Home » » "كل انتقاد لاسامية"..فلسطينيون النقب.. صمود مرير في وجه الاقتلاع والتهويد..أساليب الاقتلاع ؟

"كل انتقاد لاسامية"..فلسطينيون النقب.. صمود مرير في وجه الاقتلاع والتهويد..أساليب الاقتلاع ؟

رئيس التحرير : Unknown on الخميس، 16 مايو 2013 | 9:51 ص




معا - العراقيب وسوسيا قريتان فلسطينيّتان، الأولى تقع على أرض النقب داخل اراضي 48، والثانية في جنوب الضفة الغربيّة.

تتشابك قصة القريتين في التهجير والنضال المشترك، وفيما تهدد السلطات الإسرائيليّة وجود هاتين القريتين، يتواصل صمود الأهالي حاملا دلالات الشجاعة والإيمان العميق بحقّهم التاريخي على هذه الأرض.

والعراقيب هي واحدة من بين 46 قرية مسلوبة الاعتراف من قبل السلطات الإسرائيلية، حيث إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي يضم قاموسها مصطلح "قرى غير معترف بها" على لسان عرب الداخل، أو "قرى الشتات" على لسان الأجهزة الرسمية الإسرائيلية. 

والزائر لهذه القرى العربية في النقب يلمس عن كثب الوضع المأساوي لهذه القرى والتجمعات والمضارب، إلى جانب كارثة هدم البيوت ومصادرة الأراضي وحرمان حق الإنسان الفلسطيني في النقب من العيش الكريم على أرضه.

وللعلم، تتربع قرى النقب العربية على عرش البطالة في إسرائيل، حيث تصل نسبة البطالة في مدينة رهط، حسب المعطيات الرسمية إلى 40 بالمائة من القوى العاملة. 


ويقول رئيس بلدية رهط، الشيخ فايز أبو صهيبان، في حديث خاص لـ معا ، إنّ هذه النسبة بعيدة عن الواقع، حيث تصل نسبة البطالة لدى النساء في المدينة إلى أكثر من 60 بالمائة، ولكن غالبيتهن لا يصلن للتسجيل في مكاتب العمل، ما يبقيهن خارج الإحصاءات الرسمية. والوضع أسوأ بكثير في القرى مسلوبة الاعتراف، في غياب منح إسرائيل لتصاريح بناء مصانع في هذه القرى، وفي القرى والمدن العربية عامة في الداخل الفلسطيني.

اليوم، هناك 35 قرية غير معترف بها، تمنعها إسرائيل بشكل مقصود من الخدمات الأساسيّة، البنى التحتيّة، وسكانها يعيشون تحت خطر التهجير الدائم. تحاول إسرائيل أن تجبر السكّان القرويين على أن ينتقلوا إلى سبع بلدات مكتظة تم تخطيطها حكوميا، ولعشر قرى أخرى تم الاعتراف بها عام 2003، من أجل إخلاء ما تبقى من أراضي بيد البدو وزرعها بالأحراش، استخدامها كمنطقة عسكرية مغلقة (وهي غالبية النقب) أو إقامة بلدات يهودية جديدة على أنقاضها. في العام 2011، صادقت الحكومة على مخطط برافر، من أجل شرعنة وتكثيف سياسات التهجير التي تمارسها في النقب. القوانين المتعلقة بهذا المخطط لا تزال عالقة في الكنيست، إذا ما تم قبولها وتنفيذها، فإنها ستؤدي إلى تهجير قرابة 70,000 إنسان.

وتنتشر القرى العربية مسلوبة الاعتراف في النقب على مساحة واسعة من الأرض في أنحاء النقب، حيث يبدي أهلها الصمود والثبات إلى جانب مرارة الظلم والمعاناة. ويدفع أهل النقب ثمنا باهظا لصمودهم وثباتهم على أرضهم وهم يتحملون الأذى ليل نهار، بيوتهم يطاردها شبح الهدم وأرضهم تهددها المصادرة، وظروف حياتهم أصبحت مأساوية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، حيث تفشى فيهم الفقر وتفاقم البطالة وانخفاض المستوى المعيشي بشكل ملحوظ، حيث تركت هذه الأجواء السيئة من المعاناة بصماتها الواضحة على مجريات الحياة لديهم.

لكن ذلك كله لم يؤثر قيد أنملة في منسوب الولاء والتمسك بالأرض والتجذّر بها، حيث أبدت الأجيال الصاعدة مزيدا من التمسك بالأرض وأصبح لديها قناعات راسخة وأرضية صلبة لتحمل كل العقبات وكافة المعوقات في سبيل الحفاظ على الأرض وقبول خيار البناء والبقاء في القرى.

من أجل انتصار النقب

لقد وضع رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق، أرئيل شارون، مبدأ يتم التعامل به حتى أيامنا هذه: منع وجود ترابط بين الضفة الغربية وقطاع غزة، مرورا بعرب النقب، وبالتالي بناء مستوطنات يهودية بين البلدات العربية، وتجميع أكثر عدد ممكن من عرب النقب على أقل رقعة من الأرض. والنظرة الصهيونية العامة تقول، إنّه "يجب بناء مستوطنة يهودية بالقرب من أي بلدة أو قرية عربية".

وقد تثور ثورة الإعلام الإسرائيلي، حين تقوم الحركة الإسلامية الشمالية، بقيادة الشيخ رائد صلاح، بمشاريع التواصل وإعادة البناء في ربوع النقب، وبصفاقة غير معهودة يأخذون على عرب النقب بأنهم يعرفون أنفسهم "كفلسطينيين"، حيث كانوا لسنوات عابرة "هبدويم شلانون" – أي بدونا في المفهوم اليهودي.

والنقب هو القلعة الأخيرة التي يمكن للعرب الفلسطينيين في الداخل النضال من أجل الاحتفاظ بما تبقى من أرضه، وهو لا يتعدى الواحد بالمائة من أراضي العرب البدو، بعد أن تم مصادرة أراضيهم إما بقوانين "الغائب"، ممن تم طردهم إلى الأردن في الخمسينات من القرن الماضي، أو بقوانين "لحاجة الدولة"، التي غالبا ما تكون من أجل التدريبات العسكرية.

ولا بد لنا من أن نبيّن أن قضية التهجير والمصادرة لا تختلف بالنسبة لبدو جنوب فلسطين، عن باقي قطاعات الشعب الفلسطيني الذي ما زال يُعاني من آثار نكبة عام 1948 حتى يومنا هذا، فقد كان عدد بدو جنوب فلسطين قبل عام 1948 حوالي 66 ألف نسمة ولم يبقَ منهم في النقب بعد موجات الطرد والتهجير الذي مارسته "العصابات الصهيونية" سوى 11000 نسمة، قامت إسرائيل أبان الحكم العسكري (المنتهي في العام 1966) بحصرهم في منطقة جغرافية محدودة أسمتها منطقة "السياج"، وهي المنطقة التي قامت إسرائيل بتجميع ما تبقى من بدو داخلها، وحالت بالتالي دون عودتهم إلى أرضهم وديارهم الأصلية حتى يومنا هذا... وخير دليل على ذلك، بدو الجهالين شرقي القدس، الذين ملكوا الأرض في النقب، حتى تم تهجيرهم من خلال الترهيب والتخويف...

وإسرائيل لم تهدأ فبدأت تسن لنفسها قوانين لمصادرة الأرض الفلسطينية، مثل أمر الأراضي (شراء لأهداف عامة)، 1943؛ وقانون شراء الأراضي (المصادقة على عمليات وتعويضات)، 1953؛ وقانون أملاك الغائبين 1950، تحوّلت أرض النقب إلى "أرض دولة". ومع تشريع قانون التخطيط والبناء، 1965، منعت إسرائيل الاعتراف بكل القرى العربية البدوية. 

وإسرائيل الرسمية ومن خلال كتبها ومسؤوليها وكل من يتعاون معهم، لطالما ادعت أن بدو النقب كانوا بأكثريتهم دوما بدوا رُحّلا ولا يملكون الأرض، بالرغم من أن التعريف العلمي والتاريخي يُثبت أن درجة الترحال في بادية النقب وما حولها لم تكن بمعنى الترحال الكامل والبداوة الكاملة.

والحقيقة أنّ النقب هي الرقعة الوحيدة في الداخل الفلسطيني التي يمكن أن يتم العمل فيه من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرض المصادرة، علما بأن المحاكم الإسرائيلية لا يمكن أبدا أن تحكم بحق لعربي على أرض في الداخل، من باب أن أي حكم كهذا يعني "بداية نهاية الفكرة الصهيونية، بأن اليهود حضروا إلى بلاد بدون عباد".

وبالفعل تم الإعلان عن النقب، وخاصة القرى غير المعترف بها، من قبل لجنة المتابعة العليا للعرب الفلسطينيين في إسرائيل، كآخر قلعة للصمود، حيث يحاول الناشطون إلى جانب أعضاء الكنيست العرب ببذل قصارى جهودهم من أجل كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل، التي تتغنى بالديمقراطية الزائفة- وهي ديمقراطية لليهود فقط، ولكن الأقلية العربية الفلسطينية تبقى مهضومة الحقوق حتى النخاع. وفي هذه الأيام يقود العضو في الكنيست الإسرائيلي عن الحركة الإسلامية، النائب طلب أبو عرار، "الحملة العالمية من أجل عرب النقب"، التي تهدف إلى رفع قضية النقب إلى المحافل الدولية، من أجل الضغط على إسرائيل لإلغاء مخطط "برافر" الذي يسعى إلى مصادرة 860 ألف دونم من أراضي عرب النقب، وتهجير غالبية القرى غير المعترف بها.


نريد "عدالة"

ولعل ورقة الموقف التي أصدرها مركز "عدالة" الحقوقي، والتي تعرض الوسائل التي تعتمدها إسرائيل من أجل اقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم من جانبي الخطّ الأخضر، وتفحص السياق القانوني الذي تتم فيه هذه العمليّات، مرافقةً لفيلم "من العراقيب إلى سوسيا"، أكبر دليل على سياسة التهجير والتبرير التي تقوم بها المؤسسة الإسرائيلية. 

ويرتبط التهجير والاقتلاع القسري بتعريفه بأنه "نقل ناس من بيوتهم أو من أراضيهم بما يتناقض مع إرادتهم، بحيث يمكن نسب هذا النقل إلى الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر". وتمنع الدول من تهجير الناس بالقوّة من بيوتهم وأراضيهم، إلا في حالات خاصّة ومعرّفة جيدا، وفي الحالات العينيّة التي يُتخذ فيها هكذا قرار، فمن واجب الدولة أن تحترم كل الحقوق الأساسية للسكّان. ولكن إسرائيل التي تضرب عرض الحائط هذه القوانين، من خلال تعطيل سريان هذه القوانين داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية، من أجل أن تحفظ في يديها السيطرة على أكبر مساحة من الأرض مع أصغر نسبة من الفلسطينيين. وفي الحالات الذي يفترض أن يحمي القانون حقوق الفلسطينيين، تنتج إسرائيل أطرا قانونيّة مركبة وموازية تمكّنها من مواصلة سياسات الاقتلاع ضد الفلسطينيين التي تمارسها إسرائيل في المناطق المحتلة بطرق "قانونيّة" - سواء كان الاقتلاع ضد مواطنين أو ضد سكان محميين بحسب القانون الدولي الإنساني. 

والعراقيب، التي هدمت للمرة الخمسين يوم الخميس الماضي، هي أنموذج واقعي لهذه السياسة.. فهي قرية فلسطينيّة بدويّة سكانها مواطنين إسرائيليين، حتى مايو/أيار 2013، هدمت إسرائيل القرية 50 مرة، من أجل تنفيذ قرار الحكومة بإقامة غابتين كبيرتين تحت رعاية الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كييمت لإسرائيل). أما سوسيا فهي قرية فلسطينية في المنطقة C في الضفة الغربيّة، يعيش سكانها تحت الاحتلال. صدرت أوامر هدم إسرائيلية ضد معظم المباني في سوسيا، وهي أوامر عالقة تهدف لاقتلاع قسري للسكّان من أجل إقامة مستوطنة. 

وهاتان القريتان تشكلان المأساة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتعكسان بوضوح استهداف الفلسطينيين باقتلاعهم وتهجيرهم من أرضهم، دون علاقة بالوضعيّة الجيوسياسيّة أو القانونيّة التي يعيشون فيها.

قصّة العراقيب

العراقيب قرية بدويّة غير معترف بها تقع شمال بئر السبع، سكان القرية البدو، فلسطينيين أصلانيين مواطنين في إسرائيل، يعيشون في أراضيهم ويعتاشون على المهن التقليديّة منذ أكثر من مائتي سنة. في العام 2010 كان يعيش في القرية نحو 300 إنسان من خمس عشائر مختلفة: عشيرة العقبي، الطوري، أبو مديغم، أبو فريح وأبو زايد. في 27 تموز 2010 وصل رجال دائرة أراضي إسرائيل، بمرافقة 1000 شرطي وهدموا القرية بالكامل؛ 46 مبنى، منها 30 بيتًا، واقتلعوا نحو 4500 شجرة زيتون. بقي السكّان، وأكثر من نصفهم من الأطفال، دون مأوى، ثم نُقلت العائلات قسرا إلى مدينة رهط المخططة حكوميا. إلا أن جزءًا من العائلات أقسم أن يبقوا في قريتهم: يبنون البيوت مرة تلو الأخرى، رغم المساعي الحكوميّة المستمر لهدم بيوتهم لإقامة غابة على أراضيهم، وتقديمهم للمحاكم بحجة البناء بدون ترخيص و"غزو الأرض" – لتقوم إسرائيل بتحقيق المثل الفلسطيني القائل "الأرض أرض أبونا – وأجوا الغرب يطحونا".


