Home » » الشيخ محمود محمد الأبيدى يكتب : رسالة إلى مظلوم

الشيخ محمود محمد الأبيدى يكتب : رسالة إلى مظلوم

رئيس التحرير : Unknown on الجمعة، 5 أبريل 2013 | 12:47 م



الشعور بالظلم من أصعب الأحاسيس التى تمر على الإنسان فى حياته فهو شعور فظيع لا يمكن وصفه واعتقد اننا جميعا نعلمه جيدا فمن منا لم يشعر بالظلم فى يوم من الأيام!!

الشعور بالظلم هو شعور بضيق الدنيا وظلمتها ولكن من ينصر المظلوم سوى الله الخالق ناصر المظلومين.

الشعور بالظلم شعور قاسى مر ومرارته علقم على أى إنسان.

.ما أصعب أن تكون نيتك صافيه نقيه ويظن الناس بها ظن السوء.

.ما أصعب أن يظلمك اعز الناس على قلبك ويظن انك كذبت عليه!

.ما أصعب أن تجد الدنيا تظلم لمجرد انك تتكلم بالحق والصدق!

.ما أصعب أن يفهمك اقرب الناس إليك فهم خاطئ !

ما أفظع أن يكون قلبك نقى ويظن الناس انه خادع!

.ما أصعب أن يبيعك إنسان دون أن يفهم ماذا حدث لك بسببه ولا يشعر بآلامك!

وسأقسم الحديث تحت هذا العنوان فى عناصر ثلاثة : 

أولاً : اسعد بأنك مظلوم 

ثانياً : إياك أن تكون ظالماً 

وأخيراً : لكل شئ نهاية 

أولاً : اسعد بأنك مظلوم 

لا تنسى أيها المظلوم أن لنا رب كريم لا يحب أن يرى المظلوم مظلوما

.أيها المظلوم لا تحزن ولا تجزع فرحمة الله واسعة....

.أيها المظلوم افرح وأنا أعلم تماماً أننى أطالبك الآن بأمر شاق وصعب وأعلم أن الفرح صعب عليك ولكن هذا وعد ربك فى قوله سبحانه وتعالى لك فى الحديث القدسى ( وعزتى وجلالى لانصرنك ولو بعد حين(

أيها المظلوم صبراً لا تهن إن عين الله لا تنام إن الله حرم الظلم على نفسه وحرمه بيننا نحن البشر ومن يتعدى حدود الله فما له من ولى ولا نصير وخيرٌ لك أن تبيت مظلوم لا ظالما.

.فأنت أيها المظلوم ليس بينك وبين الله حجاب خاصة فى الدعاء هذا دليل كافى على فرحك وليس حزنك

.افرح أيها المظلوم ولا تقنط من رحمة الله ان الله معك وناصرك قريبا

فقط أحسن الظن بالله واشعر بمعيته لك فهو معك أينما كنت ويعلم انك مظلوم وهذا يكفى فى هذه الحياة...........وتذكر أن لديك سلاح قوى تتناساه وتتغافل عنه وهو كلمات أربعة تهتز لها السموات والأرض ( حسبى الله ونعم الوكيل ) قالها ربنا لحبيبه فى خواتيم سورة التوبة [ فإن تولوا فقل حسبى الله لا إله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ]

.اللهم انصر المظلومين فى كل مكان وأمهل الظالمين يا الله حتى يتوبوا إليك ويكفوا عن ظلمهم وقبل أن أنتقل إلى العنصر الثانى أوجه رسالة للظالمين اللذين يخسرون دينهم ودنياهم بسبب الظلم وأقول لهم اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب فاتقوا الله في أنفسكم وأولادكم قبل أن تندموا على ما فاتكم وإياك أن تكون ظالماً وهذا هو عنصرنا الثانى : أيها الظالم إعلم بأننا إلى الله متظلمون وبالله مستجيرون .....أيها الظالم :اعلم بأننا سنقابلك على الصراط فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون 

أبها الناس : إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة وبين الحياة والموت لحظة واعتبروا ممن سبقكم قال تعالى [ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ] 

لقد هاجرت طائفة من المسلمين الأوائل إلى الحبشة هرباً من اضطهاد المشركين فلما عادوا -بعد غياب طويل- سألهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يحدثوه بأعجب ما رأوا في تلك البلاد فقالوا:

[ يا رسول الله! بينما نحن جلوس مرت علينا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها على ركبتها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت (قامت) التفتت إليه ثم قالت: ستعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون -فسوف تعلم أمري وأمرك عنده غداً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقتْ ثم صدقت! كيف يقدّس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم 

أخرج الإمام مسلم فى صحيحه عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال ) يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي ، كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه (

واخيراً : لكل شئ نهاية وما أسوأ نهاية الظالمين وسأطرح على حضراتكم قصة قصيرة لصياد يروى أنه خرج يصطاد السمك ، ويقوت منه أطفاله وزوجته فوقع في شبكته سمكة كبيرة ففرح بها ، ثم أخذها ومضى إلى السوق ليبيعها ، ويصرف ثمنها في مصالح عياله. فلقيه بعض الظلمة من أعوان السلطان فرأى السمكة معه ، فأراد أخذها منه ، فمنعه الصياد ، فرفع الظالم خشبة كانت بيده ، فضرب بها رأس الصياد ضربة موجعة، وأخذ السمكة منه غصبا بلا ثمن. فدعا الصياد عليه فقال: إلهي ! جعلتني ضعيفا، وجعلته قويا عنيفا ، فخذ لي بحقي منه عاجلا ، فقد ظلمني ولا صبر لي إلى الآخرة. ثم إن ذلك الغاصب الظالم انطلق بالسمكة إلى منزله ، 

وسلمها إلى زوجته ، وأمرها أن تشويها ، فلما أخذتها أفلتت السمكة من يديها ، وفتحت فاها ، ونكزته في إصبع يده نكزة طار بها عقله. فقام وشكا إلى الطبيب ألما في يده ، فلما رآها قال له: إن دواؤها أن تقطع الإصبع ، لئلا يسري الألم إلى بقية الكف . فقطع إصبعه، فانتقل الألم والوجع إلى الكف واليد ، وازداد تألما ، وارتعدت من الخوف فرائصه

فقال له الطبيب : ينبغي أن تقطع اليد إلى المعصم لئلا يسري الألم إلى الساعد فقطعها. فانتقل الألم إلى الساعد.

فما زال هكذا كلما قطع عضوا انتقل الألم إلى العضو الآخر الذي يليه، حتى خرج هائما على وجهه، مستغيثا إلى ربه ليكشف عنه ما نزل به. فرأى شجرة فقصدها، فأخذه النوم عندها فنام ، فرأى في منامه قائلا يقول : يامسكين ! إلى كم تقطع أعضاؤك؟ امض إلى خصمك الذي ظلمته فارضه ، فانتبه من النوم ، وفكر في أمره ، فعلم أن الذي أصابه من جهة الصياد، فدخل المدينة ، وسأل عن الصياد ، وأتى إليه ، ووقع بين يديه يتمرغ على رجليه، وطلب منه الإقالة مما جناه ،

ودفع إليه شيئا من ماله، وتاب من فعله ، فرضي عنه الصياد وعفا عنه ، فسكن في الحال ألمه ، وانتهت في التو محنته ، والجزاء من جنس العمل إن العالم فى هذا الزمان باتت تحكمه شريعةُ الغاب، وسياسات التهديد والإرهاب، ولغة التحدّي والإرعاب، مصالح ذاتية، ونظمٌ أُحاديّة، وإدارة فرديّة، تتعامل مع الغير معاملةَ السيّد للمسود والقائد للمقود، سياسةُ مصالح لا قيم، سياسة لا تحكم بالسويّة، ولا تعدل في قضيّة، ولا تتعامل إلا بحيف وازدواجية، غيٌّ وبغي، وتسلّط وتمرّد، ورؤًى خاصَّة يقرّرها صاحبُ القوّة وفق عقيدته ومصلحته ولا بد من العودة إلى الله والتذكرة بهديه وكتابه وسنة حبيبه وصفاء النفوس والقلوب ونهاية الظلم هلكة [ ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار ] 

والله من وراء قصد وهو الهادى على سواء السبيل

محمود محمد الأبيدى 

إمام وخطيب مسجد الجمال بالمنصورة



إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق