Home » » سليم عزوز يكتب : 'صوت الشعب' .. والقروي الذي بهرته أضواء المدينة!

سليم عزوز يكتب : 'صوت الشعب' .. والقروي الذي بهرته أضواء المدينة!

رئيس التحرير : Unknown on السبت، 6 أكتوبر 2012 | 10:00 ص

سليم عزوز


بحل مجلس الشعب المصري، فقدت قناة 'صوت الشعب' رونقها. وهي محطة تلفزيونية تم بعثها لهدف واحد، هو نقل وقائع جلسات البرلمان 'بغرفتيه'، وفي فترة قصيرة تحولت الى واحدة من أفضل قنوات الفكاهة في منطقة الشرق الأوسط، وحققت لي درجة مرتفعة من الإشباع، فلم أجد نفسي مضطرا للذهاب الى قناتي 'موجة كوميدي' و 'نايل كوميدي'، على قاعدة: 'ساعة وساعة فإن القلوب تمل'، فكوميديا الواقع هي أفضل أنواع الكوميديا، وكانت تمثلها جلسات مجلس الشعب، في حين أن 'موجة ونايل' كانتا تتنافسان في افتعال الفكاهة.
أفضل عمل كوميدي في السنوات الأخيرة، من وجهة نظري، هو 'رجل وست ستات'، قبل ان يغادره سامح حسين، ومن يومها وهو في حالة تخبط، على نحو قد يجهز على موهبته، واعتقد أن جلسات مجلس الشعب 'المنحل' كانت تنافس هذا العمل في انتزاع الضحكات، وكان حضور جلسة له كافية لأن تذهب عن المشاهد البأس، وتعيد الابتسامة الهاربة،، دون نشر إعلان تحت عنوان: 'ابحث مع الشرطة'، وكان كثير من النواب لا يتصورون يوماً ان يمروا من الشارع الذي يوجد فيه مبنى المجلس، وقد دخلوه بفضل الثورة فحدثت لهم صدمة كتلك التي واجهت القروي الساذج الذي بهرته أضواء المدنية، وكان الأخوة السلفيين قد فوجئوا بأنه من حقهم دخول المعترك السياسي دون استعداد لذلك بالكوادر المؤهلة، فكانت قوائمهم تهتم فقط بالمرشح رقم واحد، وما دونه هم أناس متواضعون في كل شيء، وأحد نوابهم الذي أصبح اسمه أشهر من فنانة مثل سما المصري، تبين انه كان يعمل سائق 'توك توك'، وحتى لا يخرج علينا من يقول ان سياقة 'التوك توك' عمل شريف، أبادر وأقول انني اقدر سائقي 'التوك توك'، فبعد أن وجه لهم الرئيس محمد مرسي التحية في خطابه الأول، ومن يومها هم عندي قد حصلوا على 'الشرعية الدستورية'، وان كانوا لم يحصلوا على 'الشرعية القانونية' باعتبار 'التوك توك' وسيلة نقل عشوائية، فأساتذة الفقه الدستوري يقولون ان الدستور هو القانون الأعلى!
عندما تحرشت سما المصري بالنائب السلفي (والتحرش أنواع) سألت من تكون سما المصري؟!، لكن اسم النائب كان كالطبل، وسما كانت توحي من بعيد بأن سيادته قد خطبها، وعندما تتم مواجهتها تلف وتدور، الى ان جمعهما برنامج تلفزيوني واحد، سعت خلاله للف والدوران، لكنها في النهاية اعترفت بأنها ليست مخطوبة له. لكنها حتماً استفادت من شهرته عندما اقترن اسمها باسمه، ويكفي أن واحداً مثلي من جيل سمية الخشاب قد عرف ان هناك فنانة اسمها سما المصري.
لتسهيل المهمة على القارئ غير المتابع لقناة 'صوت الشعب' التي كانت تنقل وقائع جلسات البرلمان المصري، قبل حله، أشير الى واقعة جرت يمكن من خلالها الوقوف على نوعية هؤلاء النواب، وما كانوا يقدمونه من تسلية افتقدناها. وقد جرت تفاصيل الواقعة في جامعة القاهرة، عندما جاء الرئيس محمد مرسي ليلقي خطابه بها عندما تم إعلان فوزه، وليؤدي القسم للمرة الثالثة أمام نواب البرلمان 'بغرفتيه'، وكان قد أدى القسم في ميدان التحرير، وأداه أمام المحكمة الدستورية رضوخاً للإعلان الدستوري المكمل الذي وضعه العسكر.
موقعة الهاتف النقال
قبل دخولنا الى القاعة المعدة لذلك سلمنا هواتفنا النقالة، وعند الخروج وبدلاً من ان يلتزم السادة النواب بالوقوف في الطابور، إذا بهم يزاحمون، ويتسلقون الجدران، وقد أدهشتني رشاقتهم في التسلق، ودعاني زميلي عادل الأنصاري رئيس تحرير جريدة 'الحرية والعدالة' لنذهب إليهم ونقنعهم بالوقوف في الطابور، وفعلت وتكلمنا وكنا نكلم أنفسنا في الواقع، فلم يلتفت إلينا احد منهم، وكنت اشعر حينها بأن حرارة الشمس قد اخترقت رأسي، فوقفت بينهم خطيباً ومستنكراً: أهذا سلوك من اختارهم الشعب لينوبوا عنه؟، واحد وحيد اهتم بالرد وهتف: أليسوا أفضل من نواب الحزب الوطني؟!.. وقلت له بهذا الشكل ليسوا أفضل من نواب الحزب الوطني، الذين كانوا من الأعيان والوجهاء، ومن لم يكونوا منهم كانوا يحاولون تقليدهم، ولم يكونوا باعة 'كوكاكولا' في قطارات الصعيد.
كان المشهد بائساً، لدرجة ان سفراء كانوا يقفون في حالة ذهول، وكان قس يبدو من حيث الشكل ينتمي الى الكنائس الغربية، قد خلع ملابسه الكهنوتية، وتسلق معهم الجدران مزاحماً، ربما للتأكيد على الوحدة الوطنية، ولأن القوم لم ينتبهوا الى ان المبنى كان من الخشب وليس مشيدا بحديد عز، فقد انهار بهم، وهواتفنا النقالة بداخله، وكانت لحظة عثوري على هاتفي تاريخية بكل المقاييس، اذ كانت مشاعري وقتها هي نفس مشاعر البطل في فيلم 'عودة الابن الضال'.. هل هناك فيلم يحمل هذا الاسم أم أنني أتخيل هذا من جراء انصهار رأسي من أشعة الشمس الحارقة؟.. حقيقة لا اعرف؟!
لك ان تتصور أداء هؤلاء في البرلمان قبل حله، لتقف على نوع الفكاهة التي كانت تقدمها قناة 'صوت الشعب' ومهمتها المقدسة في مواجهة الكآبة في ربوع الوادي.
ولقد تم حل مجلس الشعب، ولم اعد مهتماً بالمحطة التلفزيونية سالفة الذكر، المرة الوحيدة التي هرولت عليها عندما تلقيت اتصالاً هاتفياً ممن يزف إليّ بشري عظيمة بأنني عليها أتكلم، فقد نقلت لقاءنا بوزير الإعلام، وهو اللقاء الذي سألته فيه عن صحة ما نشر عن وقف برنامج المذيعة هالة فهمي لأنها انتقدت في برنامجها الإخوان، ورد الوزير انه لا يوجد احد ممنوعاً من الظهور في التلفزيون المصري.. الكلام في المطلق لا يشفي غليلي.
قبل أيام نُشر عن إحالة مذيعة، 'صباحك سكر' أو 'صباحك قشطة'، فالبرامج تتشابه علينا، للتحقيق بتهمة ان احد الضيوف انتقد رئيس الدولة، وأن القرار أصدره الوزير، حامي الحمى، ولا أعرف ماذا على أي مذيعة ان تفعل إذا تجاوز احد ضيوفها، هل تقف وتضربه بالدرة على أم رأسه؟.. أم تطلب منه ان يستدير ليريها قفاه ثم تصفعه عليه صفعة مدوية، وهي تهتف: ثكلتك أمك، فان لم تكن له أم قالت له ثكلك أباك، لتكون وقعتها سوداء ان كان يتيم الأبوين.
لا اعرف ماذا قال الضيف عن الرئيس، لأنني مع النقد وضد الاهانة، سواء ضد الرئيس او ضد واحد من آحاد الناس، وهناك من يعز عليهم أنهم خافوا أكثر من اللازم من حسني مبارك عندما كان الظن الغالب انه رئيس قوي ومفتري، وقبل ان يتبين ان نظامه كان كعهن منفوش، وهؤلاء يعوضون ضعفهم بأثر رجعي بتجاوز السقف الأخلاقي في الهجوم على الرئيس محمد مرسي، ولا اعرف ما اذا كان ضيف مذيعة التلفزيون المصري المحالة للتحقيق من هؤلاء أم لا؟.. فلم اقرأ اسمه في كل الأخبار التي نشرت هذه القصة.
امسك حرامي
عقب إطلالتي المباركة على قناة 'صوت الشعب'، أصبحت حريصاً على متابعتها في أوقات الفراغ وما أكثرها، لاكتشف أنها انتقلت من الفكاهة الى الجدية، واكتشف أيضاً انه صار لها جمهورها الذي لم يتأثر بحل مجلس الشعب، فقد أذاعت مؤتمراً لحزب 'الحرية والعدالة'، الذراع السياسي لجماعة الإخوان، وربما ظن القائمون عليها انه بإمكانهم ان يجاملوا الجماعة دون أن يراهم احد في قناة فقدت بريقها بحل البرلمان، لكن تبين أن مشاهديها كثر فانتبهوا لهذا وتعاملوا بقاعدة 'امسك حرامي'، فالثورة لم تسقط الحزب الوطني الذي كان يسيطر على وسائل الإعلام الرسمية ويفرض بث فعاليته، ليطلع علينا حزب 'الحرية والعدالة' .. 'في المقدر'، وعنده قناة 'مصر 25' التي تمولها الجماعة، فليبثوا فعاليتهم عليها، دون ان يستغلوا تلفزيونا يتم الإنفاق عليه من أموال دافع الضرائب، ويملكه الشعب وليس جماعة أو حزب.
لقد كنت محظوظاً عندما شاهدت بعض جلسات اللجنة التأسيسية المنوط بها وضع مشروع دستور جديد للبلاد، وهي اللجنة التي يعمل البعض على إفشالها، وتشويهها، والإساءة إليها، والعمل على حلها باعتبار أنها لا تمثل أطياف الشعب المصري، وفي الواقع فان تشكيل اللجنة أصبح وثيق الصلة بمنطق بني إسرائيل في معرفة ما هي البقرة، ولم يبق لوضع حد للجدل الى ان ندعو التسعين مليون مصري كلهم لوضع الدستور على أن يكتبوه على ضوء الشموع!.
هذا هو التشكيل الثاني للجنة بعد حل اللجنة الأولي بحكم قضائي، وجاءت اللجنة الثانية تضم عددا ليس كافياً من القوي الاخري، ولو اتبعنا أهواء المعترضين لما نجحنا في الاتفاق على لجنة توافقية إلا عندما يلج الجمل في سم الخياط، لاسيما وان قابلية الإخوان في استيعاب الآخر ضعيفة، وهذا ما يفسر ان يضم الرئيس محمد مرسي عضواً في لجنة السياسات لصاحبها جمال مبارك والسيدة والدته ضمن فريقه الرئاسي، ولا يضم قامة كحمدي قنديل، الذي اعتقد كثيرون انه سيكون وزيراً للإعلام في الحكومة التي شكلها مرسي، واستبعدت انا ذلك بحكم معرفتي بطبيعة الشخصية الاخوانية التي تربت على السمع والطاعة، التي قد تقبل الآخر المنسحق، لكنها لا تهضم صاحب وجهة النظر المعتز بنفسه وان صلي وان صام.
ولان الحال كذلك، فأنا منحاز لاستمرار اللجنة الحالية، بغض النظر عن انتماءات الأعضاء، ذلك بأن ما يعنيني هو المنتج النهائي، فلو جاء مشروع الدستور على غير ما نريد رفضناه ودعونا الشعب لرفضه، لكن غيري لا يري ما أري، وانك لا تهدي من أحببت.
التشهير بالتأسيسية
حملة تشهير إعلامية واسعة تتعرض لها التأسيسية، وقد ظلت الصحف وبرامج 'التوك شو' تناقش نصا قيل انه تم وضعه في الدستور يقول بزواج الفتاة في سن التاسعة، وهو النص الذي أشبعناه مناقشة وكان مبررا للهجوم على اللجنة المكلفة بوضع الدستور، والتأكيد على عدم أهلية أعضاءها لوضعه. 
لقد تبين بعد شهر من المناقشات المستفيضة، والهجوم المتواصل، ان هذا ليس نصاً في مشروع الدستور، ولم يطرح كطلب او يناقش كتوصية.
في حالة الاستقطاب السياسي نسينا الفضل بيننا، ونسينا ان رئيس التأسيسية المستشار حسام الغرياني كان من قضاة الاستقلال الذين خرجوا للشارع ينددون بتدخل النظام البائد في السلطة القضائية، ويطالبون بالاستقلال، في ملحمة نضالية لا يجوز القفز عليها.. وبدا الحديث المتواتر عن تسلط الرجل وعدم سماحه للآخرين بالكلام وكأنه مدرس في مدرسة للتعليم الأساسي.
علي تلفزيون 'صوت الشعب' لم أر في الجلسات التي شاهدتها كاملة تسلطاً بل كان الرجل هاشاً باشاً ينصت ويعلق ويتواصل مع المتحدث
لقد نشر على نطاق واسع ان التأسيسية ستقر نصا يقر اغلاق الصحف وشاهدت عمرو موسي عضو اللجنة ينقل ما ينشر في كلمته، ويرد الغرياني بأنه يرفض هذا لانه نوع من العقاب الجماعي للعاملين في الصحيفة.
لقد انتقلت 'صوت الشعب' من الفكاهة الى الجدية الصارمة، وأتمني ان تعود كما كانت ولو بإعادة بث الجلسات القديمة للبرلمان أو بدعوة أعضاء مجلس الشعب ' المنحل' للاجتماع مرة كل أسبوع ليساهموا بأدائهم الممتع في إزاحة الكآبة ونشر الفكاهة، فقد كان مجلس الشعب فصلا في كتاب الكوميديا الحديثة.
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق