Home » » الحقد الثقافي والعمى الإيديولوجي : سعيد يقطين

الحقد الثقافي والعمى الإيديولوجي : سعيد يقطين

رئيس التحرير : Unknown on الأحد، 1 يونيو 2014 | 8:43 ص


حبّك الشيء يعمي ويصم. لكن كراهيتك الشيء، تصم وتعمي أيضا. إذا كانت الأهواء، أيا كانت طبيعتها، تصرف النظر عن استعمال الفكر والعقل، عند الإنسان العادي، فإنها، أيضا، يمكن أن تصيب المثقف بالحقد والعمى، فتجعله يتصرف بمنأى عما يلوح به من شعارات كالعقلانية والعلمانية وحقوق الإنسان، فتبدو ردود أفعاله غير مختلفة عما يمارسه بعض الناس، بلا أخلاق ولا قيم ولا مبادئ.
تناولت بعض وسائل الإعلام المغربية هذا الأسبوع نبأ قبول ثلاثة ناشطين أمازيغيين دعوة موجهة إليهم من لدن مركز «موشي دايان»، التابع لجامعة تل أبيب للمشاركة في ندوة «أكاديمية» للتعريف باللغة الأمازيغية وثقافتها. وليست هذه أول مرة تلبى فيها دعوات إسرائيلية لنشطاء من الحركة الأمازيغية. بل إن في تصريحات بعضهم ما يؤكد أن العلاقات مع إسرائيل يجب أن توطد، وأن العبرية نموذج يجب أن تقتديه اللغة الأمازيغية.
لنا أن نتساءل عن حيثيات دعوة إسرائيل لهؤلاء النشطاء للحديث عن الأمازيغية في تل أبيب، في الوقت الذي حرمت فيه مجموعة من المثقفين المغاربة (بغض النظر عن عرقهم، إذ كان فيهم أمازيغ)، وبعض المثقفين العرب من حضور معرض الكتاب الفلسطيني في رام الله، ولم تصرح لهم حتى بالدخول إلى الأراضي الفلسطينية؟ وفي الوقت نفسه، يمكننا أن نتساءل: لماذا لم يدع أكاديميون مغاربة من جامعات مغربية للحديث عن اللغة العربية وثقافتها في تل أبيب؟
منذ أن بدأت الحركة الأمازيغية، تنحرف عن مسارها، من لدن بعض النشطاء، وصارت حركة عرقية، لا قضية وطنية تتعلق بالتنوع الثقافي واللغوي الذي يعرفه المغرب، والذي يمكن تناوله من خلال الحوار الديمقراطي بين مكونات المجتمع المغربي، بدأ يظهر خطاب الكراهية والحقد ضد كل ما هو «عربي». حتى أن كلمة «عربي»، و»عروبة»، بل صار جذر كلمة (ع.ر.ب) يثير لدى البعض من هؤلاء حساسية زائدة، واشمئزازا منقطع النظير، فبات أحدهم يرى ضرورة إلغاء كلمة «العربي»، عندما ينعت بها المغرب، حين يعني الدول الخمس، واستبدالها بكلمة «المغرب الكبير». وحتى كلمة الربيع «العربي»، استثقلها لسان هذا البعض، فكان يستعمل «الربيع الذي عرفته دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».
إسرائيل الدولة الاستيطانية تبذل كل جهودها لتغيير معالم الجغرافيا والتاريخ العربيين في المنطقة التي اغتصبتها بالعنف والقوة والمال، وتعمل ليل نهار على سرقة تراث العرب الفلسطينيين وتدعي ملكيته، وهي ترمي إلى خلق واقع لا مكان فيه لكلمة «العربي»، وكل ما يتصل بها من ديانات ومذاهب، كي لا يبقى إلا المجال اليهودي، وتصر بذلك على أن «الدولة يهودية»، ويجب على الجميع الإقرار بذلك. أليست هذه عرقية وعنصرية تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان ومع العصر؟
الحقد الثقافي يتولد عن العمى الإيديولوجي فتتولد عن ذلك الكراهية التي تقوم على الإلغاء والإقصاء بحجة الدفاع عن الحق الثقافي. فيكون الهوى الذي يعمي ويصم، وتصبح كل الأفعال الموجهة ضد الآخر مبررة ومستساغة مهما كانت منافية للعقلانية والعلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان ولكل الشعارات التي يتم التشدق بها. لقد كان من بين هؤلاء النشطاء من كان في اليسار، ولعلهم أدرى الناس بالشعارات التي يرفعون. ولكن الهوى يعمي ويصم. ماذا يضير، بعض هؤلاء، أن يدافعوا عن قضيتهم وفي الوقت نفسه ينأون بأنفسهم عن الحقد الثقافي والعمى الإيديولوجي، فيتبنون شعارات حقوق الإنسان بالنسبة للفلسطيني ولغيره، ويعتبرون القضية الفلسطينية قضية أمازيغية، كما ظل المغاربة، أبدا يعتبرونها قضية وطنية؟ ماذا يسوؤهم أن تكون القضايا العربية، قضية أمازيغية، بدون لبس عرقي، وتكون القضية الأمازيغية قضية وطنية وعربية لا عنصرية؟ إن العمى لا يمكن أن ينجم عنه غير العمى. وإسرائيل لا يمكنها سوى أن تغذي هذا الحقد وتلك الكراهية.
بعد اطلاع سيمون أسيدون على خبر الدعوة الصهيونية للناشطين الثلاثة، وجه إليهم رسالة مفتوحة، يتكلم فيها بلسان العقل والوطنية والنضج الحقوقي الإنساني، لا الهوى والحقد والكراهية، موضحا أنهم يرتكبون خطأ جسيما بتلبيتهم هذه الدعوة. وأبان في رسالته عن كون العديد من الجامعيين العالميين، ومنهم يهود وأمريكيون ومن مختلف دول العالم يقاطعون التعامل مع الجامعات الإسرائيلية لأنها مبنية على أساس التمييز العنصري الذي يعامل به الطلاب والطالبات الفلسطينيون، ولأنها أيضا تعمل بشكل مستمر لفائدة جيش الاحتلال.
اعتبر سيمون أسيدون قبول الدعوة تعبيرا عن جهل هؤلاء بطبيعة المؤسسة الأكاديمية. ولو كان الأمر كذلك لالتمسنا لهم العذر، لأنهم أكبر من جهل إسرائيل وتاريخها العنصري. لكن الأمر يتعلق بتصور خاص ينطلقون منه في تعاملهم مع القضية الأمازيغية التي يعتبرونها نقيض القضية العربية، وما معاداتهم لكل ما هو عربي إلا دليل على ذلك. وهذا العمى الإيديولوجي هو الذي يقودهم إلى التعامل مع عدو العربي، أي إسرائيل. لكن إسرائيل لا تعادي العرب، هكذا على الإطلاق، بل تسعى لكسب ودهم. إنها تعادي كل من يطالب بحقوق الإنسان في إسرائيل، وتعادي كل من يقول بأنها دولة عنصرية، سواء كان هذا المطالب فلسطينيا أو يهوديا أو عربيا مسيحيا كان أو مسلما أو أمريكيا.
الحقد الثقافي والعمى الإيديولوجي ضد أي قضية مهما كانت عدالتها، لأنهما ضد العقل والتاريخ، وضد الديمقراطية وحقوق الإنسان.

سعيد يقطين
القدس العربي
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق