بقلم / محمد رمضان فيض الله
النبي صلى الله عليه وسلم عرفَه التاريخ.. برجاحة عقله، وفصاحة لسانه، وقوة حجته، وصدق برهانه، ومحكَم تشريعه، وحكمته في الدعوة إلى ربه.. بَيد أنه استطاع أن يقلِّب صفحة هذا الوجود ويغيِّر وجه التاريخ في مدة وجيزة.
وها هي آثار دعوته تدل عليه، وتلك صروح العدل التي ساوى بها العربي والعجمي تناطح السماء، وها هي مبادئه السمحة والتآخي والمساواة التي جعلت حقيرًا يجاور الأمير كتفًا إلى كتف وما أعدل الله تعالى إذ جعل التفاضل بين العباد قاصرًا على التقوى.. ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (الحجرات:13).
من هو رسول الله ؟
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو النعمة المسداة، والرحمة المهداة، يقول عن نفسه وعن اصطفائه واختياره واجتبائه: "إن الله اصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريش، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار" (رواه مسلم)، ويسأل- صلى الله عليه وسلم- الصحابة: "من أنا"، فيقولون: أنت رسول الله- ولكنه- صلى الله عليه وسلم- يريد أمرًا آخر، يريد أن يعرفهم به، وهو النسب الصحيح السليم- فيقول لهم معرفًا: "أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله لما خلق الخلق فرقهم فرقتين، فجعلني من خيرهم فرقة، ثم فرقهم قبائل، فجعلني من خيرهم قبيل، ثم فرقهم بيوتًا فجعلني من خيرهم بيتًا، فأنا من خيركم بيتًا، وأنا أطيبكم نفسًا" (رواه أحمد في مسنده)، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح" (رواه البخاري)؛ أي إن السلسلة المطهرة الكريمة التي جاء منها- صلى الله عليه وسلم- من آدم إلى نبينا سلسلة طاهرة مبرأة نظيفة، حفظها الله- تبارك وتعالى
نبيكم اصطفاه الله ورباه على عينه
يروي ابن الأثير أن النبي- صلى الله عليه وسلم-: "قال ما هممت بشيء كانت تفعله الجاهلية سوى مرتين، وحفظني الله . الأولى؛ قلت لزميل لي كنا نرعى الغنم: لو رعيت لي غنمي حتى أدخل إلى مكة، فأسمر كما يسمر الشباب، فقال: أفعل، فدخلت وفي أول مكة، رأيت عرسًا فيه غناء، وفيه وفيه، فجلست أسمع فلم أسمع، وضرب الله على أذني، ونمتُ حتى طلع الصباح، ومرة أخرى قلت له مثل ذلك ودخلت إلى مكة وصنع الله بي كما صنع في المرة الأولى" (رواه البخاري).
ويعلمنا- صلى الله عليه وسلم- أنه في إحدى المرات كان الشباب يلهو، وكانوا يحملون الحجارة، وكان كل شاب يضع ثوبه فوق كتفه، وهو يحمل الحجر، ووضع- صلى الله عليه وسلم- ثوبه فوق كتفه، ولما أراد أن يحمل الحجر، كانت عورته ستظهر، فصاح- صلى الله عليه وسلم- وألقى الحجرَ وسدل الثوب فلم يظهر منه شيء، وهكذا حفظه الله- تبارك وتعالى- ظاهرًا وباطنًا في حياته كلها؛ لأنه يعده لأمرٍ عظيم كبير ضخم شامل باقٍ مستمرٍّ إلى يوم القيامة، وهذا ما كان.
بعض من أحبوا النبي صلى الله عليه وسلم :-
الصحابة رضوان الله عليهم تفانوا فى حب النبى صلى الله عليه وسلم فكانوا يبتدرون ماء الوضوء حباً وكرامة فى النبى صلى الله عليه وسلم
- سيدنا أبو بكر الصديق فى الهجرة يمشى على الميمنة والميسرة وعن يمين النبى وعن شماله خشية ً أن يصاب النبى صلى الله عليه وسلم بأذى 0 وفى الغار لايجد ما يسد به جحراً فيضع قدمه ليسد هذا الجرح فيلدغ فيقول : يا رسول الله أنا إن هلكت فقد هلك فرد أما أنت يا رسول الله إن هلكت فقد هلكت أمه .
- سيدنا أنس ابن النضر فى غزوة أحد يدافع عن النبى صلى الله عليه وسلم حتى يصاب بأكثر من ثملنين طعنه وما يثنيه ذلك عن الدفاع عن النبى صلى الله عليه وسلم
- السيدة أم سليم تقف حائلاً أمام أحد المشركين حتى لا يصل للنبى صلى الله عليه وسلم فينال منه فينهال المشرك على كتفيها بالسف حتى يسقط كتفيها فيقول النبى صلى الله عليه وسلم : من منكم يطيق ما طاقت أم سليم فتقول : فى حبك يا رسول الله أطيق و أطيق وأطيق 0
- والنماذج أكثر من أن تحصى من الرجال والنساء والغلمان والجماد والحيوان 0
لا يكن هذا الكلب أكثر حباً للنبي منا:-
لا أدرى كيف أبدأ الكلام ولا كيف أنقل هذا الخبر الذي رواه العلامة ابن حجر العسقلاني في كتابه النفيس ( الدرر الكامنة ) ، فنحن الآن نعيش فتر ة عصيبة من حياة أمة الإسلام، فترة الانتقاص من شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ديدن كل كافر وملحد وزنديق وعدو حاقد، من شتى الملل والأجناس، من يهود وعباد الصليب وعباد البقر وممن لا دين لهم، وهكذا أصبح ذات النبي صلى الله عليه وسلم غرضاً لأنجاس البشر في كل مكان، تارة بالرسوم الساخرة والمهينة، وتارة أخرى بالأفلام الساقطة هكذا جهاراً نهاراً تحت سمع وبصر مليار وربع مسلم، والذي دفعهم لذلك علمهم بأن المسلمين لن يتحركوا ولن يغضبوا، بل سيكتفون بالألم النفسي وحسرة القلوب، والشجب والإدانة كما هي العادة، مع دعاءٍ بالويل والثبور من على منابر الجمعة، وكيف بنا إذا وقفنا بين يدي ربنا، وعلى حوض نبينا ماذا سنقول لهم؟ وللذين لا يتحركون ولا يغضبون، وللذين قتل اليأس قلوبهم، وأعمت الدنيا أبصارهم، ورضوا منها بالمأكل والمشرب والسلامة، نقص عليهم هذا الخبر:
{كان النصارى ينشرون دعاتهم بين قبائل المغول طمعاً في تنصيرهم وقد مهد لهم الطاغية هولاكو سبيل الدعوة بسبب زوجته الصليبية ظفر خاتون، وذات مرة توجه جماعة من كبار النصارى لحضور حفل مغولي كبير عقد بسبب تنصر أحد أمراء المغول، فأخذ واحد من دعاة النصارى في شتم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هناك كلب صيد مربوط، فلما بدأ هذا الصليبي الحاقد في سب النبي صلى الله عليه وسلم زمجر الكلب وهاج ثم وثب على الصليبي وخمشه بشدة، فخلصوه منه بعد جهد ..
فقال بعض الحاضرين: هذا بكلامك في حق محمد عليه الصلاة والسلام،
فقال الصليبي : كلا بل هذا الكلب عزيز النفس رآني أشير بيدي فظن أني أريد ضربه، ثم عاد لسب النبي وأقذع في السب، عندها قطع الكلب رباطه ووثب على عنق الصليبي وقلع زوره في الحال فمات الصليبي من فوره، فعندها أسلم نحو أربعين ألفاً من المغول} الدرر الكامنة جزء 3 صفحة 202 .
فيا معشر المسلمين هل الكلاب أشد منكم حباً للنبي صلى الله عليه وسلم ؟؟
(إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ).
كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام، فقال ابنه عتبة: والله لأنطلقن إلى محمد ولأوذينّه في ربه سبحانه وتعالى، فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد (هو يكفر) بالذي دنى فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك".
ثم انصرف عنه، فرجع إلى أبيه فقال: يا بني ما قلت له؟ فذكر له ما قاله، فقال: فما قال لك؟ قال: قال: "اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك". قال: يا بني، والله ما آمن عليك دعاءه!
فساروا حتى نزلوا بالشراة وهي أرضٌ كثيرة الأسد، فقال: أبو لهب إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي، وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة والله ما آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة وافرشوا لابني عليها ثم افرشوا حولها، ففعلنا، فجاء الأسد فشمَّ وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة، فإذا هو فوق المتاع فشمَّ وجهه ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه!! فقال أبو لهب: قد عرفت أنه لا يتفلت من دعوة محمد!! (تفسير ابن كثير).
تحليل المشكلة
ـ مشكلة ( التطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم ) ـ عميقة ، وما يحدث هذه الأيام ثمرة لشجرة خبيثة زرعت من قرن أو يزيد من الزمن ، ويجب قلعها من جذورها .
ـ القضية ليست شخصية تتعلق بشخص امرأة أو رجل ،أو دولة أو أخرى وإنما هو توجه عام ، أو فكر عام تم بثه بين الناس ويظهر آثاره بين حين وحين علي يد هذا أو ذاك . فتارة تجد الهجوم من الدنمارك وتارة من هولندا فالمقصد واحد وإن اختلفت الأماكن والمسميات .
ـ القضية شرعية بالدرجة الأولى ، ويمكن معالجتها علاجاً جماهيرياً شعبياً فالجماهير الآن شربت كل الكؤوس حتى ملّت ، وأصبح الخطاب الديني هو المقبول عندها وهى مهيئة بعد الربيع العربي أن تقاد بالإسلام وحينها سنجد التضحية العزيزة التي طالما تغنينا بها حقباً من الزمان
كيف نبطل سحرهم ونوقف هجومهم :-
المطلوب من المؤمنين التطبيق العملي لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يكون بـ :-
1- أن يكون الله ورسوله أحب إلينا من أنفسنا، وأحب إلينا من الناس جميعًا: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ﴾ (التوبة: 24)، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحب إلينا من أهلينا ومن أموالنا ومن كل شيء: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواه" (متفق عليه
2- أن نتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة في كل شئوننا: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب : 21)
3- أن نأخذ ما آتانا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأن ننتهي عما نهانا عنه، وهذا في الأمر الواضح المحدد من الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ (الحشر: 7)
4- كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :-
ومن أحب شخصًا أكثر من ذكره، وجعل الله- سبحانه وتعالى- ذكر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عبادة، فأمرنا بالصلاة والسلام عليه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (الأحزاب: 56). إن ذكْرنا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- بهذا الدعاء امتنانًا وعرفانًا بما أسداه إلينا، فقد أخرجنا من الظلمات إلى النور.
5- كثرة القراءة عن سيرته صلى الله عليه وسلم : فلا يعقل أن نعرف عن حياة المشاهير في شتى المجالات أكثر ما نعرف عن نبينا صلى الله عليه وسلم . فهذا شاب مهووس بكرة القدم فتراه يتتبع أخبار ناديه ولاعبيه ومبارياته فيعرف عنهم أدق التفاصيل ولا يعرف شيء عن الغزوات التي غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وهذه فتاة تراها تحفظ من الغناء أكثر ما تحفظ من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
6- زيارة مدينته صلى الله عليه وسلم :
زر من حببت وإن شطت بك الدار وحالت دونه حجب وأستار
لا يمنعنك بعد عن زيارته إن المحب لمن يهواه زوار
رسول الله لا تبالي :-
لا تبالي ! "إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ "[الكوثر3]، إن مبغضك هو المقطوع !"إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ "[الحجر95]، " فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" [البقرة137]، " طه . مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى " [ طه1،2] " أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ{1} وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ{2} الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ{3} وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ{4} فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{5} إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً{6} " [ الشرح : 1-5].
لا تحزن ! سيفتح الله لك قلوب الأبعدين، وسيمكنك الله من رقاب العدوين، فلا بتجهمك الأول ولا يملك أمرك الثاني، بل ستملك زمامهما رغبًا أو رهبًا، " وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً " [ النساء : 141]. "كَتَبَ اللَّهُ : لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي؛ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " [ المجادلة:21].
وختاماً :
عذراً رسول الله فلن يضر السحاب نبح الكلاب
إرسال تعليق