Home » » حماده عوضين يكتب : جمال الغيطاني ملك الكتابة الإبداعية للملاحم الشعبية

حماده عوضين يكتب : جمال الغيطاني ملك الكتابة الإبداعية للملاحم الشعبية

رئيس التحرير : Unknown on الجمعة، 5 أكتوبر 2012 | 4:57 م



لا أملك سوى أن أقول حقا انه مبدع والكلام هنا عن جمال الغيطانى الذى يجيد امتلاك أدواته فبحرفية عالية ولغة شديدة الرقي سطر الأديب جمال الغيطاني حكايات أبطال المقاومة الشعبية في مدن القناة خلال حرب أكتوبر , أولئك الفدائيين الذين تركوا أهليهم وأولادهم وحملوا السلاح ليصدوا هجمات العدو الصهيوني الذي كان يبحث عن مخرج إعلامي يداري به هزيمته في الحرب باحتلال أحدى مدن القناة , لكنه تفاجأ بكتائب ترتدي ملابس مدنية , تستخدم السلاح بمهارة وكأنها عاشت معه أعوام طويلة.

من هؤلاء عم خضر الذي يرفض مغادرة السويس , فتح نصبة شاي في أحد شوارعها .. يصاحب الجنود.. يتحدثون معه كصديق.. يروي كل منهم له حكايته.. وتعاطفا معهم يفتح قهوته "مجهود حربي".. ويرفض طلب نقود مقابل الشاي الذي يقدمه.. وحينما تأتي لحظة العبور.. يحمل كل معداته عازما على الذهاب إلى الشرق.. ليسقي كل أحبابه الجنود من يده.

ومن هؤلاء الأسطي عبد الرحمن.. الذي تحمل قصته اسم "حكايات الغريب".. كان بين صفوف المدنين الذين حولهم نداء الواجب في لحظة إلى مقاتلين برزت قصص و ملاحم بطولية رائعة للعديد من أبناء السويس و من الوافدين إليها أيضاً.

يعمل سائق سيارة تتبع مؤسسة صحفية , مهمته توزيع الصحف , دخل السويس في 23 أكتوبر , لكنه لم يغادرها قط , بقي جسده الطاهر في مكان ما.

شكلت المؤسسة الصحفية لجنة تسافر إلى السويس وتستقصي الحقيقة حول مصير العهدة , ضمت اللجنة ثلاثة رجال.

إلى السويس سافرت اللجنة .. فشلت في الإطلاع على كشوف المستشفي الذي كان يمتلئ بالجرحى والمصابين والشهداء وقت الحرب , فلم يكن هناك وقتا لتسجيل من يدخلها..واللجنة تريد دليل مادي يثبت أين ذهبت العهدة .. لا يهمهما مصير الأسطى عبد الرحمن.. المهم أن تكتب تقريرها بنجاح.

لكن خلال البحث تتكشف لها حقائق عديدة.. تظهر لهم جوانب إنسانية في شخصية الفدائيين الذين وقفوا أمام قوات اليهود في 24 أكتوبر..

في كل مكان كان الأسطى عبد الرحمن موجود.. أطلق عليه سكان المدينة الغريب..

ذهب عضو اللجنة إلى الفدائيين.. قالوا أن الغريب مات شهيدا في معركة قسم الأربعين.. فقد طلب أن يذهب معهم.. أمسك السلاح لأول مرة.. وتوجه لإيقاف تقدم اليهود.. عندما تقدمت الدبابات .. تقدم الغريب..وقف بطوله في مواجهاتها.. كان يريد الاقتراب إلى أقصي حد ممكن من الدبابة..ألقي بالقنبلة الأولي.. ودوي صوت الرصاص يحصد جنود اليهود..امتدت يد الغريب وألقت بالقنبلة الثانية ..وغطي الدخان كل شئ.. ولم يعثروا له على جثة.

عضو آخر باللجنة أكد له الأهالي أنهم سحبوا جثة الغريب..ودفنوه بسرعة تحت الرمال.. وأثناء الحصار قرر الحاج حافظ سلامة نقل الشهداء إلى مقبرة واحدة داخل السويس.. وعندما حفروا لنقل الغريب صاحوا الله أكبر ..وجدوا الجثمان على حاله..روايات آخري أكدت أن الشخص الذي نقلوه غير الغريب..والصحيح أن دانه انفجرت فوقه تماما ولم يعثر له على أثر.

زادت حيرة اللجنة..وقالت امرأة عجوز أن الغريب اسمه خلف.. كان يساعدها ببضعة قروش لفقرها.. هي لا تعلم اسمه.. وإنما أسمته خلف على اسم ابنها الأول خلف الذي مات رضيعا.. وقال عسكري أن الباشجاويش كان يطلق عليه اسم كمال.. وهو اسم ابنه الذي مات.. كان الغريب يحمل أسماء كل الأحبة لأهل المدينة المحاصرة. 

أجمع الكثيرون أن الغريب بدا كثير الحركة .. لا يهدأ .. لا ينام في مكان واحد .. بل نادرا ما رآه البعض نائما .. كل من رآه شاهده مستيقظا يؤدي عملا.. في الليل يقف خلال نوبات الحراسة عند أطراف المدينة .. حفر الخنادق .. نقل العديد من العوائق كالعربات المدمرة والحجارة الثقيلة ليسد بها الطريق . حفر آبارا للمياة.. آذن للصلاة .. تبرع بدمه مرات عديدة.. تسلل إلى خطوط العدو.

هل كان الغيطاني يريد أن يجعل الغريب رمزا للأبطال المدنيين الذين انخرطوا في سلك المقاومة الشعبية دون أن يطمحوا إلى شهرة أو مجد شخصي..حتى إذا ما أدوا مهمتهم لم يعرف عنهم أحدا شيئا ..ورجعوا إلى مجري الحياة العادية أو ضاعوا وسط زحامها.. وتبقي ذكراهم على الألسن تحكي قصص بطولتهم؟
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق