بقلم: جمال الغيطانى
الأزهر ليس جامعاً فقط، ليس جامعة، ليس معهداً، ليس دوراً، ليس مرجعية دينية أو فقهية، الأزهر صرح إنساني كوني لا يمكن التماثل معه أو تجاوزه أو الإطاحة به، كونيته لم تتحقق بدعاية، إنما بدور لم يتوقف منذ أحد عشر قرناً، وبذلك يصبح أقدم مكان للعلم في الكوكب، هو الأسبق والأكثر تواصلاً، ومن أهم إنجازات الإمام الأكبر أحمد الطيب أنه أعاد شكل الدراسة التقليدي الذي اختص به الأزهر عندما وضع برنامجاً للدراسات الحرة.
كانت ساحة الأزهر مفتوحة للجميع، يجلس الأستاذ فوق كرسي مستنداً إلي عمود رخامي وحوله الطلبة وراغبو العلم، يمكن للطالب أن يتنقل من هنا إلي هناك، وفي نهاية العام يتقدم للامتحان فيمتحنه الشيخ في مرجع معين ويجيزه، أي إذا رأي فيه النبوغ يعطيه إجازة العلم، بعد دوره في العصر الفاطمي وإهمال الأيوبيين له نهض به الظاهر بيبرس، وعندما انهارت الخلافة العباسية في بغداد وتوالت ضربات المغول والتتار قصد العلماء إلي مصر واستقروا بالأزهر.
وعندما خرج الإسلام من الأندلس وانهارت المراكز الكبري، هرع العلماء إلي الأزهر، لذلك نجد طلبة الأزهر يمثلون جميع أنحاء العالم الإسلامي، بل إنه يمثل الوحدة الكونية للمسلمين التي يتخفي بعضهم الآن لتحقيقها عبر مشاريع سرية مجهولة المنبع والمقصد، حقق الأزهر تلك الوحدة من خلال العلم وخدمة الإنسانية، ولم يكن جنسية الأستاذ شرطاً بل علمه، هكذا حفلت كتب التراجم بأساتذة من جميع أنحاء العالم، من الملايو إلي أقصي الأرض غرباً، وقد كان أحد شيوخه في القرن العشرين تونسياً، أعني الشيخ محمد الخضر حسين، أما الأروقة التي أعاد الإمام الأكبر أحمد الطيب الحياة إليها فتظل رمزاً للوحدة الإنسانية من أجل طلب العلم، ولعل الكثيرين لا يعلمون أن أحد الأروقة داخل الجامع الأزهر كان مخصصاً لإقامة الطلبة الأقباط ويعرف برواق الأقباط، كان المسيحيون المصريون يرسلون أبناءهم لدراسة الفقه الإسلامي الذي تتم به المعاملات في المجتمع، كان الأزهر ملاذاً للمصريين بجميع دياناتهم في وقت الشدة، ولذلك كانت استباحته أو محاولة إهانة شيوخه من أفظع الأعمال، وفي التاريخ الممتد لم يقدم علي هذا الاثم إلا خيول الفرنسيين والميليشيات المدفوعة الأسبوع الماضي، كلاهما ارتكب عاراً سيظل يطارد أصحابه إلي الأبد.
" الاخبار"
إرسال تعليق