Home » » سد النهضة‏... كيف نحمي مصالحنا؟

سد النهضة‏... كيف نحمي مصالحنا؟

رئيس التحرير : Unknown on الأحد، 9 يونيو 2013 | 10:49 م


بقلم: د.على عبدالعزيز سليمان

جاء قرار الحكومة الأثيوبية بتحويل مجري النيل الأزرق استعدادا لاستكمال منشآت سد النهضة الكبير‏(‏ هكذا اسمه‏)‏ بمثابة صدمة كبري للجمهور المصري‏,‏ وخاصة أن هذا الإعلان تم بعد سويعات من انتهاء زيارة الرئيس المصري لإثيوبيا‏,‏ زيارة قدمت للرأي العام علي أنها زيارة تاريخية تسعي الي رأب الصدع في العلاقات المتأزمة منذ عهد الرئيس المخلوع.

وعكست وسائل الإعلام القلق الشديد للجمهور من توقف تدفق مياة النيل. واختلف الفنيون بخصوص مدي خطورة الوضع بين مهول يقول ان منسوب المياه في بحيرة ناصر سينخفض بمقدار15 مترا( أي نحو5.8%) وأن قدرة السد العالي علي توليد الكهرباء ستنخفض بمعدل40%; ومهون من المخاطر, ومنهم وزير الري المصري الذي أشار إلي أن الأثر الفعلي سيكون أقل من ذلك بكثير, وخصوصا إذا جدولت أثيوبيا ملء سدها الكبير حسب منسوب الفيضان.

ومما لا شك فيه أن إقدام إثيوبيا علي المضي في بناء السد يمثل انتهاكا كبيرا للقوانين والأعراف الدولية الخاصة بالأنهار الدولية. كذلك فإن القطيعة مع إثيوبيا, وخيبتنا في إدارة ملف النيل والعلاقات الافريقية لعدة عقود قد بررت لبعض دول وادي النيل هذا المنهج الأحادي. فبالنسبة لهم فإن مصر إما غائبة, أو متزمتة في مطالبها, أو مشغولة بمشكلاتها الداخلية, وبالتالي لاداعي للالتفات لها.

وأعتقد أن هذه القراءة للأوضاع المصرية هي قراءة خاطئة. فلقد قدمت مصر الكثير وتستطيع أن تقدم أكثر. من جهة أخري من الخطأ علي الجانب المصري ألا يحسن قراءة الموقف الأثيوبي, وألا يتعامل معه بالطريقة المناسبة.

ويبدو أن الحكام في اثيوبيا قد أخذهم الحماس, وهو حماس يمكن تشبيهه, مع الفارق, بحماس الرئيس عبدالناصر في معركته الكبري لإنشاء سد أسوان العالي, ويعتبرون مشروع سد النهضة هو المشروع القومي الأول. وتم تأجيج مشاعر الشعب الاثيوبي, وصورت القضية كمعركة لاستعادة الشرف الوطني, والتغلب علي ظلم تاريخي حاكه الاستعمار في غياب الإرادة المستقلة للشعوب. ويؤدي التلويح بالحرب أو بعقوبات علي الجانب الاثيوبي الي تضخيم هذا الإحساس بالظلم التاريخي, ويمكن أن يفسد علاقاتنا مع دول القارة السوداء. فما المخرج إذن؟!

كما قال السيد نائب وزير الخارجية: لا مفر من التفاوض! ومع ذلك لم يوضح سيادته ما هي نقاط التفاوض.. وما عناصر القوة التي يمكن أن ندخل بها مثل هذه المفاوضات. لعل عنصر القوة الأول هو أن مصر والسودان علي حق. ذلك أن بناء هذا السد مخالف للقوانين الدولية الخاصة بالأنهار الدولية. ولم يجرؤ نظام الحكم في اثيوبيا, بالرغم من غروره وتهوره, علي الذهاب الي البنك الدولي أو البنك الافريقي يطلب تمويله, وعلي ذلك علي مصر أن تعد ملفا كاملا لتقديمه لمحكمة العدل الدولية والمؤسسات المالية العالمية, والدول الصديقة التي يشاع أنها تمول السد أو تسهل تنفيذه ومنها الصين, وإيطاليا.

أما عنصر القوة الثاني فهو احتياج إثيوبيا للتمويل. وحيث كانت احتياجات التمويل تزيد علي إجمالي موازنة إثيوبيا لأربع سنوات فإن تقديرنا أنهم لن ينجحوا في ترتيب التمويل محليا. ولقد فتح المسئولون حملة قومية لتدبير التمويل عن طريق إصدار سندات وطنية تسوق بين المواطنين والاثيوبيين المقيمين في الخارج. وفرض علي البنوك المحلية وموظفي الدولة شراء هذه السندات.

وأدي هذا التعسف الي شكوي المستثمرين المحليين من نضوب موارد الإقراض المحلي. بل تدخل مندوب صندوق النقد الدولي, الذي عادة ما يلزم الصمت, محذرا من عواقب ذلك, ونصح السلطات الإثيوبية بالتريث في التنفيذ. وفي ظل هذه الظروف ممكن لمصر أن تتعاون في ترتيب التمويل إذا تم تعديل التصميم وجدول التنفيذ بما يحقق المطالب المصرية.

بالطبع عنصر القوة الأكبر الذي يمكن ان نقدمه الي اثيوبيا هو المعرفة الفنية والخبرة ليس فقط في الإنشاء ولكن أيضا في إدارة مثل هذه السدود. ولقد كانت لمدرسة الري المصرية أياد بيضاء علي مشاريع الري في السودان وأوغندا. ولقد وقعت السلطات الاثيوبية بتعجلها في مشكلات فنية كبيرة, فلم تستكمل الدراسات البيئية الخاصة للمشروع. ويقال إن إقامة هذا السد في هذه المنطقة قد تخل بتوازن التربة وقد تؤدي الي توليد زلازل مستحدثة في هذه المنطقة الخطرة. كذلك تم ترتيب الأمور في الخفاء, وتمت ترسية عقد الإنشاء علي الشركة الإيطالية ساليني كوستراتوري بالأمر المباشر ودون إجراء مناقصة. وحيث لا تملك اثيوبيا الكفاءات القادرة علي الإشراف علي تنفيذ المشروع, يمكن في حالة الاتفاق أن تقدم مصر مساعدات فنية في الإنشاء والإدارة.

عنصر القوة الرابع هو حاجة اثيوبيا لبيع فائض الكهرباء. والسوق الأولي لهذا الفائض هي مصر والسودان. وبدون التعاون بين هذه الدول الثلاث فلن يكون المشروع مجديا.

أما عنصر القوة الأهم فهو قدرات مصر في دعم التنمية في اثيوبيا في جميع المجالات. ولقد أخطرني بعض خبرائنا الزراعيين بأن اثيوبيا تملك مستقبلا واعدا في مجال الزراعة, وأن أنتاجيتها الزراعية والحيوانية ممكن أن تتضاعف ببعض التطوير البسيط في نوعية البذور وطرق الإنتاج. ولا مانع أن تتعهد مصر بمساعدة اثيوبيا في كل هذه المجالات, وفي إعادة توطين آلاف المزارعين الذين سيتم تهجيرهم من مجري النهر.

وهكذا نري أن مصر والسودان يملكان من عناصر القوة التي تمكنهم من تعديل تصميمات المشروع وجدول تنفيذه بما يحقق مصالحنا القومية في الأمد الطويل.

الاهرام
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق