Home » » مصطفى الغزاوي يكتب : الثورة المصرية.. الاختطاف والتفريط والخندقة

مصطفى الغزاوي يكتب : الثورة المصرية.. الاختطاف والتفريط والخندقة

رئيس التحرير : Unknown on الثلاثاء، 23 أكتوبر 2012 | 8:23 ص




مصطفى الغزاوي


تدور في مصر حوارات حول كيف يمكن الحيلولة دون مواجهة دامية بين أطياف الوطن الواحد؟

طرح السؤال في حد ذاته يحمل دلالة انسداد مسارات التفاهم والرؤى والحوار للاتفاق على طبيعة المرحلة الانتقالية ومهامها، خاصة أنها مرحلة طالت وجرى فيها من الوقائع والدماء ما يؤكد أن السمة الأساسية في مصر بعد الثورة هي الصدام وليس الوفاق، وأنه جرى الانقلاب الفعلي على الثورة، وانقسم المجتمع إلى من يريد استكمال التغيير بتحقيق حاجاته المباشرة، ومن يحاول تثبيت أركان السلطة التي تولت أعقاب تخلي مبارك عن السلطة، واستقر الأمر تجاوزا في توصيف الصراع أنه بين قوى مضادة للثورة، وكان تحديدها ممكنا حصرا، وتحددت في المجلس العسكري والإخوان والداخلية والسلفيين وبقايا النظام السابق بكل مراكز الدولة وعناصر الرأسمالية التي ارتبطت مصالحها ونشأتها بتزاوج السلطة والثروة، وبين قوى الثورة وكان تحديدها مشوبا بالضبابية، فهم شباب الثورة تارة، وهم أصحاب المصلحة تارة أخرى، ولكن يمكن القول إنهم من رفضوا هزيمة إرادة الشعب التي تجلت خلال الأيام الأولى للثورة، وقبلوا بالتضحية والاحتشاد وتحملوا كل حملات التشويه والقتل والغواية، كانوا يدفعون الثمن، لتعود النتائج إلى عناصر معسكر الانقلاب على الثورة.

عندما وجد الشعب أن وطنه من دون إدارة قادرة للبلاد، وأن ثورته بلا قيادة أو تنظيم، تحمل بمبادرة منه مسؤولية الأمن المباشر للمنازل والأهالي، وكان هذا أقصى ما يمكن فعله بخبرته، ولكن هذا الفعل فتح باب الثقة في الإجابة على سؤال كان يتردد كلما كانت تلوح في الأفق احتمالات مواجهة مع العدو الصهيوني: ماذا سيفعل الشعب؟، وبتلقائية حول الشباب والرجال الشوارع والميادين إلى مربعات دفاعية، وكان كل قطاع يسلم المارين من سيارات أو أفراد للقطاع التالي له. مشهد اللجان الشعبية ومشهد حركة العشرين مليون مصري في الشوارع دون أي جريمة تذكر أو انفراط لعقد الوطن، كان رسالة إلى إسرائيل وإلى أمريكا، وكان نقطة انقلاب في طبيعة أي صراع قادم يتهدد مصر الوطن.

تقدير الموقف وفرز القوى صدق مع النفس ولا يقع تحت إرهاب أنه "شيطنة" للآخر، فالثورة حاسمة، فهي علم تغيير المجتمع، ومعيار الفرز لديها من يحقق أهدافها الشعبية ومن ينقلب عليها أو يختطف الإجراءات لصالح أهدافه الخاصة.

والصدق مع النفس أيضا يدعو إلى التسليم بأن السيناريوهات الأمريكية استطاعت أن توفق أوضاعها بعد استيعاب المفاجأة التي مثلها تحرك الشعب المصري، فإذا كانت طبائع الشعب المصري لم تتوقع منها أمريكا هذا التحرك، ولكن القدرة على إعادة تشكيل الموقف الأمريكي نجحت في التقاط طرف خيط السيناريو المواجه لثورة الشعب المصري، تغنت بما حدث وأنه درس للشعوب، وسارعت إلى وضع اللبنة الأولى لمخططها، وهو إعلان ضرورة الإسراع بتسليم "العسكر" للسلطة إلى حكومة مدنية. لم تكن أمريكا تقامر بإعلانها هذا، ولا كانت تبحث عن فضيلة الديمقراطية، ولكنها كانت تتحرك بناء على تحليل للقوى داخل المجتمع وإمكاناتها وقدراتها.

حدد السيناريو الأمريكي الهدف الرئيس بالحيلولة دون تكرار ما حدث ثانية، وأن ما حدث لا يحقق نتائج تمكن الإرادة الشعبية المصرية من سلطة القرار، وكان الهدف المباشر للسيناريو هو منع امتلاك الحركة الشعبية للقوة المنظمة الوحيدة في الدولة وهي القوات المسلحة، ولأن ذلك سيدعم وجود الجيش المصري وقدرته على التطور بالزخم الشعبي الناتج من الثورة، وهو أمر مناقض لهدف أمريكي إسرائيلي يستهدف تغيير العقيدة القتالية للجيش وتحويله إلى مقاومة للإرهاب وليس جيشا لحماية الوطن والدفاع عن مصالحه في الإقليم ومناطق المصالح المباشرة لمصر.

لم يستوعب المجلس الأعلى للقوات المسلحة المعني السياسي لثورة الشعب المصري، وقاد عملية الانقلاب عليها واختطافها، سواء بإرادته أو تسليما لدور وضعته الرؤية الأمريكية، وهو يستدعي سؤالا لم يطرح من قبل بشقيه:

أولا: لماذا جرى اختزال الثورة في تعديلات دستورية لتداول السلطة دون إدراك لدلالات أهداف الثورة في "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"؟

ثانيا: لماذا اختير المستشار طارق البشري رئيسا للجنة التعديلات وليضم إليها عناصر الإخوان دون القوى الأخرى؟

قد يرد البعض بأن هذا هو الاتفاق بين عمر سليمان رئيس المخابرات الأسبق وبين الإخوان، ولكن ألم يكن هذا الاتفاق ضمن سياق بقاء النظام وتفريغ الميدان من المعتصمين وليس ضمن سياق إسقاط رأس النظام وكذلك عمر سليمان؟

ثم لماذا رشح عمر سليمان نفسه لمنصب رئيس الجمهورية، ولتتضمن أوراق ترشيحه خطأ لا يفعله إنسان عاقل بأن تنقص أوراقه 31 ورقة عن شرط العدد؟

ولماذا جرت محاولة اغتيال عمر سليمان، ولم يفتح فيها تحقيق حتى الآن؟

ومازال السؤال المتردد في مصر، هل كانت وفاة عمر سليمان طبيعية أم أنه قتل؟

وإذا كان عمر سليمان قد غاب بالوفاة، فهل عملية إخراج حبيب العادلي من وزارة الداخلية بعد وقائع يوم 28 يناير 2011 هي عملية اعتقال قتل فيها عدد من أفراد القوة القائمة بالاعتقال وهم من المخابرات، أم أنها كانت عملية إنقاذ له من حصار المتظاهرين لمبنى الداخلية؟ ولماذا لم يتم التحقيق في هذا الأمر؟

نعبر كافة الوقائع التفصيلية لنصل إلى واقعة الهجوم على معبر رفح والذي راح ضحيته 16 ضابطا وجنديا مصريا في رمضان الماضي والتي أعقبها إقالة المشير طنطاوي والفريق عنان وبالتالي تفكيك المجلس العسكري.

شهدت سيناء قبل هذا الهجوم هجمات من جماعات إسلامية مسلحة وكانت دعوتها تحويل سيناء إلى إمارة إسلامية، والسؤال من دفع بهذه الجماعات ووفر لها التمويل والسلاح، ووفر لها نقاط ارتكاز للقفز إلى سيناء؟ وما دور الدول المحيطة وإسرائيل في هذا الاختراق؟

كانت هذه العمليات تلزم القاهرة، وكافة العناصر والتيارات فيها، أن تكون قراءتها للوقائع والعناصر والجغرافيا واحتمالات الخطر قراءة واحدة، ولكن الحقيقة أنها لم تكن كذلك، ولم نعرف بعد أوجه الاختلاف وماذا كانت المواقف في حينها؟

كان الموقف في القاهرة صراع على السلطة، وكان الموقف في سيناء صراع سلاح ودم. كانت المظاهرات في القاهرة تنادي بسقوط حكم العسكر، وكان الجيش مطالبا بمواجهة الجماعات المسلحة في سيناء. وكان تنظيم الإخوان صامتا على كافة المواجهات بين الجيش والمتظاهرين في القاهرة، وينتظر تنفيذ أجندة البشري الأمريكية لتسليم السلطة.

حسم الفقر والتكفير الديني كافة جولات التصويت، وبديلا عن حماية الوطن من انطلاق آلة العنف المسلح، جرى تصفية الصراع على السلطة في القاهرة، وضرب المجلس العسكري، وضرب معه الإعلان التكميلي، وأيضا التعهد الذي أعلنه طنطاوي باسم الجيش أنهم لن يسمحوا بتمكين جماعة أو تيار واحد من أمر الوطن، رغم أنهم لم يفسروا كيف سيحولون دون ذلك؟

تم الانقلاب على الثورة بعزل الجيش عن الشعب، ثم إخراجه من معادلة القوى في المجتمع.

الأوضاع في مصر انتقالية ولا تؤسس لسلطة دولة، قد تتسلل جماعة إلى مراكز القوة والسيطرة ولكنها أمور مؤقتة وغير مستقرة ولا جذور لها، والحديث يتزايد عن همهمة داخل المؤسسة العسكرية وداخل جهاز الشرطة تحمل رفضا لما يجري.

المجالس النيابية والرئيس المنتخب هي ترتيبات في إطار المرحلة الانتقالية ومهمتها الوحيدة وضع الدستور وليس إعادة تشكيل الدولة، ومحاولات إضفاء الشرعية عليها هي استدعاء للصدام داخل المجتمع، تجلى في جمعة 12/10 وأكدت جمعة 19/10 أن الموقف السلبي للجيش والشرطة من أي صدام قادم حال دون تكرار وقائع العنف وأدى لغياب جماعة الإخوان عن الميدان.

جذوة النار مازالت تحت الرماد، والاختطاف والتفريط والخندقة يعجلان من إشعاله"الشرق القطرية"
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق