"فجأة رايت القذافي"، يروي المصور فيليب ديمازيه الذي التقط لوكالة فرانس برس الصورة الشهيرة التي يظهر فيها الزعيم الليبي للمرة الاولى اسيرا وجريحا خلال سقوط معقله سرت.
في هذا اليوم، 20 تشرين الاول/اكتوبر 2011، وبعد ان غطى المصور الفرنسي مشاهد الفرحة الغامرة في وسط سرت توجه الى غرب هذه المدينة، مسقط راس القذافي، حيث كانت تدور اخر المعارك.
في البداية استقل شاحنة صغيرة (بيك أب) "تأرجح وهو يجلس في مؤخرتها" عندما كان يقودها "كالمجانين" ثوار في حالة هياج شديد. ثم اكمل الطريق في سيارة اسعاف يقودها ممرض كتب عنه ريبورتاج صحافي بعد ذلك ببضعة ايام.
وفي اخر الطريق ظهرت في مجرى جاف في هذه الضاحية ماسورتان ضخمتان من الاسمنت المسلح.
وعلى الارض تناثرت جثث لرجال من الحرس الخاص للقذافي بعضهم كان وجهه مطليا باللون الازرق. ويتذكر هذا المصور البالغ الحادية والخمسين من العمر والمقيم في ليون "احدهم كان منزوع الذراع واخر مذبوح من الرقبة". لقد التقط لهم الصور التي خلدت هذا المشهد البشع.
ويقول "فجاة رايت تجمهرا لنحو عشرة اشخاص يتدافعون ويسعون جميعا لرؤية الشيء نفسه. ومن قبيل الفضول ذهبت للمشاهدة".
واضاف "تحرك افراد المجموعة وهم يتدافعون لكنني لم ار شيئا. اعتقدت انهم عثروا على شيء. وعندها رايت راس القذافي لكنني لم اكن واثقا من نفسي" الى ان سمعت الرجال وهم يصيحون بالعربية "القذافي، القذافي" ويشيرون الى الماسورتين الاسمنتيتين اللتين شكلتا مخبأه الاخير.
وتابع المصور "جذبت احد الافراد المتجمهرين من كتفه كي يفسح لي مكانا. وعندها وجدت في وسط المجموعة شخصا يحمل هاتفا محمولا قديما" كان يعرض عليه شريط فيديو قصيرا "ليس فيه شيء مهم، مع تحركه في كل الاتجاهات". وقال "فجاة رايت القذافي يظهر! لكن لفترة وجيزة جدا". عندها طلبت من صاحب الهاتف اعادة عرض الصور.
ويتذكر ديمازيه، الذي كانت السترة الواقية من الرصاص تعيق انذاك حركته "التقطت من هذا الفيديو اربع صور للقذافي اسيرا. صورتان منها كانتا جيدتين" رغم سرعة المشهد وشدة الضوء.
ورغم تاكده من ان هذا الفيديو الذي يظهر فيه القذافي والدماء تسيل من وجهه المتورم ليس مركبا توجه فيليب ديمازيه الى مستشفى سرت الرئيسي سعيا الى العثور على اثر للمصاب.
ويقول بعد عام هذا المصور الذي كان انذاك مقطوعا عن العالم مع تعطل هاتفه الخليوي "في هذا الوقت لم تكن لدي ادنى فكرة عن مدى اهمية هذه الصورة وعن انها ستكون اعلانا لسقوط القذافي في الاسر. لانه اذا كان هناك مصورون وقت اعتقاله لما كانت صورتي تساوي شيئا".
ولم يتمكن فيليب ديمازيه من ارسال صورته الشهيرة الا بعد ظهر يوم 20 تشرين الاول/اكتوبر 2011 وبعد ان التقط صورا اخرى وخاصة لشاب من الثوار يرفع مسدس القذافي الذهبي لتنشرها على الفور وكالة فرانس برس بعد عمليات تحقق اضافية.
ويروي ديمازيه "لم ادرك حقا تاثير تلك الصورة الا مساء هذا اليوم عندما فتحت بريدي الالكتروني في الفندق لاجد اكثر من 200 رسالة".
وفي اليوم التالي صور ديمازيه جثة القذافي معروضة في غرفة التبريد بمتجر للخضروات في مصراته.
وحتى اليوم ما زال المصور يتساءل بشان "الغموض" الذي احاط بظروف مقتل القذافي: هي قتل في تبادل اطلاق نار لدى اعتقاله كما تؤكد السلطات الانتقالية؟ او اسر حيا ثم قتل برصاص المتمردين كما يقول شهود ووسائل اعلام؟
وفي منتصف تشرين الاول/اكتوبر الحالي قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية انها تملك ادلة جديدة على جريمة قتل مشيرة الى اشرطة فيديو تظهر الدكتاتور حيا في الاسر لكن راسه تنزف دما. واستنادا الى هذه المنظمة غير الحكومية يظهر في هذا الفيديو الثوار وهم ينهالون عليه ضربا بوحشية.
وكان القذافي قد لاذ بالفرار بعد سقوط مقر قيادته في باب العزيزية بالعاصمة طرابلس في 23 اب/اغسطس 2011. ومنذ ذلك الوقت ترددت الكثير من الشائعات عن ظروف موته هو وموت عدد كبير من ابنائه.
وبعد ثلاثة ايام من موت القذافي اعلنت السلطات الانتقالية "تحرير" ليبيا التي حكمها العقيد لمدة 42 عاما بلا منازع.
إرسال تعليق