بقلم: فاروق جويدة
كان القرار الأمريكي بوقف المعونات العسكرية لمصر هو ورقة التوت آخر ما كانت تخفي بها أمريكا خطاياها واخطاءها مع الشعب المصري.. توقع المصريون هذا القرار منذ فترة بعيدة خاصة بعد ان قاموا بثورة يناير التي غيرت حسابات كثيرة في حياة المصريين حتى ان البعض تصور ان أمريكا كانت طرفا مؤثرا فيها..
ان الحقيقة المؤكدة ان جسور الثقة بين المصريين والإدارة الأمريكية كانت دائما ضعيفة وواهية لإيمان المصريين بأن أمريكا تبيع العالم كله من أجل مصالحها وان العلاقات المصرية الأمريكية افتقدت دائما الأساس الأخلاقي والإنساني وان كانت السياسة عادة لا تؤمن بهذه القيم سواء مع أمريكا او غيرها.
كانت زيارتي الوحيدة لأمريكا في النصف الأول من الثمانينات يومها ذهبت زائرا بدعوة رسمية لزيارة ست جامعات كان منها كولمبيا وجورج تاون وايوا وبيتسبرج ويومها كتبت انني لم اجد في أمريكا عمقا ثقافيا يبهرني ولا تاريخا يشدني ولا وجها حضاريا يحمل عبق الإنسانية.. انت في أمريكا تقف مبهورا امام صاروخ او ناطحة سحاب او صخب بلا حدود او حلبة للمصارعة.. ولكنك لن ترى باريس الثقافة في سان فرانسيسكو رغم التقليد الأعمى ولن تجد روما الفن في صخب نيويورك ولن ترى عبق الشرق في عواصمه العتيقة رغم فقرها الشديد.. اعترفت يومها في سلسلة من المقالات بأن النموذج الأمريكي لم يبهرني رغم كل ما فيه من مظاهر المفاجأة.. ورغم هذا الإحساس المبكر إلا انني ولا غيري يستطيع ان يتجاهل القوة الأمريكية وجبروت شركاتها ومؤسساتها التي الغت الحدود مع العالم ونهبت ثروات الكون بطرق مشروعة وغير مشروعة.. ولكن بقيت عندي تحفظات على موقف أمريكا من الشعب المصري وهو موقف افتقد دائما روح النبل والتواصل والمودة الحقيقية وكانت عندي شواهد كثيرة..
كنت اعتقد ان أمريكا تقف على خط مستقيم ضد جيش مصر حتى وان قدمت له الدعم العسكري في صورة معدات او ذخائر فمازال طيف عبد الناصر وثورة يوليو يمثل نقطة خلاف جوهرية لم تستطع أمريكا ان تتجاوزها رغم كل ما قدمته مصر من تنازلات في ازمنة مختلفة..
لقد ساعدت أمريكا الجيش المصري ولكنها على الجانب الآخر سعت وبإصرار على إنشاء طبقة جديدة لعلها يوما تكون بديلا عن الجيش كقوة اجتماعية وسياسية بديلة وقد سأل هنري كيسنجر يوما الرئيس السادات عن ضمانات السلام مع إسرائيل واقترح ان تقوم في مصر طبقة جديدة تدين بالولاء في مصالحها وتركيبتها الإجتماعية للعم سام وبدأت أمريكا في إنشاء ودعم هذه الطبقة التي دخلت في انشطة اقتصادية ومالية حققت لها مكانة فريدة على كل المستويات.. ومن هنا كان غضب أمريكا ان جيش مصر عاد الى المشهد الإجتماعي والإنساني في الشارع المصري بعد ان ظل مهمشا ثلاثين عاما.. ان عودة الجيش وليس رحيل مرسي هي الأزمة الحقيقية التي تواجهها أمريكا مع المصريين في ظل غياب الجيش اخترقت أمريكا المجتمع المصري في ابعد نقطة فيه وتصورت انها فرضت الوصاية على كل شيء في مصر اما بالأصدقاء او بالعملاء وكان الإعتماد على العملاء اكثر.
كان الصمت المصري هو اكبر ثمن حصلت عليه أمريكا وهي تقتحم كل جزء في العالم العربي.. لم تشارك مصر في اي مشروع أمريكي في المنطقة حتى وان سمحت فلم تقدم للمصريين غير الفتات.. ان الشركات الأمريكية هي التي قادت جميع المشروعات الإقتصادية في العالم العربي طوال فترات الإزدهار النفطي هي التي اخرجت البترول وصنعته وباعته واقامت البنية الأساسية لمعظم الدول العربية..
وابعدت أمريكا المصريين تماما عن كل هذه البرامج.. واكتفى المصريون بالصمت.. وامام هذا كانت مرحلة العبث بمقدرات الشعوب العربية من غزو للعراق واستيلاء على ثرواته وإشعال الحرب العراقية الإيرانية ومساندة النظم المستبدة وإخضاع كل شيء لمصالح إسرائيل كل هذه المكاسب مقابل بضع ملايين من الدولارات كانت أمريكا تقدمها لمصر.. لقد فرطت مصر في دورها العربي اقتصاديا وثقافيا وحضاريا لكي تغزو المؤسسات الأمريكية العالم العربي كله ولكي تبقى إسرائيل القوة الوحيدة في المنطقة ولهذا كان من الضروري ان توقف أمريكا مساعداتها العسكرية لمصر حتى لا تطل مصر مرة اخرى في الساحة التي احتكرتها امريكا لأكثر من ثلاثين عاما.
يخطئ من يتصور ان الخلاف بين مصر وأمريكا يرجع الى الديمقراطية لأن أمريكا حافظت على علاقاتها ومصالحها مع جميع النظم الإستبدادية في العالم ومن بينها مصر ان الديمقراطية هي الديكور الذي تروج به أمريكا مخططاتها المشبوهة لتحقيق مصالحها.. لم تقدم أمريكا اي دعم لقضية الديمقراطية في مصر بإستثناء الجمعيات التي تمولها او الشباب الذين استضافتهم لتنظيم المظاهرات او رفع الشعارات اما الديمقراطية الحقيقية فلم تكن أمريكا يوما سندا لها في الشارع المصري.
ان الجانب الأخطر ان أمريكا لم تشجع يوما مشروعات التنمية الحقيقية في مصر بكل مجالاتها الإقتصادية والحضارية.. كان هناك مشروع موازي لإتفاقية كامب ديفيد حمل اسم مشروع مارشال لتنمية إسرائيل ومصر ولم يحدث فيه شيء.. كانت هناك وعود في شرم الشيخ بخطة اقتصادية لدعم دولي لمصر تحت رعاية امريكية ولم ينفذ فيه شيء.. كان الكويز هو المشروع الوحيد الذي ساندته أمريكا لأنه يضع اقدام إسرائيل في قلب الإقتصاد المصري..
خلال ثلاثين عاما لم تشارك أمريكا في اي خطة للتنمية الإقتصادية والبشرية في مصر بل انها كانت حريصة على استقطاب عدد من رجال الأعمال الذين شجعت بهم انشاء طبقة اجتماعية جديدة من خلال علاقات مشبوهة وهي طبقة قامت انشطتها على أعمال السمسرة والتجارة والمضاربات ولم تقم على التنمية وبناء المجتمعات.
ان الشركات الأمريكية هي اول من شجع منظومة العمولات في العلاقات التجارية في مصر كانت هناك بوادر محدودة مع دول الكتلة الشرقية والإتحاد السوفيتي السابق في الصادرات والواردات ولكن الشركات الأمريكية هي التي فتحت باب العمولات التجارية على مصراعيه امام رجال الأعمال المصريين من ابناء الطبقة الجديدة وهي فيما يبدو فإن هذه الطبقة قد خذلتهم بعد ثورة يناير ثم ثورة يونيو وعودة الجيش لحماية الوطن المغلوب على امره.
ولم تتردد أمريكا، وهي تضحي بنظام مستبد وطبقة لم تثبت جدارتها وولاءها، في ان تختار بديلا حتى وان كانت على خلاف رهيب معه.. لقد خلت الساحة بعد ثلاثين عاما من نظام وثقت فيه وايدته في كل شيء وتغاضت في سبيل ذلك عن احلام المصريين في الحرية والكرامة ووجدت امامها بديلا جاهزا للتعاون وان يقوم بنفس ادوار النظم السابقة فكانت صفقاتها مع الإخوان المسلمين.. هناك حكايات كثيرة عن تاريخ قديم واتصالات سرية بين أمريكا والإخوان إلا ان ذلك كله لا يعني شيئا امام لحظة وصول الإخوان لحكم مصر وكيف حاولت أمريكا ان تهبط مرة اخرى على سلطة القرار ولا يعنيها من يجلس على هذه السلطة.. الواضح ان أمريكا تسرعت في صفقتها مع الإخوان بل انها اسرفت في احلامها حين تخيلت انها امام جماعة يمكن ان تحقق كل اهدافها في المنطقة وليس في مصر وحدها.. ان اهداف أمريكا واضحة ومطالبها من الإخوان يمكن ان تحقق مصالحها سواء في امن إسرائيل او مواجهة إيران او حماية مناطق البترول وقبل هذا كله إبعاد اشباح الإرهاب عن أمريكا وحلفائها.. لقد تصورت أمريكا ان الإخوان قادرون على ذلك كله ومن هنا كان الدعم الأمريكي لمشروع الإخوان في حكم مصر.. وحين خرج المصريون يوم 30 يونيو كانت المفاجأة اكبر من ان تتحملها الحسابات الأمريكية فقد اكتشفت انها خسرت كل الأوراق في مصر.. خسرت نظاما حافظ على مصالحها ثلاثين عاما.. وخسرت طبقة اجتماعية تصورت انها البديل لحماية مصالحها ثم خسرت فصيلا سياسيا ودينيا توهمت انه قادر على ان ينفذ مخططاتها ولأول مرة تجد أمريكا نفسها في نفس المربع الذي وقفت فيه امام الشعب المصري حين اوقفت تمويلها للسد العالي وحين اتجهت مصر الى شراء السلاح من اوروبا الشرقية في ذلك الوقت وهنا كان قرارها بوقف المعونات العسكرية وللأسف الشديد اختارت وقتا في غاية الصعوبة والحساسية.
لن ينسى المصريون ان أمريكا كعادتها تخلت عنهم وهم يخوضون معركة ضارية ضد الإرهاب في سيناء وهي قضية كانت دائما تحتل اولوية خاصة في اجندة القرار الأمريكي.
ان المعونات الأمريكية لا تمثل شيئا امام الدعم العربي لمصر في حربها ضد الإرهاب وان السعودية والإمارات والكويت يمكن ان تعوض مصر عن هذه المعونات خاصة ان الجيش المصري قادر دائما على تنويع مصادر السلاح من اكثر من مصدر..
هناك بعض الخبثاء الذين يرون ان توتر العلاقات بين مصر وأمريكا هو تمهيد لصفقة كبرى في المنطقة بين أمريكا وإيران وحتى لا تعود مصر الى الساحة مرة اخرى لأن ما يشهده الشارع المصري من متغيرات يؤكد ان مصر عائدة الى دورها وبقوة.
ان الموقف الأمريكي يؤكد للمصريين الأن انهم كانوا على حق دائما في فهمهم للقرار الأمريكي فقد سلبوا مصر دورها حين اكتفت بالصمت.. ولم يشاركوا يوما في تنمية المجتمع المصري وهم قادرون إذا ارادوا واقاموا في مصر طبقة تعمل لحسابهم حتى وان نهبت اموال الشعب.. وتواطأوا مع نظم مستبدة وهم يتغنون بالديمقراطية وحين خرج الشعب المصري مطالبا بإسقاط نظام مستبد يرفع راية الدين قطعوا عن جيشه المعونات العسكرية..
في نهاية المشهد لنا ان نتصور قرار الرئيس اوباما بقطع المعونات العسكرية عن مصر.. والحرب التي تخوضها ضد الإرهاب في سيناء ودعوة زعيم القاعدة ايمن الظواهري المصريين لإنشاء جيش حر لمواجهة جيش مصر.. اخيرا الرئيس اوباما وسلاحه في خندق واحد مع القاعدة وزعيمها ضد المصريين.. وهذه هي أمريكا دائما ويبدو انها لن تتغير.
..ويبقى الشعر
ركب الزمان يطوف في نظراتي
وتتوه في عمق المدي كلماتـــــــي
ماذا أقول ونور وجه المصطفـــي
كالصبـح أشرق في شواطيء ذاتي
ويطل وجهك في الحجيج كأنــــه
وجه السماء أضاء في جنباتــــــــي
يا سيد الخـلـق الرفيع تحيـــــة
من كل شوق فاض في عرفــــــات
طوفت في أرجاء مكة ساعيـــــا
وعلي مني ألقيت بالجمـــــــــــرات
ونظرت للأفق البعيد وحولــــه
تسري أمامك جنة الجنـــــــــــات
ووقفت تصرخ يا الهي أمتـــي..
فيجيب رب الخلق بالرحمـــــــات
لم تنس أمتك الحزينة كلمــــــا
هرعت جموع النــاس بالدعـــــوات
وسألت رب الكون هذا حالـهم
فقر.. وجوع.. وامتهان طغــــــــاة
يارب هذي أمتي مغلوبــــــــــة
ما بين حكم جــائــر.. وغــــــزاة
الركب ضل وشردته عواصـــف
بالعجز.. والطغيــان.. والنكبــات
جمعتهم في كل شــيء كلمــــــــا
نادي المــــؤذن داعيــا لصــــــــلاة
والآن صاروا في الحياة بلا هدي
تبدو عليهم سكــــرة الأمـــــــــوات
أنا في رحابك جئت أحمل أمــــة
ماتت علي أطلالهــا صرخــاتـــــــي
والحاقدون علي الضلال تجمعوا
والأمة الثكـلي فلــــول شتــــــــــات
في الكعبة الغراء وجهي شاخــص
تتسابق الصلــوات في الصلــــــوات
والناس في الحرم الشريف توافدوا
ضوء الوجوه يطـوف في الساحــات
الله أكبر والحجيـــــــــــج مواكب
من كل لون قـــادم ولغــــــــــــــات
الله وحدهم علي وحي الهـــــــدي
رغم اختلاف الجنــس واللهجــــات
جاءوا فرادي يحملون ذنوبهــــــم
ويفيض صفـــح الله بالنفحـــــــــــات
حين أستوي الرحمن فوق عبـــاده
العفو كان بدايـــــة الرحمــــــــــات
يارب فلتجعل نهاية رحلتــــــــي
عند السؤال شفاعتـــي وثباتــــــــــي
أنا في رحابك جئت أحمل توبتـي
خجلان من شططــي ومن زلاتـــــي
أنت الغفور وكان ضعفي محنتي
وعذاب قلبي كان في هفواتـــــــــي
أشكو إليك الآن قلة حيلتـــــــي
وهوان عمري.. حيرتي وشتاتــي..
تتزاحم الأيام بين خواطـــــــري
ما بين ذنب حائـــر وعظــــــــــات
يارب سيرت القلوب مواطنــــــا
للحب.. فأغفر يا كريــم هنـاتــــــي
قد كان ذنبي أن قلبي عاشـــــــق
فأضعت في عشق الجمال حياتــي
أنت الذي سطرت قلبي غنـــــوة
للعاشقين.. وهذه مأســـــــــاتـــــــي
أغفر ذنوب العشق إن جوانحـــي
ذابت من الأشــواق والعبــــــــرات
والآن جئتك بعد أن ضاق المــدي
واثــاقـلـت في رهبة خطواتـــــــــــي
ندما علي عمر تولي ضائعــــــا
أم خشية من طيف عمــــــــــر آت
أسرفت في ذنبي وبابك رحمتــي
ولديك وحدك شاطـئي ونجاتـــــــي
"من قصيدة على باب المصطفى سنة 2010"
الأهرام
كان القرار الأمريكي بوقف المعونات العسكرية لمصر هو ورقة التوت آخر ما كانت تخفي بها أمريكا خطاياها واخطاءها مع الشعب المصري.. توقع المصريون هذا القرار منذ فترة بعيدة خاصة بعد ان قاموا بثورة يناير التي غيرت حسابات كثيرة في حياة المصريين حتى ان البعض تصور ان أمريكا كانت طرفا مؤثرا فيها..
ان الحقيقة المؤكدة ان جسور الثقة بين المصريين والإدارة الأمريكية كانت دائما ضعيفة وواهية لإيمان المصريين بأن أمريكا تبيع العالم كله من أجل مصالحها وان العلاقات المصرية الأمريكية افتقدت دائما الأساس الأخلاقي والإنساني وان كانت السياسة عادة لا تؤمن بهذه القيم سواء مع أمريكا او غيرها.
كانت زيارتي الوحيدة لأمريكا في النصف الأول من الثمانينات يومها ذهبت زائرا بدعوة رسمية لزيارة ست جامعات كان منها كولمبيا وجورج تاون وايوا وبيتسبرج ويومها كتبت انني لم اجد في أمريكا عمقا ثقافيا يبهرني ولا تاريخا يشدني ولا وجها حضاريا يحمل عبق الإنسانية.. انت في أمريكا تقف مبهورا امام صاروخ او ناطحة سحاب او صخب بلا حدود او حلبة للمصارعة.. ولكنك لن ترى باريس الثقافة في سان فرانسيسكو رغم التقليد الأعمى ولن تجد روما الفن في صخب نيويورك ولن ترى عبق الشرق في عواصمه العتيقة رغم فقرها الشديد.. اعترفت يومها في سلسلة من المقالات بأن النموذج الأمريكي لم يبهرني رغم كل ما فيه من مظاهر المفاجأة.. ورغم هذا الإحساس المبكر إلا انني ولا غيري يستطيع ان يتجاهل القوة الأمريكية وجبروت شركاتها ومؤسساتها التي الغت الحدود مع العالم ونهبت ثروات الكون بطرق مشروعة وغير مشروعة.. ولكن بقيت عندي تحفظات على موقف أمريكا من الشعب المصري وهو موقف افتقد دائما روح النبل والتواصل والمودة الحقيقية وكانت عندي شواهد كثيرة..
كنت اعتقد ان أمريكا تقف على خط مستقيم ضد جيش مصر حتى وان قدمت له الدعم العسكري في صورة معدات او ذخائر فمازال طيف عبد الناصر وثورة يوليو يمثل نقطة خلاف جوهرية لم تستطع أمريكا ان تتجاوزها رغم كل ما قدمته مصر من تنازلات في ازمنة مختلفة..
لقد ساعدت أمريكا الجيش المصري ولكنها على الجانب الآخر سعت وبإصرار على إنشاء طبقة جديدة لعلها يوما تكون بديلا عن الجيش كقوة اجتماعية وسياسية بديلة وقد سأل هنري كيسنجر يوما الرئيس السادات عن ضمانات السلام مع إسرائيل واقترح ان تقوم في مصر طبقة جديدة تدين بالولاء في مصالحها وتركيبتها الإجتماعية للعم سام وبدأت أمريكا في إنشاء ودعم هذه الطبقة التي دخلت في انشطة اقتصادية ومالية حققت لها مكانة فريدة على كل المستويات.. ومن هنا كان غضب أمريكا ان جيش مصر عاد الى المشهد الإجتماعي والإنساني في الشارع المصري بعد ان ظل مهمشا ثلاثين عاما.. ان عودة الجيش وليس رحيل مرسي هي الأزمة الحقيقية التي تواجهها أمريكا مع المصريين في ظل غياب الجيش اخترقت أمريكا المجتمع المصري في ابعد نقطة فيه وتصورت انها فرضت الوصاية على كل شيء في مصر اما بالأصدقاء او بالعملاء وكان الإعتماد على العملاء اكثر.
كان الصمت المصري هو اكبر ثمن حصلت عليه أمريكا وهي تقتحم كل جزء في العالم العربي.. لم تشارك مصر في اي مشروع أمريكي في المنطقة حتى وان سمحت فلم تقدم للمصريين غير الفتات.. ان الشركات الأمريكية هي التي قادت جميع المشروعات الإقتصادية في العالم العربي طوال فترات الإزدهار النفطي هي التي اخرجت البترول وصنعته وباعته واقامت البنية الأساسية لمعظم الدول العربية..
وابعدت أمريكا المصريين تماما عن كل هذه البرامج.. واكتفى المصريون بالصمت.. وامام هذا كانت مرحلة العبث بمقدرات الشعوب العربية من غزو للعراق واستيلاء على ثرواته وإشعال الحرب العراقية الإيرانية ومساندة النظم المستبدة وإخضاع كل شيء لمصالح إسرائيل كل هذه المكاسب مقابل بضع ملايين من الدولارات كانت أمريكا تقدمها لمصر.. لقد فرطت مصر في دورها العربي اقتصاديا وثقافيا وحضاريا لكي تغزو المؤسسات الأمريكية العالم العربي كله ولكي تبقى إسرائيل القوة الوحيدة في المنطقة ولهذا كان من الضروري ان توقف أمريكا مساعداتها العسكرية لمصر حتى لا تطل مصر مرة اخرى في الساحة التي احتكرتها امريكا لأكثر من ثلاثين عاما.
يخطئ من يتصور ان الخلاف بين مصر وأمريكا يرجع الى الديمقراطية لأن أمريكا حافظت على علاقاتها ومصالحها مع جميع النظم الإستبدادية في العالم ومن بينها مصر ان الديمقراطية هي الديكور الذي تروج به أمريكا مخططاتها المشبوهة لتحقيق مصالحها.. لم تقدم أمريكا اي دعم لقضية الديمقراطية في مصر بإستثناء الجمعيات التي تمولها او الشباب الذين استضافتهم لتنظيم المظاهرات او رفع الشعارات اما الديمقراطية الحقيقية فلم تكن أمريكا يوما سندا لها في الشارع المصري.
ان الجانب الأخطر ان أمريكا لم تشجع يوما مشروعات التنمية الحقيقية في مصر بكل مجالاتها الإقتصادية والحضارية.. كان هناك مشروع موازي لإتفاقية كامب ديفيد حمل اسم مشروع مارشال لتنمية إسرائيل ومصر ولم يحدث فيه شيء.. كانت هناك وعود في شرم الشيخ بخطة اقتصادية لدعم دولي لمصر تحت رعاية امريكية ولم ينفذ فيه شيء.. كان الكويز هو المشروع الوحيد الذي ساندته أمريكا لأنه يضع اقدام إسرائيل في قلب الإقتصاد المصري..
خلال ثلاثين عاما لم تشارك أمريكا في اي خطة للتنمية الإقتصادية والبشرية في مصر بل انها كانت حريصة على استقطاب عدد من رجال الأعمال الذين شجعت بهم انشاء طبقة اجتماعية جديدة من خلال علاقات مشبوهة وهي طبقة قامت انشطتها على أعمال السمسرة والتجارة والمضاربات ولم تقم على التنمية وبناء المجتمعات.
ان الشركات الأمريكية هي اول من شجع منظومة العمولات في العلاقات التجارية في مصر كانت هناك بوادر محدودة مع دول الكتلة الشرقية والإتحاد السوفيتي السابق في الصادرات والواردات ولكن الشركات الأمريكية هي التي فتحت باب العمولات التجارية على مصراعيه امام رجال الأعمال المصريين من ابناء الطبقة الجديدة وهي فيما يبدو فإن هذه الطبقة قد خذلتهم بعد ثورة يناير ثم ثورة يونيو وعودة الجيش لحماية الوطن المغلوب على امره.
ولم تتردد أمريكا، وهي تضحي بنظام مستبد وطبقة لم تثبت جدارتها وولاءها، في ان تختار بديلا حتى وان كانت على خلاف رهيب معه.. لقد خلت الساحة بعد ثلاثين عاما من نظام وثقت فيه وايدته في كل شيء وتغاضت في سبيل ذلك عن احلام المصريين في الحرية والكرامة ووجدت امامها بديلا جاهزا للتعاون وان يقوم بنفس ادوار النظم السابقة فكانت صفقاتها مع الإخوان المسلمين.. هناك حكايات كثيرة عن تاريخ قديم واتصالات سرية بين أمريكا والإخوان إلا ان ذلك كله لا يعني شيئا امام لحظة وصول الإخوان لحكم مصر وكيف حاولت أمريكا ان تهبط مرة اخرى على سلطة القرار ولا يعنيها من يجلس على هذه السلطة.. الواضح ان أمريكا تسرعت في صفقتها مع الإخوان بل انها اسرفت في احلامها حين تخيلت انها امام جماعة يمكن ان تحقق كل اهدافها في المنطقة وليس في مصر وحدها.. ان اهداف أمريكا واضحة ومطالبها من الإخوان يمكن ان تحقق مصالحها سواء في امن إسرائيل او مواجهة إيران او حماية مناطق البترول وقبل هذا كله إبعاد اشباح الإرهاب عن أمريكا وحلفائها.. لقد تصورت أمريكا ان الإخوان قادرون على ذلك كله ومن هنا كان الدعم الأمريكي لمشروع الإخوان في حكم مصر.. وحين خرج المصريون يوم 30 يونيو كانت المفاجأة اكبر من ان تتحملها الحسابات الأمريكية فقد اكتشفت انها خسرت كل الأوراق في مصر.. خسرت نظاما حافظ على مصالحها ثلاثين عاما.. وخسرت طبقة اجتماعية تصورت انها البديل لحماية مصالحها ثم خسرت فصيلا سياسيا ودينيا توهمت انه قادر على ان ينفذ مخططاتها ولأول مرة تجد أمريكا نفسها في نفس المربع الذي وقفت فيه امام الشعب المصري حين اوقفت تمويلها للسد العالي وحين اتجهت مصر الى شراء السلاح من اوروبا الشرقية في ذلك الوقت وهنا كان قرارها بوقف المعونات العسكرية وللأسف الشديد اختارت وقتا في غاية الصعوبة والحساسية.
لن ينسى المصريون ان أمريكا كعادتها تخلت عنهم وهم يخوضون معركة ضارية ضد الإرهاب في سيناء وهي قضية كانت دائما تحتل اولوية خاصة في اجندة القرار الأمريكي.
ان المعونات الأمريكية لا تمثل شيئا امام الدعم العربي لمصر في حربها ضد الإرهاب وان السعودية والإمارات والكويت يمكن ان تعوض مصر عن هذه المعونات خاصة ان الجيش المصري قادر دائما على تنويع مصادر السلاح من اكثر من مصدر..
هناك بعض الخبثاء الذين يرون ان توتر العلاقات بين مصر وأمريكا هو تمهيد لصفقة كبرى في المنطقة بين أمريكا وإيران وحتى لا تعود مصر الى الساحة مرة اخرى لأن ما يشهده الشارع المصري من متغيرات يؤكد ان مصر عائدة الى دورها وبقوة.
ان الموقف الأمريكي يؤكد للمصريين الأن انهم كانوا على حق دائما في فهمهم للقرار الأمريكي فقد سلبوا مصر دورها حين اكتفت بالصمت.. ولم يشاركوا يوما في تنمية المجتمع المصري وهم قادرون إذا ارادوا واقاموا في مصر طبقة تعمل لحسابهم حتى وان نهبت اموال الشعب.. وتواطأوا مع نظم مستبدة وهم يتغنون بالديمقراطية وحين خرج الشعب المصري مطالبا بإسقاط نظام مستبد يرفع راية الدين قطعوا عن جيشه المعونات العسكرية..
في نهاية المشهد لنا ان نتصور قرار الرئيس اوباما بقطع المعونات العسكرية عن مصر.. والحرب التي تخوضها ضد الإرهاب في سيناء ودعوة زعيم القاعدة ايمن الظواهري المصريين لإنشاء جيش حر لمواجهة جيش مصر.. اخيرا الرئيس اوباما وسلاحه في خندق واحد مع القاعدة وزعيمها ضد المصريين.. وهذه هي أمريكا دائما ويبدو انها لن تتغير.
..ويبقى الشعر
ركب الزمان يطوف في نظراتي
وتتوه في عمق المدي كلماتـــــــي
ماذا أقول ونور وجه المصطفـــي
كالصبـح أشرق في شواطيء ذاتي
ويطل وجهك في الحجيج كأنــــه
وجه السماء أضاء في جنباتــــــــي
يا سيد الخـلـق الرفيع تحيـــــة
من كل شوق فاض في عرفــــــات
طوفت في أرجاء مكة ساعيـــــا
وعلي مني ألقيت بالجمـــــــــــرات
ونظرت للأفق البعيد وحولــــه
تسري أمامك جنة الجنـــــــــــات
ووقفت تصرخ يا الهي أمتـــي..
فيجيب رب الخلق بالرحمـــــــات
لم تنس أمتك الحزينة كلمــــــا
هرعت جموع النــاس بالدعـــــوات
وسألت رب الكون هذا حالـهم
فقر.. وجوع.. وامتهان طغــــــــاة
يارب هذي أمتي مغلوبــــــــــة
ما بين حكم جــائــر.. وغــــــزاة
الركب ضل وشردته عواصـــف
بالعجز.. والطغيــان.. والنكبــات
جمعتهم في كل شــيء كلمــــــــا
نادي المــــؤذن داعيــا لصــــــــلاة
والآن صاروا في الحياة بلا هدي
تبدو عليهم سكــــرة الأمـــــــــوات
أنا في رحابك جئت أحمل أمــــة
ماتت علي أطلالهــا صرخــاتـــــــي
والحاقدون علي الضلال تجمعوا
والأمة الثكـلي فلــــول شتــــــــــات
في الكعبة الغراء وجهي شاخــص
تتسابق الصلــوات في الصلــــــوات
والناس في الحرم الشريف توافدوا
ضوء الوجوه يطـوف في الساحــات
الله أكبر والحجيـــــــــــج مواكب
من كل لون قـــادم ولغــــــــــــــات
الله وحدهم علي وحي الهـــــــدي
رغم اختلاف الجنــس واللهجــــات
جاءوا فرادي يحملون ذنوبهــــــم
ويفيض صفـــح الله بالنفحـــــــــــات
حين أستوي الرحمن فوق عبـــاده
العفو كان بدايـــــة الرحمــــــــــات
يارب فلتجعل نهاية رحلتــــــــي
عند السؤال شفاعتـــي وثباتــــــــــي
أنا في رحابك جئت أحمل توبتـي
خجلان من شططــي ومن زلاتـــــي
أنت الغفور وكان ضعفي محنتي
وعذاب قلبي كان في هفواتـــــــــي
أشكو إليك الآن قلة حيلتـــــــي
وهوان عمري.. حيرتي وشتاتــي..
تتزاحم الأيام بين خواطـــــــري
ما بين ذنب حائـــر وعظــــــــــات
يارب سيرت القلوب مواطنــــــا
للحب.. فأغفر يا كريــم هنـاتــــــي
قد كان ذنبي أن قلبي عاشـــــــق
فأضعت في عشق الجمال حياتــي
أنت الذي سطرت قلبي غنـــــوة
للعاشقين.. وهذه مأســـــــــاتـــــــي
أغفر ذنوب العشق إن جوانحـــي
ذابت من الأشــواق والعبــــــــرات
والآن جئتك بعد أن ضاق المــدي
واثــاقـلـت في رهبة خطواتـــــــــــي
ندما علي عمر تولي ضائعــــــا
أم خشية من طيف عمــــــــــر آت
أسرفت في ذنبي وبابك رحمتــي
ولديك وحدك شاطـئي ونجاتـــــــي
"من قصيدة على باب المصطفى سنة 2010"
الأهرام
إرسال تعليق