كتبت - شيماء عيسى
ببساطة ستجد نفسك متورطًا في قراءة هذه الرواية! سوف تحاول أن تجد خيطًا يومض فى هذه المساحة السوداء التى تسيطر على غلاف الرواية وتتداخل مع قسمات الوجه الذى استطاع أن يواجه عينيك بنظرة ثاقبة فتبحث فيها عن رسالة ما يريد أن يطلعك عليها.
هكذا تقدم دار “كيان” لرواية “النمروذ” ، ويؤكد الناشر : سوف تجد نفسك حائرًا بين “النمروذ” وبعض ما أراد الكاتب أحمد صلاح سابق أن يطلعك عليه من ملامح حول حياة الشاب الذي أصيب بفتور تجاه كل ما حوله بمرور الأشهر والسنوات، بحثًا عما يجمع بين الاثنين، هذا الشاب، وقصة “النمروذ” الذي جمع جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس، وأرسل الله عليهم باباً من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس، وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم وتركتهم عظامًا بادية، ودخلت واحدة منها فى مخنري الملك فمكثت في منخريه أربعمائة سنة، عذبه الله بها فكان يضرب رأسه بالمزارب فى هذه المدة كلها حتى أهلكه الله.
رحلة مشوقة مليئة بالغرائبية تزدحم فيها الأحداث وتتشابك التفاصيل وتتلاحق فلا تترك للقارىء إلا المضي في القراءة ليتتبع مسيرة عائلة “الجارحي” التى استطاعت أن تتخذ من عالم الإجرام سلمًا يمكنها من الصعود إلي أعلى القمم فى ربوع مصر، وشاب ينشأ فى هذه العائلة فيجد كل شيء أمامه، حيث الفوضي وما تحمله من دلالات صارخة بين الطموح الشاهق والانحدار الساحق والتجبر والتخاذل وازدراء الآخرين وتدنى احترام الذات، شاب لم يعد ثَمَّة شيء يستحثه أو يدهشه أو يخيفه. انعزل عن العالم المحيط في كبسولة محكمة، لم يعد يسمع فيها إلا صوت أنفاسه قادمة من بعيد، عبر مواسير طويلة، بتردد عميق وبطئ. مضى في حياته ينقرها نقر الغراب، ويتلفت فيها التفافة الثعلب إذ يعلم أنه مُطارد، وخاض حالةً ممتدةً من المناورات الخطيرة والتركيز الشديد وضبط العواطف، متحريًا الحذر في كل أحواله، مراقبًا الناس في سره وعلانيته، محاسبًا نفسه علي السقطة واللقطة. أعوام مرَّت عليه في حصر وضغط، فصار يُحدِّث نفسه كل ليلة: “كل يوم قضيته طليقًا، هو يوم غلبتهم فيه. كل وجبة طيبة أكلتها، هي وجبة لم ينتزعها مني أحد. كل نفس استخلصته من الهواء، هو نصر سلبته من الدنيا.”
وبلغةٍ آخاذة وأسلوب شيق يتابع القارئ رحلة عصيبة لهذا الشاب وكل الشخصيات التى تنمو حوله فكل من يلقيهم القدر في طريقه بالسلب - أو تنكمش - في دوَّامة تنازليَّة تودي بهم جميعًا إلى قعرٍ معتمٍ عميق.
تبدأ الرحلة عندما يسطير الموت على كل ما يحيط بــ”حسين حربي” على زوجته، التى دخل عليها الغرفة ووجدها بين يدي أربعة رجال، دار بينه وبينهم صراع طويل وقاس من أجل البقاء، حادثة أيقن جيدًا أنها لم تكن عشوائية، بل كان كل شيءٍ معد سلفًا، ولهدف معين كما يفصح الراوي العليم، حينما يأتى إلي “حسين” رجل يحثه على الأخذ بالثأر في نفس الليلة ويمده بكل ما يحتاج من أجل اتمام المهمة التى ما كان ليتحرك لاتمامها لولا أن تعرض لصدمة مزلزلة تقلعه عن جذوره.
وبلغة مكثفة وشيقة، يجذب الكاتب القارئ إلى تفاصيل حياة “حسين حربي” المقدم الحاصل على درجة الليسانس فى القانون والشرطة والذي كرمه رئيس الجمهورية منذ أحد عشر عامًا ضمن دفعات التخرج من كلية الشرطة، وحصل على نوط الامتياز من الدرجة الثانية، وعمل فور تخرجه في مكافحة الإرهاب بجهاز أمن الدولة، والتحق بالإدارة المركزية لإنقاذ الرهان بإدارة العمليات الخاصة، وخاض الكثير من العمليات الخاصة أثبت فيها مهارة فائقة، ثم تولي دورًا تنسيقيًا بين الإدارة العامة لمكافحة المخدرات ومكتب مكافحة المخدرات الأمريكي بالقاهرة، ثم أنشئت وحدة خاصة، وهي قناة اتصال وتنسيق بين الإدارة العامة لمكافحة المخدرات تتألف من ثلاثين شخصًا، مستشارون وخبراء وباحثون وضباط، تولي رئاستها اللواء محروس عسل مساعد أول وزير الداخلية لقطاع الأمن، وتولى حسين حربي نيابة الرئاسة بفضل توصية وقحة ومباشرة من شخصية كبيرة جدًا فى وزارة الداخلية، تجاوزت به جمعًا كثيفًا من الضباط الأكفاء أصحاب الرتب الأعلى.
وبقرار من وزير الداخلية أفرد للوحدة مبنى من ستة طوابق على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي، ضرب حوله إطار أمنى مكثف، وأصبح لنائب رئيس الوحدة فيه – وهو حسين حربي – مكتب خاص وسكرتارية وخطوط اتصال مباشرة بعدد من مساعدى وزير الداخلية، وفي هذا المبني يسعي الموظفون بين حجراته ومعداته المتقدمة كسعى النحل بين خلاياه، في درجة من الضغط مضاعفة، وعالم موازي من اليقظة الفائقة.
تلك هي الصورة الواضحة للمقدم حسين حربي، لكن الرواية تكشف بين ثناياه بأسلوب شيق ومثير عن علاقة حسين حربي بالحاج جوهر الجارحي، والمثياق الغليظ الذي أبرم بينهما منذ أن في العشرينات من عمره، وكيف أصبح عينًا لــ “جوهر الجارحي” مع أول خطوة له على أرض أكاديمية الشرطة، ودوره فى جمع المعلومات لسيده الأول – جوهر الجارحي – بعدما تعلم وأتقن جيدًا معالجة الوثائق والتصوير والتسجيل والتسلل وزرع أجهزة التنصت فى دهاليز وزارة الداخلية بحثًا عن البيانات السرية للغاية، ليبعثها بطرق تعلمها إلى للتنظيم الإجرامي المسلح فى جبال الصعيد.
كل هذا وأكثر يكشف أحمد صلاح سابق عبر شخصيات روايته المثيرة والشيقة بأسلوب وبناء روائي متماسك وعبارات أشبه بالطلاسم ما أن تقرأها ستجد نفسك أحد شخصيات هذه الرواية مجبرًا على متابعة مصيرها، كما يقول “كل عنه كل يوم قضيته طليقًا، هو يوم غلبتهم فيه. كل وجبة طيبة أكلتها، هي وجبة لم ينتزعها مني أحد. كل نفس استخلصته من الهواء هو نصر سلبته من الدنيا”.
أحمد صلاح سابق، مهندس معماري ومصمم جرافيك ورسام، تخرج في كلية الهندسة، جامعة القاهرة، وعمل مهندسًا ومصممًا فى عدد من ستوديوهات التصميم المصرية بالقاهرة وبودابست ولندن.
إرسال تعليق