Home » » سليم عزوز يكتب : التقديم التلفزيوني.. بين المنجمة والعراف!

سليم عزوز يكتب : التقديم التلفزيوني.. بين المنجمة والعراف!

رئيس التحرير : Unknown on الجمعة، 2 مارس 2012 | 3:34 م

 


بقلم - سليم عزوز:

رئيس تحرير جريدة الأحرار 

لا حديث للمصريين هذه الأيام سوى عن مهنة التقديم التلفزيوني والتي فوجئنا بأنها صارت مهنة للعرافين والمنجمين، الذين يستطيعون التنبؤ بالكوارث قبل وقوعها، والإعلان عن وقوع الجرائم فإذا بها تقع بعد عدة ساعات من الإعلان عنها، فقد أعلنت المذيعة المنجمة أن المتظاهرين حرقوا 'مبنى مصلحة الضرائب' الآن، فإذا بالحريق يلتهمه بعد ساعات، وكان مذيع'بنفس القناة قد أعلن أن الحريق قد شب في المجمع العلمي على يد المتظاهرين، فإذا به يشتعل فيه بعد ساعات، وهي قدرة خارقة ليس لها إلا معنى واحد، وهو استعانة المذيعة والمذيع بالجان وتسخيرهم للحصول على السبق الإعلامي، الذي يجذب إليهم المشاهدين، وان كان البعض، ممن يسيئون الظن بالناس يحسبون أن هؤلاء يعملون لحساب 'الثورة المضادة'.
لست مع الذين يرجعون هذا الى الثورة المضادة التي يقودها النظام البائد بمعاونة أطراف في السلطة الحاكمة، ذلك بأنني من المؤمنين بأن التنجيم علم، وان كان قد ورد في الأثر بأن المنجمين كاذبون ولو صدقوا، فمن المفيد أن أحيلكم الى العراف التونسي الشهير، الذي استضافته فضائية 'العربية' قبل سنوات، وفي بداية عام ميلادي جديد، وقد تنبأ بثلاثة أمور ستقع في هذا العام، وهو أن شارون سيصاب بجلطة تنتهي به قعيداً على كرسي متحرك، وأن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات سيموت بمرض غامض، وان حسني مبارك سيتم اغتياله وتعم بعد ذلك الفوضى!
وربما صدقت توقعاته بدرجة أو بأخرى، وان كان مبارك ظل أكثر من أربع سنوات بعد ذلك في الحكم، يبدو انه كان يقاوم، وقد غادر القصر الجمهوري ولم يجر اغتياله، وما قاله العراف التونسي صح نسبياً بما يجعلني أسلم تماماً بأن ما أعلنته لميس الحديدي وزميلها خيري رمضان هو من باب العلم ولا يندرج تحت لافتة المؤامرة، والبعض يفتح الباب على مصراعيه لفكرة المؤامرة، فيتهم قنوات تلفزيونية بعينها بأنها تمول من النظام البائد، لاسيما وان هناك شكوكا حول تمويل كثير من القنوات الفضائية الجديدة، وهناك شكوك حول أصحابها الحقيقيين، ولست ميالاً الى الشك، ولعل الأغنية الوحيدة التي غنتها أم كلثوم ولم تعجبني هي 'ثورة الشك'.
كنت ضيفاً على قناة ' القاهرة' في الأسبوع الماضي وكانت حلقة برنامج ' الشاشة''لمعالجة هذا الملف، وقلت انه لابد من معرفة أصحاب هذه الفضائيات، وبعضها يقود البلاد الى الفوضى الهدامة، وإذا كان أهل الحكم أصحاب مصلحة في التستر على الأسماء، فلابد من اللجوء الى المنجمين و'ضاربي الودع'، و'قارئي الكف'.. استخداماً لنفس السلاح.. دقة بدقة.
وقد حذرت من الحل الأمني، الذي كان معمولاً به في ظل حكم حسني مبارك، وفي بداية التسعينيات، قيل ان عناصر الجماعات الدينية الذين يقومون بعمليات الإرهاب يختبئون في حقول القصب فصدر القرار الأمني بمنع زراعته لسنوات، ومؤخراً تم استخدام الحملة على هذه المحطات التلفزيونية التي حصلت على التراخيص القانونية بعد الثورة، بأن أصدر وزير الإعلام السابق قراراً بوقف الترخيص لقنوات جديدة.
ويبدو ان هذا مقصوداً في حد ذاته، فمن يطلق عليهم 'الفلول' قد حصلوا على ما يكفيهم من محطات تلفزيونية، في حين أن غيرهم لم يتمكنوا من الاستعداد للمرحلة الجديدة فصدر قرار المنع. هذا اذا سلمنا بصحة ما يطلقه أنصار نظرية المؤامرة من ان معظم الفضائيات الجديدة مملوكة لأنصار النظام البائد، وأنهم يسخرونها في خدمة الثورة المضادة، التي تخطط لها سوزان مبارك، وعدد من رجالات النظام السابق، وكانت مجرزة بور سعيد احد تجلياتها!

غسيل المواقف

أنصار نظرية المؤامرة يقولون ان هذه الفضائيات استعانت بعدد من المحسوبين على الثورة لتقديم برامج بها، من باب غسيل المواقف، على وزن غسيل المواقف، ولإدخال الغش والتدليس على المشاهدين. ومثل هذا الكلام يوحي بأن هناك مؤامرة عظمى يتم التخطيط لها على هذا النحو، وان كنت ميالاً لأن تكون لوجود الطرف الثالث، ومعتقداً إن أهل الحكم الذين يعتبرون أنفسهم امتداد للعهد البائد يعرفون هذا الطرف عز المعرفة، و يتركونه لتحقيق الأهداف، التي عليها توافق وربما ليس عليها اتفاق!
سوزان مبارك بات وجودها خارج السجن جريمة في حق الثورة، وهي تستهدف من الفوضى تحقيق نبوءة زوجها عندما قال في الأيام الأولى للثورة: انا أو الفوضى، وللانتقام من الثورة، فهي لا تريد لنا أن نهنأ بالأمن، ومن ناحية أخري هي تريد أن تتمكن الفوضى من فتح السجون مرة أخري، لتأخذ نجليها من السجن وتغادر، وتترك زوجها بين أيد أمينة، مشمولاً بالعناية الداخلية وبالاهتمام الخليجي، والبحث الآن عن مخرج له إما بعقوبة مخففة يخرج بعدها بمضي نصف المدة، أو ببراءة كاملة وليكن ما يكون!
لدي معلومة استمعت إليها من مسؤول سابق، وتحتاج الى منجم للتأكد من صحتها، وهي أن دولة خليجية بعينها عرضت 25 مليار دولار مقابل تسليمها الرئيس المخلوع، ومن يوم ان قيل لي هذا وانا اضرب واقسم واطرح لاقف على نصيبي في هذه الصفقة، وفي بداية الثورة قلت ولا كنوز الدنيا تصلح مقابلاً لرؤيته على منصة الإعدام، وكان يتحرك أمامي شريط طويل للذين دمرهم مبارك داخل السجون، وحاصر أسرهم، لكن هؤلاء بدوا ليسوا مشغولين بالماضي، فالحاضر أنساهم كل ما جرى، ووقفوا في البرلمان بعد أن صاروا نوابا يدافعون عن الجلادين، ويصفون الثوار بالبلطجية، والشبيحة.
لا بأس، فكل إنسان يتكلم عن نفسه، فأنا مستعد لأن اسامح في اثني عشر عاماً من الحصار والتهديد والمطاردة مقابل أن احصل على حقي 'ناشفاً'، فمبارك لا يساوي في ذمتي عشرة جنيهات، ولا أخفيكم سراً أنني بت اخشى أن يموت فنكون كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً ابقى، وعليه فأنا أطالب بتحويله الى محمية طبيعية، إن كان ما قيل لي صحيحاً.

التحريض على الفوضى

أهل الحكم في مصر ليسوا مدينين للثورة بشيء، وإذا كانوا بفضلها انتقلوا من 'خانة' المحكومين الى مرتبة الحكام، فان الفضل في هذا من وجهة نظرهم يرجع لمبارك، فلم تخرج الدعوة من ميدان التحرير تطالب'بحكم المجلس العسكري، فالمخلوع هو من وسد إليهم الأمر، وهو من قام بترقيتهم في الأولى وفي الثانية.
ما علينا، فربما بحسن نية تقوم بعض الفضائيات الجديدة بالتحريض على الفوضى، على النحو الذي شاهدناه عندما وقعت مذبحة بور سعيد، والمشكلة إن كثيرين قدموا من ارتكبوا المذبحة على أنهم جزء من الثورة، وعليه ذهبوا يقولون أن الثورة سلمية ولا تقبل بمثل هذه الأعمال!
وقد رأينا في الأسبوع الماضي عملية الشحن الإعلامي، من اجل تشويه الثورة واستمرار التخريب، وذلك بتسليط الأضواء على الحاصل حول مبنى وزارة الداخلية، ومحاولة البعض إسقاط الوزارة، وما أظن انه تصرف ينتمي الى الثورة، وفي اعتقادي انه جزء من الثورة المضادة، ولا يمنع هذا من وجود شباب ذهب الى هناك بحسن نية، ومن المعلوم أن الطريق الى جهنم الحمراء مفروش بالنوايا الحسنة!
بعض العناصر الإعلامية عندها مشكلة خاصة، وهي أنها كانت محسوبة على النظام البائد، وتريد ان تغسل عارها بالمزايدة، وبعض هؤلاء يشكل 'لوبي' على نحو يوحي أنهم من فجروا الثورة، وقد اهتم خصومهم بتوزيع صور لهؤلاء مع سدنة المعبد القديم، او كلاماً في تأييد التوريث، ولست مع تتبع عورات الناس، لإيماني ان من يفعل هذا يفضحه الله ولو في عقر داره.
لكن يظل ما حدث مع لميس الحديدي وزميلها هو المشكلة، لارتباطه بعالم التنجيم، وهي كانت مسؤولة عن حملة الدعاية للرئيس المخلوع، كما كان بعلها يرش بالنار من يرش النظام السابق بالماء، وكان برنامجه على الفضائية السعودية إياها هو لخدمة حكم مبارك، دعك مما ذكره بعد ذلك من ان حسني مبارك قال انه 'مش عايز أشوف هذا الولد'!
حسن النية متوفر من ناحيتي، ومنسوبه عندي يزيد عن الحد الطبيعي، لكن هل يجوز فعلاً ان نقوم بإلصاق ما جرى على انه من فعل عرافة ومنجم؟!
لقد أخفت منى الشاذلي في نفسها ما الله مبديه، عندما كان احد قيادات وزارة الداخلية يتحدث عن ان عناصر النظام السابق في سجن طره لا يمكنهم استخدام الهواتف الجوالة في الاتصال بالعالم الخارجي لأن هناك اجهزة تشويش من داخل السجن، وخرجت منها كلمة تلقائية عن انهم على اتصال دائم بها وببرنامجها!
البعض اعتبر ان ما قالته دليل إدانة بأن القوم في طره يديرون حقاً الثورة المضادة وهو ما ترتب عليه ان أعلن وزير'الداخلية انه سيتم توزيعهم على خمسة سجون حتى لا يجلسوا معا ويديروا مؤامراتهم معاً، والبعض قال وان مثل هذه القنوات أيضا بمثل هذه الاتصالات هي جزء من المؤامرة، ولست مع هؤلاء الذين يقفون على 'الساقطة واللاقطة'.
لقد اعتبر البعض ان زلة اللسان كشفت المستور، والحمد لله انه كلامهم ليس عن إيمان حقيقي ولكن هو مجرد اعتقاد اختلف معهم فيه، حتي وان قال البعض إن كثير من الفضائيات الخاصة مملوكة لرجال أعمال يدينون بالولاء الكامل للعهد البائد، وينحازون لحسني مبارك في معركته مع الشعب المصري.
لقد قلت في برنامج قناة ' القاهرة' ان فوضى الشارع انتقلت الى الفضائيات، وان كنت اعتبرت هذا لجهل مقدمي البرامج بالقواعد المهنية، وبعضهم لا يعرفها أصلا.
ليس لها من دون الله كاشفة.
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق