Home » » نواصل نشر..مذكرات ناشر مصري (3) بقلم : أحمد منتصر

نواصل نشر..مذكرات ناشر مصري (3) بقلم : أحمد منتصر

رئيس التحرير : Unknown on الاثنين، 21 يناير 2013 | 5:58 ص



بقلم : أحمد منتصر

يجبرني ضميري على مواصلة كتابة هذه المذكرات الحارقة للكثيرين لما رأيته من فساد الوسط الثقافي مثله مثل أي قطاع اقتصادي فاشل في دولتنا المتخلفة. لا تنس أننا في ذيل الدول المتخلفة اقتصاديًا والدول التي يعاني فيها الفن سواء الكتابي أو السينمائي أو الموسيقي من الكبت وقلة فرص الظهور وبالتالي عدم التواجد بقوة على الساحة العالمية. كما أننا في مقدمة الدول من حيث انعدام الشفافية وعدم شيوعية المعلومات. بالتأكيد وفر لنا الإنترنت بعض المتنفس لإتاحة المعلومات للجمهور. ولكن حتى الآن مازلنا نعاني من الفشخرة الفارغة والتافهة فإذا سألت أغلب الكتاب عن تكلفة نشر كتبهم قالوا: نشرت لنا الدور الفلانية بالمجان. وإذا سألت كاتبًا كبيرًا عن حجم مبيعاته قال: بعت آلاف النسخ. وكل هذا كذب إلا حالات تعد على أصابع اليد الواحدة كل عام.

من هنا فلما تيجي إنت كراجل مستثمر سواء ناشر أو كاتب تدخل السوق بناء على الإشاعات السابقة المضللة والأرقام غير الحقيقية المذاعة في السوق. فإنك ستصاب بخيبة أمل كبيرة. فمثلا لو إنت كاتب شاب وسالف فلوس نشر كتابك وحاطط إيدك على قلبك وبتتمنى كتابك يبيع فتفاجأ في 90% من الحالات إن كتابك مبعش أو في 10% من الحالات إن كتابك باع 100 نسخة فقط على مدار سنتين تلاتة. أكيد غالبًا حتيأس وتبطل كتابة زي حالات كتيرة جدًا لكتاب موهوبين جرالهم كده ذكرنا بعضهم سابقا وسنذكر حالات أخرى بالتفصيل ف المستقبل.

هل تعلم إن الكتاب لو باع ف فرجين عشرين نسخة ف أسبوع امتحانات ولا رمضان بيتحط ف كورنر الكتب الأكثر مبيعًا؟. هل تعلم إن أغلب الكتب ف فرجين اللي ضمن الأكتر مبيعا بتبقى كده لأن الناشر أو الكاتب راح بنفسه اشترى نسخ أو بعت حد من طرفه يعمل كده؟. وعندي شهادات من مصادر موثوقة إن بعض الكتاب الكبار أو اللي بيتقال عليهم كبار بيشتروا طبعات كاملة من كتبهم أو يعملوا طبعة للأصدقاء والدعاية والطبعة التانية تنزل المكتبات. ولا ننسى فضيحة يوسف زيدان في رواية النبطي مع الشروق عندما فوجئنا بطبعة تانية بتاريخ مستقبلي (كنا مثلا ف فبراير والطبعة بتاريخ أبريل). هل تعلم إن عرض الكتب أساسا ف فرجين مش مربح لأن بياخدوا نسبة ما بين 60% و70% على المبيعات يعني لو الكتاب سعره 10 جنيه وبعت هناك 100 نسخة يبقى حتاخد 300 أو 400 جنيه بس هع هع وشوف بقى الناشر محددلك نسبة كام من المبيعات. 
رحت فرشة جرايد جنب البيت قلت أنزل فيها تلات نسخ من كل إصداراتي دعاية اديت الفرشة الساعة سبعة الصبح بعد نص ساعة اتصل بيا وقاللي: بعت تلات نسخ من رسائل إلى الرئيس هاتلي كمية هع هع والله الفرشات دي أحلى بيع بس المشكلة لازم تبقى على راس صاحبها كل أسبوع عشان مينصبش عليك..

نتيجة كثرة الانتقادات لدار اكتب. قام أحمد مهنا وأصدقائه بتأسيس دار دون بعد معرض الكتاب 2009. واستبشرنا خيرًا إلا أن مهنا كان يطبع مع يحيى هاشم وعرض معه كتب دون بمعرض الكتاب 2010. وشاع بين المثقفين والنشطاء أن دار دون ما هي إلا شقيقة لدار اكتب. ثم واحدة واحدة بدأت دون في الاستقلال عن اكتب آخذة معها مشروع مدونات مصرية للجيب والذي صدرت منه ثلاثة أعداد وتوقف لأسباب سنستعرضها لاحقا. وتميزت دون بشبكة أقوى في التوزيع على أرض الواقع عن اكتب وعدم النشر لأي حد كما كان يفعل يحيى هاشم.

وكان آخر لقاء بيني وبين يحيى هاشم وطارق عميرة في معرض الكتاب 2009 في أوج تألق يحيى هاشم وآخر عام ناجح لدار اكتب بصفة عامة قبل مرحلة الهبوط المؤسف. كانت دار اكتب وقتها قبلة الشباب المثقف حيث كانت دار ليلى تهتم فقط بالنشر لشلة محدودة انبثقت من المؤسسة العربية الحديثة ومشروع روايات مصرية للجيب. كنت أجلس مع يحيى هاشم في جناحه بمعرض الكتاب فاستأذن يحيى لقضاء بعض شأنه وتركني وحدي أستقبل الجمهور. جاءت فتاة رقيقة وسألت عن مجموعة محمد الغزالي حفيد الشيخ الغزالي القصصية فقلت لها: خلصت. ردت في انبهار: واو الطبعة خلصت هع هع.

كان محمد الغزالي قد أثار جدلا واسعًا بمجموعته القصصية والتي شتمها الكثيرون وقال أحمد خالد توفيق إنها فاشلة. ولكن على جانب آخر كانت المجموعة رائجة جدًا واتعمل منها طبعة واتنين وتلاتة باين كمان. ما عرفته بعد ذلك أن جودة الكتاب الفنية ليست الدافع لشهرة الكاتب وتربعه على عرش المبيعات. بل علاقات الكاتب وأصدقاءه الجدعان الذين يشترون نسخًا من كتابه بل وبعض الأصدقاء يشترون عدة نسخ تشجيعًا للكاتب. جاء يحيى بعد قضاء شأنه فعاتبته مدونة لا أعرف اسمها على النشر لأي حد. ثم ظهر طارق عميرة مدير دار إنسان حاليًا برفقة صديقة كانت منبهرة للغاية بيحيى هاشم وترافقه أينما ذهب حتى كثرت الحكايات عنهما.

المهم أني ويحيى وطارق جلسنا في محاولة لتصفية سطح الخلاف الذي نشأ. قال يحيى: شكل منتصر زعلان مني جدًا. وقال طارق: لا منتصر قلبه طيب ولا زعلان ولا حاجة. بينما أنا لم أنبس ببنت شفة في محاولة لقراءة الموقف ككل وقتها ولكني فشلت. كيف يحقق الغزالي الفاشل على المستوى الفني أعلى المبيعات؟ من أين سأدبر مصاريف سجائري ونفقاتي الشخصية طالما لم أعد أعمل بدار اكتب؟ ثم اختلست نظرة للصديقة الجميلة ونسيت ما كنت أفكر به هع هع. كنت ذاهبًا كالعادة على نفقة نبع الفلوس الذي لا ينصب قصدي لا ينضب أبدًا طارق عميرة.

وفي طنطا.. قام طارق عميرة بتعيين محمود حنفي مديرًا لتوزيع المحافظات. كان حودة شعلة نشاط يسافر كل أسبوع سفريتين وساعات تلاتة. شبين الكوم قويسنا دمنهور بنها المحلة المنصورة الزقازيق وهكذا. كان يقبض من طارق 750 جنيه بجانب بدل السفر. ولكنه قام بمجهود وشغل جبار حيث عرض كتب دار اكتب بييجي عشرين مكتبة خارج القاهرة وإسكندرية. أما أنا فكنت شاب غلبان يقتات على مصروف والده مع بعض الفلوس من هنا وهناك من التصحيح اللغوي لكتب بعض الصحفيين القاهريين. وبدأت أنا وطارق نؤسس لما عرف بالصالون الأدبي الطنطاوي. والذي كان مشروعًا ناجحًا للغاية جعلنا نفكر في استثمار نجاحه في مشروع أكبر اسمه دار إنسان.

في الصالون الأدبي الطنطاوي والذي كان كل أسبوع وكان أمتع لحظات حياتي استضفنا العديد من المواهب الشابة. مثل المطرب محمد محسن قبل شهرته العريضة الآن. والكاتب المبدع محروس أحمد. والكاتبة ريم جهاد والتي توقفت عن الكتابة بسبب نشرها مع يحيى هاشم. والقاص الرائع أسامة أمين ناصف والذي توقف عن الكتابة بسبب نشره مع طارق عميرة. والمدون الرائع محمد الوكيل الذي كان يكتب محاضر جلسات الصالون كل مرة بصورة رائعة. وغيرهم الكثيرين مما لا تسمح الذاكرة باستحضار أسمائهم ولكن بقت آثار تواجدهم عطرة في نفوسنا. أكد لنا الصالون الأدبي الطنطاوي أنه لا حكر للقاهرة على الثقافة. وأنه بمقدورنا تفعيل دور المدن المنسية ثقافيًا. بشرط اتفاقنا واجتهادنا. وبالفعل استمر الصالون الأدبي الطنطاوي لمدة عام بصورة أسبوعية. ثم ظهر صالون أحمد خالد توفيق في طنطا برعاية الصديق أحمد رسلان وأقيمت منه تلات جلسات على ما أفتكر.

كل ده كان قبل الثورة على فكرة حيث خوف الكثير من الشباب حضور مثل هذه اللقاءات والفعاليات. ولكننا كنا نفعلها. ولم يكن أحد في القاهرة يتخيل إمكان عمل مثل هذه الفعاليات الثقافية خارج القاهرة بمثل هذه الكثافة في الحضور. وجرت محاولات لعمل صالونات أدبية إقليمية مثل محاولة الصديقة نورة بركة في دمياط والتي توقفت للأسف. وحاولت أنا بالتعاون مع ناشط من الزقازيق أن نقوم بعمل صالون أدبي هناك. وجرت محاولة أخرى لعمل صالون أدبي بالمحلة ولكنها توقفت كذلك للأسف.

كل هذا الحماس والحيوية جعل طارق عميرة يفكر في إنشاء دار إنسان بطنطا. وقام بتعييني مصححًا لغويًا ومسئولا عن التسويق. ومحمود حنفي مديرًا للتوزيع. وكانت أحلامنا كبيرة للغاية. أكبر من الواقع. كما ساهم الغباء في تفرقة أعز أصدقاء طالما قضيت معهم أحلى الأوقات نظرًا لتعارض المصالح..
والأهداف..

في الحلقة القادمة:
*مصيبة مبيعات الكتب ولماذا فشلت دار إنسان في 2010؟
*فشل مشروع مكتبة طنطا بوك هاوس عام 2010
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق