
بقلم / سليم عزو :
عندما طلب مني زميل أن أكتب مقالاً لمطبوعة اقتصادية، اعتذرت له، ذلك بأن علاقتي بالاقتصاد تحددها القاعدة الشهيرة الخاصة بمن لديهم قدرة على إنفاق المال دون أن تتوفر لهم القدرة على تحصيله: "الله جاب .. الله أخذ.. الله عليه العوض".
كان هذا فيما مضي، لكن صار ما يميز الناس في مصر الآن بعد الثورة، هو الحديث في أمرين كان الحديث فيهما مقصوراً على المتخصصين هما: السياسة، والاقتصاد، وعندما دعيت ضمن رؤساء تحرير الصحف المصرية، للقاء رئيس الوزراء أمس الثلاثاء، أول ما تبادر إلى ذهني أن أسأله عن الوضع الاقتصادي المصري، ولاسيما أنه بدا لي ان هناك من لا يريد أن يجهر بحقيقة الوضع، لأنه لم يحدث سوي مرة ان ذكر وزيراً سابقاً للمالية انه الوضع سيئاً، بعدها تعرض لهجوم كاسح من كثير من الناس الذين رموه بأنه من الفلول، ويعمل على دفع الشعب للكفر بالثورة، ولعل ما أخذ عليه أنه كانت له تصريحات سابقة تؤكد أن الأمور على ما يرام، وعاد بعد الهجوم لنفس تصريحاته القديمة.
المواطن المصري يئن، وبالتالي فإن أي حديث عن أن الحياة لونها بمبي لا يمكن أن يقنع أحداً، فيكفينا أن تشعر الحكومة الحالية بخطورة الوضع وأنه تكون مستعدة للتعامل معه.
وقبل اللقاء كان هناك إجماع بين الحاضرين على أن الدعوة الكريمة لرئيس الحكومة تستهدف إطلاعنا على ما اتخذته حكومة من إجراءات لرفع الدعم عن المحروقات.. وهو الملف الشائك منذ زمن النظام السابق، وأي تحريك في الأسعار كان يقلب الدنيا رأسا على عقب، وفي كل مرة يجري فيها تحريك أسعار البنزين كان النظام يضع يده على قلبه خوفاً من الثورة الشعبية، ومن ثورة الفقراء التي يبشرنا بها اليسار منذ انتفاضة الخبز في سنة 1977، التي جعلت حسني مبارك يقضي فترة رئاسته في خوف مقيم من مجرد ذكر اسم المظاهرات.
استقر في وجداني وانا ادلف الى قاعة الاجتماع أن رئيس الحكومة يريد أن يضعنا " في الصورة" ليدفعنا للوقوف معه في قرار رفع الدعم، وقد تم الحديث مؤخراً عن ضرورة تسليم "كوبونات لمستحقيه"، فالدولة بحسب ما يتردد تمول المصانع الكبري وتدعم مشروعات رجال الأعمال من خلال هذا الدعم، وهو حديث قديم ومنذ عهد السادات تثار قضية الدعم النقدي للفقراء، لكن هذا كان ووزارة القوي العاملة تقوم بتعيين جميع الخريجين، فكيف يمكن حصر الفقراء الآن وتسليمهم الدعم النقدي، وعدد المتعطلين أكثر من عدد العاملين في جهاز الدولة.
بعض الزملاء قادة المؤسسات الصحفية القومية، ظنوا أن اللقاء الذي لم يتحدد موضوعه سيكون "جلسة سمر" و"تعارف" لهذا كان قرارهم أن يفاتحوا الرجل في الأزمات المالية التي تعاني منها مؤسساتهم، ولم تكن لدي نية في أن أجاريهم فمنذ عهد المخلوع كان الدعم يذهب الى هذه المؤسسات التي هي لسان الحكم دون غيرها، وعندما قلت لهم قد يقول رئيس الحكومة ان هذا ملفاً خاصاً بمجلس الشورى، القائم من الناحية القانونية علي هذه المؤسسات نيابة عن المالك الحقيقي وهو الشعب، رددوا ما اعرفه جيدا من أن الدكتور احمد فهمي رئيس الشورى لا يبدو ملماً بمشاكل هذه المؤسسات وليس لديه استعداد لأن يلم بها، ولا نعرف ما إذا كانت قراءة الصحف ضمن اهتمامات الرجل قبل أن يصبح المالك لها أم لا؟.. فضلا عن أنهم قالوا إن هذه المشكلات تحتاج إلي قرار سيادي يملكه رئيس الحكومة ولا يملكه سواه، ولدي شك في أنه مشغول هو نفسه بالصحافة أو الصحفيين إلا من خلال ما ينشر عنه مدحاً او قدحاً، وربما يري أن الحياة ستكون أجمل بدون الصحافة والصحفيين.
دخلنا القاعة، وجاء رئيس الوزراء وصافحنا فرداً فرداً، ثم تحدث قليلاً عن حال الاقتصاد المصري، على نحو دفعني لأن أسطر ملحوظة في أوراقي أؤكد عليها عندما يعطيني المجال، وهي لماذا لم يصارح الناس بحقيقة الأزمة الاقتصادية بدلاً من الضحك على الذقون!.
لكني تراجعت عندما أعطي الكلمة لوزير التخطيط، الذي تحدث وأعطانا "جرعة نكد" بحسب قول زميلنا خالد صلاح رئيس تحرير "اليوم السابع"، وسيطرت علي الجلسة حالة من الكآبة، وكنا كمن يعلم أنه مريض لكنه مع هذا اكتئب عندما صارحه طبيبه بحقيقة مرضه، لكن بدت لي المشكلة أن طبيبنا عندما فعل هذا طلب منا معشر المرضي أن نقول له كيف يتصرف؟!
طلب منا وزير التخطيط أن ندلوا بدلونا بحثا عن حلول للازمة الاقتصادية، بشكل بدا فيه أنه لا خطة للحكومة التي قال رئيسها قبل قليل أنها لا تزال حكومة انتقالية وكنت أظن أن الحكومات الانتقالية انتهي زمانها بانتخاب رئيس الدولة.
كان المفروض أن يتم إعلان خطة الحكومة لمواجهة الأزمة لنناقشها دون أن يكون معروضاً علينا أن نخترع حلولاً بالنيابة عن الحكومة، وعندما قلنا وأين خطة الحكومة ..كان الرد الخطة موجودة لكنهم يريدون الاستماع إلينا ضمن هذا الحوار المجتمعي.
لف رئيس الحكومة ودار حول دعم الوقود.. وكذلك فعل وزير التخطيط، على نحو شعرت معه أنهم يرسمون لنا الطريق لأن نقول ما يريدون فعله، وقد قلت إن المطلوب منا أن نطلب نحن برفع الدعم، على طريقة: قالوا ولم نقل.. وقد يتم النظر الى اقتراحاتنا باعتبارها تعبر عن نبض الشعب، فاتهم انه اذا ثارت الجماهير احتجاجاً على ذلك فسنردد العبارة الشهيرة: "يا موت منك لصاحبك" فالحكومة هي التي اتخذت القرار!.
قالت فريدة النقاش رئيس تحرير "الأهالي" ما قاله سعد هجرس رئيس تحرير "العالم اليوم" أن الحكومة تسير على خطى النظام السابق في حل الأزمة الاقتصادية، متجاهلة أنها جاءت في أعقاب ثورة وعلاج الاقتصاد المصري يكون بالثورة وليس بالإصلاح على ذات القواعد القديمة. وقالت فريدة إن الحكومة اختزلت مشكلة الوقود في "أنبوبة البوتاجاز" الخاصة بالفلاحة التي تعيش في أقاصي الصعيد على حد الكفاف، فتري ان حل الأزمة الاقتصادية يكون رفع الدعم عنها، وقالت ان الحكومة كشفت عن انحيازاتها، فهي تنحاز للأغنياء مثل سائر حكومات عهد ما قبل الثورة، وانزعج الدكتور هشام قنديل من هذا القول وذهب يدافع عن انحيازات حكومته والتي هي الفقراء، مشيراً إلى أنه لن يرفع الدعم عن الخبز المدعم دون أن يجيب عن سؤال حول أين هو هذا الرغيف، الذي اختفي في ظروف غامضة؟.
إن الحكومة تتحايل على تطبيق الحد الاقصى للأجور، ويكفي أن نعلم أن ما يتحصل عليه رئيس مجلس الشوري "منزوع الصلاحيات"، وصهر رئيس الدولة، في أول كل شهر هو 750 ألف جنيه، وهي نفس مخصصات صفوت الشريف لم يتنازل عن مليم واحد، وأن زعيم الأغلبية "الإخواني" السيد علي فتح الباب حصل على جميع مخصصات زعيم أغلبية الحزب الوطني في المجلس بما في ذلك سيارته، مع أن القانون أو لائحة المجلس لا ترتب له أية امتيازات!.
نحن نعلم أن مصر تعاني أزمة اقتصادية طاحنة، لكن المرعب أنه لا يوجد لدي الحكومة برنامج للحل، فقد كانت خطة الإخوان في السلطة تقوم على انهم بمجرد ان يحكموا سوف تفتح لهم خزائن الدول الصديقة والحليفة، وكأنها "مغارة علي بابا" ليجدوا أمامهم ذهب وياقوت ومرجان، لكن الواقع لم يكن كما حلموا.
لقد خرجت من اجتماع رئيس الوزراء محبطاً ومهموماً.
كاتب وصحفي مصري
إرسال تعليق