كانت البداية صادمة لي، نفس المشهد، مبارك يخرج من سيارة الإسعاف وهو نائم على السرير الشهير. طوال المحاكمة يدخل ويخرج من القفص وهو مستلقيا على سريره. مشهد ممل ومخجل له ولكرامته الشخصية
. كنت أتوقع في جلسة النطق بالحكم أن يفعل شيئا كريما لنفسه بأن يخرج من سيارة شرطة وليس سيارة إسعاف وأن ينزل على قدميه كبقية من يحاكمون معه وأن يسير مترجلا الأمتار القليلة من السيارة إلى القفص فربما تكون هذه هي المرة الأخيرة التي يراه العالم من خلال الفضائيات. لكن شيئا من ذلك لم يحصل وظل مبارك وفيا لسلوكه المهين لشخصه مدعيا المرض، وحتى لو كان مريضا - رغم أنه بدا بصحة جيدة - فإنه كان يجب أن ينتصر لرجولته هذه المرة ويقف على قدميه في القفص مثل ابنيه أو يجلس على المقعد مثل وزير داخليته العادلي.
من الصدمة الأولى إلى الثانية، فقد تمنيت لو كان مبارك قد استأذن المحكمة ليلقي كلمة قبل النطق بالحكم وقبل أن يعرف مصيره - إذا لم يكن قد اطلع على الحكم مسبقا - ليعتذر لأسر الشهداء ويعزيهم ويواسيهم رغم أن ذلك سيكون متأخرا جدا، كما يعتذر للمصابين على آلام جراحهم التي يعيشونها، ويعتذر للشعب المصري عن الجرائم أو الاخطاء أو التجاوزات - أيا كان سيسميها - التي ارتكبت خلال عهده، وأن يطلب الصفح والعفو من كل من تعرض للظلم تحت حكمه، لكنه لم يفعل، بل حسب ما ينقل عنه وتنشره بعض وسائل الإعلام ولا ندري دقته أنه لا يرى أنه أخطأ يوما وأنه لا يرى ما يستحق عليه المحاكمة أو المحاسبة من أحد، لكن الرد عليه الذي لا يريد استيعابه للآن أن الثورة في حد ذاتها تعني أن هناك مظالم كثيرة أجبرت الملايين على الخروج لإسقاط مبارك ونظامه. إنه يتبع سياسة الإنكار، وغالبا هو بينه وبين نفسه يرى أنه كان على حق، وأنه كان رئيسا ممتازا لمصر.
والحقيقة أنه لم يضر أحد مصر بقدر ما أضرها هذا الرجل المتواضع الامكانيات الذي وضعته ظروفا خاصة في مكان أكبر منه ومن مؤهلاته وقدراته ليعود بالبلاد إلى الخلف، ولا أدري كيف يفكر أولئك الذين مازالوا متحمسين له إلى اليوم وكانوا يخوضون معارك داخل وخارج قاعة المحكمة مع أسر الشهداء والمصابين الذين كانوا يحتجون على الأحكام ؟. هل هم استفادوا من نظامه إلى درجة الولاء المهين له وهل يستشعرون أن مصالحهم ستكون مهددة أو لن يتمكنوا من تحصيل مثلها في العهد الجديد؟. والمدهش أن يكون هناك قطاع من المصريين يؤيد أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة وهو أحد رموز نظام مبارك الفاسد فهل هي ردة عن الثورة، أم أن الثورة فشلت بعد عام ونصف العام من إقناع قطاع من المصريين بها، أم أنه جرى تخريبها وشيطنتها فانفض هؤلاء عنها؟.
أخيرا، كان مشهد أوراق القضية والكاميرات تستعرضها غير حضاري إذ أن الأوراق ظهرت مربوطة بأحبال الدوبارة بطريقة تقليدية قديمة مما لا يليق بأهمية وتاريخية القضية وبما لا يليق بشكل المحكمة وشكل مصر أمام العالم . ألم يكن ممكنا وضع الأوراق في ملفات أو دوسيهات بطريقة أكثر شياكة ؟.ليس هذا فقط بل المؤسف ما حصل داخل القاعة وقبل أن ينتهي القاضي من تلاوة أسباب الحكم من هرج ومرج ووقوف فوق المقاعد والهتاف بتطهير القضاء ثم حدوث اشتباكات عنيفة بين مؤيدين ومعارضين لمبارك في مشهد لا يليق بمصر ولا بشعبها ولا بمقر محكمة يفترض أن يكون لها احترامها ووقارها.
سلوك بعض المصريين الآن يتنافى مع السلوك الرائع لهم خلال الثورة ولا ما كان مأمولا منهم بعد الثورة.
إرسال تعليق