Home » » أحمد منتصر يواصل كتابة : مذكرات ناشر مصري (2)

أحمد منتصر يواصل كتابة : مذكرات ناشر مصري (2)

رئيس التحرير : Unknown on الثلاثاء، 15 يناير 2013 | 7:37 ص



أحمد منتصر

لعل مصر بيئة اقتصادية فاشلة لأن أغلب سكانها كسالى ويعتمدون على الله / الحكومة من أجل تأمين احتياجاتهم الأساسية.. هؤلاء الأشخاص سياستهم الأنتخة على الكنبة ومشاهدة التلفزيون والحرص على تعيين أبنائهم في المصالح الحكومية التي يعملون بها قبل أن يطلعوا على المعاش.. من هنا حتى ولو وقع في أيدي واحد منهم كتاب فإنه يفرح كثيرًا إن كان كاتبه وزير سابق أو مقدم برامج تلفزيونية شهير أو فنان سينمائي فإنه لن يستفيد منه لأن القراءة ههنا مجرد تكرار لما يقال في التلفزيون..

مشكلة دور النشر الكثيرة أن بعضها خاصة الجديد منها يضطر لنشر الكتاب بسعر التكلفة لمجرد التواجد والمنافسة.. ومع الوقت يجد أنه لا يكسب شيئا خاصة وأن أمور الدعاية والتواجد برضه تحتاج لمصاريف من جيب الناشر لذا تنهار الدار بعد عدة شهور وللأسف الكاتب هو الخسران لأنه حب يسترخص فخسر كل شيء.. لازم يا جماعة الناشر يكسب عشان يقدر يستمر..

وكانت آخر دار نشر جديدة أفلست زرتها قبل الثورة دار اسمها فكرة ف المعادي لأحد الكتاب الذين تمردوا على يحيى هاشم مدير دار اكتب.. نشرت فكرة الكثير من العناوين قبل أن تغلق بسبب الإفلاس..

وقال يحيى هاشم مدير دار اكتب في حذلقة: مخزن دار ليلى غرق ف شبر مية وكل الكتب باظت ومحمد سامي جاي يصوتلي فعرضت عليه يخزن كتبه عندي.. يا سلام يحيى هاشم راعي الثقافة المصرية هع هع كلنا ظننا أن دار ليلى انتهت وقتها وخلا الجو ليحيى هاشم للسيطرة على عملية النشر الشبابية الثورية..

وبالفعل اختفت دار ليلى قليلا وسمعنا عن بيعها للرسام الكويتي الذي يملك دار دايموند بوك بتلاتين ألف جنيه والذي سمعنا عن حبسه لاحقا ثم عاد محمد سامي للنشر مع شباب دار كيان ثم انفصل عنهم وفوجئنا أنه قرر أن يحترف عملية النشر في 2009 تقريبًا وعمل سجل تجاري !!

خلصت امتحانات ومستني الجو يتعدل عشان أنزل إسكندرية.. شكلي مش نازل معرض الكتاب كالعادة.. أغلب اللي بيروحوه قاهريين وأنا لا أحب هذه المدينة.. مدينة الشيطان !

بدأنا أنا وصديقي السابق طارق عميرة نزهق من يحيى هاشم مدير دار اكتب. فالأخير كل ما نروحله المرج يشتكي من الذين يشتمونه ويحاربونه والفتاة التي ادعت أنه اغتصبها باين ولا تحرش بيها والكاتب الحاقد من المنصورة الذي يحاربه ويسوء سمعته عشان كتابه مبعش. عن نفسي لم يكن يهمني يحيى وحش قد إيه طالما بيديني فلوس. حط نفسك مكاني شاب قروي ساذج وهناك دكتور يضطهده في كلية حقوق وقاعد يسقط ف الكلية ما المستقبل الذي أمامه إن لم يكن المرمطة ف أحراش المرج مع يحيى هاشم؟.. كنت أقبض مرتبي وآخذ ما تيسر لي من نسخ الكتب الجديدة لأوزعها بمكتبات طنطا بالآجل..

كانت المبيعات ضعيفة أو جيدة بحسب رؤيتك لحجم المبيعات الضعيفة أو الجيدة.. فنوعية الكتب التي كانت تصدرها دار اكتب مهما اختفلنا عليها من الناحية الفنية جيدة كانت ولا كفتة. فنوعية الكتب كانت جديدة على القراء والكتاب الشباب. كان أصحاب المكتبات فرحين بي ويستقبلوني بترحاب وأهلا وسهلا وكنت أقبض شهريا من ثلاث مكتبات ما بين 20 و50 جنيهًا! بالطبع كانت هذه حصيلة جيدة لتغطية نفقاتي من سجائر ومواصلات ريفية لطارق عميرة وبعض المشروبات الغازية والحلوى..

وبدأت المشاكل مع يحيى هاشم. في البدء تزمر طارق عميرة منه كثيرًا بسبب تأخر صدور كتابه لمدة عام تقريبًا. وفي النهاية صدرت المجموعة القصصية (ناثر البخور) وكان طارق قد دفع ليحيى حسبما أتذكر 2000 جنيه. وقمنا بعمل حفل توقيع للمجموعة بمقر حزب الجبهة الديمقراطية القديم بطنطا حضره دكتور أحمد خالد توفيق وقدم له عم مصطفى أبو الروس السمسار الشهير! قمت بغبائي بعرض بعض كتب دار اكتب التي أوزعها أثناء الحفلة لأفاجأ وأنا أسترجع النسخ في نهاية الحفل بأن بعض الكتب قد سرقت! وكانت هذه أول حادثة سرقة ثقافية أشاهدها بأم عيني. يذكر أيضًا أن هذه الحفلة قد شهدت أول ظهور على أرض الواقع للمدونة الشهيرة والصديقة السابقة سارة درويش. وقبل الحفلة بدقائق دار حوار ودي بيني وبين طارق وأحمد خالد توفيق وأعجبت سارة جدًا عندما علق أستاذنا أحمد خالد على مقالة نقدية لي تتعلق بالبوب أرت واختلف معي واختلفت معه واعتبرتني شخصية ثقافية لها مستقبل باهر هع هع..

أما بالنسبة لعملي بدار اكتب كمصحح لغوي فقد كنت مرهقا للغاية. مرة تسلمت من يحيى هاشم 400 جنيه ولكنها لم تتكرر. وكانت هناك شهور لا يوجد بها عمل. وذات مرة احتجت إلى 300 جنيه لإصلاح الكمبيوتر فلم يقرضني يحيى على الرغم من أنه بحاجة لي لإتمام بعض التصحيحات اللغوية قبل معرض الكتاب 2009. فاستلفت من طارق عميرة نبع الفلوس الذي لا ينضب كالعادة. وكانت قد كثرت الشائعات حول يحيى هاشم أنه ينصب على الكتاب الغلابة وأخبرني طارق وقتها أن يحيى قد حقق ما لا يقل عن 3 ملايين جنيه أرباح حتى عام 2009 فقط. أعتقد أن الرقم مبالغ فيه وهو لا يتعدى النصف مليون جنيه حتى وقت كتابة هذه السطور..

أراد طارق أن يوزع كتابه بنفسه حتى يضمن ألا ينصب عليه يحيى هاشم. فعرضت على طارق محلا صغيرًا بطنطا كنت أعمل به زمان في صيانة الكمبيوتر ولكنه فضي وقتها. وبالفعل قابلنا مالك المحل واستأجرناه بـ250 جنيه كاملة كان يدفعها شهريًا نبع الفلوس الذي لا ينضب أبدًا طارق عميرة. وبدأ يحيى هاشم يرسل لنا كميات كبيرة من الكتب حتى إن الاسم الشهير للمخزن كان (مخزن دار اكتب) في سخرية من كمية الكتب التي ينشرها يحيى هاشم ولا يجد مكانا لتخزينها فيضطر لإرسالها إلينا. وبدأنا نغلف الكتب في صورة بدائية نشتري أكياس نايلون ونضع كل كتاب في كيس ونلصقه بلاصق فلم نكن نعرف إلا القليل وقتها عن عملية الشرونك (تغليف الكتب بآلة حرارية) وبالأحرى لم نكن نعرف الكثير عن عملية الطباعة..

وزادت حدة المشاكل بيني وبين يحيى هاشم عندما زهقت من ضغط الشغل وقلة الراتب واختلفنا علانية في محادثة جماعية مع معاذ رياض القاص الموهوب وطارق عندما كان معاذ ينقد بعض الهنات اللغوية في تصحيحي اللغوي لكتاب طارق عميرة فتحججت بأن الكتاب كان مليئا أصلا بالغلطات اللغوية وكون أنه لم يتبق في الكتاب الواقع في حوالي 250 ص إلا عدة غلطات فلا بأس خاصة أن الراتب ضعيف وضغط الشغل رهيب فاغتاظ يحيى وعرفت في قرارة نفسي أن هذا كان آخر عهدي بالعمل مع دار اكتب..

هنا راودت طارق عميرة فكرة ونحن نحشش معًا في ليلة شتوية قارسة البرودة. الفكرة المجنونة كانت أن يقوم بإنشاء دار نشر. أخذت أضحك كثيرًا وقتها من فرط سذاجتي وكانت حجتي البليدة: يا عم دار النشر دي محتاجة ورق وموافقات وواسطة وكده!. ولكن الفكرة المجنونة التي خطرت بعقل محشش كان لها ويا للعجب أن تستمر حتى يومنا هذا..

في الحلقة القادمة:

*تفاصيل آخر لقاء دار بيني وبين يحيى هاشم وطارق عميرة في معرض الكتاب 2009

*مشروع مدونات مصرية للجيب وتأسيس دار دون ودار إنسان
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق