Home » » إبراهيم غانم يكتب : في البلكونة ! "الأسعار" ؟!

إبراهيم غانم يكتب : في البلكونة ! "الأسعار" ؟!

رئيس التحرير : Unknown on السبت، 21 سبتمبر 2013 | 10:08 ص

 
 
عادتي منذ نعومة أظفاري هي الجلوس في البلكونة، صاحبتني حتى وقتنا هذا، جلست بشرفة منزلي في الصباح الباكر. أشعلت سيجارتي، أحتسي قهوتي. حولي جو السكون إلا من العصافير التي تغدوا خماصاً، القطط تتشاجر في الأسفل. اجتررت ذكريات طفولتي حينما كنت أذهب لأشتري حاجات المنزل بصحبة فكيهة الخادمة و عقدت المقارنة بين أسعار السلع في الزمن الجميل و أسعار الآن. فارق السما من العمى!!!! وقتها كانت أسعار السلع لسنوات طوال لا تتغير مع تقدمي في العمر إلا بعض الشيء و على استحياء. الآن فالأسعار تتغير بمضي الدقائق و لم أبالغ في ذلك إن قلت. بل و تتغير سعر السلعة الواحدة من متجر لمتجر مجاور و كلها باتجاه الزيادة المضطردة و ليس بالنقصان أبداً، كأن الأسعار لا تعرف أي اتجاهاً غير الصعود إلى أعلى فقط و الذي يلازمه بالتبعية صعود روح المستهلك إلى الرفيق الأعلى!!!!!! تذكرت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر حينما طلب السيد زكريا محي الدين رئيس الوزراء و نائب رئيس الجمهورية آنذاك مقابلة السيد الرئيس و لم يذكر سبب المقابلة. و جاءه هاتفاً في المساء و كان على الطرف الآخر الرئيس، و حسب الرواية دار الحوار: الرئيس: أنا جمال عبد الناصر. إنت طلبت تقابلني؟ زكريا: أيوه يا ريس. الرئيس: عشان تغلي الرز من أربعة صاغ و نص لخمسة صاغ! زكريا: صمت و لم يعقب. يدور بخلده كيف عرف الرئيس؟! الرئيس: أوعى تيجي جنب أكل الغلابة. أقعد في بيتكوا. أغلق الرئيس سماعة التليفون. لقد أقال الرجل من منصبه و أقال الحكومة بكاملها من أجل خمس مليمات فقط زيادة! الآن كيلو الأرز ثمنه أربعة جنيهات هي ثلث راتب الموظف الحكومي في زمن جمال عبد الناصر!!!!!!! كان في هذا الزمن الملقب بلغة أهل الإعلام و الفن بالزمن الجميل يوجد مفتش التموين الذي لا يدخر جهداً في ممارسة مهام وظيفته بكل أمانة و صرامة ممتلكاً أدواته كصفة الضبطية القضائية. يحرر المحاضر بمخالفة السعر و تحال إلى قضية عقوبتها الغرامة و الحبس الوجوبي. كل هذا من أجل رفع سعر السلعة لقرش صاغ واحد. الآن ترفع سعر السلع جنيهات بين دقيقة و الأخرى و لا يتحرك ساكناً بل تصب على رؤسنا المسكنات: (الأسعار العالمية ـ سلة العملات ـ العرض و الطلب ـ القوة الشرائية ـ جشع التجار ـ سنبحث، بيد أن، حيثما، ريثما، ليثما، و ما شابه ذلك من تصريحات و تبريرات واهية). بعض مفتش التموين مؤهله دبلوم الزراعة و راتبه ثلاثمائة و خمسون جنيهاً في أحسن الأحوال علاوة على ذوي النفوس الضعيفة منهم و أصحاب الذمم الخربة، و الباقي ملوش لازمة بقى نقوله. عن أسعار السلع حدث و لا حرج: متجر البقالة بجوارنا في وسط المدينة التي أقطن بها يزيد عن كل سلعة من خمس و عشرون قرشاً إلى خمسون قرشاً عن المحال الأخرى، كأنك تقطن في قاع الريف أو منطقة نائية. محال أخرى بها سعر للسلعة بمبلغ ما يقل عن مثيلها في محل أخر، و من ناحية أخرى يزيد سعر سلعة أخرى عن مثيلتها بالمحل المجاور. ما هذا التضارب؟؟؟!!!!! أنه مولد سيدي الأسعار برعاية كلاب التجار و مؤازرة حكومية غير منظورة، سعيدة مبارك عليك يا غلبان. زمان كانت الأسعار معلنة كقائمة معتمدة بالمحال التجارية، السعر مدون على السلعة من مصدرها على العبوة مطبوع، التاجر يضع لافتة سعرية على السلعة، من يخالف هذا قضية أسعار بغرامة و حبس وجوبي. أين نحن الآن من هذا؟! في نهاية للمشهد المهبب، كالمعتاد أتت زوجتي و قالت بحدة: "إنت لسة قاعد؟! بتفكر في أيه تاني؟! ح تتأخر ع الشوغل". تبسمت لها ضاحكاً و قلت لها: "بأفكر في الأسعاراللي ما بتنزلش أبداً. هي ممكن تنزل؟" قالت برقة غير معهودة: "ممكن يا حبيبي تنزل لك".... سألتها ببراءة طفل: "هي أيه اللي ح تنزل لي؟" أجابتني: "البواسير من كتر قاعدتك في البلكونة. قوم أتنيل روح شغلك ح تتأخر"......

إبراهيم غانم
إنشر هذا الخبر :

إرسال تعليق