الأناضول:اختتم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري زيارة للقاهرة استمرت يومين، حمل خلالها عدة رسائل لكافة الأطراف اللاعبة في الحياة السياسية المصرية، استهدفت بشكل خاص طمأنة المعارضة والتأكيد على شرعية النظام القائم وأخيرا وقوف واشنطن على مسافة واحدة من الجميع في ظل أجواء مشحونة تتخللها أعمال عنف.
كيري جاء إلي القاهرة رافعا شعار "جئت لأسمع" حيث التقي ممثلين عن المعارضة والمجتمع المدني وحقوقيين ، بجانب اجتماعات رسمية مع نظيره المصري محمد كامل عمرو والأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي ثم وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي وختاما برئيس الجمهورية محمد مرسي ومدير المخابرات اللواء رأفت شحاتة.
خبراء سياسيون اعتبروا أن لقاءات كيري مع كافة القوي الفاعلة في الحياة السياسية المصرية والمحتمل أن تكون فاعلة في الفترة القادمة جاءت حاملة رسائل تقول "يدنا ممدودة للجميع".
وأشاروا إلى أن الزيارة جاءت بهدف التعرف عن قرب لما يحدث في مصر ومحاولة تحقيق درجة من التوافق والاستقرار الذي ينعكس علي المصالح الأمريكية بالمنطقة، معتبرين أن موعد الزيارة جاء في وقت ترسم فيه الولايات المتحدة ملامح سياسية خارجية جديدة اتجاه منطقة الشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي وتغير الأنظمة في تلك الدول.
مدحت الليثي المدير التنفيذي لمركز الحضارة للدراسات السياسية في القاهرة قال إن "موعد الزيارة جاء في لحظة تتجدد فيها السياسية الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط خاصة مع تولي كيري لحقيبة الخارجية"، والمعروف بأنه "شخصية نصف معتدلة ونصف متشددة" تجاه الشرق الأوسط.
وأشار الليثي إلى إن العلاقات المصرية الأمريكية لم تشهد تغيرا كما كانت قبل الثورة المصرية وذلك مع النظام الرسمي إلا أن واشنطن تحاول بسط يدها لكافة الأطراف الفاعلة في العملية السياسية وهو نهج برز بعد ثورات الربيع العربي في محاولة لضمان استمرار علاقات قوية مع كافة الأطراف.
هذا الرأي عززته تصريحات كيري خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره المصري أمس الأحد حيث قال فيه "أتيت هنا بالنيابة عن الرئيس باراك أوباما كصديق للشعب المصري وليس حزبا واحدا أو شخص واحد أو مجموعة معينة"، وبدا ذلك التصريح بمثابة رد على اتهامات المعارضة الليبرالية واليسارية لواشنطن بمساندة جماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي المنتمي إليها. في المقابل، بدت إشادته بالدستور الجديد لمصر باعتباره يضمن الحريات بمثابة اعتراف ضمني بشرعية النظام القائم، بحسب المصدر نفسه.
وأشار الليثي كذلك إلى أن وزير الخارجية الأمريكي بعث بعدة رسائل جميعها كانت رسائل احتوائية وطمأنة وتوصية للجميع، سواء الأطراف الإسلامية الموجودة في الحكم والأطراف المدنية.
وأوضح أن كيري وجه رسائل للقوي المدنية تتضمن طمأنتهم على حرض واشنطن على الحريات وتعزيز الدعم الاقتصادي للشعب المصري وتحديدا "المشاريع الصغيرة"، وكذلك التوصية بمشاركة المعارضة في الانتخابات البرلمانية التي تبدأ في 22 إبريل المقبل، وعدم تفويت فرصة المشاركة في الحكم. ونوه في هذا السياق بتصريحات كيري التي قال فيها إن "أمامكم (المعارضة) انتخابات قادمة، ونحن سعداء بموافقة الحكومة المصرية بحضور مراقبين دوليين لضمان شفافية ونزاهة الانتخابات".
وأعلن كيري أمس أنه استمع "لحماس المعارضة والتزامهم بقيم الحرية والديمقراطية"، مضيفا أنه أبلغهم أن "ضمان الديمقراطية يكون من خلال المشاركة السياسية التي هي سلاح أقوي من المقاطعة رغم قوتها".
المدير التنفيذي لمركز الحضارة للدراسات السياسية اعتبر أن أخطر ما تضمنته زيارة كيري هي "ممارسة التدخل الناعم في الشأن المصري من خلال تضمن أجندة الزيارة لقاءات مع المعارضة والمجتمع المدني وكذلك وزير الدفاع" .
وفي هذا الشأن، قال الليثي إن زيارة وزير الخارجية الأمريكي لوزير الدفاع المصري تعد "تجاوزا للنظام الحالي" الذي اعتبره "لم يحدد أي خطوط حمراء أمام التدخلات الأمريكية ولم تعترض علي أي أداء خطابي أو لقاءات مع أطراف غير رسمية بالدولة".
وكان كيري قد أعلن صباح اليوم خلال لقاءه وقوي المجتمع المدني أن شرعية الرئيس المصري هي من فرضت على الإدارة الأمريكية التعامل معه.
من جانبه قال عبد السلام نوير أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط جنوب مصر إن زيارة كيري جاءت في توقيت تحاول أن تؤكد فيه الإدارة الأمريكية لمصر حرصها علي استقرار الأوضاع لما له من انعكاسات علي المنطقة بالكامل.
وأوضح أن كيري تعامل مع كافة القوي السياسية وأن حديثه يؤكد أن الإدارة الأمريكية منفتحة علي الجميع وليس لديها مانع من التعامل مع كافة القوي والأطراف السياسية، "الفاعلة منها الآن والمحتمل أن تكون فاعلة في المستقبل".
وبين أن "الإدارة الأمريكية منذ الثورة الإيرانية عام 1979 وهي تحذو اتجاه الانفتاح علي كافة القوي وزاد الأمر عقب الربيع العربي حيث قررت ألا يحسب تيار سياسي بعينه عليها أو تحسب هي علي أحد خشية خسارة شعوب البلدان العربية، مشددا على أنها لا ترعي في ذلك إلا المصالح الأمريكية بالمنطقة".
واعتبر نوير أن "الإدارة الأمريكية لا تريد مصر قوية وذلك حفاظا علي مصالح إسرائيل ،كما لا تردها ضعيفة بشكل يؤدي لعدم الاستقرار في المنطقة".
وأردف قائلا إن "كافة أطراف القوي السياسية لا تملك حرية التصرف في الشأن السياسي الداخلي دون أن يكون الموقف الأمريكي داعما لها خاصة أن مصر تعتمد علي المعونة الأمريكية كما يعتمد تسليح الجيش عليها كذلك وأصبحت العقيدة العسكرية المصرية مرتبطة بالمنظومة الأمريكية" .
وحول لقاء كيري والسيسي، قال نوير إن اللقاء كان بهدف التعرف على ما دار أثير مؤخرا عن الصراع بين الجيش والرئاسة ومستقبل العلاقات المدنية العسكرية، مشيرا إلى أن كيري حاول طمأنة المؤسسة العسكرية بأن الإدارة الأمريكية ليست ضد الجيش ولكنها تحترم إرادة الشعوب ونتائج الصندوق .
وكانت تقارير إعلامية أمريكية قد تحدثت في أغسطس الماضي عن رفض الإدارة الأمريكية لوجود رأسين في السلطة ودعمها للرئيس المنتخب.
وتشهد مصر موجة من أعمال العنف والاحتجاجات ضد النظام انطلقت عقب إصدار الرئيس المصري إعلانا دستوريا في نوفمبر/تشرين الثاني اعتبرته المعارضة "يكرس لحكم الفرد" وذلك قبل أن يلغيه مرسي بإعلان دستوري بديل، غير أن المعارضة وفي مقدمتها جبهة الإنقاذ التي تضم في جنباتها عدة أحزاب وتيارات ليبرالية ويسارية تمسكت بموقفها الرافض للنظام ولمشروع الدستور الذي أقر في نهاية العام الماضي داعية إلى تعديله وتشكيل حكومة إنقاذ وطني ووصلت مطالبها في بعض الأحيان إلى المطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
كما تزايدت أعمال العنف والاحتجاجات عشية الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير 2011، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى معظمهم بمدن قناة السويس الثلاثة (من الشمال للجنوب بورسعيد، الإسماعيلية، السويس).
إرسال تعليق