Home » » براءة زمن ... قصة جديدة للأديبة المصرية "ميمي قدري"

براءة زمن ... قصة جديدة للأديبة المصرية "ميمي قدري"

رئيس التحرير : Unknown on الأحد، 2 ديسمبر 2012 | 10:22 ص




براءة زمن

لم يكن للربيع أن يستمر طويلاً في تلك البقاع,.. حقول القمح الممتدة على امتداد البصر تَموج تحت الرياح كأمواج بحر هائل ، بدأت بالنضوج ثم بالإصفرار رويداً ... رويداً ...
تُهيئ نفسها للحصاد ...
كروم العنب بدأت تنضج ثمارها من الحصرم الحامض الذي لايؤكل .. تحولت إلى أعناب شديدة الحلاوة في الطعم والمنظر ... تتدلى بخيلاء من غصونها ..
بدأ الفلاحون يهيئون الأرض لزراعة الطماطم والقطن والسمسم والبصل
وكل الخضروات .. مما خلق الله على هذه البسيطة ..
الذي يتجول بين هذه الحقول والمزارع اذا جاع يقطف من السنابل رؤوسها ويفركها بين راحتيه ليأكل حتى الشبع أو يقطف ماطاب له من ثمار الأرض كالبطيخ والخيار والباذنجان وغيرها ليشبع جوعه.
هذه المرحلة الزمنية .. جنة الأطفال .. يلعبون ويمرحون بين الحقول وخصوصاً في المساء تحت برودة الهواء حماية لهم من قيظ النهار الملتهب حرارته بأشعة الشمس ... يلقون بأنفسهم في الترع ليسبحوا بملابسهم مع الضفادع والحشرات الغريبة المنظر وأحياناً مع بعض الأسماك التي كانت تُحير الجميع بوجودها ...
الجداول كانت تأتي من عيون تتفجر من تحت الأرض لا من مصادر الأنهار القريبة.
العُشاق كانوا يخرجون قبيل مغيب الشمس زرافات ... زرافات ...
الصبية يخرجون منفردين .. والصبايا أيضاً ... كل منهم على حِدَة يتمشون بين الحقول وهم يسترقون النظر لبعضهم البعض من بعيد .. إذ كان الكلام محرماً بين الجنسين ماعدا القاء السلام مع خفض الرأس إلى الأرض ومن يَحظى بهذه الإيماءة أو بهذه النظرة يكون كمن مسه ملاك ... يذهب بعقله فتراه .. يبتسم كمن حلقت روحه في فضاءات العشق وكأنه امتلك سموات السموات
تلك البراءة جعلت هؤلاء الفقراء المُعدمين يعمرون طويلاً رغم قساوة حياتهم وبساطة سُبل عيشهم وإفتقارهم إلى أية رعاية طبية من أي نوع كانت .
من صور التخلف في هذا المضمار انه عندما شيدت لهم الدولة دائرة صحية لاحقاً في ثمانينات القرن الماضي ...
ذهبت سيدة مُسنة تجاوزت الثمانين من العمر لتشكوا ألماً في بطنها وصدرها ..
بعد الفحوصات الأولية قال لها الطبيب :
"خذي هذا الكوب الورقي وإذهبي إلى البيت ثم إجلبي لنا عينة من إدرارك عندما يتوفر ذلك" .
بدأت السيدة ترتجف من الشعور بالقهر والفحش المستتر .. أم لخمسة عشر ابنًا وبنتاً ... ذهبت إلى البيت وأخذت بندقية أحد أبنائها ثم أسرعت غاضبة إلى المستوصف الصحي ..
صدفة إلتقاها أحد أبنائها .. علم أن هناك امراً جللاً قد حدث
فاستوقفها سائلاً :
ما الخطب يا أماه ؟
قالت : "يجب أن أقتل ذلك الساقط الذي يسمونه الحكيم" ...
بعد أخذ ورد علم الابن مع العشيرة سبب غضب الأم فحاصروا المستوصف وطلبوا خروج الدكتور من مخبئه .. جاء امام مسجد القرية وأمرهم بالرجوع إلى بيوتهم .
خرج الطبيب .. لعن المهنة .. شكر الله على سلامته ثم رحل من القرية على عجلْ.
..
ظل مكان " الحكيم" شاغرا ولم يتقدم بعدها أحد للعمل بمحله في المستوصف.
كان ذلك زمن البراءة .. زمن الشرف الرفيع .
(أنشدَ الأغنيات للشرف الرفيع) 

قصة جديدة للأديبة المصرية "ميمي قدري"
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق