Home » » علي الجحلي يكتب : الإسلام والجغرافيا

علي الجحلي يكتب : الإسلام والجغرافيا

رئيس التحرير : Unknown on الجمعة، 18 يناير 2013 | 9:39 ص



علي الجحلي

أبرزت وسائل الإعلام المصرية نشاطات الدكتور محمد العريفي خلال الأسبوع الماضي, قناة تناقش زيارة الدكتور وأخرى تقابله وثالثة تنقل خطبة له. مصر التي كان مجرد ذكر السلفيين فيها يلهب المشهد, ويبدئ نقاشاً لا ينتهي عن الخلاف المذهبي والوهابية والإخوان.

لم يكن الإسلام يفرق بين أبنائه اعتماداً على الهوية قط, بل إن الإسلام حارب مثل هذا الفكر الذي ينحاز مع الجغرافيا أو القومية أو الوطن. نظر الإسلام إلى المنتمين إليه نظرة العدالة والاحترام الإنساني الذي يحكمه التزام شرع الله، وهو ما يبنى عليه تفضيل شخص على غيره، ففي الصلاة يؤم أفقر الناس أغناهم، ويؤم المواطن الملك. المفاضلة هنا أساسها معايير لا علاقة لها بالماديات أو فروق فرضتها قوانين الله في الأرض الذي فضل بين الناس في الأُكُل والجاه.

نظرة أسسها نبي الأمة محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - فبينما كانت قريش تفاخر بنسبها وموقعها من التاريخ والجغرافيا، وزاد فخرها أن خرج منها أعظم من خلق الله من البشر، لكن الرسول - صلى الله عليه وسلم- ضم إلى ذلك النسب الشريف سلمان الفارسي الذي لم يكن له من الفضل سوى أنه آمن واهتدى ورأى فيه النبي حق العظمة الدينية الذي يستحقه المنتمون لبيت النبوة.

بعث الرسول صحابته إلى الأمصار يفقهون الناس في الدين بناء على علمهم، واستشار القوم بناء على معرفتهم وما يجيدون من علوم الدنيا، لكن بقي التفضيل الحقيقي لأولئك الذين كانوا أكثر الناس علماً وتقوى بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية أو شرف نسبهم أو مكانهم من القبائل. اختياره - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر كان لما عرفه عنه من العلم والفقه والتقوى فأقامه مكانه في الصلاة، ورأى أبو بكر في عمر خير الأمة عندما استبقاه مستشاراً ومعيناً ومن ثم خليفة على المسلمين.

استمر الحكم على أبناء الأمة الإسلامية في العلم الفقهي والشرعي وفي تفسير القرآن والاتباع، بناء على فقههم وتقواهم، دون حكم على السرائر أو النوايا. يمكن لمن يرجع للتاريخ أن يجد أسماء مثل البخاري ومسلم والنيسابوري وابن تيمية والترمذي.. وغيرهم ممن لا يمكن حصر أسمائهم في عجالة كهذه، لكن الهدف هو المفهوم. الإسلام لا يعترف بالجغرافيا، حتى بعد أن تشتت المسلمون وسقط حكمهم وتحكم في مصيرهم أعداؤهم فقطعوهم أشلاء، وتحولوا شيعاً كل ينتمي لدولة من صنع المستعمر بعد أن كانت الخلافة الإسلامية تجمعهم. ظل اختلافهم دائماً مبنياً على رؤيتهم وتفسيرهم للآيات والأحاديث واجتهاد أئمتهم فقط.

تشرذمت الأمة بعد الحرب الكونية الأولى، وتمزقت إلى دول. فأصبحت كل دولة تنظر إلى إمام مختلف ورأي لا يحكمه العلم والثقة والأمانة، إنما تحكمه الجغرافيا. يبدو أن هناك من كان يشعل الخلافات بين بني الإسلام لدرجة أننا نجد بعضنا يكرهون، بل يمقتون فتوى تصدر من علماء أفذاذ لسبب بسيط هو أن هؤلاء العلماء لا ينتمون للدولة نفسها. يذكر الجميع انتشار هذه المفاهيم الخاطئة, ولا يزال الكثير منا متأثرين بهذه العنصرية ويحاربون لاستمرارها.

أعاد الملك عبد العزيز - رحمه الله - توحيد الأمة في الحرمين، وهو أمر يحمد له وأرجو له من الله الأجر عليه. عاد الناس للصلاة خلف إمام واحد وهو ما كان في عهد نبي الأمة إمام واحد بأذان واحد.

أظن أن الأمة - بالمفهوم العام - تجاوزت - إلى حد ما – الفرقة بين المسلمين، لكن العرب ظلوا '' الحلقة الأضعف ''. بقي العرب يتقاتلون ويختلفون ويلقبون بعضهم بأتعس الألقاب، ويصنفونهم إلى فئات ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان، رغم أنهم يؤمنون بالله الإله الواحد وبمحمد بن عبد الله النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم. اعترف المسلمون عامة بالألباني - مثلاً - كأعلم علماء الحديث في عصرنا، وقبلوا تصحيحه وتنقيحه وتخريجه. لكن الحال بقي كما هو فيما يخص علماء العرب وفقاءهم، حيث استمر التفضيل والقبول مبنياً على الجنسية.

دفعني للكتابة هنا رد وصلني من أحد القراء الكرام عندما أوردت فتوى للأزهر وقارنتها بفتوى للشيخ القرضاوي وفتاوى سابقة. كتب صديقي بالحرف الواحد ''وهل تعتقد أن علماءنا كلهم على خطأ وأنهم يسيرون على تعصب ولا يسيرون على شريعة؟''.

أصدقكم أنني سعدت عندما علمت أن هناك انفتاحاً في مصر على علمائنا، وهو ما كان موجوداً – وبقوة – في المملكة عندما كان الانفتاح الذهني أكبر, فكان من كبار علمائنا الجزائري والطنطاوي والعفيفي والشنقيطي والأفغاني. وأتمنى أن نعود إلى رشدنا ونتعامل مع الحقائق الشرعية الأصلية التي لا علاقة لها بالهوية الوطنية في الحكم على العلماء والأخذ عنهم. ذلك أن الإسلام في جوهره لم يؤمن أبداً بالجنسية أو الفروق الاجتماعية كأساس لتفضيل العلماء والأخذ عنهم."الاقتصادية"
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق