المقال خلاصة من بحث باقر سلمان النَّجار الديمقراطية وجماعات الإسلام السِّياسي' ضمن كتاب 65 'الإسلاميون والديِّمقراطية' (مايو 2012) الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.
يمكن تصنيف مشاركة التنظيمات الإسلامية في البرلمانات العربية في ثلاث أنماط رئيسة، وهي تجارب، قد اختلفت من حيث استقرار التجربة، وكذا من حيث علاقة قوى الإسلام السياسي بالسلطة أو بالطبقة السياسية الحاكمة. ويمثل النمط الأول مشاركة جماعات الإسلام السياسي في العمل السياسي السلمي كما هي ممثلة في حزب العدالة والتنمية المغربي و في حركة السلم الجزائرية والحركة الدستورية الإسلامية الكويتية.
هذه الجماعات والأحزاب اعتمدت المشاركة البرلمانية السلمية بوصفها الخيار الاستراتيجي الوحيد. وهي تعتقد أنه لا يوجد بديل للحفاظ على المجالات السياسية المتاحة و آليات التعددية السياسية و ترسيخ نظام التعددية و توسعته ولربما افتراض تطويره تدريجياً إلا من خلال صياغة توافق مع النخب الحاكمة الجماعات المعارضة الأخرى: الليبرالية واليسارية حول مستقبل التحول والديمقراطي. وتقبل هذه الجماعات و الحركات، بشرعية الدولة التي ينتمون إليها ويحترمون المؤسسات الحاكمة لتلك الدول والطبيعة التعددية والتنافسية للحياة السياسية ومبدأ المساواة بين المواطنين باختلاف انتماءاتهم الإثنية والدينية والمذهبية. وقد نجحت بعض هذه التنظيمات ولاسيما حزب العدالة والتنمية المغربي في مبدأ الفصل بين الأنشطة الدعوية الإسلامية التي تقوم بها المنظمات خيريةً أو دعويةً و إن حسبت عليها، والتحول إلى منظمة سياسية صرفة وإن استرشدت بإطار مرجعي إسلامي.
إلا أن الحركة الدستورية الإسلامية الكويتية (الإخوان المسلمين) تبقى تمثل حركة ذات ثقل إسلامي أكبر في ما يتعلق بموقفها من المرأة، ومن تطبيق الشريعة الإسلامية وفي أسلمة القوانين. ودخلت بعض واجهاتها في تحالف مع القوى السياسية و الاجتماعية المحافظة كالسلف والجماعات القبلية في مواجهة السلطة الكويتية، أكثر من الدخول في تحالف مع القوى الليبرالية والاجتماعية الأخرى خلال السنوات الأربع الأخيرة 2007-2012.
أما النمط الثاني فتمثله تجربة العمل البرلماني لكل من جبهة العمل البرلماني الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين المصرية والتجمع اليمني للإصلاح والمنبر الإسلامي البحريني(الإخوان المسلمين). ولربما بعض واجهاتها الإسلامية البحرينية. فهي تنظيمات، وإن فصلت نشاطها الدعوي عن النشاط السياسي، إلا أنه فصلٌ ليس قاطعاً. إذ بقيت بعض واجهاتها القيادية من طبقة رجال الدين وإن امتهنوا السياسة. كما أن التنظيمات الثلاثة الأولى منها تعمل في فضاءات سياسية غير مستقرة إلى حد ما، سواء أكان ذلك من حيث الأطر التي في سياقها تتم مشاركتهم البرلمانية كما هي في علاقتهم المتقلبة بالسلطة.
وعلى الرغم من أن إسلاميي الأردن واليمن والكويت قد دخلوا في مرحلة من مراحل عملهم السياسي في تحالف مع السلطات القائمة في مواجهة القوى اليسارية والليبرالية، إلا أن التغيرات الإقليمية والداخلية في هذه البلدان، نقلتها في ما بعد إلى صفوف المعارضة، وقامت السلطات بإصدار مجموعة من الإجراءات والترتيبات المُحددة لحضورهم البرلماني ونشاطهم النقابي في المنظمات المهنية الأخرى كالأطباء والمحامين والمهندسين.لقد عملت بعض تنظيمات هذه الفئة على تأسيس تمايز وظيفي بين المجالين: المجال لأيديولوجي- الديني العام و المجال السياسي البرغماتي. و بالتالي فإن هذه القوى تحولت إلى درجة إقصائية أقل، وإلى توظيف لغة تتسم بدرجة عالية من المرونة.
قد يدخل ضمن هذه الفئة الفرعية جمعية الوفاق البحرينية الشيعية، التي وإن دخلت في تحالف مع القوى اليسارية والقومية إلا أنها وبفعل مرجعيتها الدينية الواضحة؛ اتسم خطابها بسمتين أساسيتين: خطاب سياسي قد خضع إلى النضج، وقدرٍ من البرغماتية السياسية. وخطاب ديني يتسم في الكثير من جوانبه بقدر من المحافظة وأحياناً تلك الأطروحات المتعارضة مع مبدأ العمل الديمقراطي وتحديداً عندما يضعون المسائل الفقهية الخلافية، في قوة تفُوق الأول، والذي بدا بشكل واضح في اشتراطهم بحاكمية وقوة رجال الدين، فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية ،على الغرفة التشريعية.
وعلى الرغم من أن هذه القوى قد اعتمدت إستراتيجية المشاركة السلمية داخل النظام السياسي القائم، إلا أن هذه المشاركة معرضة للتقلب في أدوارهم في الحياة السياسية، أو إلى تقلب مواقعهم من شركاء في حكومات إلى خصوم لها،كما في الحالة اليمنية والأردنية وكذا الكويتية، وفي هذا النمط فإن التماهي بين الديني و السياسي في خطاب و ممارسة هذه القوى، يدخلها في صراع مع السلطات القائمة من ناحية، ومع القوى الليبرالية و العلمانية من ناحية أخرى.
أما النمط الثالث والأخير، فهو النمط الذي وإن عملت هذه التنظيمات الإسلامية بحرية نسبية في إطار من التعددية السياسية، إلا أنها تعمل مع ذلك في مناخ يسوده قدر من الفوضى النسبية كما في الحالة العراقية واللبنانية والفلسطينية. فالحالة السياسية والأمنية التي تعيش في مناخها هذه التنظيمات من انهيار لمؤسسات الحكم أو ضعفها وفي ضعف الأمن العام، فإن السمة الغالبة على هذه التنظيمات هي طبيعتها الإقصائية القائمة إما على أساس سياسي ديني أو ديني مذهبي. كما أن هذه التنظيمات على الرغم من عملها السياسي إلا أنها تمتلك وسائل لممارسة العنف و لربما اللجوء إليه أو التهديد باستخدامه لحل نزاعاتها السياسية. فالتنظيمات كما تقول دراسة كارنغي"جهات سياسية فاعلة و حركات مقاومة"، ولربما جهات فقهية في الوقت نفسه.
إرسال تعليق