قاتل الله الزهايمر ومكن علماء الطب من محاربة أثاره, الذي حرم المصريين من معرفةكم ضخم من الأسرار والحقائق والحكايات, كان يختزنها في ذاكرته د. أسامة الباز, أحد المشاركين الكبار في مطبخ السياسة المصرية, والضالعين في صنع خطوطها الأساسية وتفاصيلها المهمة علي إمتداد أربعة عقود, من نهاية حلم عبدالناصر إلي نهاية حكم مبارك, حفلت بأحداث وتطورات متسارعة, ساهم في تشكيلها وعرف عن قرب, لكنه كان يؤجل كتابة مذكراته لإنشغاله الشديد بحاضر بلاده.
كان رجل دولة من طراز نادر وسياسيا قديرا, وكان أقرب المستشارين إلي أذن الرئيس خاصة خلال عهدي السادات ومبارك وأكثرهم قدرة علي التأثير, وبرغم نفوده الضخم لم يقم يوما بالمظهر أو الجاه أو المال أو السلطة, يفضل دائما أن يتخفي في ثوب مثقف مصري مهموم بقضايا وطنه, وكان مثل النحلة الدؤوب ينتقل بين مجموعات عديدة من الأدباء والمثقفين ورجال السياسة والقانون واساتذة الجامعات وعلماء الاقتصاد وتجمعات الفنانين علي اختلاف إهتماماتهم, وأينما تفتش في أرجاء مصر فسوف تري أثار أسامة الباز في إنجازات عديدة, أسهم من وراء سكار في خروجها إلي خير الوجود, ابتداء من مبني المحكمة الدستورية العليا إلي مكتبة الإسكندرية.
ولولا جهود أسامة الباز الذي وقف إلي جوار الرئيس مبارك في مؤتمر كامب دافيد إلي آخر لحظة جاء الرئيس الأمريكي كارتر لفضائل إستشارية في كل كبيرة وصغيرة لما تمكنت مباحثات كامب دافيد من تحقيق أهدافها, وطوال حياته بالحركة والنشاط والتواصل مع دوائر عديدة من النخبة المصرية, كان همزة الوصل بين المثقفين والحكم والباب الأمين إلي الرئاسة, لا يتدخل لمصلحة خاصة ويعزف عن أن يكون طرفا في أي من قضايا المال والتجارة, وعلي مستوي السياسات الخارجية كان مستشارا أمينا للرئيس لعب دورا مهما في مساندة مصر لعملية تحرير الكويت, ومفاوضا شرسا يثق سياسة العالم في ذكائه وقدرته علي التأثير.
وكان فيه قدرا من بوهومية المثقفين, كثيرا ما يضيق ذرعا بقيود السلطة ويفر منها هربا من التزاماتها ليغلق إلي نفسه في عملية تأمل ومراجعة تطول اياما وشهورا, وفي العامين الأخيرين من حكم مبارك سكب دوره وفترت همته, وكان ظهوره نادرا وقليلا إلي أن شاهده كل المصريين في ميدان التحرير خلال أحداث25 يناير يشد علي أيدي شباب الثورة.
الاهرام
_49344.jpg)
.jpg)
.jpg)
إرسال تعليق