وهدم قرية العراقيب ليس سوى المجهود الأخير للحكومة الإسرائيلية من أجل اقتلاع البدو بالقوّة. كان الحكم العسكري الإسرائيلي قد بدأ باقتلاع هذه العائلات من بيوتها لأول مرة في العام 1951. بعد أن أبلغ الحاكم العسكري العائلات بأنها ستعود إلى الأرض خلال ستة أشهر. وقد سيطرت اسرائيل على الأراضي وامتلكتها بادعاء "الحاجة الأمنية"، وثم اعتمادا على قانون شراء الأراضي (المصادقة على العمليات والتعويضات- 1953) أعلنت عنها "أراضي دولة". في العام 1972 فتحت إسرائيل الباب أمام مواطنيها لتقديم طلبات لتسجيل ملكية الأراضي، وفقًا لقانون تنظيم الحقوق في الأراضي (1969). قدمت عائلات العراقيب دعاوى ملكيّة على الأراضي وبذلت جهودًا مكثّفة من أجل عودة الأهالي إلى القرية، ولكن طلبهم، مثل كل الطلبات الأخرى، لم تُبحث أبدًا، والخلاف القضائي فيما يتعلق بالملكيّة بقي دون حل. 

في العام 1998 قرر الشيخ صياح أبو مديغم و-45 من أفراد عائلته بأن يعودوا إلى أراضيهم، بسبب تخوّفهم من بدء تنفيذ مخطط زراعة الغابة فوق أراضي القرية. ومنذ عودتهم، تمارس الدولة محاولات لا تتوقف، مباشرة وغير مباشرة من أجل اقتلاعهم من هناك. ولأن العراقيب قرية "غير معترف بها"، تمنع الدولة عن المواطنين الخدمات الأساسية والبنى التحتية التي تديرها، مثل التوصيل بالماء، الكهرباء والمجاري، الشوارع والمدارس والعيادات. في العام 2003 و2004 بدأت دائرة أراضي إسرائيل برش المحاصيل الزراعية التي يزرعها أهالي العراقيب بمادة سامة تدعى "راوند أب" وهي مادة سامة وقاتلة وفعّالة ضد المحاصيل الزراعيّة والمواشي وحتى ضد الإنسان. وفي أعقاب التماس مركز عدالة أقرت المحكمة العليا في قرارها الصادر في العام 2007، أن رش المحاصيل الزراعية هو عمل غير قانوني. 

وعلى أثر هذا القرار، بدأت الدولة بجرف المحاصيل بدلاً من تسميمها، بادعاء أن الحقول مسممة، من أجل أن تهدد مصدر معيشة السكّان. إسرائيل ومن خلال "الككال" بدأت بزراعة غابة على أراضي القرية في العام 2006، وتمت دعوة 49 دبلوماسيا من دول أجنبية للمشاركة في افتتاح "غابة السفير" في الشق الجنوبي من العراقيب. في العام 2009 بدأ التعاون بين الصندوق القومي اليهودي والتلفزيون الكنسي الأنجليكاني، بهدف زراعة ألف شجرة في الأراضي الموجودة غربي القرية.

في 16 كانون أوّل 2011، أصدرت المحكمة، في أعقاب توجه أهالي العراقيب، أمرا مؤقتا يمنع الصندوق القومي اليهودي من الاستمرار بأعمال الغرس. ولكن في 23 كانون ثاني 2011، رفض القاضي طلب تمديد أمر المنع، وحكم لصالح الصندوق القومي اليهودي بمصاريف المحكمة التي تبلغ قيمتها 10,000 شيكل. رغم هذا، أوصت المحكمة الصندوق القومي بأن لا يستمر في عمليات الشتل في هذا الموقع إلى أن يتم اتخاذ قرار نهائي بالقضيّة. 

لم تتخذ المحكمة أي قرار، ولكن زراعة الأشجار لا تزال مستمرة حتى اليوم، وهي تترافق مع عملية اقتلاع عدوانية أكثر وأكثر، في عمليات هدم بيوت متكررة ومختلفة في القرية، الدولة أيضًا هاجمت سكان القرية والمتظاهرين الذي دعموهم، اعتقلتهم وتحاكمهم. إضافة إلى ذلك، فإن الدولة قدمت في تموز 2011 دعوى بقيمة 1.8 مليون شيكل ضد المواطنين، وهو تكاليف ثلاث عمليات هدم فقط. السكّان، الذين يمثلهم المحامي ميخائيل سفراد، قدموا أربعة التماسات للمحكمة المركزية في بئر السبع، طالبوا فيهم الاعتراف بالقرية والاعتراف بهم كمالكي الأراضي القانونيين. المحكمة العليا، التي بحثت واحد من الالتماسات، أقرت بأنه على الدولة أن تجد حلاً لدعاوى الملكية التي يقدمها السكان، وأنها ممنوعة من تسجيل أراضي العراقيب كأراضي دولة. حتى اليوم لا تزال هذه الملفات عالقة أمام المحكمة العليا. 

قصّة سوسيا

تقع قرية سوسيا جنوب جبل الخليل، في المنطقة C من الضفة الغربيّة. يصل عدد سكان القرية إلى 350 إنسانًا، منهم 120 طفلاً. تاريخ قرية سوسيا، يروي قصّة سياسة التهجير التي تفرضها إسرائيل في المناطق المحتلة. في العقود الثلاثة الأخيرة عانى سكّان سوسيا من هدم البيوت، عمليات التهجير، التهديدات والتقييدات التي يفرضها الاحتلال وجهوده لإجبار المواطنين على ترك أراضيهم من أجل تمكين توسيع المستوطنة المجاورة وإفساح المجال لـ"مبادرات تطوير" إسرائيلية في هذه المناطق.


أصول أهالي قرية سوسيا تعود إلى قرية تل عراد في النقب، وهي اليوم قرية بدوية غير معترف بها في النقب. على أثر النكبة هُجّر سكان تل عراد من أراضي أجدادهم وانتقلوا إلى المدينة القديمة سوسيا في الضفة الغربيّة، هناك تم منعهم من كل الخدمات الأساسية والبنى التحتيّة، بما فيها الماء والكهرباء والمجاري والشوارع والمدارس والعيادات الطبيّة. وبعد أن احتلت إسرائيل الضفة الغربية في العام 1967، بدأت إسرائيل تحاول إقامة مستوطنة "غير قانونيةط في كل المنطقة. في العام 1983 أقامت إسرائيل على أراضي قرية سوسيا مستوطنة "غير قانونية" بإسم "سوسيه". 

ومع إقامتها تم فورا توسيع المستوطنة ومدها بالماء والكهرباء. في العام 1986، أعلنت السلطات الإسرائيليّة الجزء الأكبر من منطقة القرية الفلسطينيّة كموقع أثري، واعتمادًا على هذا القرار هدمت إسرائيل 60 بيتًا تعود إلى 60 عائلة. وقد بنت العائلات بيوتها من جديد على أراضٍ متاخمة للقرية. في العام 2001، هُدمت القرية كاملةً وهُجر كل سكّانها من بيوتهم مرةً أخرى. بعد عشر سنوات، في العام 2011، بدأت السلطات الإسرائيلية سلسلة أخرى من الهدم الجماعي. 41 مبنى سكنيا، معظمهم خيام وبيوت من الصفيح. اليوم، وبحسب معطيات المكتب لتنسيق القضايا الإنسانية للولايات المتحدة OCHA، نجد أوامر هدم عالقة ضد 70% من المباني القائمة في سوسيا. من بين هذه المباني المهددة بالهدم؛ مدرسة، عيادة طبيّة بدعم من منظمة CARE، ألواح لإنتاج الطاقة الشمسيّة المشغلة بتمويل الحكومة الألمانيّة، وحظائر للمواشي.

اعتمدت إسرائيل على وسائل متعددة لجعل ظروف الحياة في سوسيا غير محتملة. يواصل المستوطنون اعتداءاتهم الجسدية والمعنويّة ضد المواطنين. كما يعتدون على أملاك السكان، لا يُقدّمون لمحاكمات من قبل السلطات الإسرائيلية ولا تنسب لهم أي تهم على خلفية أفعالهم هذه. كما منع الجيش الإسرائيلي سكّان سوسيا من الدخول إلى أجزاء واسعة من أراضيهم لفلاحتها، وقد فسّرت الدولة ذلك بحجّة أن الأراضي قريبة من المستوطنة. هذه الخطوات الإسرائيليّة تمس بقسوة بمصدر المعيشة الأوّل للسكان، وهو الزراعة. 

في العام 2010، قدّم سكّان سوسيا التماسًا للمحكمة العليا عن طريق مؤسسة حاخامين لحقوق الإنسان، مطالبين الجيش والمستوطنين أن يتوقفوا عن منع السكّان من دخول أراضيهم. وقد شدد الملتمسون في ادعائهم أن سكان القرية، هم أصحاب الأرض القانونيين، ويجب منحهم الحق في الدخول للعمل في أراضيهم، وأن الجيش يجب أن يدافع عنهم من اعتداءات المستوطنين. المحكمة أقرت بأنه على الجيش والإدارة المدنيّة أن يحددوا من الذي يمتلك كل قطعة وقطعة من الأرض. من بعد قرار المحكمة، حددت الإدارة المدنيّة ملكية قسم صغير جدًا من الأراضي، أما الجيش فقد نفّذ خطوات هامشيّة جدًا لمنع الإسرائيليين من دخول الأراضي التي تشكّل 10% فقط من المساحة الأصليّة لأراضي أهالي القرية. في كانون ثاني 2013، أمرت المحكمة الجيش أن يحدد بشكل شامل من يمتلك الحقوق ومن يملك كل قطعة أرض حول سوسيا، هذه المرة منحت المحكمة الجيش 90 يوما لإتمام هذه المهمة.

في قضية متصلة، قدّم المستوطنون في سوسيه في العام 2012 التماسا مضادا، عن طريق جمعية "ريجافيم" اليمينية الاستيطانية، حيث ادعوا أنّ كل المباني الفلسطينية في سوسيا هي غير قانونية ويجب هدمها بشكل فوري. منظمة "حاخامين لحقوق الإنسان" دافعت عن السكان الفلسطينيين وطالبت الإدارة المدنيّة بالمصادقة على الخارطة الهيكلية للقرية. وهذه الخارطة الهيكلية، إذا ما تم المصادقة عليها، فهي تمكّن سكان سوسيا من تقديم طلب لاستصدار ترخيص بناء لبيوتهم وللمباني الأخرى التي يمتلكونها، وهذا يعطيها مكانة قانونيّة بعد سنوات طويلة من النضال. لم تجهّز الإدارة المدنيّة أي خارطة هيكليّة لقرية سوسيا، وقد اضطر السكّان لتجنيد الأموال والعمل على خارطة هيكليّة وتقديمها بأنفسهم إلى سلطات التخطيط الإسرائيلية للمصادقة عليها، إلا أن الإدارة المدنيّة لم تصادق على هذه الخارطة التي قُدمت في العام 2012.

جهاز قوانين مركّب

منذ العام 1948، خلقت إسرائيل جهازا مركبا من القوانين والتعليمات العسكريّة التي تطبق في نطاق القضاء العسكري في مجال الأراضي والتخطيط، من أجل السيطرة على الأراضي الفلسطينيّة ومصادرة مئات آلاف الدونمات من أراضي السكّان بطرق "قانونيّة". عن طريق هذه القوانين، عطّلت إسرائيل بنجاعة الحماية القانونية الممنوحة للفلسطينيين وفقًا للقانون الإسرائيلي والدولي. اليوم، تواصل إسرائيل اقتلاع القرى الفلسطينية الموجودة في دائرة سيطرتها في إسرائيل وفي المناطق المحتلة. المجموعات السكّانية الفلسطينية في القرى غير المعترف بها، في النقب وفي المنطقةC ، تقبع تحت خطر الاقتلاع والتهجير، وذلك بسبب الأهمية الإستراتيجية الخاصة التي تنسبها إسرائيل لهذه المناطق، لدوافع ديمغرافيّة وأمنيّة. 

الفلسطينيّون مواطنو إسرائيل، ومن بينهم سكّان العراقيب، هم أصحاب حقوق دستورية؛ ومن هذه الحقوق حق العيش بكرامة، والحق بالتملّك، وهي حقوق مفصّلة في قوانين أساس إسرائيل. أما الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال، ومن بينهم سكان سوسيا، فهم محميين عبر القانون الدولي الإنساني. القانون الدولي الإنساني يمنع إسرائيل كقوة محتلة، من أن تنقل، تطرد، تخلي أو تقتلع بالقوة السكان أو تهدم أملاكهم، وبما أنهم "سكّان محميين"، فإن قانون حقوق الإنسان الدولي يحمي حقوق كل إنسان، وخاصةً الحق للسكن الملائم، للصحة، للتعليم، والحق لظروف حياة عادلة، الحق في عدم التمييز والحق في التعريف الذاتي. مجموعة المبادئ الموجهة فيما يتعلق بالتهجير الداخلي تشكّل الإطار المعياري الذي يحدد تعليمات القانون الدولي بالنسبة للمهجّرين الداخليين. بحسب المبدأ رقم 6، على سبيل المثال، فإن لكل رجل وامرأة الحق بالحماية من التعرض للاقتلاع التعسفي من بيته. على المستوى الفعلي، عطّلت إسرائيل سريان القانون، وانتهكت حقوق الفلسطينيين من جانبي الخط الأخضر وجرّدتهم من الحماية أو من إمكانية تلقي أي نوع من أنواع الدعم.

أساليب الاقتلاع

هدم البيوت: ترى سلطة التخطيط الإسرائيليّة بالقرى غير المعترف بها في النقب تجمعات سكانيّة غير قانونيّة. بحسب هذا التعامل، كل المباني القائمة في هذه القرى مهددة بالهدم. بين العام 2008 والعام 2011، هُدم في النقب 2,200 بيت فلسطيني، وأكثر من 14,000 إنسان تم تهجيرهم. منذ العام 1997، بالمقابل، اعترفت إسرائيل بـ35 "مزرعة فرديّة" – بلدات على مساحة أراضي شاسعة تعيش فيها عائلة يهوديّة واحدة- وهي مزارع أقيمت بخلاف القانون نظام التخطيط القطري. 

بحسب نظام التخطيط الساري في المناطق المحتلة، فإن الفلسطينيين الذين يسكنون خارج المناطق المعدة لهم لا يأخذون رخص بناء. كل مبنى في هذه المناطق يعتبر غير قانوني ومهدد بالهدم. بحسب معطيات اللجنة ضد هدم البيوت بين العام 2008 و2010، هُدم نحو 1,000 مبنى فلسطيني في المنطقة C وحدها، وأن أكثر من 2,200 من سكّان المنطقة هُجروا من بيوتهم. 

منع الخدمات الأساسيّة: يعطي نظام التخطيط التمييزي في إسرائيل الشرعية لمنع الخدمات الأساسية من الفلسطينيين الذي يعيشون في القرى غير المعترف بها. الوسيلة المستخدمة لمنع الخدمات مثل اشتراط الوصول إلى الماء، الكهرباء، الصرف الصحي، الشوارع المعبدة، المدارس والعيادات،عن هذه القرى، هو اشتراطها باعتراف رسمي بالقرية. على سبيل المثال، فإن البند 157 أ، في قانون التخطيط والبناء يمنع شركات الخدمات من وصل مبنى بالكهرباء، شبكة الماء، أو شبكة الهاتف، إذا لم يكن للمبنى ترخيص بناء. هذا هو الوضع في كل القرى غير المعترف بها، وأيضًا في معظم المباني وعشرات القرى التي نالت الاعتراف عام 2003 ولا يوجد لمبانيها رخص بناء. 

القرى الفلسطينية الكثيرة في المناطق المحتلة موجودة بخلاف الأوامر العسكريّة ولا تفي بشروط نظام التخطيط التمييزي، ولذلك تُمنع عنهم الخدمات الأساسيّة الحيويّة. بحسب OCHA، أكثر من 70% من البلدات الفلسطينيين في المنطقة C غير مرتبطة بشبكة المياه. نتيجة لذلك، استهلاك الماء في جزء كبير من هذه البلدات هو فقط خمس استهلاك الماء الموصى به من منظمة الصحة العالميّة.

تدمير مصادر المعيشة: إسرائيل تدمر بشكل اعتيادي الحقول التي يزرعها ويفلحها البدو من المواطنين في إسرائيل الذين يعيشون في القرى غير المعترف بها، وبهذا فهي تمنع عنهم مصدر المعيشة الأساسي بالنسبة لهم. بحسب سلطة التخطيط المفروضة في إسرائيل، فإن كل المحاصيل التي تنمو في أراضي القرى غير المعترف بها يجب أن تكون مدمّرة.

تخلق إسرائيل حواجز ماديّة في الضفة الغربيّة، وكذلك نقاط عبور، حواجز على الشوارع، شوارع منفصلة وجدار فصل- وسائل كلها تمس مسًا خطيرًا بحرية الحركة للفلسطينيين، خاصةً في المنطقة C. هذه التقييدات تمنع عن الفلسطينيين إمكانية الوصول إلى الأراضي الزراعيّة. كما اقتلعت إسرائيل أشجار الزيتون وهدمت ينابيع مياه وآبار مياه الفلسطينيين.

مصادرة الأراضي "للحاجة العامة": أوامر الأراضي (شراء الأراضي لأغراض عامة)، 1943، تمكّن إسرائيل من مصادرة مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين، لصالح "احتياجات عامة" مثل زراعة غابات، شق شوارع، وإقامة مناطق عسكريّة. نحو 66% من المساحات الواسعة في النقب تمت مصادرتها، بادعاء أنها حيويّة للاحتياجات العامّة. يوجد للمواطنين البدو إمكانيّة وصول فقط لجزء صغير مما تبقى من أراضي، 34% من المنطقة. وبالرغم من ذلك، فإن المكان المخطط لإقامة قاعدة عسكريّة جديدة وسبعة بلدات يهودية جديدة، بحسب المخطط الحكومي الصادر في تشرين أول 2011، يضع ما يقارب الـ 18,000 مواطن بدوي تحت تهديد الاقتلاع القسري. 

في المنطقة C، يُمنع الفلسطينيون من تنفيذ أعمال تطويرية على مقربة من 70% من المنطقة. هذه المناطق خصصت للمستوطنات اليهوديّة أو للاستخدام العسكري. 38 من البلدات واقعة في منطقة أعلنت مؤخرًا كمنطقة عسكرية مغلقة، أيّ منطقة للتدريبات العسكريّة. 5,000 من المواطنين الذين يعيشون هناك في هذه البلدات، سيواجهون اقتلاعًا قسريًا من بيوتهم. 

زراعة الغابات والمحميّات الطبيعية: الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كييمت ليسرائيل – ككال)، وهو جسم شبه حكومي، يعرف نفسه على أنه "مأتمن للشعب اليهودي" و"ليس مجبرًا على التصرف بمساواة تجاه كل المواطنين في الدولة". الصندوق القومي اليهودي يتدخل بشكلٍ مباشر في زراعة الأشجار، وهو يستخدم في زراعة الغابات كوسيلة لمصادرة الأراضي الفلسطينيّة، والتي ستؤدي إلى اقتلاع السكّان. في كانون أوّل 2011، على سبيل المثال، أعلنت الحكومة عن مخطط لتوسيع غابة عتير في النقب. نتيجة لهذا المخطط سيتم اقتلاع 500 من سكان قرية عتير البدوية غير المعترف بها من بيوتهم. 

في المنطقة C ، خصصت الإدارة المدنيّة 20% من غور الأردن ومن منطق البحر الميّت للمحميات الطبيعية. تقسيم المنطقة بهذا الشكل لا يمنع السكن في هذه المناطق فقط، بل أنه أيضًا يقيّد حركة 48,000 فلسطيني يعيش في غور الأردن ويمنعهم من الزراعة ورعاية مواشيهم. 


"كل انتقاد لاسامية"

القانون الذي تم تطبيقه في إسرائيل وفي المناطق المحتلة – بكل طريقة وأسلوب ممكن - لا يحمي الفلسطينيين من أساليب الاقتلاع القسرية التي تمارس ضدهم. القوانين الإسرائيليّة والقانون الدولي يوفرون للفلسطينيين حماية ضد الاقتلاع القسري، لكن القانون يُعطّل ولا يعمل به. إسرائيل تفضل استخدام القانون بشكل منهجي، كأداة ناجعة لخلق واقع جيو-سياسي يقضي بالسيطرة على أوسع مساحة من الأراضي بأصغر نسبة من الفلسطينيين.

في زيارتها لفحص الحقائق في إسرائيل والمناطق المحتلة في العام 2012، قالت المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الإسكان الملائم، راكيل رولنيك، بأنها كانت شاهدة على "نموذج تطويري يهمّش، يميّز ويقتلع، بشكل منهجي الأقليات في إسرائيل، وهو نموذج يتم نسخه أيضا في المناطق المحتلة عام 1967". البرلمان الأوروبي قبل في العام 2012 قرارا تاريخيا، يستنكر بشدة سياسات الاقتلاع القسري الذي تنتهجه إسرائيل في الضفة الغربية وفي القدس الشرقية المحتلتين. قرار البرلمان الأوروبي يربط، لأول مرة، سياسة الاقتلاع هذه بسياسة اقتلاع المجتمع البدوي في النقب. المجتمع الدولي، وبما فيه أجسام كثيرة تعمل على تتبع ومراقبة تنفيذ وثائق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وطرق تطبيقها على أرض الواقع، يبدون اهتماما شديدا بسياسات التهجير الإسرائيليّة المقلقة.

وهذا الأسبوع يقوم وفد أوروبي رفيع بدعوة من جمعية "الميزان لحقوق الإنسان"، التابعة للحركة الإسلامية، بزيارة إلى الداخل الفلسطيني للإطلاع عن كثب على الأوضاع التي اطلعوا عليها عن كثب قبل عام... واعترف أحد المشاركين في الوفد، إنّهم يعلمون بأمر التمييز كله، ولكن "إسرائيل تحول كل انتقاد ضدها إلى "لاسامية". 

واللاسامية هي السلاح الدولي الذي تستعمله إسرائيل دائما في المحافل الدولية، حيث تذكّر بـ"الهولوكوست" كل من تسوّل له نفسه أن ينتقدها، وكأن الفلسطينيين لعبوا دورا في المحرقة التي حصلت لهم أبان الحكم النازي في أوروبا...



إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق