Home » » ناجي صادق شراب يكتب : مَن يحكم مصر؟!

ناجي صادق شراب يكتب : مَن يحكم مصر؟!

رئيس التحرير : Unknown on الأربعاء، 30 أكتوبر 2013 | 7:35 ص


ناجي صادق شراب

أي حكم تريده مصر ويريده الآخرون، وسط النقاش الحاد حول الدستور، وكيفية الخروج من الأزمة التي تواجه مستقبل مصر، وما تواجهه من حملة عنف مقصودة هدفها النيل من جوهر الشخصية المصرية؟ لعل هذا السؤال أحد أهم أسئلة الثورة المصرية، التي فرضتها على الجميع، والاتفاق حول إجابة واحدة هو السبيل للخروج من عنق زجاجة الحكم . إذ إن أحد أهم الخيارات للخروج من الأزمة هو التوافق حول صيغة للحكم تجسد روح مصر، وجوهرها، والاتفاق على أنه لا يوجد نموذج واحد أو هوية واحدة قادرة على تجسيد هذه الروح، وأن أي محاولة سيكتب لها الفشل، هذا ما أكده تاريخ الحكم في مصر على امتداد أكثر من سبعة آلاف سنة . فمصر دولة عميقة بتاريخها الطويل، وليست دولة حديثة النشأة كغيرها من نماذج الدول المعروفة في الغرب والشرق .

فالحالة المصرية لا تنطبق عليها النماذج السائدة في أدبيات الدول ونشوئها، وهذا الذي يفسر لنا المحاولات الكثيرة التي قام بها العديد من الكتاب لاكتشاف الهوية العميقة والممتدة والمركبة لمصر، والوقوف على سر نجاحها في استيعاب كل الهويات في إطار مصر كحضارة وتاريخ . فكل مرحلة تاريخية لها دلالة سياسية معينة، لكن الدلالة العميقة لمصر هي قدرتها على تذويب كل الهويات في إطار هذا المكون الرئيس، وبالتالي أي محاولة للفصل، ولمغايرة هذه الحقيقة محكوم عليها بالفشل .

هذا يفسر لنا الخطأ الذي وقع فيه الإخوان، إذ كان عليهم قبل أن يفكروا في الحكم أن يفكروا في مصر كهوية، وتاريخ سبق قيام أي حركة ودولة، وسبق أي هوية وفدت إلى مصر، وهوية سبقت أي دين .

لعل الحقيقة التاريخية الثابتة أن كل مَن حكم ذهب، وكل مَن أتى إلى مصر غازياً ذهب وبقيت مصر كحقيقة سياسية وتاريخية وحضارية وبشرية، ولذا يقال في المأثور المصري من السهل أن تخرج المصري من مصر، لكن من المستحيل إخراج مصر من قلب ووجدان المصري . هذا هو التمازج ليس فقط بين المصريين ولكن بين مَن عاش في مصر وسكنها، والأمثلة كثيرة على أناس كثيرين عاشوا في مصر واكتسبوا هويتها وشخصيتها وأحبوا مصر مثلهم مثل أي مصري، والشواهد أكثر من أن تعد .

هنا تكمن قوة مصر، فهي بؤرة انصهار، الكل يفقد هويته وشخصيته ليكتسب هويتها وشخصيتها . فمحاولات البعض اختزال مصر في الشخصية الفرعونية لم تنجح، فمصر عرفت كل التجارب، وحافظت على خصوصيتها في كل مراحل الحكم المختلفة، فالبطالمة الذين حكموا حوالي قرنين من الزمن انصهروا في شخصية مصر الفرعونية، وعرفت مصر الإسلام الذي انتصر بها، وعرفت العروبة التي انتصرت بها أيضاً، وعرفت مصر كل التقاليد السياسية البرلمانية، وسبقت غيرها من الدول بعشرات السنين، وعرفت كل أشكال الحكم، وكل منها كان يحاول أن يختزل مصر أو أن ينزلها في إطار ضيق شخصاني في صورة الحاكم، أو في إطار هوية دينية، حتى الديانة المسيحية التي لها أكبر كنيسة فيها فصلت نفسها عن بعدها العالمي لتختزل في قلب مصر، وتنصهر بمصر وليس العكس . وعرفت مصر كل محاولات الوحدة العربية والإسلامية، ولكن بقيت مصر بؤرة الانصهار لجميع التيارات، هذا هو الجوهر الحقيقي لمصر، إلى أن جاء حكم الإخوان المسلمين الذين اعتقدوا أنهم قادرون على حذف الهوية المصرية، وتناسوا أنهم كحركة قامت في العشرينات من القرن الماضي، أي أن مصر كدولة وهوية كانت أسبق بكثير، ولو تفّهم الإخوان هذه الحقيقة لاستمروا في الحكم ولكن في إطار مصر الدولة والهوية، وليس في إطار الحكم الإخواني الضيق .
وهنا السؤال الذي يطرح دائماً مَن هي مصر؟ هل هي فرعونية الهوية، أم يونانية أم رومانية، إسلامية أم عربية؟ مصر هي كل هذا الكل الذي لا يمكن أن يجد نفسه إلا في إطار الهوية الكلية، ولذا مصر توصف بالدولة العميقة، والهوية العميقة الممتدة لآلاف السنين . هذه هي الحقيقة التي على الجميع استيعابها وتفهمها، ولو أدرك الجميع هذه الحقيقة لأمكن وضع التصورات والمبادرات للخروج من الأزمة . وفي إطار هذه الهوية يمكن فهم الدور الحقيقي الذي قام ويقوم به الجيش المصري، وهو دور الحامي لهذه الهوية من الاختزال، وهنا نقف أمام عبارة الفريق السيسي “مصر أم الدنيا، وعاوزين نخليها قد الدنيا”، المقصود بهذه العبارة وهي عبارة حصيفة وتعكس رؤية عميقة وهي استعادة هوية مصر وجوهرها الحقيقي، وإذا ما اتفق الجميع على ذلك عندها لن تكون هناك مشكلة حكم ومَن يحكم . لأن الكل سيحكم في إطار الكل المصري .

وقد يتساءل البض لماذا هذا الإجماع على شخصية السيسي، والإجابة ببساطة ليس فقط لأن الجيش لعب دوراً وطنياً كالعادة في حماية الثورة، وحماية مصر الهوية من الاحتواء والاستيعاب والتبعية، ولكن لأن المصريين ينظرون إلى هذه الشخصية على أنها تمثل شخصية كل مصري، وفيها تتجسد الهوية المصرية
الخليج
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق