ وعربات مدرعة وصواريخ دفاع جوي إلي الجيش المصري حتي يتم تنويع مصادر السلاح وبالذات الأمريكي.
ما أريد أن اقوله: إن العلاقات بين مصر وأمريكا ضرورية واستراتيجية لكلا الطرفين وقد يتخللها سوء الفهم أحيانا ولكن الصداقة ـ التي وضع أساسها السادات وكارتر واستمرت علي مدي أكثر من ثلاثين عاما ـ قائمة ومستمرة.. وكلا الطرفين يدرك ذلك باعتبارها حجر الزاوية للاستقرار في المنطقة.. ولذا كان اقتراح الرئيس أوباما بتخفيض الديون المستحقة علي مصر بنحو مليار دوار وكذلك كان موقف كلينتون التي طالبت الكونجرس باستمرار المساعدات الأمريكية لمصر.
ولكن ذلك لا يمنع من أن يكون لمصر موقف في قضايا معينة عندما رفض الرئيس مرسي حديث أوباما عن حرية التعبير الذي تضمنته كلمة الرئيس الأمريكي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.. وكما قالت صحيفة الواشنطن بوست: إن خطاب الرئيس المصري يعكس في مجمله ترسيما لحدود العلاقة الجديدة بين بلاده والغرب.. ولعل السؤال: إلي أين وكيف العلاقات المصرية الأمريكية؟" الاخبار"
إرسال تعليق