Home » » د عصام عبدالله يكتب : الخداع البصري في رخاوة الدول وفشلها.. مصر نموذجا

د عصام عبدالله يكتب : الخداع البصري في رخاوة الدول وفشلها.. مصر نموذجا

رئيس التحرير : Unknown on الاثنين، 11 مارس 2013 | 10:11 ص


د عصام عبدالله

الاشارات الصادرة من واشنطن حول ما يحدث في دول ما يعرف بالربيع العربي (خاصة مصر) متضاربة ومتناقضة، تنم عن حالة من الارتباك والحيرة داخل الإدارة الأمريكية ذاتها فضلا عن النخب السياسية والعسكرية، فها هو " هنري كيسنجر " مستشار الأمن القومي الأمريكي في مرحلة الحرب الباردة ووزير خارجية أمريكا الأشهر، يصرح قبل أيام بأن : " الجيش المصري سوف يصطدم مع الإخوان، وأن واشنطن أخطأت كثيرا بعدم احترامها " مبارك "، وأن ثورة 25 يناير من الثورات التي تجلب الخراب! ".

الجزء الأخير من تصريح كيسنجر – في تصوري – هو الصحيح أما ما قبله فهو غير صحيح بالمرة، لأن الجيش المصري لن يصطدم بالإخوان، كما أن أمريكا لم تخطئ في عدم احترامها لمبارك. 

مبارك عبر ثلاثين عاما من السياسات الخاطئة قادنا إلي ما نحن فيه الآن، وإن شئت الدقة، فإن وصول الإخوان المسلمين إلي حكم مصر كان بسبب " الدولة الرخوة " – The Soft State التي أسسها مبارك في العشرين سنة الأخيرة من حكمه، وهو مفهوم سياسي ظهر عام 1968 مع عالم الاقتصاد السويدي الشهير " جونار ميردال " الحائز علي جائزة نوبل فى الاقتصاد لعام ١٩٧٤.

والدولة الرخوة حسب " ميردال " هي سر البلاء الأعظم، والسبب الرئيسي لاستمرار الفقر والتخلف وانفجار الثورات. فهي دولة تصدر القوانين ولا تطبقها، ليس فقط لما فيها من ثغرات، ولكن لأنه لا يوجد في الدولة الرخوة من يحترم القانون، الكبار لا يبالون به لأن لديهم من المال والسلطة ما يحميهم منه، والصغار يتلقون الرشاوي لغض الطرف عن القانون ، وفي هذه الدولة تباع الرخص والتصاريح والأحكام القضائية، ويعم الفساد، فرخاوة الدولة تشجع على الفساد، وانتشار الفساد يزيدها رخاوة، وهو ما قد كان مع أغلب مؤسسات الدولة وأعضاء الحزب الوطني الحاكم ومعظم رجال الأعمال (الفاسدين).

" الخداع البصري " بعد 25 يناير 2011 هو أن تقارن " الدولة الرخوة " في عهد " حسني مبارك " بالدولة الفاشلة في عهد " محمد مرسي "، أو أن توهم نفسك والآخرين بأنه : رغم قصور الدولة الرخوة فإنها كانت أفضل حالا من " الدولة الفاشلة " - failed state أو الدولة العاجزة، التي تعيشها مصر الآن في زمن الإخوان المسلمين، وتتناسي – ربما عن غير قصد - أن " الدولة الرخوة " هي التمهيد الطبيعي والمقدمة الضرورية للدولة الفاشلة التي تعجز تماما عن القيام بوظائفها الأساسية، فلا تحمى مواطنيها ولا تضمن سلامتهم أو قوتهم، وتعانى من اضطرابات داخلية وتدخل أجنبى فى شؤونها، وانهيار مرفق العدالة والأمن، وانتشار العنف المسلح وعدم الاستقرار والخوف من المستقبل.

"الدولة الفاشلة " - حسب " نعوم تشومسكي " - لا تستطيع ان تبسط سيطرتها وسيادتها علي كامل ترابها الإقليمي (سيناء نموذجا)، كما انها غير قادرة (أو غير راغبة) في حماية مواطنيها من العنف، وحتي إذا كانت الدولة الفاشلة تملك شكلا ديمقراطيا، فإنها تعاني من قصور وعجز ديمقراطي، يجرد مؤسساتها من أي جوهر حقيقي للديمقراطية.

من أمثلة الدول الفاشلة في العالم : أفغانستان، الصومال، هاييتي، كمبوديا، رواندا، سيراليون، الكونغو، تيمور الشرقية، السوادن، ليبيا، تونس، سوريا ومصر، والبقية تأتي...

الدول الفاشلة تمر بثلاث مراحل أساسية متداخلة : الضعف والفشل والانهيار، والمرحلة الأخيرة (الدولة المنهارة) تتميز بغياب تام للسلطة، حيث تصبح الدولة مجرد تعبير عن كيان جغرافي تغيب فيها المؤسسات والمجتمع معا، حيث تتولي " تنظيمات مسلحة " السلطة وتحتكر العنف وتسيطر علي مناطق كاملة منها عن طريق ميليشيات محلية (مرتزقة من دول الجوار) وغالبا ما ترتبط بدول أجنبية أو تنظيمات أكبر عابرة للحدود، وكما يقول " مايكل شوير " ضابط المخابرات المركزية الأمريكية لأكثر من عشرين سنة، والذي كان مكلفا بملف " أسامة بن لادن "، فإن : كميات السلاح التي تتدفق من وإلى ليبيا و مصر و تونس (وسوريا) مهولة و ستزعزع أمن العالم، خاصة دول شمال إفريقيا بما فيهم مالي و الصومال و الجزائر.

" الضعف البنيوي " هو أبرز علامات الدولة الفاشلة ويتمثل في " التفككك الاجتماعي " ومسامية الحدود الجغرافية وهشاشتها، وأعباء ضخمة من الديون الخارجية والأزمات الاقتصادية الخانقة، حيث تفقد الحكومات (المتعاقبة) شرعيتها بل ان رأس الدولة نفسه يصبح غير شرعي. 

يعقب ذلك مباشرة " الفشل التام " لأن قوات (الشرطة) كأفراد وعتاد تكون منهكة تماما وهي تواجه عصابات منظمة ومسلحة بما يفوق قدرات القوات النظامية، وأحيانا تواجه الشرطة أكثر من ميليشيا مسلحة في وقت واحد، بالتزامن مع تصاعد الاضطرابات المدنية والمطالب الفئوية ودرجات متفاوتة من السخط الاجتماعي وأشكال متعددة من المعارضة ضد هذه الدولة الفاشلة، التي سرعان ما تنهار دفعة واحدة، ومن أبرز ملامح هذا الإنهيار هو : استمرار تصاعد العنف المنظم داخل هذه الفوضي، وليس شدة العنف أو قوته أو آثاره المدمرة.

أما الخطأ الثاني في تصريح " كيسنجر " – في تصوري - والذي يتمثل في (حتمية الصدام بين الجيش المصري والإخوان).. فهو موضوع المقال القادم.(ايلاف)
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق