Home » » إبراهيم غانم يكتب : في البلكونة (الطبيب)...؟؟؟

إبراهيم غانم يكتب : في البلكونة (الطبيب)...؟؟؟

رئيس التحرير : Unknown on الخميس، 19 سبتمبر 2013 | 9:52 م

كعادتي جلست بشرفة منزلي في الصباح الباكر، أشعلت سيجارتي، أحتسي القهوة، جال بخاطري بيت الشعر القائل:

أصل بليتي من قد غزاني، من السقم الملح بمسكرين

طبيب طبه كغراب بين، فرق بين عافيتي وبيني

أتى الحمى وقد شاخت وباخت، فجدد لها الشباب بنسختين

كانت نوبة في كل يوم، فصيرها بحذق في اليوم نوبتين

على الفور عقدت في ذهني مقارنة بين بعض من أطباء اليوم و أطباء الزمن الجميل، على الرغم من التقدم العلمي و التقني إلا أن الفارق كان كبيراً لصالح الزمن الجميل.

ذهب للعيادة الخارجية بأحد المستشفيات الكبرى و التي بها أقل ما يكون أستاذ دكتور، قيمة الكشف سبعون جنيهاً، ليفحصني الطبيب واقفاً أمامه شفهياً و يكتب لي التذكرة الطبية على عجل و لم يعقب.

سألته، متى تكون زيارته ثانية، أجابني دون أن ينظر إلي، (بعد شهرين). كل ذلك لم يستغرق سوى دقائق ثلاث فقط، (تم الفحص و الوصف الطبي و إنهاء المقابلة في دقائق ثلاث بسبعون جنيهاً)، أنه حقاً عصر السرعة!

تناولت الجرعات الدوائية و دخلت أسبوعي الثالث و لم أشعر سوى بتحسن طفيف بالكاد.

اجتررت ذكريات طفولتي المشردة حينما كنت أعتل فيذهبون بي لطبيب باطني لا أنسى أسمه أبداً، إنه الدكتور أديب شنودة، عيادته بشارع يلي شارعنا عنوان سكني ببيت الأسرة. كان الطبيب الغائب عن عالمنا الآن يعمل بقصر العيني صباحاً، بعيادته الخاصة مساءً، فيما بين الوقتين يذهب مجاناً للفقراء بعيادة خارجية تعرف بالسبع بنات بحي شبرا، و مستوصف آخر يعرف بأسطفانوس. كل ذلك مجاني لا يتقاضى عليه أجراً، بأجر رمزي يدفعه المنتفع للجمعية الخيرية قدره قروش خمس. أحياناً يصرف للمريض دواءه من العينات الطبية المجانية التي بحوزة الطبيب.

كانت قيمة الكشف بعيادة الدكتور أديب خمسون قرشاً، و إذا كانت الزيارة منزلية قيمة الكشف جنيهان. يأتيك بسيارته ماركة مرسيدس 200 إس. برتدي حلة و رابطة عنق معطر بالطيب.

عيادته نظامها صارم غير منحاز. عم أحمد التمرجي يدير المسألة وفق آلية دقيقة. العيادة نظيفة جداَ، بها أثاث أكثر من جيد بغرفها الثلاثة يسع كل من يزورها و يوفر قدراً من الخصوصية. تنتظر دورك بعد أن تسدد قيمة الكشف، لا توجد أي محاباة أو محسوبية حتى و إن كنت أبو الطبيب ذاته، لن تقابله إلا في دورك حسب أولوية وصولك للعيادة.

تجد عم أحمد واقفاً أمامك متجهم الوجه الذي يكسوه ملامح الجدية و يشير بسبابته إذاناً بدورك في مقابلة الطبيب فتدخل إليه.

مكتبه فخيم، الأرضية يكسوها سجادة فاخرة على ما أظن أنها عجم.

جلست أمامه و من يرافقتي حيث أنني كنت طفلاً آنذاك، كان يستمع إلي بأذان صاغية، ثم يستمع لمرافقي. بعدها يستفسر عن بعض الأشياء ثم يدعوني للاسترخاء على سرير الكشف خلف ساتر معدني يكسوه قماش ناصع البياض حفاظاً على خصوصية المريض.

أكشف ملابسي عن جسدي ليفحصني بالسماعة الطبية على الصدر و البطن، يضغط بكفه على مناطق جسمي في محيط البطن، يفرد راحة يده و يدق بيده الأخرى على اليد الملامسة لبدني، يطلب مني الجلوس، يكرر الفحص بذات الطريقة على ظهري، يفحص قاع عيني.

قولاً واحداً أنه فحص طبي شامل و دقيق.

يدعوني للجلوس مرة أخرى أمام مكتبه، يخبرني بنوع المرض المسبب لعلتي كنتيجة الكشف الطبي بعد التشخيص.

يحرر تذكرة طبية بعقاقير تشعر بنتائجها و ثمارها بعد تناولك الجرعة الثانية، يطلب منك الحضور مجدداً بعد أسبوع كأقصى حد، و قد يكون بعد أيام ثلاثة. يتابع النتائج، يظل هكذا دون ملل حتى تشفى تماماً ثم يخبرك هو بتمام شفاؤك، و أنك لا تحتاج زيارته مرة أخرى. كل هذا بخمسون قرشاً. الآن سبعون جنيهاً في ثلاثة دقائق على الواقف و تناول جرعات لأسابيع ثلاث دون نتيجة تذكر. الطبيب وقتها كان لديه ضمير يقظ، العقاقير الطبية كانت فعالة للغاية. أين نحن الآن من هذا؟!

في نهاية المشهد و كالعادة أتت زوجتي لتسألتني: "سرحان في أيه؟!"

قلت لها: "في الدكتور"

ردت: "إنت فعلاً عايز تروح للدكتور"

سألتها: "دكتور أيه؟"

أجابت: "دكتور المهابيش بتاع العصبية و النفسية يا راجل يا مهبوش في عقلك، إنت أتخبط في نفوخك؟ قاعد لدلوقتي و لا كأن الكلب واكل لك عجين؟! قوم إتنيل روح الشغل ح تتأخر".

قمت من جلستي و عقبت قائلة: "أبقى سيب العربية و روح الشغل ماشي".

قلت لها: "ليه تاني؟! ده أنا اللي صاحي بدري النهاردة!"

أصل عندنا اللي بيصحى بدري هو اللي بياخد العربية!!!!!!



إبراهيم غانم
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق