Home » » «ملحمة التطور البشري»

«ملحمة التطور البشري»

رئيس التحرير : Unknown on الثلاثاء، 29 أبريل 2014 | 10:34 ص


في مقدمة كتابه «ملحمة التطور البشري» الصادر عن دار مدارك للنشر والتوزيع، والفائز بجائزة الشيخ زايد لهذا العام، كتب الدكتور سعد الصويان قائلاً: «حينما شرعت في تحرير الكتاب ما كنت أتوقع أن يصل إلى هذا الحجم، ولكن إذا كانت تواريخ الأمم، بل سيرة حياة فرد واحد من البشر تصل إلى مئات الصفحات، فما بالك بسيرة الجنس البشري عبر مئات الآلاف، بل ملايين الأعوام، ومع ذلك لا بد من الاعتراف باستحالة الإحاطة بأي موضوع، وقول كل ما يمكن أن يقال عنه بين دفتي كتاب واحد»، موضحاً أن غالبية الأفكار التي يتناولها الكتاب مبسوطة في مصادر أجنبية، ربما لا تكون متاحة لمعظم القراء العرب ،وبلغات قد لا يتيسر للبعض التعامل معها. وقال الصويان في حوار مع «الحياة» إنه لم يقدم كتابه لنيل جائزة وزارة الثقافة والإعلام التي توزع خلال معرض الرياض الدولي للكتاب، بسبب مضمونه، ومنعاً لإحراج الجائزة، التي أشار إلى أنه يعرف حدودها. إلى الحوار:

> بحكم اهتماماتك في مجال الآنثروبولوجيا، هل لك أن تعرِّف لنا هذا العلم؟

- الآنثروبولوجيا هو علم الأمم المتحضرة، لكن موضوعه البحث عن البذور البدائية للحضارة البشرية، وجذور التاريخ الإنساني، والغوص إلى أعماق النفس البشرية بحثاً عن طبيعة مشتركة بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والطبيعة. نظرة الآنثروبولوجيا للمجتمعات الأخرى، وخصوصاً البدائية منها، ليست نظرة إدانة وازدراء، وإنما نظرة متفحصة ترى في مؤسسات المجتمعات البدائية الأصول الأولى التي انبثقت منها مؤسسات العالم المتحضر. هذه الرسالة التي يحملها الفكر الآنثروبولوجي هي التي أهلته لأن يحتل موقعاً مميزاً في عالم اليوم، فهو ليس مجرد تخصص أكاديمي أو فرع من أفرع العلوم الاجتماعية والإنسانية. إنه نقلة نوعية أسهمت في تشكيل الفكر المعاصر، وتحديد مسيرته على الطريق الصحيح نحو فهم الطبيعة البشرية والتعايش الإنساني، وتحرير العقل من العنجهيات المذهبية والعنصرية والشوفينيات العرقية، بل إلى ربط الإنسان بالطبيعة بعدما كان ينظر إلى نفسه ككائن فوق الطبيعة. إنها فلسفة حياتية ونظرة انفتاحية تسامحية تقر مبدأ النسبية الثقافية، وتشرع الأبواب نحو تقبّل الآخر والحوار السلمي مع الإقرار بالحق في الاختلاف. إنها تمثل روح العصر الحديث التي تنبذ الخطاب المنغلق على نفسه، والمتمترس خلف تحيزاته وتخلّفه وجهله.

> في عصر الحداثة والعولمة، هل الآنثروبولوجيا قادرة على أن تعيد النظر في اهتماماتها؟

- من أولويات الآنثروبولوجيا درس وفهم التغير والتطور والتكيف. هذه من المفاهيم الأساسية في الآنثروبولوجيا. لذا فمن باب أولى أن يستجيب هذا العلم نفسه لمعطيات التطور، ويتكيف مع المستجدات. ويكفي لقياس وتيرة تغير الاهتمامات في هذا المجال الاطلاع على عناوين رسائل الماجستير والدكتوراه التي يتقدم بها طلاب الجامعات الأميركية خلال الأعوام الأخيرة. ولا ننسى أن من أهم إفرازات مفاهيم الحداثة والعولمة مفهوم حوار الحضارات، ومفهوم حوار الأديان، وهي حوارات تنطلق من معطيات آنثروبولوجية صرفة، أهمها مفهوم النسبية الثقافية، فنحن نعيش الآن عصر حوار الحضارات والأديان الذي قدم الفكر الآنثروبولوجي إسهاماً فعالاً في تشكيله وتوجيهه.

> هل من مجال لإعادة صياغة المفهوم الآنثروبولوجي للإنسان الذي هو أساس هذا العلم.. حالياً؟

- بخلاف المفاهيم الأخرى التي تجعل من الإنسان كائناً متعالياً على الطبيعة، منفصلاً عنها ومتضاداً معها، فإن المفهوم الآنثروبولوجي للإنسان يعتبره جزءاً من الطبيعة تصدق عليه قوانينها مثله مثل غيره من الكائنات الأخرى. الثقافة حرّرت الإنسان من سلطة الطبيعة، ومكّنته من تسخيرها لخدمة أغراضه وطموحاته اللامحدودة، لكن امتلاك الثقافة لا يعطي الإنسان ميزة بقدر ما يلقي عليه مسؤولية تجاه حفظ التوازن البيئي، والحفاظ على البيئة بدلاً من تدميرها. من طبيعة الثقافة الإنسانية أنها بقدر ما تعمل على تلبية حاجات البشر المادية والتقنية، لا تكف عن تجاوز متطلبات البقاء لخلق حاجات جديدة على حساب البيئة، التي تتحول عناصرها من مجرد وسائل للبقاء وسد الحاجات الأولية إلى سلع تجارية لا تحددها علاقة الإنسان مع البيئة، بقدر ما تحددها علاقة الإنسان مع الإنسان، أي علاقات التنافس على المستويات الاجتماعية والاقتصادية. الآنثروبولوجيا نبّهت إلى أن نهم الإنسان وطموحاته اللامحدودة يؤديان إلى استنزاف موارد الطبيعة وخلق المشكلات البيئية، بل حتى السياسية والاجتماعية، فكلما ازدادت قبضة الإنسان على الطبيعة، ازدادت قبضته على أخيه الإنسان، لأن التقدم التكنولوجي والاقتصادي يعني ظهور الطبقية الاجتماعية والاقتصادية، وازدياد نفوذ السلطة السياسية.

> كيف للآنثروبولوجيا أن تقرأ الإنسان «الآن» المقهور والمهمش والمطحون في ظل المتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي تحاصره؟

- الآنثروبولوجيون - بحكم تخصصهم - هم الأكثر التصاقاً بقضايا الإنسان وهمومه، وهم الأكثر تعاطفاً وتضامناً مع المهمشين وتبني قضاياهم والدفاع عنها، لأن الإنسان قيمة في حد ذاته بالنسبة لهم، ولا ننسى أن الآنثروبولوجيين هم من وقف ضد التمييز العنصري والاستعلاء الثقافي للرجل الأبيض. الآنثروبولوجيا تشخص وتصف العلاج، لكن السياسة هي المسؤولة عن سنّ القوانين وتطبيق ما تقدمه الآنثروبولوجيا من مرئيات وتوصيات. ومعظم المؤسسات الدولية التي تعنى بقضايا الإنسان وتحسين ظروفه المعيشية، خصوصاً في الدول النامية، قامت على أكتاف الآنثروبولوجيين. وعموماً فهي لا تنكر التغيير ولا تقف في وجهه، بل إنه بفضل النتائج التي تمخضت عنها الأبحاث الآنثروبولوجية تبيّن أن الاختلافات بين الأمم والشعوب والتغيرات الاجتماعية والثقافية ليست أموراً مقلقلة تبعث على الخوف والتوجس، لذا تحولت النظرة من رفض وإدانة للتغيير إلى محاولة لتفسيره وتقبله كأمر طبيعي، ومحاولة اكتشاف آلياته، والتعامل معه بعلمانية وعقلانية.

> يقول الكاتب عبدالرحمن منيف: «كم في الإنسان من قوى غير قابلة للكسر والإلغاء» هل لا يزال الإنسان كذلك؟

- المهم أن نتلمس هذه القوى ونحاول اكتشاف مكامنها لتفعيلها لمصلحة الإنسان.

> ثقافة المجتمع وأدلجته.. كيف أثرت في الإنسان العربي الذي أصبح الاقتصاد العالمي يتحكم في سلوكه؟

- الثقافة الماضوية وتشبث العربي بكل ما هو قديم، ورفضه للتغير، وعدم فهمه لآليات التطور، أسباب جعلت منه كائناً ثبوتياً غير قادر على التكيف مع معطيات العصر، وتحويرها لما هو في مصلحته. الأمم الأخرى تعيش في الحاضر وتعد العدة للمستقبل، بينما نحن نفتش في كتب السير لنبحث في الماضي البعيد عن الأجوبة لكل الأسئلة. نتوقع من أبطال الماضي الأسطوري أن يهبوا ليخوضوا عنّا معارك الحاضر.

> في واقع الإنسان اليوم.. كيف يمكن أن نتحدث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان، في وقت يتعرض فيه كيان الإنسان للهدر، لتستلمه مشاريع التفتيت والعنصرية وحروب الهوية؟

- هذه المخاطر ينبغي أن تكون هي الحافز الذي يدفع الجميع نحو السعي الجاد للتأكيد على مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان.

> ما الدور الذي يمكن للآنثروبولوجيا القيام به للتخطيط بنهوض واقع الإنسان اليوم؟

- دورها مساعدة الإنسان في فهم نفسه على حقيقتها. الآنثروبولوجيا أداة تزيح الغشاوة عن العقول، والأقنعة عن الوجوه، حتى نستطيع التعرف على أنفسنا كما نحن حقيقة، لا كما نتمنى أن نكون، ونستطيع معرفة الآخر كما هو حقيقة لا كما نتصوره أو نريد له أن يكون. هكذا نفهم أنفسنا ونتقبل الآخر، ونضع أيدينا بأيدي بعضنا لصنع كل ما هو خير للإنسان والبشرية جمعاء.

> كيف يمكن تجاوز المواقف الدفاعية التي تعتبر أن التراث له كامل القدرة على مواجهة الهيمنة الحضارية والعولمة؟

- حينما يتولى أمر سياساتنا وتسيير دفة اقتصادنا وتشكيل وعينا أناس يحترمون الماضي، لكنهم أيضاً يحاولون فهم الحاضر ونبؤات المستقبل، لإعداد العدة له، والإسهام في توجيهه وتشكيله.

> «ملحمة التطور البشري».. ما مدى سعادتك بهذا المنجز؟ وما القادم المنتظر؟

- لم أكن أتوقع أن يحظى هذا العمل الضخم بهذا الاهتمام من القراء السعوديين، وهذا هو مصدر سعادتي. وللعلم فإن كثيراً من دور النشر رفضته لاعتقادها أنه لن يُسوِّق، ولن يفسح في السعودية، وهي تعد السوق الأولى لتصريف الكتب العربية، لكن دار مدارك غامرت ونشرته، وأرجو أنها لم تندم. أما القادم فأنا الآن أعمل بالتوازي على مشروعين كبيرين، أحدهما اخترت له عنوان: «من الأسطورة إلى التنزيل: تطور المفاهيم الدينية في الشرق الأدنى»، وهو عبارة عن تتبع لجذور الدين ابتداء من بلاد سومر ومصر القديمة، أما العمل الآخر فمعجم موسوعي ثقافي شامل لمفردات اللهجة العامية والشعر النبطي، وكل ما يتعلق بمعيشة القرية وحياة البادية وطبيعة الصحراء، بتضاريسها وأنوائها ونباتاتها وحيواناتها.

> هل توقعت أن تحصد «الملحمة» جائزة الشيخ زايد أو أية جوائز أخرى؟ وهل قُدمت للترشح لجائزة وزارة الثقافة والإعلام؟

- لم أقدم الكتاب لجائزة وزارة الثقافة والإعلام نظراً لمضمونه، ومنعاً لإحراجهم، فأنا أعرف حدودهم، وأقدر ظروفهم. وعموماً أنا لم أكتب الكتاب أصلاً طمعاً باقتناص الجوائز، وإنما لتدبّر إشكالات ومسائل كانت تشغل ذهني وأبحث لها عن إجابة. أما الفوز بجائزة الشيخ زايد فهو محطة مهمة من محطات حياة من يفوز بها، ليس فقط لعائدها المادي المجزي، وإنما أيضاً لما تحظى به من اهتمام عالمي وتغطية إعلامية واسعة. ولا يقل شأناً عن ذلك أنها مقياس دقيق لأهمية إنجاز الفائز، إذ إن معايير الاختيار فيها حيادية موضوعية تحكمها الاعتبارات العلمية فقط، وفوز سعد الصويان بالجائزة على رغم قلة الحيلة والأعوان، وخصوماته مع الإعلام، أبلغ دليل على حياديتها وشجاعة القائمين عليها. فوز ملحمة التطور البشري بجائزة الشيخ زايد أثلج صدري، ليس لأنني مؤلف الكتاب فحسب، وإنما الأهم من ذلك أن فوز هذا الكتاب بما يطرحه من قضايا ومضامين مؤشر قوي على أن شعوبنا وحكوماتنا بدأت تتسع صدورها لطروحات فكرية وعلمية كانت شبه محظورة حتى وقت قريب، ما يعني أننا لم نعد نرتاب من الطروحات العلمية الموضوعية التي لا تغلفها المسلمات الآيديولوجية والتوجهات السياسية. فشكراً للقائمين على الجائزة ورحم الله الشيخ زايد.


إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق