كتبت - شيماء فؤاد
تذكرة إلى عالم ” الفيل الأزرق ” الغرائبي ، احتشد من أجلها الكثيرون فى ترقب ، ها هى القاعة تظلم ، و ينكشف الستار ، عن استعراض حركى يعكس لنا هذا التيه الإنسانى الذى نخوضه فى عوالم ” الفيل الأزرق ” و ينقل لنا الشعور بالتشابك و الارتباك الذى نعايشه فى النص الأصلى للكاتب ” أحمد مراد ” الجالس بين الحضور يتابع العرض قبل أن ينسدل الستار على الفيل للمرة الأخيرة .
و استطاعت فرقة ” الحلم ” أن تقدم تلك الرواية المركبة و المربكة للمسرح بشكل جيد و إن لم تكن بنفس جودة الرواية لبساطة الإمكانيات و الذى عوضه الفريق بمزيد من المجهود انعكس على أدائهم المسرحى .
و لكن من لم يقرأ الرواية سيشعر بنوع من الالتباس و عدم الفهم لبعض المشاهد التى تمثل موت “مايا” التى رأيناها تجرى بعيدا ثم أعلن موتها دون توضيح ملابساته التى جاءت فى الرواية ، و المشاهد الخاصة برحلات البطل إلى العالم السفلى من خلال حبوب الفيل الأزرق حيث تصبح المشاهد أكثر تشوشا و ارتباكا كما يجب أن تكون لتعكس هذا العالم الخفى المتشابك كخيوط العنكبوت .
فى 90 دقيقة هى مدة العرض اختزلت الرواية إلى مشاهد متلاحقة حافظ فيه العرض على جوهر الرواية و تسلسل أحداثها و ذروتها ، لتنقل لنا كواليس العالم الغريب الذى شيده مراد بحرفية عالية ، سابرا أغوار النفس الإنسانية .
ها هو يحيى يظهر على المسرح ، الطبيب النفسى الذى عاش فى عزلة اختيارية خمس سنوات يحاول فيها الهرب من نفسه و شعوره بالذنب لفقد زوجته و ابنته فى حادث سيارة ، و إذا به يتسلم جواب ينتشله من عزلته و يجبره على مواجهة الحياة من جديد ، ليعود إلى عمله بمستشفى العباسية فى عنبر ” 8 غرب ” القسم الذى يقرر مصير مرتكبى الجرائم .
و هناك تنقلب حياته رأسا على عقب ، بعد اكتشافه أن صديقه القديم نزيل فى العنبر و متهم بقتل زوجته ، هذا الصديق الذى حمل له ماضيا جاهد طويلا أن ينساه ، وعودة حبه القديم الذى لم يفلح الزمن فى محوه ، و عاش يحيى بعده ناقصا تائها ، لم يستطع حب زوجته أو مايا التى وصفها مراد بأنها أهم ثالث اختراع فى التاريخ بعد الكهرباء و الكحول ” مايا 28 سنة خبرة ” .
تتوالى المفاجآت خلال رحلة بحث يحيى عن الحقيقة ، ليغوص فى عوالم الازدواجية و الانفصام و منها للسحر و الشعوذة ، على ظهر ” الفيل الأزرق ” يخوض رحلة تحبس الأنفاس ذهابا و عودة إلى العالم السفلى ، و ما بدأ كمحاولة لاكتشاف حقيقة صديقه تتحول لرحلة مثيرة لاكتشاف الذات .
و فى النهاية ينسدل الستار على يحيى و هو ملقى أرضا ، ليعلن لنا أن الصراع بين الخير و الشر لم ينتهى ، طالما الحياة مستمرة .. الصراع مستمر .
أجواء العمل
العرض من إعداد و إخراج : آيات مجدى ، و الممثلين عماد الشرقاوي فى دور يحيى ، و مصطفى مهدى فى دور شريف ، ولاء يوسف فى دور لبنى ، رحاب جلال فى دور بسمة ، و سارة عمر فى دور ديجا ، و لقاء الصرفى فى دور مايا ، و محمد جمال فى دور سامح ،و هشام أبو زيد فى دور عم سيد ، و أحمد مصطفى فى دور الممرض محسن ، و أمنية أحمد فى دور د. صفاء مديرة المستشفى .
و موسيقى العمل لمصطفى كومى ، و الإضاءة لأحمد عادل ، و استعراض ولاء يوسف ، و ديكور محمد وهبه .
الشرقاوى و مهدى كانا الأكثر امتيازا فى الأداء التمثيلى ، و استطاع مهدى فى دور شريف بدخوله المفاجئ من جانب المسرح و هو متكور على ذاته يضم رجليه إلى صدره ، بوجها يعلوه نظرة ذاهلة ، أن يجذب انتباه الجمهور بتعبيراته المتقنة .
أما عن كوميديان العرض أحمد مصطفى فى دور محسن ،فاستطاع أن ينتزع بأدائه التلقائى ضحكات الجمهور التى تتعالى كلما دخل المسرح ، و صوت الممثلات رغم أنه جاء منخفضا بعض الشئ ، و لكن استطاعت صرخة ولاء يوسف المدوية فى دور لبنى أن تهز قلوب الحاضرين فى مقاعدهم .
و رغم بساطة الديكور و لكنه يجذبنا إلى عالم الرواية بهذا الوشم الشيطانى الذى يتوسط المسرح بعينان حمراوين ، و أنيابه التى تكشر عن نفسها ، و على يمين المسرح العلامة التجارية لكحول ” JACK DANIELS ” الذى لم يفارق البطل فى محاولاته لتغييب نفسه عن العالم و ما فيه ، و على يسار المسرح مقولة ” ما بين الكاف و النون .. قوله الحق و له الملك ” و التى تحمل حل اللغز .
اقتصر الأثاث على بضعة كراسى و تربيزة كان يحركها الممثلين دخولا و خروجا إلى المسرح ، دون الحاجة إلى غلق الستار ، و هو أمر لم نعهده من قبل ، و لكنه يغنيك عن الفضول عما يجرى خلف الستار بعد غلقه .
أما عن الإضاءة و الموسيقى التصويرية فعكسا تواتر الأحداث ، و الحالة النفسية للشخصيات و انفعالاتها بشكل جيد .
و فى نهاية العرض الذى أقيم على مسرح ساقية الصاوى ، التف الحاضرون حول الكاتب أحمد مراد ، الذى حيا التطور التمثيلى للفرقة منذ بدء العرض فى شهر مارس ، و عبر عن رضائه عن العرض الذى خرج بشكل جيد .
إرسال تعليق