Home » » الشيخ محمود الأبيدى يكتب : ((وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ))

الشيخ محمود الأبيدى يكتب : ((وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ))

رئيس التحرير : Unknown on الجمعة، 24 مايو 2013 | 7:59 م



منذ أيام أقلع قطار الوقت ليقتطع جزءاً من الزمان دون عودة مبتدءاً من محطة الغرس الأولى وهى شهر رجب ليمر بمرحلة السقي وهى شهر شعبان لينتهي عند محطة عيد الفطر بعد استكمال الشهر الكريم شهر الصوم والبركات والخيرات والنفحات ليحمل أعمال عام استقبله المسلمون فمنهم من اغتنمه ومنهم من ضيعه ولذا أرى أن من واجبنا المسارعة إلى فعل الخيرات وسارعو إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فسأتحاور اليوم بين يدى حضراتكم فى عناصر ثلاثة أولها : تعريف التقوى ومالها من فوائد وثانيها : ففروا إلى الله ، وأخيراً : اغتنموا الأوقات فقطار الحياة سائر
وأسأل الله تعالى الصدق والإخلاص والقبول
أولاً تعريف التقوى وفوائدها:
إن تقوى الله تعالى عامل مهمٌّ لتزكية النفس وتهذيبها، ويترتب عليها آثار مهمّة في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: ﴿إِن أَكْرَمَكُمْ عِنَد اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ))ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ اﻟﻨﺎﺱ اﻋﺒﺪﻭا ﺭﺑﻜﻢ اﻟﺬﻱ ﺧﻠﻘﻜﻢ ...(( ﻓﻴﻪ ﺗﻼﺯﻡ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺒﺎﺩﺓ ﻭاﻟﺘﻘﻮﻯ.. ﻓﺎﻟﻌبد ﺇﺫا ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ اﺗﻘﺎﻩ ﻭﺇﺫا اﺗﻘى الله تعالى فقد عبده حق العبادة .
فالهدف من عبادة الله تعالى الوصول إلى التقوى، كما أن العبادة يمكن أن تكون تعبيراً عن هذه التقوى، وفي آية أخرى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلكُمْ تَتقُونَ﴾ ، حيث بيّنت أن الهدف من القصاص هو التقوى
تعريف التقوى :يمكن تعريف التقوى بأنها: قوّة داخليّة وقدرة نفسية تمتلك من خلالها النفس القدرة على إطاعة الأوامر الإلهيّة، وعلى مقاومة ميولها وأهوائها، ومنشؤها: الخوف من الله، وأثرها: تجنّب معصيته وسخطه، وهي تساعد الإنسان على تجنُّب حبائل الشيطان وإغراء الدنيا.
يقول الإمام علي عليه السلام: "اعلموا عباد الله أن التقوى دار حصن عزيز، والفجورُ دارُ حصنٍ ذليل، لا يمنع أهله، ولا يُحْرِزُ من لجأ إليه، ألا وبالتقوى تقطع حُمَةُ الخطايا"
أهمية التقوى
أ- تُشرع الأحكام : يستفاد من القرآن الكريم أن لتقوى الله عز وجل قيمة أخلاقية أصيلة، وأنها الهدف لتشريع الأحكام، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الناسُ اعْبُدُواْ رَبكُمُ الذِي خَلَقَكُمْ وَالذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلكُمْ تَتقُونَ﴾
ب - تورث البصيرة : يستفاد من عدّة آيات وروايات أن تقوى الله تمنح الإنسان بصيرة تمكّنه من معرفة الحقّ لاتباعه، يقول تعالى: ﴿يِا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ إَن تَتقُواْ اللهَ يَجْعَل لكُمْ فُرْقَاناً﴾ إن التقوى تداوي القلب وتهبه البصيرة، فيستطيع عندها أن يشخّص سبيل سعادته، وأن يتجنّب سبل المهالك، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "فإن تقوى الله دواء داء قلوبكم وبصر عمى أفئدتكم"
إن أهواء النفس يمكن أن تشوّش على العقل رؤيته، ومن هنا يأتي دور التقوى في علاج ذلك الخلل، فالتقوى هي من يكبح جماح الشهوات فيستعيد العقل قدرته على الرؤية.
ج -طريق التقوى والحرية إن الإسلام لا يرى في التقوى تقييداً للحريّة، بل على العكس من ذلك، يرى أنها هي التي تمنح الإنسان حريته من شهواته وغرائزه، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "فإن تقوى الله مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كلّ ملكة، ونجاة من كلّ هلكة".
جزاء التقوى في الآخرة :
للتقوى نتائج أخرويّة جليلة جداً منها: الأجر العظيم، قال تعالى: ﴿لِلذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ ومنها: إن من يتقي الله لا يتسرب الحزن إلى قلبه في الآخرة ولا يخاف عليه، قال تعالى: ﴿فَمَنِ اتقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ ومنها: أن التقوى جزاؤها الجنّة وهي دليل الفوز، يقول تعالى: ﴿إِن الْمُتقِينَ فِي جَناتٍ وَنَعِيمٍ﴾ .
وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "شرف كلّ عمل بالتقوى، وفاز من فاز من المتّقين، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِن لِلْمُتقِينَ مَفَازًا﴾
آثار التقوى في الدنيا : إن لتقوى الله تعالى نتائج عديدة في الدنيا، من المفيد أن نشير إلى بعضها:
ومنها: أنها تحفز الإنسان على الأخلاق الحسنة، ولا شكّ أن الأخلاق لها أثرها في الدنيا كما في الآخرة. عن الإمام علي عليه السلام: "التقوى رئيس الأخلاق" ومنها: أن التقوى تبعث الرزق، وتمكّن الإنسان من تجاوز العقبات والأزمات، والتغلب على مشاكلّ الحياة، يقول تعالى: ﴿وَمَن يَتقِ اللهَ يَجْعَل لهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾، ويقول تعالى: ﴿ومن يَتقِ اللهَ يَجْعَل لهُ من أَمرِهِ يُسْراً﴾ وورد عن أمير المؤمنين عليه السلام ما يوضّح ذلك: "فمن أخذ بالتقوى عَزَبَتْ عنه الشدائدُ بعد دنوِّها، وَاحلَوْلَت له الأمور بعد مرارتها، وانفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها، وأَسْهَلَتْ له الصعاب بعد إنْصَابِهَا"
ومنها صحة البدن: فقد ثبت وجود علاقة بين نفس الإنسان وبدنه، وأن كلاً منهما يؤثّر بنحو ما على الآخر، ولهذا فإن بعض الأمراض البدنيّة والنفسيّة قد تنشأ من الأخلاق السيّئة، كالحسد، والحقد، والغضب، والطمع، والتكبر، وحبّ الذات، والغرور.. فالتقوى واجتناب الأمور السيّئة لها تأثير مهم وأساسي في علاج الأمراض الجسدية والنفسيّة، وهي تساعد على تأمين سلامة الإنسان من هذه الأمراض.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "فإن تقوى الله... شفاء مرض أجسادكم وصلاح فساد صدوركم، وطهور دنس أنفسكم
ثانياً : ففروا إلى الله .... الفرار ليس له إلا صورة واحدة ألا وهي الانطلاق بكل ما أوتي الفار من قوة طلباً للنجاة ، فهل جرب كل واحد منا الفرار ؟ الفرار أمر حتمي لكل واحد منا لأنه أمر رباني أمرنا الله به ، لكن الفرار إلى أين؟ لقد حدد الله لك الوجهة ورسم لك الطريق فقال سبحانه:{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} نعم إنه الفرار إلى الله ، تفر إلى الله لأن خلفك عدوك إبليس يسعى خلفك جاهداً بكل ما أوتي من قوة ليجعلك من أصحاب السعير أخبرك بذلك ربك وحبيبك يوم أن قال : {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} ومع الأسف هناك من الناس من عكس طريق سيره فسار باتجاه عدوه ففرح به ذلك العدو واحتضنه فيسير الإنسان خلف نفسه وشهواته فيظلم نفسه ظلما بينا ً
ففروا إلى الله
إذا فررت إلى الله وأنت (( مريض)) فانك تفر إلى ((الشافي((
إذا فررت إلى الله وأنت ((ضعيف)) فانك تفر إلى ((القوي((
إذا فررت إلى الله وأنت ((محتاج)) فانك تفر إلى ((الكافي((
إذا فررت إلى الله وأنت ((ذليل)) فانك تفر إلى ((المعز((
إذا فررت إلى الله وأنت ((حيران)) فانك تفر إلى ((الهادي((
فالشافي ، والكافي، والهادي، والقوي ، والمتين، والباقي هذا هو ......الله الحنان المنان الكريم
أيها الفار إلى الله : إن من رحمة الله تعالى بنا وبكم أنه إذا علم من عبده صدق الفرار إليه أعانه ووفقه ولم يتركه وحده واستمعوا معي إلى وعد من لا يخلف الميعاد يوم أن قال:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} ويقول جلت عظمته : {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}روى البخاري فى صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)) فماذا تنتظروا أيها الأحبة في الله هذه الطريق ميسرة وهذا ربكم معين لكم ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبينوأخيراً : اغتنموا الأوقات فقطا ر الحياة سائر
إن الوقت في حياة المسلم أغلى وأثمن ، لِما يعلم من قيمته في دينه ودنياه . وقد اهتم به الإسلام وأولاه عناية كبيرة .حسبكم أن الله تعالى أقسم في كثير من الآيات بظواهره المختلفة تنبيها إلى عظيم شأنه : ( والشمس وضحاها ـ والليل إذا يغشى ـ والفجر وليال عشر ـ والعصر إن الإنسان لفي خسر ـ والضحى والليل إذا سجى...) بل ربط الإسلام كثيرا من العبادات والقربات بأوقات زمنية مخصوصة ، في الصلاة والزكاة والصوم والحج والنوافل والأذكار وغيرها . والمسلم يعلم انه لن يدرك الجنة إلا بحسن استثمار فرص العمر بكل أوقاته وأحواله فيما يرضي ربه، لأنه عن كل ذلك سوف يسأل ،كذلك يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل ، عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل به
إن المسلم العاقل العامل ، يغتنم فرصة ، ويتحرك بجد وحزم وعزم لملء أوقات عمره بالطاعات والقربات وفعل الخيرات، ويسارع إلى مغفرة من ربة وجنات النعيم ، كما هو مأمور في كتاب الله وسنة رسوله . وهذا تحضيض من النبي الكريم على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل حلول الموانع والمعوقات والفتن بادروا بالإعمال سبعا: هل تنتظرون إلا غنى مطغيا، أو فقرا منسيا ، أو مرضا مفسدا ، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا ،أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة ، والساعة أدهى وأمر ) (الترمذي عن أبي هريرة) .
إن استغلال الأوقات يتطلب التخطيط والتنظيم ومراعاة أنسب الأعمال لأنسب الأوقات، فليست كل الأعمال صالحة لكل زمان . قال أبو بكر لعمر- رضي عنهما- لما استخلفه: ( واعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل ، وعملا بالليل لا يقبله بالنهار)
استقبلوا الأيام المقبلة بتخطيط وتفكير وهمة وعزيمة وإرادة وقد آثرت اليوم أن أُنهى الحديث بالمسارعة إلى المغفرة وأما الحديث عن الجنة فسأرجئه إلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى وأسأل الله تبارك وتعالى التوفيق والسداد والقبول والإخلاص
والله من وراء قصد وهو الهادى إلى سواء السبيل
محمود محمد الأبيدى
إمام وخطيب مسجد الجمال بالمنصورة
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق