د. كمال الهلباوي
يسرني اليوم أن أكتب-كما وعدت من قبل- عن السيناريوهات المحتملة أو المتوقعة في مصر. أقول هناك العديد من السيناريوهات المتوقعة، منها ما هو مبشر بالخير والسلمية، ومنها ما هو ضار ولا يبشر بخير أبداً، وخصوصاً إذا استمرت الأوضاع على ما هو عليه الأمر حالياً. وأود أن أجمل تلك السيناريوهات في أربع سيناريوهات رئيسية، كما ذكرت في حواري التلفازي مع الاعلامية اللامعة جيهان منصور، في قناة دريم يوم الثلاثاء 12/3/2013. للأسف الشديد أن بعض مستخدمي الانترنت والمواقع الالكترونية وبعض الصحفيين إقتطعوا أجزاء من الحديث الطويل الشامل، وأخرجوه من سياقه العام ونشروه مجزءاً فشوهوه، ولا أدري إن كان ذلك مقصوداً أم جاء منهم على عجل واستهتار وضعف تقدير للمسؤولية.
نحن جميعاً ينبغي أن نتذكر الآية الكريمة 'ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد'. وأن نتذكر أيضاً أن السجلات في الآخرة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وتحصيها، أو ينبغي علينا على الأقل أن نعرف أمانة الكلمة. بعض الغربيين عندما ينقلون أو يشيرون إلى فكرة ما ليست من تفكيرهم أو يستعيروا كلمة واحدة من كاتب آخر، يذكرون ذلك في الهامش على عكس بعض من ينتسبون إلى العالم العربي أو الاسلامي، فإنهم ينقلون بأريحية كبيرة ولا يشيرون إلى ما يقتبسون.
وأتذكر ونحن في لندن منذ أكثر من عشر سنوات أن صحيفة كتبت خبراً غير صحيح عن الشيخ راشد الغنوشي وإتهمته بالعنف والارهاب، فرفع دعوى تعويض على الصحيفة وحكمت له المحكمة بأربعين ألف جنيه استرليني كتعويض، فضلاً عن الاعتذار الذي ارتضاه الشيخ راشد. متى يحدث هذا في مصر أو في بقية دول العالم العربي؟. الحريات يصاحبها مسؤولية.
السيناريو الأول وهو السيناريو الأمثل في مصر: أن يستمر النظام القائم حتى نهاية المدة المبينة والمحددة له في الدستور، لأن الرئيس مرسي منتخب في إنتخابات هي أول إنتخابات حرة نزيهة، وليس فيها في العموم تزوير كما كان يحدث من قبل. ولكن المؤسسات التنفيذية مثل الحكومة القائمة تحتاج إلى تعديل جذري أو تغيير، لتضطلع بمهامها خير قيام، وينتهي الانفلات الأمني، وتبدأ مرحلة علاج التحديات والمشكلات العديدة في مصر، وهي لا تخفى على كبير ولا صغير. الجميع يعاني حتى إن وجد الخبز لم يجد الأمن الكافي.
كما ينبغي في هذا السيناريو لكي ينجح، أن يتم الاختيار لشغل الوظائف العامة بما في ذلك المستشارون والوزراء ورؤساء المؤسسات والنائب العام من أهل الكفاءة والخـــبرة والأمانــــة، والقوة كما جاء في القرآن 'إن خــــير من استأجـــرت القوي الأمين' وأيضاً ما جاء في القرآن على لسان سيدنا يوسف عليه السلام لعزيز مصر 'إجعلني على خزائن الأرض إني حفيـــظ عليم' إذن القوة والأمانة والحفظ والعـــلم، صفات لازمة للنجاح كما جاء في القرآن الكريم، وإليها تنتمي أو تتـــفرغ عنها صـــفات أخرى عديدة، ويجب أن ينتهي تماماً الاعتماد على أهل الثقة فحسب، لأن هذا العمل من العشوائيات، أما إن كان أهل الثقة على نفس القدر من الكفاءة فهذا أمر آخر، وإن كان التنوع أساس المشاركة الفاعلة في إدارة الوطن لمن يستوعب دروس الأشهر الماضية.
أما السيناريو الثاني بعد الأمثل، فهو تولي الجيش إدارة الوطن في مرحلة إنتقالية لا تزيد عن سنتين فقط، وبشرط أن يفشل السيناريو الأول تماماً، وأن يكون الوطن مهدداً في وحدته أو أمنه القومي وأن تكون الدولة في خطر حقيقي لأي سبب كان، داخلي أو إقليمي أو خارجي. ولا ينبغي أن يتدخل الجيش إلا إذا عجز المدنيون في هذه المرحلة الانتقالية عن الحفاظ على وحدة الوطن وأمنه، أما التنافس والصراع السياسي فلا يكون سبباً لتدخل الجيش.
طبعاً الجيش مؤسسة قوية ومنظمة، ولكن مهمته ليست إدارة الوطن. كما أنه وفقاً للنظم الديموقراطية تكون الادارة مدنية، فضلاً عن الانتخابات النزيهة وتداول السلطة بين أحزاب قوية وليست ديكورية ولا عنتريات فارغة، بل معارضة حقيقية ومنافسة سياسية راقية. وأن يهتم الجيش بالأمن القومي والاسهام في الأبحاث والصناعات وخاصة العسكرية والحربية التي يحتاجها الوطن حتى يقل الاستيراد والاعتماد على الآخرين رويداً رويداً، وهي مهمة أكبر من مهمة إدارة الوطن. وللأسف الشديد بعد إذاعة البرنامج في قناة دريم اقتطع بعض الإعلاميين أجزاءاً منه ونسوا السيناريو الأول تماماً وركزوا على أنني أنادي بنزول الجيش إلى السياسة، ونسوا أنني أؤكد أن هذا سيناريو محتمل في ضوء قراءة الأحداث والوقائع وتحليلها.
أما السيناريو الثالث المتوقــــع فهو سيناريو مزعج ولكنه محتمل ومتوقع أيضاً. يتمثل هذا السيناريو الثالث في استمرار الأوضاع والأمــــور والتحديات والحلول الضعيفة أو المفتقدة، على ما هى عليه من جانب الادارة وخصوصاً الرئاسة والحكومة وكذلك المعارضة والثوار بما فيهم البلطجـــية الذين يتسللون اليوم إلى الصفوف الأولى من المتظاهرين، ويعمدون إلى العنف سواء عن عمالة لغيرهم أو سوء سلوك وســـوء تصرف أو يأس أو إنتقام.
هذا السيناريو قد تزداد احتمالات وقوعه إذا زاد الانفلات الأمني وتحولت المظاهرات القائمة إلى ثورة جديدة سواء كانت ثورة جياع أو ثورة بلطجية أو ثورة ثانية حضارية، بعد أن يتجمع ما بقي من الثوار على الطريق، وأن يختاروا لهم قيادة موثوقة من بينهم، تعيد إحياء الثورة بكل قيمها الحضارية التي رأيناها في التحرير، المسلم بجوار المسيحي، والاسلامي بجوار الليبرالي والعالماني، والرجل بجوار المرأة والشيخ بجوار الشاب دون وقائع مشينة مثل التحرش الذي رأيناه بعد ذلك أو الفتاوى الشاذة، التي تحمل المرأة نتيجة ذلك التحرش إذا نزلت إلى ميادين التحرير، بعد أن كانت عنصراً مهماً من عناصر نجاح الثورة.
هذه الثورة متوقعة، ولكن أسوأ سيناريو ضمن هذا السيناريو الثالث هو سيناريو ثورة الجياع أو البلطجية.
أما السيناريو الرابع المحتمل وهو مماثل في السوء للسيناريو الثالث أو أشد سوءاً، هو إنتشار التشدد والتكفير والتبديع والتفسيق، وإنتشار بعض أعمال العنف والقتل كما حدث في صحراء سيناء من قبل دون مكاشفة المواطنين بالمجرم أو بالفاعل الحقيقي. ورغم أن ذلك قد يكون نتيجة الفهم المتشدد للدين مع وجود الاخلاص، إلا أن أمريكا كما عودتنا من قبل في العراق وأفغانستان مستعدة تحت ذريعة محاربة الإرهاب-كما في سياستها واستراتيجياتها- أن تتدخل عسكرياً في مصر لحماية ما تسميه مصالحها التي يهددها العنف كما زعمت أمريكا في حالات سابقة كثيرة، وأن تنسب إلى القاعدة ما تريد كما تشاء، ليكون ذلك ستاراً للتدخل للحفاظ على مصالحها وعلى أمن إسرائيل كذلك، مع اعتبار أن مصر من الدول العربية القليلة التي ليس فيها حتى الآن قواعد عسكرية أمريكية. وقد نجد من بعض أهل الوطن الكرام من يسوغ ذلك التدخل، وقد نجده حتى من بعض العلماء، الذين سوغوا التدخل العسكري الأمريكي في الخليج سابقاً دون أن يقول لنا أي مسؤول في الخليج اليوم متى يخرج الأمريكان من الخليج أو من تركيا على سبيل المثال.
هذا سيناريو من أسوأ السيناريوهات المتوقعة، وإن كان بعيداً ولكنه محتمل. وبدايته هو التدخل الأمريكي في الشؤون المصرية وإن كان سلمياً وتعاونياً، وفيه الكثير من النصائح للادارة وللحكومة المصرية اليوم."القدس العربي"
إرسال تعليق