بقلم: السيد يسين
هل مثل الخروج الشعبي الهائل يوم30 يونيو وما تبعه من التدخل الحاسم للقوات المسلحة في3 يوليو انقلابا عسكريا كما تزعم أبواق جماعة الإخوان المسلمين الكاذبة، أم أنه كان انقلابا شعبيا؟
ما حدث من وجهة نظر موضوعية بحتة سيحكم التاريخ بصحتها أنه كان انقلابا حقيقة ولكنه كان انقلابا شعبيا! ولأنه غير مسبوق في التاريخ العالمي المعاصر أن تخرج عشرات الملايين من أبناء شعب ما لإسقاط نظام استبدادي أساء استخدام الشرعية الديمقراطية, واتخذها تكئة لإقامة حكم ديكتاتوري خالص, فإن المراقبين السياسيين الغربيين والذين لم يتعودوا إلا علي الانقلابات العسكرية التي تقوم في بلاد العالم الثالث, سرعان ما استخدموا وصف الانقلاب العسكري لوصف حركة الشعب المصرية الثورية الجسورة.
وهذه الدول الغربية وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي ما اتخذت هذا الموقف العدائي من الخروج الشعبي ضد حكم الإخوان المسلمين وإسقاطه إلا لأن المخطط الاستعماري الجديد الذي وضعت الولايات المتحدة الأمريكية خطوطه الأساسية قد سقط نهائيا وإلي الأبد.
وهذا المخطط والذي بدأت تباشيره عام2003 بمجموعة من الأبحاث التي قامت بها مؤسسة راند الأمريكية- والتي هي بمثابة العقل الاستراتيجي الأمريكي- تدور كلها حول ما أطلقت عليه الإسلام الليبرالي وذلك لكي تؤكد أن الإسلام المعتدل ليس مناقضا للديمقراطية والليبرالية, ومن ثم انتقلت هذه المؤسسة البحثية إلي خطوة أوسع حين دعت صراحة إلي أهمية إنشاء وتمويل شبكة متكاملة من الكوادر الإسلامية التي تدين بهذا الإسلام الليبرالي, واعتبرت أن جماعة الإخوان المسلمين يمكن أن تكون ممثلا لهذا التيار.
وتكاملت الحلقات حين بذلت الولايات المتحدة الأمريكية جهودا دائبة لإسقاط نظام مبارك عن طريق تمويل وتدريب عشرات من كوادر مؤسسات المجتمع المدني, علي أساس أن البديل الجاهز سيكون- لو تضافرت الجهود لذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- هم جماعة الإخوان المسلمين.
وتشاء تعقيدات المرحلة الانتقالية في مصر بعد ثورة25 يناير التي كانت بلا قيادة وبلا ايديولوجية محددة ونتيجة لصفقات سياسية مشبوهة بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين, وبعد نتيجة الاستفتاء بأن الانتخابات تعقد قبل وضع الدستور, أن تحصل جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي علي أغلبية مجلسي الشعب والشوري, وبعد ذلك تم انتخاب محمد مرسي رئيسا للجمهورية وبذلك أغلقت الدائرة!
هذا هو تفسير العداء الأمريكي للموجة الثورية الهادرة في30 يونيو وما تبعها من الإسقاط النهائي لحكم الإخوان. وذلك لأن الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي أنها لا يمكن أن تقبل بانقلاب يؤدي إلي عزل رئيس منتخب, هي نفسها الدول التي قامت مباشرة بانقلابات عسكرية في عديد من بلاد أمريكا اللاتينية.
ومن أبرزها علي الإطلاق الانقلاب العسكري الذي دبرته لإسقاط الليندي رئيس جمهورية شيلي لأنه كان عدوا لدودا للمخططات الاستعمارية الأمريكية. وهذه الدولة التي كانت إلي حد قريب تتصرف كإمبراطورية تتحكم في العالم والتي تتشدق بحماية حقوق الإنسان علي مستوي العالم هي أكبر دولة تخرق هذه الحقوق جهارا نهارا.
وتكفي الإشارة إلي غزوها لأفغانستان وحربها الإجرامية غير المشروعة ضد العراق, وممارستها للتعذيب المنهجي لمن تقبض عليه ممن تعتبرهم أعداءها للتدليل علي أنها من أكبر الدول التي تخرق حقوق الإنسان في العالم.
وبالتالي فهي ليست بأي معيار حجة دولية للحكم علي سلوك الدول, ومن ثم لا ينبغي الاهتمام برفضها للموجة الثورية في30 يونيو, لأن الخروج الشعبي في هذا اليوم هو الذي أسقط مخططاتها الاستعمارية للسيطرة علي الشرق الأوسط من ناحية, وخطة الإخوان التخريبية لتقويض أركان الدولة وفقا لخطة أخونة الدولة وأسلمة المجتمع.
وقد عملت جماعة الإخوان بدأب شديد لتدمير وزارة الداخلية والنيل من قوات الشرطة, كما أنها استهدفت المؤسسة القضائية أولا بمحاولة إلغاء الأحكام التي صدرت ضد التجاوزات الدستورية والقانونية للرئيس المعزول ومجالسه المنتخبة الباطلة, وثانيا من خلال السيطرة علي المحكمة الدستورية العليا لفصل المستشارين الذين لا ترغب في وجودهم, وأخيرا في التفكير لتحديد سن المعاش للقضاة بما لا يزيد علي70 عاما, وبالتالي فصل ما لا يقل عن400 قاض لتحل محلهم مجموعات كبيرة من المحامين الإخوان, حتي تسيطر علي أحكام القضاء باتجاهاتها المتطرفة.
وكانت تعد العدة للانقضاض علي القوات المسلحة, خصوصا بعد أن وقفت قياداتها معارضة للتوجهات المنحرفة للرئيس المعزول في مجال الأمن القومي المصري, والتي تتمثل في محاولة كف يد القوات المسلحة عن التعامل المناسب مع القوي الإرهابية في سيناء, بالإضافة إلي إصداره مئات القرارات الرئاسية بالعفو عن مجموعات واسعة من الإرهابيين الذين عادوا للإرهاب مرة أخري فور الإفراج عنهم.
ومعني ذلك أن الخروج الشعبي الكبير في30 يونيو والقرارات الحاسمة للقوات المسلحة بقيادة الفريق أول عبدالفتاح السيسي في3 يوليو أنقذت مصر من كارثة كبري كادت تطيح بالدولة وأركانها الثابتة ومؤسساتها الرئيسية الراسخة.
ومن ثم يمكن القول بكل موضوعية ان الخروج في30 يونيو والذي كان انقلابا شعبيا بحق ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين الاستبدادي وتوجهاته الخطيرة التي لا تؤمن بالوطنية ولا باحترام حدود الدولة ولا بأهمية الحفاظ علي مؤسساتها, يعد في الواقع تصحيحا لمسار التاريخ وليس من شأنه إخراج مصر من التاريخ كما زعم أحد الكتاب المناصرين للإخوان المسلمين.
والواقع أنه يستند في ذلك إلي المظاهرات التخريبية التي يقوم بها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين, والتي تؤدي إلي انفلات أمني واسع وترويع للمواطنين لكي يثبت أن السلطة الجديدة التي تشكلت بعد3 يوليو2013 عاجزة عن حكم البلاد.
وكان أولي به- لو تحلي بالموضوعية والإنصاف- أن يعقد أولا مسئولية جماعة الإخوان المسلمين عن فشلها السياسي الذريع في إدارة البلاد, وينقد توجهاتها المنحرفة لتغيير طبيعة الدولة والمجتمع.
ولو راجع نفسه, لما كرر الأكاذيب التي تنشرها الجماعة في العالم عن القمع الذي تعرضت له مظاهرات أعضائها السلمية المزعومة, مع أنهم هم الذين يمارسون العدوان المنهجي علي الشعب والذي انتقل إلي مرتبة الإرهاب الصريح.
الاهرام
إرسال تعليق