Home » » كريم الصياد يكتب : الوجودية في الفكر العربي المعاصر

كريم الصياد يكتب : الوجودية في الفكر العربي المعاصر

رئيس التحرير : Unknown on الأحد، 15 يونيو 2014 | 7:21 ص

 كريم الصياد
 

الوجودية هي الفلسفة التي تقدم وجود الإنسان على ماهيته، وتنشغل بالبحث في الموقف الإنساني الفردي. وهي فلسفة نشأت وتطورت في أوروبا على أيدي عدد من أشهر فلاسفة الغرب، كالدانماركي كيركجور، واكتسبت صيغتها النسقية المتبلورة والمفصلة حين انتقلت إلى ألمانيا، وخاصة عند هيدجر فيلسوف فرايبورجوماربورج، ثم اكتسبت شهرتها وتأثيرها الأكبر على الأدب، والسينما، وشتى مناحي الثقافة، في خمسينات القرن العشرين؛ خاصة على أيدي سارتر، وسيمون دي بوفوار، وميرلوبونتي (المدرسة الباريسية)، وكاميو مارسل، وغيرهم.

وكانت الوجودية في الأصل رد فعل على التحول الوجودي الذي طرأ على الإنسان الأوروبي في عصر التصنيع، لكنها انسحبت لتغطي شتى شئون الإنسان اليومية تقريبًا، خاصة في الفترة بين الحربين العالميتين، وقامت بتحليل خبرات الحب، والجنس، والتذوق الجمالي، والثورة، والمقاومة، وما يضيق المقام عن ذكره.

وكان من الطبيعي أن تتطرق الوجودية إلى الفكر العربي المعاصر، وخاصة مع ظهور الجناح الألماني في الفلسفة في الجامعة المصرية، والذي مثله عبد الرحمن بدوي (ت 2002م)، في مقابل الجناح الفرنسي الأكثر أسبقية، والذي مثله عدد كبير من الأساتذة أهمهم طه حسين. ويعتبر بدوي هو رائد الوجودية العربية بحق. تأثر بدوي بهيدجر، وحاول تقديم إبداعه الخاص في رسالتين، الماجستير بعنوان (مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية) والدكتوراه (الزمان الوجودي)، و(هل يمكن قيام أخلاق وجودية؟)، و(دراسات في الفلسفة الوجودية). ولكن ربما كان تأثير بدوي الأكبر من هذه الناحية على الفكر العربي المعاصر هي أبحاثه في جذور الوجودية بالتراث العربي-الإسلامي، وخاصة أبحاثه حول التصوف، ككتابه (رابعة شهيدة العشق الإلهي)، و(الإنسانية والوجودية في الفكر العربي)، وغيرها، والتي اعتبر فيها حالات التحول الصوفي لحظات انكشاف وجودية، كالتي وصفها فلاسفة الوجودية. تبع عبد الرحمن بدوي في هذا الاتجاه عدد من الفلاسفة والكتاب، من أهمهم زكريا إبراهيم في سلسلة (مشكلات فلسفية)، وأنيس منصور في كتابه (الوجودية)، وهو كتاب تعريفي بسيط للقارئ غير المتخصص، ويمنى الخولي في كتابها (الوجودية الدينية)، ومحمد إبراهيم الحصايري، في دراسته عن ميخائيل نعيمة (التجربة الوجودية في اليوم الأخير لميخائيل نعيمة)، وغازي الأحمدي (الوجودية فلسفة الواقع الإنساني). ولكن كل هذه الكتابات التالية على عبد الرحمن بدوي وزكريا إبراهيم لم تمثل إبداعًا أكثر منه بحثًا، كما أن أصالة بدوي تجلت في (اكتشاف) الوجودية في الفكر الإسلامي، وليس فقط ترجمتها ونقلها. بالإضافة إلى ذلك هناك كثرة من الترجمات، والترجمة عمومًا طاغية على الإبداع في الفكر العربي نسبيًا، كترجمة (الكينونة والزمان) لهيدجر لفتحي المسكيني، و(تعالي الأنا) لسارتر لحسن حنفي، و(المتمرد) لكامي أكثر من مرة، و(الوجودية فلسفة إنسانية) لسارتر لحنا دميان، وغيرها.ولكاتب هذه السطور بحث منشور عن الإلحاد الوجودي بعنوان (موت الرب وموت الأب)، بالإضافة إلى مشروع رسالته للدكتوراه في ألمانيا.

وإلى جانب ذلك الاهتمام الإيجابي ظهر موقف رافض معادٍ للوجودية في الفكر العربي المعاصر، من الجناحين الإسلامي والمسيحي، كموقف العقاد في كتابه (أفيون الشعوب)، وموقف البابا شنودة في كتابه الأهم (المحبة)، وغيرهما.

ولم تكتسب الوجودية أهمية الماركسية في الفكر العربي؛ لأنها لم تكن غالبا فلسفة للعمل الاجتماعي والسياسي، كما لم تكن مذهبًا موحَّدًا، يجمع شتات مواقفها الفلسفية المتناثرة، في ألمانيا، وفرنسا، والدانمارك، وإسبانيا، والأمريكتين، والبلاد العربية؛ وإسرائيل. كما أن الوجودية ظلت لصيقة الصلة تحول الإنسان في العالم الغربي في عالم تحكمه التكنولوجيا والآلية اليومية في الحياة، وهو ما خلت منه بوضوح-نظرًا للتأخر النسبي للمجتمع العربي صناعيًا-البلاد العربية.كما كان الولوج إلى الوجودية الفرنسية أسهل، نظرًا لانتشار الفرنسية النسبي الأكثر من الألمانية في العالم العربي، ونظرًا لسهولة الفرنسية الواضحة في مقابل الألمانية، فضعف الاهتمام بالوجودية الألمانية بعد بدوي، والوجودية الألمانية هي الأكثر تأسيسًا وتنظيرًا وعمقًا وثراءً.
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق