Home » » إبراهيم غانم يكتب : سباعية الحياة بأتنين جنيه (الحلقة الثانية ـ الطبيب)

إبراهيم غانم يكتب : سباعية الحياة بأتنين جنيه (الحلقة الثانية ـ الطبيب)

رئيس التحرير : Unknown on الأحد، 29 سبتمبر 2013 | 7:34 ص


في موقف لسيارات الميكروباص حيث الصخب و الضجيج.. مشاجرات بين السائقين على الدور و أولوية تحميل الركاب... مناوشات مع موظف الكارتا... باعة جائلين... عم سطوحي رجل بلغ الخمسون إلا قليل... كان يعمل سائقاً على سيارة ميكروباص بذات الموقف.. ذات يومٍ أثناء تجديد رخصة القيادة خاصته و كان ضمن إجراءات تجديد الرخصة توقيع الكشف الطبي عليه. صدمة لعم سطوحي فهو فلم يستكمل تجديد رخصته و إعادة إصدارها لعدم لياقته الطبية لماذا إذاً؟ جاء في التقرير الطبي أنه يعاني من مشكلات بالقلب و أنه غير لائق من الناحية الصحية لقيادة السيارات. إستقبل عم سطوحي الصدمة و سار متباطئاً يكاد يسقط أرضاً من هول الصدمة.. مشي عم سطوحي و هو يتلمس الجدران حتى لا يقع أرضاً و بين الحين و الحين يقف مستنداً للحائط و تظرف عيناه الدمع.... فلماذا و قد أسودت الدنيا في عيناه فالآن أصبح بلا عمل لا يستطيع تكسب الرزق في زمن بات فيه كل شىء بالمال و المال الكثير.. غول أسعار لا يرحم ، متطلبات الحياة الضرورية كثيرة. كيف يستطيع عم سطوحي تدبير القوت الضروري لأسرته؟! و من أين؟؟؟؟ عاد عم سطوحي يجر أذيال الخيبة لمنزله بالحي الشعبي حيث يستأجر غرفتين بسطح المنزل ، و الغرفة الثالثة مؤجرة للحاج محمد بطل حلقتنا هذه. قص عم سطوحي ما حدث لزوجته و إبنته شربات.. جلس الجميع في فناء السطح تحت تكعيبة العنب يشاركهم مجلسهم هذا الحاج محمد..... فمن يكون الحاج محمد؟ الحاج محمد رجل جاوز الخامسة و الخمسون من العمر يستأجر هذه الغرفة ما يقرب من الأعوام الثلاثة. يعيش بها وحيداً لا أحد يزوره و لا يعرف عنه أهل الحي أي شىء سوى أنه رجل بسيط.. طيب القلب.. متزن العلاقات مع الأخرين.. رأيه صائب دائماً.. يلجأ إليه أهل الحي جميعهم يستشيرونه في أمورهم و يفتيهم الرأي فهو متزن ، مثقف ، طيب الخلق..... عودة إلى عم سطوحي و بعد أن فرغ من حديثه.. سكت الجميع في دهشة و قالت زوجته.. "ما يهمكش يا أخويا ربنا هو اللي بيُرزق... تتدبر.... قوم إستريح لك شوية".... في المساء و بعد العشاء جلس الجميع ثانية على سطح المنزل كل يفكر في حل للمشكلة التي طرأت و أرقتهم جميعاً ، و قالت الزوجة.. "سلمها لله ياأبو شربات.... يا أخويا تبات نار تصبح رماد".... خرج الحاج محمد من صمته و قال له ... "ياسطوحي يا أخويا ما تشوف لك شُغلانة تانية غير دي؟" رد سطوحي قائلاً.. "يعني هي الدنيا صلاة النبي مليانة شُغل قوي... و بعدين أنا مأعرفش أي صنعة تانية غير السواقة.... بعدين أنا بقالي سنين ع الموقف .. لو رحت حتة تانية ح أبقى زي السمك لما يطلعوه م المية!!!" قال الحاج محمد لزوجة عم سطوحي: "ما تعملي لنا كوبيتين شاي من إيديكي الحلوة يا ست أُم شربات" عاجلهم عم سطوحي بالرد: "أنا ح أعمل لكوا الشاي.. زهقت م القعدة أهو أسلي نفسي" أعد عم سطوحي الشاي. إرتشف الحاج محمد رشفة من الكوب و قال.. "الله عليك يا سطوحي تسلم إيدك" ثم إستطرد قائلاً:: "تاهت و لقيناها يا سطوحي.. إنت لا ح تطلع م الميه و لا ح تسوق ، و ح تشتغل ف وسط الناس اللي بتحبُهم.. ف الموقف برضه" سأله سطوحي بإستفهام تعجبي: "إزاي؟" رد الحاج محمد: "إنت ح تعمل نصبة شاي.... و دي تكلفتها بسيطة و كله بيُرزق" راقت الفكرة لعم سطوحي و نفذها على الفور و كانت تساعده في عمله إبنته شربات.... ضحكت الدُنيا أخيراً لعم سطوحي و بات يتكسب رزقه من عمله الجديد..... و لكن الحلو ما يكملش... ذات يوم و عم سطوحي في عمله سقط مُغشياً عليه. إصطحبه أحد السائقين بالموقف في سيارته بعد إفاقته ترافقهم شربات و ذهبوا لمنزلهم... صرخت زوجة سطوحي حين رأته متوكئاً على السائق و جمع من أهل الحي. أضجعوه فراشه و كان يلتقط أنفاسه بصعوبة بعض الشىء... بعد أن هدءت حالته قال الحاج محمد لسطوحي.. "إنت لازم تكشف عند دكتور يا سطوحي. ما ينفعش كده"..... ذهب سطوحي لطبيب حديث التخرج بمنطقتهم و قام الطبيب بتوقيع الكشف الطبي عليه و قال: "عم سطوحي لازم يروح لأخصائي قلب كويس... الحالة كده مش حلو أبداً".... ذهب عم سطوحي و زوجته لعيادة أحد الأطباء الكبار و سأل السكرتيرة و كانت الفاجعة الكبرى.... الكشف المستعجل (أربعمائة جنيهاً) و الموعد بعد عشرة أيام... الكشف العادي بمائة و خمسون جنيهاً و الموعد بعد شهرين ، و مقابلة الطبيب بأولوية وصول المريض للعيادة.... ما هذا.. صرخ سطوحي.. "يعني الغلبان يموت يا بشر؟! إرحمنا يا رب"..... خرج عم سطوحي و زوجته و قد أُثقلهما الهم هماً فوق همهم.... عادا إلى المنزل يكسوا وجههم خيبة الأمل راكبة الجمل.... جلس عم سطوحي بفناء المنزل أرضاً مستنداً للحائط و بكى.. و أثناء ما هو يبكي دخل الحاج محمد عائداً حيث كان يقضي بعض متطلباته للعشاء... و علم بما حدث.. و قال" هو الدنيا حصل فيها إيه؟ فين مليكة الرحمة؟ حسبنا الله و نعم الوكيل".... و مازال الكلام للحاج محمد: :ولا يهمك يا أبو شربات.... معاك إتنين جنيه؟" رد سطوحي مندهشاً.. "إتنين جنيه إيه يا حاج محمد؟" فقال له.. "إحنا ح نتسلح بإتنين جنيه و نخرج الصُبح نقصد كريم أنا و إنت و ربك يكرمنا إن شاء الله" في صباح اليوم التالي ذهب عم سطوحي بصحبة الحاج محمد إلى معهد القلب القومي بإمبابة و يرافقهم ثلاثة سائقين ممن يعرفون عم سطوحي بسيارة أحدهم كانوا قد أتوا للإطمئنان على سطوحي و قابلوه أثناء نزوله درجات السلم ببيته... إشترى الحاج محمد تذكرة بالجنيهات الأثنتين و هي رسوم رمزية لقاء الكشف على عم سطوحي بالعيادة الخارجية بمعهد القلب و تم توقيع الكشف الطبي عليه و طلب الطبيب أشعة تلفزيونية.... ذهب عم سطوحي لقسم الأشعة و معه الحاج محمد و السائقين الثلاثة فقال لهم موظف الإستقبال بالقسم: "إحنا ح نحجز لكم و تيجوا بعد شهر ح تتعمل الأشعة مجاناً" سأل الحاج محمد: "مش ممكن قبل كده يا بيه؟" أجاب الموظف "ممكن دلوقتي بس ح يبقى في العلاج الإقتصادي و تمن الأشعة ستين جنيه" على الفور قام كل سائق مرافقي عم سطوحي بجمع عشرون جنيهاً من كل واحد منهم و سددوا قيمة الأشعة ، و تم عمل الأشعة لعم سطوحي و التي جاء في تقريرها أنه يعاني من عدم إنتظام سريان الدم بصورة طبيعية و يحتاج لجراحة قلب مفتوح لتغيير الصمام المترالي... و صدق الطبيب على التقريراً الطبي.... عاد عم سطوحي لمنزله هو و الحاج محمد و في المساء و بعد عرض التقرير و الأشعة على طبيب الحي الشاب قال لهم: "عم سطوحي لازم يعمل العملية و بأسرع وقت ممكن".. سأل عم سطوحي: و دي تتعمل بكام؟ رد الطبيب: "دي م العمليات الكبرى.. و لازم يعملها دكتور كبير.. و أجر الطبيب حوالي تلاتين ألف جنيه غير الأقامة ف المستشفى و المصاريف يعني من خمسين ألف و طالع".... رد عم سطوحي: الواحد يشوف له تربة أحسن و يرتاح... قال الحاج محمد لسطوحي: "كل مشكلة و ليها حلال يا أبو شربات.. ميهمكش... بكرة الصبح نتسلح بإتنين جنيه تاني و نقصد كريم".. ذهب الأثنين ف الصباح الباكر للإدارة العامة للمجالس الطبية المتخصصة و قاموا بتصوير بطاقة الرقم القومي خاصة عم سطوحي و قدموا طلباً بالإدارة و أرفقوا به صورة البطاقة و أصل التقرير الطبي و الأشعة.... و كان الزحام شديد ، و رد عليهم الموظف بعد أن أخذ الأوراق منهم قائلاً: "تعالوا بكرة تستلموا القرار" في اليوم التالي عم سطوحي و الحاج محمد لوزارة الصحة و قاموا بتسلم قرار العلاج على نفقة الدولة بإجراء الجراحة لعم سطوحي بمعهد القلب القومي.... إنفرجت أسارير عم سطوحي فرب العزة يقول في كتابه الكريم "إن مع العسر يسرا" ذهب عم سطوحي و سلم القرار و أخبره موظف الإستقبال بمعهد القلب أن يأتي بعد شهر لأن جميع الأسرة شاغرة الآن.. يتدخل طبيب الحي الشاب و يتوسط لدى أحد رملائه بالدفعة و الذي يعمل ضمن فريق الأطباء الشُبان بالمعهد فقدم الموعد ليكون بعد خمسة أيام و دخل عم سطوحي مستشفى معهد القلب و أُجريت له الفحوص و الأبحاث و قاموا بطلب شراء عشرة أكياس دم من فصيلة الدم "إيه نيجاتيف" و هي من الفصائل النادرة نوعاً ما و هي فصيلة الدم الخاصة بعم سطوحي.. مطلوب أربعة أكياس دم و إثنين بلازما و أربعة دم فرش "طازج" و المفاجأة مطلوب عشرة متبرعين بالدم للمركز حتى يتم إستكمال الإجراءات. و عشرة أخرين لقاء صرف الأكياس المطلوبة يعني عشرين متبرع... ما هذا الحظ التعس؟ قال موظف بنك الدم لشربات "ممكن تشتروا الدم من برة"... فسألت شربات و و جاء الرد بأن الدم متوفر بفصائله بالمستشفيات الخاصة و ثمن القربة الواحدة نصف لتر بخمسمائة جنيهاً... يا الله .. من أين خمسة ألاف جنيه؟؟؟ يا ناس ... الرحمة حلوة........ أشار الحاج محمد عليهم بمكان آمن متوفر به أكياس الدم المطلوبة و هو "هيئة المصل و اللقاح بالعجوزة و و للمرة الثانية يتدخل الطبيب الشاب لدى أحدى زميلات الدراسة و التي تعمل بالمصل و اللقاح و قامت على الفور بتوفير أكياس الدم اللازمة بثمن رمزي مدعوم فثمن القربة أربع و خمسون جنيهاً ، و قام الطبيب الشاب الذي يعمل بمعهد القلب بتوفير أكياس البلازما الأثنين و بقي اربعة أكياس فرش يوم إجراء العملية... و تحدد موعد العملية الجراحية بعد ثلاثة أيام... في اليوم المحدد لإجراء الجراحة لعم سطوحي ذهبت زوجته و إبنته شربات و الحاج محمد و معهم زملاء سائقين بالموقف و أهل الحي ممن يحبون عم سطوحي للمعهد و لكن كان هناك عائقاً أخر أمام إتمام الجراحة... العائق ان الجراحة تحتاج لخبير أجنبي نظراً لدقتها و تحتاج لأسلوب جديد في إجاؤها حتى تكون النتائج المحتملة لنجاحها كبيرة نسبياً. هناك أطباء مصريين أكفاء و لكنها تجرى بأسلوب نسبة النجاح فيه لا تتجاوز الأربعون بالمائة و هل سيقدم الخبير الأجنبي و متى يأتي.. و هل سيكون لديه الوقت لإجراؤها؟ أم يتم إجراؤها بمعرفة الأطباء المصريين؟؟؟ إضافة إلى ذلك فالطبيب المصري الذي يجريها بطريقة الخبير الأجنبي في مؤتمر طبي خارج البلاد.... ما هذا الحظ الأسود؟؟؟؟ إنسلخ الحاج محمد من بين أهل عم سطوحي و أصدقاؤه دون أن يشعر أحداً به. توجه الحاج محمد لمكتب مدير المعهد. تحدث مع الساعي الجالس أمام المكتب طالباً مقابلة المدير و لم يهتم الساعي بطلبه... توسل إليه قائلاً.. "يا أبني ما تجيش ع الغلابة... ما إنت علبان زيُهم. هيا الغلابة بتقطع ف هدوم بعض ليه؟" دخل الحاج محمد للغرفة المجاورة لمكتب مدير المعهد حيث السكرتارية و التي بها أكثر من ستة موظفين و طلب من إحدى الجالسات مقابلة مدير المعهد فردت قائلة: "فيه معاد سابق يا حاج.. و كمان الدكتور عنده إجتماع و مش فاضي يقابل حد"... توسل لها قائلاً: "يا بنتي دي مسألة حياة او موت.. أرجوكِ .. اخويا لازم يعمل العملية .. ح يموت..." ردت قائلة: "و النبي يا حاج مُش فاضيين.... روح شوف النائب ف القسم بتاع أخوك".... إندفع الحاج محمد نحو باب غرفة مدير المعهد. إقتحم المكتب و هو يصرخ: "الرحمة حلوة يا ناس... خلوا عندكوا دم بقى.... مش معقول كده.. دي بقت حاجة زفت.. خلتوها خل" تلحق به السكرتيرة قائلة: "ياحاج إطلع برة "... كان مدير المعهد مجتمعاً بلفيف من أساتذة المعهد. نهض مهرولاً نحو الحاج محمد حين رأه و قال: "مش معقول... إتفضل يا دكتور.... أهلاً و سهلاً"... صرخ في السكرتيرة: "إمشى هاتي عصير بسرعة للدكتور".. ثم عانقه بحرارة شديدة و قال: "إزييك يا دكتور.... فين أراضيك.. إتفضل أقعد يا دكتور"..... ثم تحدث للأطباء المجتمعين: "معلش يا دكاترة ح نأجل الإجتماع"..... رد الحاج محمد: إزييك يا عبد العزيز بيه.. عامل إيه؟؟ في هذه الأثناء تخرج السكرتيرة مندهشة و تغلق الباب خلفها و تقول (دكتور! يا لهوي!)... ينتاب جميع موظفي السكرتارية دهشة عارمة و تساؤلات... تدور فيما بينهم: (هو الراجل دا دكتور؟ باينه دكتور كبير قوي!) عودة لمكتب عميد المعهد حيث الحديث دائر بينهم .. الحاج محمد يخبر العميد بحالة عم سطوحي و إنتهى الحوار على أن الحاج محمد (الدكتور أبو الوفا) سيجري الجراحة لعم سطوحي.... و جاء رد الدكتور عبد العزيز: " والله زمان يا دكتور أبو الوفا.. أيوه كده رجعلنا أمجاد زمان" سأل الدكتور أبو الوفاء على جمالات الممرضة و أخبره عبد العزيز أنها أصبحت الآن رئيسة الحكيمات فقال له: "البت دي كانت أحسن ممرضة عمليات.. عايزها معايا يا عبد العزيز و كمان عايز الدكتور صبحي بديع بشاي بتاع التخدير" ياترى هو فين دلوقتي؟؟؟" رد عبد العزيز: "دا بقى كبير أطباء التخدير. حاضر يا دكتور كل طلباتك أوامر" أرسل الدكتور عبد العزيز في جمالات و صبحي. تم تجهيز فريق العمل و غرفة العمليات التي أصبحت في حالة طوارىء قصوى كأنها ثكنة عسكرية... تم إدخال عم سطوحي بعد تخديره و تجهيزه للعملية.. تبعهم الدكتور أبو الوفا "الحاج محمد" إلى غرفة العمليات من باب جانبي بعد أن قام بالصلاة ركعتين لوجه الله الكريم... دخل مدير المعهد من الباب الرئيسي للبهو المؤدي لغرفة العمليات... سأله مرافقي عم سطوحي و قال لهم: "العملية ح تتعمل دلوقتي الخبير جيه".... بدأت الجراحة و إستمرت ستة ساعات متصلة.. الجرحة أجريت بدقة و مهارة فائقة و تم تغيير الصمام المترالي لعم سطوحي.... و أودع غرفة الإفاقة (العناية المركزة) حيث سيمكث بها عشرة أيام على الأجهزة... تحدث أبو الوفا لعبد العزيز و رئيسة الحكيمات جمالات و قال: "كملوا متابعة الحالة بتاعتي و سجلها بإسمك يا عبد العزيز و أدخل بيها المؤتمر الطبي"... فسأله: "ليه يا دكتور؟"...قال: "أنا خلاص أخدت حظي م الدنيا و مش عايز حاجة تاني... " خرج الدكتور أبو الوفا و عاد لأهل عم سطوحي الذين كانو قد تدراكوا غيابه فسألوه.. "إنت رحت فين يا حاج محمد؟" رد "أصلي مليش قلب للحاجات الصعبة دي.... هي العملية إتعملت؟!" أجابت شربات: "أيوه يا أبا الحاج... و قالوا ح يقعد ف العناية المركزة عشر تيام"... رجع مرافقي عم سطوحي كل إلى منزله ، و إلتزم الحاج محمد حجرته و أصبح يطمئن على حالة عم سطوحي يومياً عند عودة إبنته و زوجته من الزيارة. فكانتا تذهبن يومياً للمعهد تسألن عن حالة عم سطوحي دون ان تقابلاه و يخطرهم الطبيب المناوب بأن الحالة مستقرة و مطمئنة و أن كل يوم يمر يكون أفضل من الذي قبله..... الحاج محمد يتوجس خيفة من النتائج و تبدوا عليه علامات الإضطراب و لكنه كان يحاول ألا يشعر أحداً بإضطرابه... في اليوم الثامن و عند سؤال الحاج محمد لشربات عن حالة أبيها فأجابت: "الحمد لله الدكتور قال إنه قرب من الحياة: يعني إيه يا حاج محمد؟!"... فسر لها هذا القول قائلاً:: "شوفي يا شربات يا بنتي.... ف معظم حالات القلب المريض ما بيموتش م العملية المشكلة بتبقى في الإفاقة و بيعد عشر تيام.. اليوم الأولاني فرصة النجاة بتبقى عشرة ف المية و التاني عشرين دلوقتي النهاردة تامن يوم يبقى تمانين ف المية و اليوم العاشر بيبقى الحمد لله مية ف المية إتولد من جديد يعني.. بيسموه العائد للحياة.... ربنا يتم شفاه على خير"..... جاء اليوم العاشر. خرج سطوحي لغرفته وجهه ينبعث منه النور... تسري الدموية فيه... سادت البهجة و الفرحة جميع أفراد أسرة عم سطوحي و محبيه... كذلك زملائه المرضى بالغرفة ... أنطلقت الزغاريد من الغرفة و لما لا؟؟ سطوحي عريس ليلة فرحه... يدخل الحاج محمد و يقول: "حمد الله ع السلامة يا سطوحي يا أخويا... بركة إنك قُمت لنا بالسلامة" جلس قليلاً ثم هم بالإنصراف و تبعته زوجة عم سطوحي إبنته و زائريه حيث إنقضى وقت الزيارة.. فجأة على باب الغرفة يُرى رجل عمرة جاوز الخمسون بقليل يعمل تمرجياً بالمعهد لمح الحاج محمد فصرخ منادياً بصوت عالي: "يا دكتور أبو الوفا" ... نظر له الحاج محمد و فر مهرولاً تجاه السلم ... حاول الرجل اللحاق به و هو مستمر بالنداء: "يا دكتور أبو الوفا.. رد عليا يا بيه... أنا خدامك مغاوري يا بيه.. فاكرني يا بيه!!" تسائل زائري عم سطوحي مغاوري التمرجي و قالت أم شربات: "دكتور أبو الوفا مين يا أخويا؟ دا الحاج محمد جارنا... راجل غلبان على باب الله زينا!!!" رد مغاوري: "لا يا ست.. أنا ما أتهش عن الدكتور أبو الوفا بيه أبداً.. أعرفه من وسط مليون واحد"... سألت أم شربات متعجبة: "أبو الوفا دا يطلع مين يا أخويا!!!!" أجاب مغاوري: "دا الأستاذ الدكتور / أبو الوفا عويضة.. كان أستاذ و رئيس قسم جراحات القلب بكلية الطب.. ليه أبحاث و دوريات علمية على المستوى العالمي... معروف في الأوساط العلمية الدولية.... بيعتبروه واحد من أحسن عشر جراحين قلب مفتوح ف العالم... خبير يعني و يمكن أحسن م الخبير الأجنبي اللي بيجلنا.. سألت شربات: "أُمال إيه اللي جرى له يا حاج؟" أجاب مغاوري: "من سنتين و نص كده كان فيه بنت إسمها سُهيلة. دي بنت واحد صاحبه كان عندها ضيق ف شرايين القلب.. كانت عروسة على وش جواز .. البيه كان مربيها و بيعتبرها بنته. أصل البيه ما إتجوزش.. إتجوز الطب و العلم ، عاش حياته كلها للطب و الجامعة و بس و يخدم الناس الغلابة.... كان بيعمل لها عملية قسطرة لتوسيع الشرايين..عملية بسيطة .. يظهر إن البت كانت حالتها إتأخرت.... ماتت و البيه بيعملها القسطرة. العملية دي أي دكتور صغير بيعملها....زي ما تقولي البيه حس بالذنب و أنه السبب ف موتها... مع إن الأعمار بيد الله... إختفى من ساعتها و محدش يعرف عنه حاجة.. ناس قالوا مات و ناس قالت إنه إتجنن ن و ناس تالتة قالوا سافر بلاد بره.... من ساعتها الله أعلم بيه إتقطعت الأخبار عنه لغاية ما شفته كويس .. ربنا يديله الصحة...... و يخليه للغلابة..... يهبط مغاوي درجات السلم فيقابله بالأسفل الدكتور أبو الوفا و يفاجىء مغاوري بأن يضع يده على كتفه و يقول: "إزييك يا مغاوري"..... تمت....... 

إبراهيم غانم....
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق