Home » » إبراهيم غانم يكتب : في البلكونة (المرتب و الفيزا تعيش أنت)!

إبراهيم غانم يكتب : في البلكونة (المرتب و الفيزا تعيش أنت)!

رئيس التحرير : Unknown on الجمعة، 11 أكتوبر 2013 | 6:25 م


جلست في البلكونة من غير سيجارتي، بدون القهوة لأن البن قد نفذ و لم أشتري غيره، مفيش فلوس.

لم أشعر بالصداع لأن الغيظ قد تملكني لدرجة لم أستطيع الغيط بعدها، بلغ الغيظ ذروته معي. سبب غيظي لم أتحصل على راتبي شاملاً كاملاً (الأجر المستحق و المتغير معاً)، أخذتهم اللعينة المسماة بماكينة الصراف الآلي. البلوه التي ما بعدها بلوه.

قامت المؤسسة التي أعمل بها بتحويل رواتب كل الموظفين بها على حسابات مصرفية لكل موظف بغية التطور القاتل.

في بادىء الأمر فرحنا و سعدنا و هتفنا و هللنا و تعانقنا و تصافحنا مهنئين أنفسنا، أصبحنا من علية القوم. أصبحنا عملاء للبنوك مثل الناس الأكابر و ما أدراك ما البنوك.

كنا نتقاضى أجرنا كاملاً من صراف المؤسسة يداً بيد، كنا نتحصل على كل وحدة نقدية مستحقاتنا. الآن لزوم الشياكة و الأنتكة تتقاضى أجرك عبر الصراف الآلي، حدث و لا حرج. يتم تحويل المبالغ فتمكث بالبنك أيام تصل لأكثر من ثلاثة يستفيد البنك منها ثم يسمح لك بالصرف. أقل وحدة نقدية تخرج لك من الماكينة هي الخمسون جنيهاً في الأيام العادية. يتعمد المصرف أن يغذي ذاكرة حاسوب الماكينة أيام صرف الرواتب بحيث تكون أقل وحدة منصرفة مائة جنيهاً.

يقوم البنك بخصم قيمة من الراتب و يجيبك على السبب إذا سألت أنها مصاريف الحساب. يتعمد كسر حد الوحدة النقدية لك بحيث تكون تسعة و تسعون جنيهاً و ثماني و تسعون قرشاً فتكون مائة جنيه إلا قرشان، و تظل حبيسة الماكينة تنظر إليها و تقول لها ألقاك في الدار الآخرة بمشيئة الله!

تخيل حجم العملاء لكل مؤسسة لو فرضنا أربعة ألاف عامل في عدد مصانع و مؤسسات تتعامل مع البنك و أديني عقلك بقى!

بقدم البنك خدمة مصرفية يداعب فيها أحلام العملاء نوعيتي فيقدم لهم قرضاً ائتمانياً ضعف راتبك قد يصل أربعة أضعاف دخلك الشهري، يسدد على سنة بنسبة 1.2 بالمائة فيسيل لعاب الجائع و يظن أن الدنيا قد تبسمت له. لو حسبتها تجدها 15 % على أقل تقدير و مبروك يا عم أحمد اتنصب عليك. لو عم أحمد أكتشف ذلك و سدد أصل المبلغ المقترض فيحرك البنك أذنيه للأمام مثل الكلب البوليسي و يتأهب للنباح عليك و عقرك، يوقع عليك غرامة تعجيل الدفع بنسبة 3 % على المبلغ الكلي فتجد نفسك دافع قيمة الفائدة نفسها على المبلغ. بالبلدي كده ح تدفع بروح أهلك يعني ح تدفع، بالذوق بالعافية ح تدفع. إنه العذاب مغلفاً بالرحمة.

قبل أسبوعين كنت على موعد مع معذبتي ماكينة الصراف الآلي. وقفت أمامها متأنقاً معتدلاً متعطر بعطر جميل حتى تتعطف علي و تعطيني راتبي. أدخلت كارت الفيزا و تبعت الخطوات كأننا نتبادل كرة البينج بونج أقول لها و تقول لي، أتتني رسالة: (جاري تنفيذ طلبك)، و أحدثت صوت عد النقدية و ابتلعت نقودي كلها. لقد أخذت نقودي عيني عينك و أخرجت إيصال يفيد خصم الرصيد! استعلمت عن رصيدي بها أتتني رسالة: (نأسف لعدم أتمام العملية، الرصيد لا يسمح)! ثم أحدثت صوتاً أخر، ما هذا؟ سحبت كارت الفيزا هو الآخر! يا صلاة النبي.... مثلها في هذا مثل التي صفعتك بكفها الرقيق على خدك فتورد من اللطمة. المرتب و الفيزا ههااااااي، تعيش أنت.

ذهبت في اليوم التالي للبنك فوجدت جحافل بشرية كأنها مليونية ميدان التحرير أيام وكسة 25 يناير، كل هؤلاء مثلي. لقد أخرجت لهم الماكينة لسانها و قالت لهم: (ضحكت عليك يا قمر، مفيش فلوس، مفيش فيزا، روح على أمك بقى أنت وهو). دلفت للبنك و ألتقطت وريقة بها رقم تسلسلي، أنتظرت لساعات حتى يأتي دوري لمقابلة البيه موظف خدمة العملاء. تحرك الدور ببطء شديد. ألقيت نظرة تفقدية فوجدت الموظفين منتهى الشياكة. كلهم شباب الجامعات ماركة الخمسون ألف مصروفات دراسية في العام الواحد. الموظف يرتدي بدلة ثمنها لا يقل عن الجنيهات الألف، شعر رأسه مغطى بجيل فاخر، تنبعث منه رائحة العطر الفرنسي ثمن الزحاجة منه براتبي الذي سرقته الماكينة لشهرين على الأقل. البيه كازانوفا يتحدث مع أوفيليا الجميلة عبر هاتفه المحمول غير مبالي بالغوغاء أمثالي. لفت نظر سيادته أن المنتظرين كثيرين و الوقت يمضي. نهرني بحدة و وبخني قائلاً (بأتكلم في التليفون يا أخي، ما أنتش شايف؟)

أخيراً تعطف علي و جاء دوري فأخبرني أن أراجعه بعد خمسة عشر يوماً لحين جرد و حصر المبالغ بالماكينة سارقة راتبي، و أن كارت الفيزا خاصتي سيصل للبنك بالبريد خلال خمسة عشر يوماً فأعود لتسلمه و تسلم راتبي بعد عودته من رحلة الخطف. و أنتظرت تليفون من الماكينة تطلب فدية مقابل راتبي المخطوف، و لا حياة لمن تنادي.

قلت في ذهني أنه راتبي و اتسوله! ما بالك لو أنني أطلب منهم براً أو إحساناً؟ أنها مذلة الناس بأموالهم!

نهاية المشهد أتت البرنسيسة زوجتي في سابقة تعد الأولى من نوعها سألتني: مالك؟ مهموم كده ليه يا هيما؟

قلت: المكنة لهفت الفلوس كلها؟

ردت: و إيه يعني؟ ما يهمكش يا حبيبي. إحنا اللي بنعمل الفلوس، مش الفلوس اللي بتعملنا. قين بقى مصروف البيت الشهر ده؟

قلت: إنتي ما سمعتيش؟! ده حتى كمان الفيزا إتشفطت.

سألت: فيزا إيه؟

قلت: فيزا عشان أهاجر و أطفش منكوا.

ردت: و ماله يا حبيبي. أعمل اللي يريجك بس سيب مصروف البيت قبل ما تمشي.

قلت: أقول لك حاجة حلوة. غطيني و صوتي عليا. و لا أقول لك، أصوت أنا أحسن.

ياااااااا لهوااااااااي ي ي ي ي ي ي

إبراهيم غانم...

إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق