Home » » الشارع في مصر يقود نفسه بنفسه..بقلم: عاطف الغمري

الشارع في مصر يقود نفسه بنفسه..بقلم: عاطف الغمري

رئيس التحرير : Unknown on الأربعاء، 20 مارس 2013 | 9:21 م

عاطف الغمرى يكتب:تطور مفاهيم استراتيجيات الأمن القومى

عاطف الغمري

مصر تجد نفسها في وضع، تتجاذبها فيه، أطراف متعارضة . . وتواجه مصر حالة من عدم القدرة على السيطرة على وضع تتفشى فيه الفوضى، والعنف، والانفلات، وتهافت الأداء التنفيذي، في مواجهة مشكلات، وتحديات، تتفاقم بصورة مستمرة .

المشهد يبدو عبثياً . وعبثيته مرجعها إلى معرفة كل من لديه علم بإدارة الدول، بأن حل هذه المشكلات، ليس مسألة مستعصية، أو مستحيلة، حتى إنه يبدو وكأن الإدارة تتم بطريقة وضع غمامة على العين حتى لا ترى، إلا ما يريد العقل مسبقاً، ألا يرى سواه .

هذا المشهد يفرض تساؤلات: هل هذه المشكلات هي وليدة اليوم؟ أو أنها من تداعيات أحداث ثورة 25 يناير؟ ولماذا لم تستقر الأوضاع في مصر، بعدما كان قد ساد اقتناع بأن الاستقرار سيأتي، حين تجرى انتخابات برلمانية، ثم رئاسية؟ وأن تكون هناك يد قابضة على زمام الأمور، وقادرة على أن تقود الدولة؟

إن مصر تعيش اليوم حالة تفاعل، تتداخل فيها، عوامل تستعصي على التآلف والتقارب . وتجنباً لما قد يوحي به المشهد من أن تلك حالة شاذة اختصت بها مصر، يلزم القول، إن كل هذا ينتمي إلى ما يعرف في علم السياسة، بفوضى ما بعد الثورات، وتلك ظاهرة معتادة في دول أخرى، حيث كانت سيولة أوضاع ما بعد الثورات، تتيح لبعض القوى، أن تنقض على الدولة . . منها من يريد اختطاف “الثمرة - الثورة”، ومنها عناصر الثورة المضادة، المنتمية إلى النظام القديم، التي تطمح إلى إعادته، ومنها قوى خارجية تساعد على إشعال الفوضى الداخلية، خشية أن يضر التغيير بمصالحها .

وفي جو الفوضى العام، كانت الجماهير - وهي الطرف الأصيل في الثورة - قد وجدت أن قضيتها مستهدفة من كل هؤلاء، فنزلت إلى الشارع تقود نفسها بنفسها، مستقلة بذاتها، رافضة سياسات النظام، ومتحفظة على تراخي بعض قيادات المعارضة، في التوحد في كيان يوازن الحكم . ورغم أن المعارضة سعت في مرحلة لاحقة، إلى تفادي هذا المأزق، إلا أن الجماهير كانت قد بلورت بالفعل لنفسها موقفاً يخصها، بأن تحرك هي الشارع . وهو ما شكّل معادلة العلاقة الجديدة، بين الشارع، وقوى المعارضة، التي أصبحت هي التي تهتدي بحركة الجماهير، وليس العكس .

وهي حالة يمكن أن نجد لها ما يشبهها في مصر، عبر حقب تاريخية مختلفة . ولو أننا رجعنا إلى القرن التاسع عشر، وعلى سبيل المثال، ما حدث عام ،1804 نجد كيف كان رد فعل المصريين على الظلم، والقهر، الذي يمارسه حكم العثمانيين، حيث خرجت الجماهير إلى الشوارع، في ثورة ضد النظام، الذي يبطش بحرياتهم، وحقوقهم، ويستهين بمطالبهم، وأطاحت ثورة الجماهير الوالي العثماني .

وتروي أحداث التاريخ الحديث، ما جرى في ثورة سنة ،1919 التي كانت تفجيراً لتراكمات الإحساس بالظلم، والقهر، ومصادرة الحريات . يومها خرجت الجماهير إلى الشوارع في جميع أنحاء مصر، تردد المطالب نفسها، في اللحظة نفسها، من دون أن تكون هناك قيادة مركزية تحركها، أو جهة تنسق عمليات الخروج الثوري في كل المدن والقرى .

وبالصورة نفسها، جاءت انتفاضة المصريين عام ،1935 بعدما ظلت النفوس تغلي طوال خمس سنوات، من استهانة الدولة بمشاعر الناس، بإلغائها دستور ،1923 واستبداله بدستور عام ،1930 الذي حشدته بالمواد المقيدة للحريات، يومها فرضت الجماهير إرادتها على النظام، الذي أرغم على إسقاط دستوره المرفوض، وإعادة العمل بدستور 23 .

إن الثورة تسبقها إرهاصات، تتجمع فيها موجات تعبّر عن بدايات الغضب، إلى أن تكتمل عناصرها، فتشعل ثورة . عندئذ تصبح هذه الموجات تياراً جارفاً، لا يتوقف إلا حين تكتمل الأهداف . ولو أن من يدير الأمور كان قد قرأ التاريخ عن وعي وتأمل الماضي القريب، لوجد أن بدايات ثورة 25 يناير ،2011 لها إرهاصات، كانت تتشكل في الشارع، بعيداً عن مقار الأحزاب، أو التجمعات السياسية . كان الشارع يبلور لنفسه مساراً خارج المنظومة السياسية التقليدية، بينما الأحزاب نفسها، إما محاصرة بممارسات الأمن، أو يجري تهميشها، أو تبذر إلى جوارها بذور أحزاب شكلية، ليس لها وجود ولا أثر، من ثم انتقل الحراك السياسي إلى الشارع .

في هذه الأجواء، بدأت تظهر الموجات الاحتجاجية المتقطعة، التي بدا أن كلاً منها يعبّر عن مطالب فئوية . لكن من يقرأ الدروس التى استخلصها علم السياسة، من أحداث التاريخ، وتجارب الدول، يجد أن هذه الموجات الاحتجاجية، الفئوية النشأة، طالما يحيط بها مناخ عام محبط سياسياً، فإنها تتجمع في النهاية معاً، في ما يشبه مجرى نهر تجري فيه جميعها، مندفعة نحو الهدف العام والمشترك .

وفي قلب هذا الجو، برزت أدوار، لتشكيلات من قوى مجتمع مدني خارج الأحزاب، تتبنى القضايا العامة للوطن، وتنظم حركات احتجاجية سياسية في الشارع، رافضة النظام وسياساته، وفي الوقت نفسه أخذ يتكون مسار آخر غير مرئي لعين النظام، (أو أن النظام قد استهان به) وهو مسار الشباب المتعلم من أبناء الطبقة الوسطى، الذين تلاقت أفكارهم عبر شبكات الإنترنت، الذي أتاح لهم فرصاً جديدة، للاطلاع على ما يجري في العالم من تغيير، والإلمام بالكيفية التي تنهض بها دول وتتقدم .

كانت خطيئة الذين تولوا إدارة شؤون البلاد بعد ثورة 25 يناير، أنهم عمدوا إلى إقصاء هاتين المجموعتين، اللتين تحملان فكر وروح وطاقة التغيير الثوري وزاد الأمور صعوبة وتعقيداً . إن الآمال التي كانت معقودة على انتخابات برلمانية، ورئاسية، تنقل البلاد إلى الاستقرار، قد انتهت إلى انفراد فصيل واحد بالسلطة، في حين أن إعادة بناء الدولة، وحل مشكلاتها، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، لا يقدر عليه فصيل واحد، فما بالك وهذا الفصيل في حالة عوز، من الكفاءات القادرة على تحمل مسؤولية هذه المهام . وهو ما ظهر من الأداء السياسي والإداري لهذا الفصيل .

إن النظام الذي قام على إقصاء الفاعلين الحقيقيين للثورة، قد أعطى ظهره لأصحاب الخبرة، والعلم، والتخصص، وبالتالي فهو قد وضع نفسه في موقف صدام مع الجماهير، التي رأت أن القادرين على حل مشكلاتها، قد أصبحوا غير مرغوب فيهم .

أضف إلى هذا، ما حدث من تجاهل مريب، لجهود علماء كانوا قد عكفوا لسنوات طويلة على أبحاث ودراسات كللت بصياغة مشروعات اقتصادية مكتملة، لا يحتاج تنفيذها إلى جهد كبير . فضلاً عن صدور قرارات في الشؤون الاقتصادية، لم تخضع لدراسة مسبقة، وبدا أنها تخلو من أي رؤية سياسية أو اقتصادية .

هنا كان الشارع، ساحة مفتوحة، مباح دخولها لأي كان . ونظراً لحالة الإحباط المجتمعية العامة، لدى الناس، من عدم اتخاذ النظام، أي إجراءات لمصلحة مبدأ العدالة الاجتماعية، واقتحام بؤر البؤس والحرمان، في مناطق فقيرة، الكثير منها مناطق عشوائية، يقدر عدد ساكنيها باثني عشر مليوناً . لهذا جاء ظهور نوعيات من الأفراد المنفلتين، بينهم أطفال في عمر 13 و 14 سنة، يلقون بالحجارة، وقنابل المولوتوف، بصورة عشوائية، مثيراً لاستغراب البعض الذين كانوا يتساءلون: من هم هؤلاء؟ . . وما دوافعهم؟ . . ولو أن من يسأل قد وسع أفق نظرته للأمر، لرأي أن هؤلاء هم من سيطر عليهم شعور مزمن وقاسٍ بأنهم مهمشون، مبعدون عن عقل النظام، واهتماماته، وتجذر في نفوسهم شعور بالخصومة مع المجتمع، وراحوا يسددون ضرباتهم العشوائية، نحو كل ما يرمز للنظام .

وكان من السهل أن تمتد أيدي قوى الثورة المضادة، أو من يريد الانحراف بالثورة عن أهدافها، إلى هؤلاء الصبية يغريهم بالمال، لتنفيذ أهدافها الذاتية . وكان الصبية جاهزين لأداء الدور المرفوض .

ولو كان النظام قد تنبه من البداية، إلى أن هؤلاء الذين طالما وصفتهم دراسات اجتماعية من قبل 25 يناير ،2011 بأنهم قنابل موقوتة، لكان قد بدأ قراراته بخوض عالمهم البائس، وحل مشكلاته، من منطلق العدالة الاجتماعية، لكن النظام أغمض العين عنهم، بفعل غياب الرؤية السياسية الواعية .

. .إن الذين خرجوا يوم 25 يناير، يهللون للثورة، ويهتفون: عيش، حرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية، قد اكتشفوا أن العيش صار أكثر صعوبة، والحرية مقيدة، والكرامة مهدورة، والعدالة الاجتماعية سراب، فكان رد فعلهم، بإدارة حركة الشارع بأنفسهم، وإن تراوحت ردود الفعل، بين السلوك المتعقل والواعي وبين الانفلات والعنف الجنوني ."الوفد"

إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق